((مَخَاطِرُ الِانْحِلَالِ الْأَخْلَاقِيِّ عَلَى الْفَرْدِ وَالْمُجْتَمَعِ))
لَمَّا كَانَ خَيْرُ الْمُؤْمِنِينَ أَعْظَمَهُمْ سَهْمًا فِي حُسْنِ الْخُلُقِ، كَانَ شَرُّ النَّاسِ أَعْظَمَهُمْ سَهْمًا فِي سُوءِ الْخُلُقِ، فَعَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: ((يَا عَائِشَةُ إِنَّ مِنْ شَرِّ النَّاسِ مَنْ تَرَكَهُ النَّاسُ أَوْ وَدَعَهُ النَّاسُ اتِّقَاءَ فُحْشِهِ)). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَالْفَاحِشُ الْبَذِيءُ مَبْغُوضٌ مِنَ اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ-، فَعَنْ أُسَامَةَ بَنِ زَيْدٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: ((إنَّ اللهَ لا يُحِبُّ كلَّ فاحشٍ مُتَفَحِّشٍ)). رَوَاهُ أَحْمَد، وَحَسَّنَهُ الْأَلْبَانِيُّ فِي ((صَحِيحِ الْجَامِعِ)).
وَالْفَاحِشُ: ذُو الْفُحْشِ فِي كَلَامِهِ وَفَعَالِهِ.
وَالْمُتَفَحِّشُ: الَّذِي يَتَكَلَّفُ ذَلِكَ وَيَتَعَمَّدُهُ.
*دِينُ الْإِسْلَامِ الْعَظِيمِ هُوَ دِينُ الطَّهَارَةِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا:
إِنَّ دِينَ الْإِسْلَامِ الْعَظِيمِ هُوَ دِينُ الطَّهَارَةِ، دِينُ طَهَارَةِ الْبَاطِنِ وَالظَّاهِرِ عَلَى السَّوَاءِ، أَمَرَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ بِطَهَارَةِ الْقُلُوبِ وَالْأَرْوَاحِ وَالْأَنْفُسِ، وَأَمَرَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ بِطَهَارَةِ الْأَبْدَانِ وَالثِّيَابِ وَالْأَمْكِنَةِ، وَهُوَ دِينُ الْعِفَّةِ وَدِينُ الْعَفَافِ، يَنْفِي الْفَاحِشَةَ وَيُحَارِبُهَا وَيَسُدُّ الْمَسَالِكَ الَّتِي تُؤَدِّي إِلَيْهَا.
{قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ} [الأعراف: 33].
وَاللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ أَخْبَرَنَا عَلَى لِسَانِ نَبِيِّنَا الْأَمِينِ ﷺ عَنْ عِظَمِ فَضِيلَةِ الْحَيَاءِ، وَأَنَّ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ جَعَلَ هَذَا الْخُلُقَ خُلُقَ الْإِسْلَامِ، وَخَلَّقَ النَّبِيَّ ﷺ مِنْهُ بِالنَّصِيبِ الْأَوْفَى.
وَجَعَلَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ الْحَيَاءَ حَاجِزًا عَنِ الْوُقُوعِ فِيمَا حَرَّمَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ، وَجَعَلَ الْحَيَاءَ مِنْ خُلُقِ الْمَلَائِكَةِ الْمُطَهَّرِينَ.
وَالنَّبِيُّ ﷺ فِي وَصْفِهِ فِي خُلُقِ الْحَيَاءِ الَّذِي كَانَ عِنْدَهُ: ((أَنَّهُ كَانَ أَحْيَا مِنَ الْعَذْرَاءِ فِي خِدْرِهَا ﷺ )).
*الْإِسْلَامُ شَرَعَ السُّبُلَ الْكَامِلَةَ لِلْوِقَايَةِ مِنْ الِانْحِلَالِ الْأَخْلَاقِيِّ:
وَمِنْ ذَلِكَ:
1*نَهَى اللهُ عَنِ الزِّنَا وَمُقَدِّمَاتِهِ صِيَانَةً لِلْأَعْرَاضِ وَالْمُجْتَمَعِ:
قَالَ تَعَالَى: {وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا ۖ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا} [الإسراء: 31].
وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ قَبِيحَةً، وَبِئْسَ الزِّنَا طَرِيقًا إِلَى تَحْقِيقِ شَهَوَاتِ الْفُرُوجِ.
وَالنَّهْيُ عَنْ اقْتِرَابِ الزِّنَا أَبْلَغُ مِنَ النَّهْيِ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ نَهْيٌ عَنْ الِاقْتِرَابِ مِنْ مُقَدِّمَاتِهِ الَّتِي قَدْ تُفْضِي إِلَيْهِ كَالنَّظَرِ وَالْمُلَامَسَةِ وَالتَّقبِيلِ وَنَحْوِ ذَلِكَ.
2*وَضَرَبَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ لَنَا الْأَمْثَالَ بِأَطْهَرِ الْقُلُوبِ عَلَى الْأَرْضِ بَعْدَ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ:
فَقَالَ رَبُّنَا -جَلَّتْ قُدْرَتُهُ- فِي كِتَابِهِ الْعَظِيمِ: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ۚ ذَٰلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} [الأحزاب: 53].
وَالضَّمِيرُ هَاهُنَا: يَعُودُ إِلَى الْأَصْحَابِ –أَصْحَابِ النَّبِيِّ الْكَرِيمِ ﷺ وَإِلَى أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ، وَإِذَا سَأَلْتُمْ يَا أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ، {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ} أَيْ: سَأَلْتُمْ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ {مَتَاعًا} فِيمَا يَكُونُ مِنْ أَوَانِي الدُّنْيَا الَّتِي تُسْتَعْمَلُ فِي حَاجَاتِهَا.
{وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ}: مِنْ غَيْرِ رُؤْيَةٍ، وَإِنَّمَا هُوَ سُؤَالٌ هَكَذَا عَلَى صَوْتٍ يُسْمَعُ وَإِجَابَةٍ تَأْتِي بِلَا مَزِيدٍ، {ذَٰلِكُمْ}: يَعْنِي ذَلِكُمُ السُّؤَالَ عَلَى ذَلِكَ النَّحْوِ الْمَذْكُورِ؛ بِالسُّؤَالِ صَوْتًا مِنْ غَيْرِ رُؤْيَةٍ وَلَا دُخُولٍ، {أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ} يَا أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ، {وَقُلُوبِهِنَّ} يَا أَزْوَاجَ النَّبِيِّ الْأَمِينِ.
فَهَذِهِ أَطْهَرُ الْقُلُوبِ طُرًّا؛ وَمَعَ ذَلِكَ أَمَرَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ عِنْدَ السُّؤَالِ بِهَذَا الِاحْتِرَازِ الْمَتِينِ؛ لِأَنَّهُنَّ قُدْوَةٌ وَأُسْوَةٌ لِسَائِرِ النِّسَاءِ، وَكَذَلِكَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ ﷺ قُدْوَةٌ وَأُسْوَةٌ لِسَائِرِ الرِّجَالِ مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ ﷺ.
3*أَمَرَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ النِّسَاءَ بِعَدَمِ الْخُضُوعِ بِالْقَوْلِ:
يَقُولُ رَبُّنَا -جَلَّتْ قُدْرَتُهُ- فِي حَقِّ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ –رَضِيَ اللهُ عَنْهُنَّ-: {يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاءِ ۚ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَّعْرُوفًا} [الأحزاب: 32].
فَأَخْبَرَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ نِسَاءَ النَّبِيِّ الