مِنْ مَظَاهِرِ الْإِيجَابِيَّةِ لِلْحِفَاظِ عَلَى الْأَوْطَانِ: الْعِلْمُ وَالْعَمَلُ بِعَقِيدَةِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ فِي حُقُوقِ الْحُكَّامِ


 ((مِنْ مَظَاهِرِ الْإِيجَابِيَّةِ لِلْحِفَاظِ عَلَى الْأَوْطَانِ:

الْعِلْمُ وَالْعَمَلُ بِعَقِيدَةِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ فِي حُقُوقِ الْحُكَّامِ))

* مِنْ أَعْظَمِ أُصُولِ الدِّينِ: الِاجْتِمَاعُ عَلَى الْحَقِّ، وَالِاعْتِصَامُ بِحَبْلِ اللهِ تَعَالَى:

عِبَادَ اللهِ! لَقَدْ دَلَّتِ النُّصُوصُ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ عَلَى أَنَّ مِنْ أَعْظَمِ أُصُولِ الدِّينِ: الِاجْتِمَاعَ عَلَى الْحَقِّ، وَالِاعْتِصَامَ بِحَبْلِ اللهِ تَعَالَى.

فَقَدْ قَالَ رَبُّنَا -جَلَّ وَعَلَا-: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا} [آل عمران: 103].

وَأَخْرَجَ الْآجُرِيُّ فِي ((الشَّرِيعَةِ))، وَاللَّالَكَائِيُّ فِي ((أُصُولِ الِاعْتِقَادِ)) عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: ((عَلَيْكُمْ جَمِيعًا بِالطَّاعَةِ وَالْجَمَاعَةِ؛ فَإِنَّهَا حَبْلُ اللهِ الَّذِي أَمَرَ بِهِ)).

وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ فِي ((صَحِيحِهِ)) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: ((إِنَّ اللهَ يَرْضَى لَكُمْ ثَلَاثًا وَيَكْرَهُ لَكُمْ ثَلَاثًا، فَيَرْضَى لَكُمْ أَنْ تَعْبُدُوهُ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَأَنْ تَعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا، وَيَكْرَهُ لَكُمْ: قِيلَ وَقَالَ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ، وَإِضَاعَةَ الْمَالِ)).

وَرَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي ((مُسْنَدِهِ)) عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ: ((ثَلَاثُ خِصَالٍ لَا يُغِلُّ عَلَيْهِنَّ قَلْبُ مُسْلِمٍ أَبَدًا: إِخْلَاصُ الْعَمَلِ للهِ، وَمُنَاصَحَةُ وُلَاةِ الْأَمْرِ، وَلُزُومُ الْجَمَاعَةِ، فَإِنَّ دَعْوَتَهُمْ تُحِيطُ مَنْ وَرَاءَهُمْ)). أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ أَيْضًا، وَابْنُ مَاجَه، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حَجَرٍ وَالْأَلْبَانِيُّ وَغَيْرُهُمَا.

وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى- فِي ((مَجْمُوعِ الْفَتَاوَى)): ((وَهَذِهِ الثَّلَاثُ -يَعْنِي الَّتِي مَرَّ ذِكْرُهَا فِي حَدِيثِ زَيْدٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- تَجْمَعُ أُصُولَ الدِّينِ وَقَوَاعِدَهُ، وَتَجْمَعُ الْحُقُوقَ الَّتِي للهِ وَلِعِبَادِهِ، وَتَنْتَظِمُ مَصَالِحَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ)).

وَقَالَ الْإِمَامُ الْمُجَدِّدُ -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى-: ((لَمْ يَقَعْ خَلَلٌ فِي دِينِ النَّاسِ وَدُنْيَاهُمْ إِلَّا بِسَبَبِ الْإِخْلَالِ بِهَذِهِ الثَّلَاثِ أَوْ بَعْضِهَا)).

قَالَ ذَلِكَ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّالِثَةِ مِنَ الْمَسَائِلِ الَّتِي خَالَفَ فِيهَا رَسُولُ اللهِ ﷺ أَهْلَ الْجَاهِلِيَّةِ.

وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَنْ حُذَيْفَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: كَانَ النَّاسُ يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللهِ ﷺ عَنِ الْخَيْرِ وَكُنْتُ أَسْأَلُهُ عَنِ الشَّرِّ؛ مَخَافَةَ أَنْ يُدْرِكَنِي -فَكَانَ مِنْ نُصْحِهِ ﷺ لِحُذَيْفَةَ-؛ أَنْ قَالَ لَهُ: ((تَلْزَمَ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ وَإِمَامَهُمْ)).

وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ- أَنَّهُمَا قَالَا: ((يَدُ اللهِ مَعَ الْجَمَاعَةِ)). أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ.

وَعَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: ((الْجَمَاعَةُ رَحْمَةٌ وَالْفُرْقَةُ عَذَابٌ)). أَخْرَجَهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ أَحْمَدَ فِي ((زَوَائِدِ الْمُسْنَدِ))، وَابْنُ أَبِي عَاصِمٍ فِي ((السُّنَّةِ)) بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ كَمَا قَالَ الْأَلْبَانِيُّ فِي ((تَحْقِيقِهِ عَلَى السُّنُّةِ)) لِابْنِ أَبِي عَاصِمٍ.

وَأَخْرَجَ الْآجُرِيُّ وَاللَّالَكَائِيُّ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: ((وَمَا تَكْرَهُونَ فِي الْجَمَاعَةِ خَيْرٌ مِمَّا تُحِبُّونَ فِي الْفُرْقَةِ)).

قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ -رَحِمَهُ اللهُ-: ((كَانَ يُقَالُ: خَمْسٌ كَانَ عَلَيْهَا أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ ﷺ وَالتَّابِعُونَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ: لُزُومُ الْجَمَاعَةِ، وَاتِّبَاعُ السُّنَّةِ، وَعِمَارَةُ الْمَسَاجِدِ، وَتِلَاوَةُ الْقُرْآنِ، وَالْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللهِ)) .
وَقَالَ عُمَرُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- لِسُوَيْدِ بْنِ غَفَلَةَ فِي وَصِيَّةٍ لَهُ: ((لَا تُفَارِقُ الْجَمَاعَةَ))؛ يَعْنِي: سَوَادَ الْمُسْلِمِينَ؛ لَا الْجَمَاعَةَ بِالْمَعْنَى الَّذِي ابْتَدَعَهُ أَهْلُ الْبِدَعِ وَالْأَهْوَاءِ.

أَخْرَجَه الْخَلَّالُ فِي ((السُّنَّةِ)).

وَفِي ((تَارِيخِ دِمَشْق))، وَ((سِيَرِ أَعْلَامِ النُّبَلَاءِ)): ((أَنَّ رَجُلًا كَتَبَ لِابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- أَنْ اكْتُبِ لِي الْعِلْمَ كُلَّهُ -اكْتُبِ إِلَيَّ بِالْعِلْمِ كُلِّهِ-، فَكَتَبَ إِلَيْهِ: إِنَّ الْعِلْمَ كَثِيرٌ، وَلَكِنْ إِنْ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَلْقَى اللهَ كَافَّ اللِّسَانِ عَنْ أَعْرَاضِ الْمُسْلِمِينَ، خَفِيفَ الظَّهْرِ مِنْ دِمَائِهِمْ، خَمِيصَ الْبَطْنِ مِنْ أَمْوَالِهِمْ، لَازِمًا لِجَمَاعَتِهِمْ؛ فَافْعَلْ)).

عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- أَنَّهُ جَاءَ إِلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ مُطِيعٍ حِينَ كَانَ مِنْ أَمْرِ الْحَرَّةِ مَا كَانَ زَمَنَ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ -الْحَرَّةُ: أَرْضٌ بِظَاهِرِ مَدِينَةِ رَسُولِ اللهِ ﷺ، فِيهَا حِجَارَةٌ سُودٌ كَثِيرَةٌ، وَكَانَتْ بِهَا وَقْعَةٌ فِي سَنَةِ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ مِنَ الْهِجْرَةِ.

وَسَبَبُ تِلْكَ الْوَقْعَةِ الَّتِي كَانَتْ فِي الْحَرَّةِ أَنَّ أَهْلَ الْمَدِينَةِ خَلَعُوا بَيْعَةَ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ لَمَّا بَلَغَهُمْ مَا يَعْتَمِدُهُ مِنَ الْفَسَادِ، فَأَمَّرَ الْأَنْصَارُ عَلَيْهُمْ عَبْدَ اللهِ بْنَ حَنْظَلَةَ بْنِ أَبِي عَامِرٍ، وَأَمَّرَ الْمُهَاجِرُونَ عَلَيْهُمْ عَبْدَ اللهِ بْنَ مُطِيعٍ الْعَدَوِيَّ، وَأَرْسَلَ إِلَيْهُمْ يَزِيدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ مُسْلِمَ بْنَ عُقْبَةَ فِي جَيْشٍ كَثِيرٍ؛ فَهَزَمَهُمْ، وَقُتِلَ مِنَ الْأَنْصَارِ خَلْقٌ كَثِيرٌ جِدًّا.

وَابْنُ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- ذَهَبَ إِلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ مُطِيعٍ؛ لِيُبَيِّنَ لَهُ أَنَّ مَا يَفْعَلُهُ خَطَأٌ مُخَالِفٌ لِلسُّنَّةِ، وَهُوَ خُرُوجٌ عَلَى الْحَاكِمِ، وَنَقْضٌ لِلْبَيْعَةِ، فَلَا يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ، وَاسْتَدَلَّ عَلَيْهِ بِحَدِيثِ النَّبِيِّ ﷺ.

جَاءَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ إِلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ مُطِيعٍ حِينَ كَانَ مِنْ أَمْرِ الْحَرَّةِ مَا كَانَ زَمَنَ يَزِيدَ بْن مُعَاوِيَةَ، فَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُطِيعٍ: اطْرَحُوا لِأَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ وِسَادَةً.

فَقَالَ: إِنَّي لَمْ آتِكَ لِأَجْلِسَ، أَتَيْتُكَ لِأُحَدِّثَكَ حَدِيثًا؛ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ يَقُولُ: ((مَنْ خَلَعَ يَدًا مِنْ طَاعَةٍ؛ لَقِيَ اللهَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا حُجَّةَ لَهُ، وَمَنْ مَاتَ لَيْسَ فِي عُنُقِهِ بَيْعَةٌ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً)).

((لَا حُجَّةَ لَهُ)): أَيْ لَا حُجَّةَ لَهُ فِي فِعْلِهِ، وَلَا عُذْرَ لَهُ يَنْفَعُهُ.

وَأَخْرَجَ الشَّيْخَانِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: ((مَنْ كَرِهَ مِنْ أَمِيرِهِ شَيْئًا فَلْيَصْبِرْ؛ فَإِنَّهُ مَنْ خَرَجَ مِنَ السُّلْطَانِ شِبْرًا مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً)).

قَالَ الْعُلَمَاءُ: ((مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً)): هِيَ بِكَسْرِ الْمِيمِ؛ مِيتَةً؛ أَيْ: عَلَى صِفَةِ مَوْتِ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ مِنْ حَيْثُ هُمْ فَوْضَى لَا إِمَامَ لَهُمْ)).

وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ فِي ((صَحِيحِهِ)) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: ((مَنْ خَرَجَ مِنَ الطَّاعَةِ وَفَارَقَ الْجَمَاعَةَ فَمَاتَ؛ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً)).

وَأَخْرَجَ -أَيْضًا- عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ يَقُولُ: ((مَنْ خَلَعَ يَدًا مِنْ طَاعَةٍ لَقِيَ اللهَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا حُجَّةَ لَهُ، وَمَنْ مَاتَ وَلَيْسَ فِي عُنُقِهِ بَيْعَةً مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً)).

مُفَارَقَةُ الْجَمَاعَةِ، وَمُحَاوَلَةُ تَفْرِيقِهَا مِنْ كَبَائِرِ الذُّنُوبِ.

وَالْجَمَاعَةُ: السَّوَادُ الْأَعْظَمُ؛ مَجْمُوعُ الْمُسْلِمِينَ، لَيْسَتِ الْجَمَاعَةَ مَا يُرِيدُهُ أُولَئِكَ الضُلَّالُّ مِنْ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ وَالْبِدَعِ، الَّذِينَ يُؤَمِّرُونَ وَاحِدًا مِنْهُمْ، وَيَنْعَزِلُونَ نَاحِيَةً عَنْ جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ.

وَإِنَّمَا الْجَمَاعَةُ فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ مَجْمُوعُ الْمُسْلِمِينَ وَسَوَادُهُمْ، فَمَنْ فَارَقَهُمْ، وَحَاوَلَ تَفْرِيقَهُمْ؛ فَإِنَّهُ أَتَى أَمْرًا مِنْ كَبَائِرِ الذُّنُوبِ.

وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- قَالَ: ((خَشِيتُ أَنْ أَقُولَ كَلِمَةً تُفَرِّقُ بَيْنَ الْجَمْعِ، وَتَسْفِكُ الدَّمَ، وَيُحْمَلُ عَنِّي غَيْرُ ذَلِكَ)).

مَعَ أَنَّ مَا سَيَقُولُهُ حَقٌّ، لَكِنْ لَمَّا رَجَحَتْ مَصْلَحَةُ الْإِمْسَاكِ عَلَى مَصْلَحَةِ الْكَلَامِ؛ كَفَّ لِسَانَهُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-.

فَلَيْسَ كُلُّ مَا يُعْلَمُ يُقَالُ، لَاسِيَّمَا فِي أَوْقَاتِ الْفِتَنِ.

عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ لِلْأَنْصَارِ: ((إِنَّكُمْ سَتَلْقَوْنَ بَعْدِي أَثَرَةً -أَيْ: اسْتِئْثَارًا بِالْمَالِ وَالدُّنْيَا وَالْمُلْكِ وَالْإِمَارَةِ- إِنَّكُمْ سَتَلْقَوْنَ بَعْدِي أَثَرَةً، فَاصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوْنِي وَمَوْعِدُكُمُ الْحَوْضُ)). أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ.

وَقَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: ((سَتَكُونُ بَعْدِي أَثَرَةٌ وَأُمُورٌ تُنْكِرُونَهَا)).

قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ! كَيْفَ تَأْمُرُ مَنْ أَدْرَكَ مِنَّا ذَلِكَ؟

قَالَ: ((تُؤَدُّونَ الْحَقَّ الَّذِي عَلَيْكُمْ، وَتَسْأَلُونَ اللهَ الَّذِي لَكُمْ)). أَخْرَجَاهُ فِي ((الصَّحِيحَيْنِ)).

قَالَ النَّوَوِيُّ -رَحِمَهُ اللهُ-: ((هَذَا مِنْ مُعْجِزَاتِ النُّبُوَّةِ، وَقَدْ وَقَعَ الْإِخْبَارُ مُتَكَرِّرًا، وَوُجِدَ مَخْبَرُهُ مُتَكَرِّرًا.

وَفِي الْحَدِيثِ الْحَثُّ عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ وَإِنْ كَانَ الْمُتَوَلِّي ظَالِمًا عَسُوفًا، فَيُعْطَى حَقَّهُ مِنَ الطَّاعَةِ، وَلَا يُخْرَجُ عَلَيْهِ، وَلَا يُخْلَعُ؛ بَلْ يُتَضَرَّعُ إِلَى اللهِ تَعَالَى فِي كَشْفِ أَذَاهُ، وَدَفْعِ شَرِّهِ وَإِصْلَاحِهِ)).

عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: ((مَنْ كَرِهَ مِنْ أَمِيرِهِ شَيْئًا فَلْيَصْبِرْ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ خَرَجَ مِنَ السُّلْطَانِ شِبْرًا؛ فَمَاتَ عَلَيْهِ إِلَّا مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً)). أَخْرَجَاهُ فِي ((الصَّحِيحَيْنِ)).

وَالْمُرَادُ بِـ ((خَرَجَ مِنَ السُّلْطَانِ شِبْرًا)): كِنَايَةٌ عَنْ مَعْصِيَةِ السُّلْطَانِ وَمُحَارَبَتِهِ.

وَالْمُرَادُ بِـ ((الْخُرُوجِ)): السَّعْيُ فِي حَلِّ عَقْدِ الْبَيْعَةِ الَّتِي حَصَلَتْ لِذَلِكَ الْحَاكِمِ وَلَوْ بِأَدْنَى شَيْءٍ، فَكَنَّى عَنْهَا بِمِقْدَارِ الشِّبْرِ؛ لِأَنَّ الْأَخْذَ فِي ذَلِكَ يَؤُولُ إِلَى سَفْكِ الدِّمَاءِ بِغَيْرِ حَقٍّ. 

 

المصدر: مَظَاهِرُ الْإِيجَابِيَّةِ فِي الْإِسْلَامِ

التعليقات


فوائد مفرغة قد تعجبك


  مِنْ دُرُوسِ الْإِسْرَاءِ وَالْمِعْرَاجِ: إِعْمَالُ الْعَقْلِ فِي تَوْثِيقِ النَّصِّ، ثُمَّ التَّصْدِيقُ وَالتَّسْلِيمُ
  آدَابُ الطُّرُقِ وَالْأَمَاكِنِ الْعَامَّةِ
  لَنْ تُوَفِّيَ أَبَوَيْكَ حَقَّهُمَا!!
  مِنْ أَعْظَمِ النَّفْعِ لِلْمُسْلِمِينَ: تَعْلِيمُهُمُ الْعِلْمَ النَّافِعَ
  فَضْلُ قَضَاءِ حَوَائِجِ النَّاسِ
  الْأُمُورُ الَّتِي يُسْتَمَدُّ مِنْهَا الْإِيمَانُ وَأَسْبَابُ زِيَادَتِهِ
  أَشْرَفُ الْعُلُومِ وَأَعْلَاهَا وَأَسْمَاهَا
  إِكْرَامُ ذِي الشَّيْبَةِ فِي الْإِسْلَامِ
  عَاقِبَةُ الْيَأْسِ وَالْقُنُوطِ مِنْ رَحْمَةِ اللهِ
  تَعْلِيمُ النَّبِيِّ ﷺ الْأُمَّةَ كُلَّ مَا يَنْفَعُهَا
  مِنْ حُقُوقِ الطِّفْلِ فِي الْإِسْلَامِ: الِالْتِزَامُ بِسُنَنِ النَّبِيِّ ﷺ عِنْدَ وِلَادَتِهِ
  وَإِذَا رَحِمْتَ فَأَنْتَ أُمٌّ أَوْ أَبٌ
  تَقْدِيمُ الْمَصْلَحَةِ الْخَاصَّةِ فِي حَالَاتٍ يُهْلِكُ الْجَمِيعَ!!
  إِسْهَامَاتُ الْعَمَلِ التَّطَوُّعِي فِي خِدْمَةِ الْمُجْتَمَعِ
  مِنْ أَعْظَمِ سُبُلِ مُوَاجَهَةِ إِدْمَانِ الْمُخَدِّرَاتِ: تَعْلِيمُ الشَّبَابِ سُبُلَ زِيَادَةِ الْإِيمَانِ
  • شارك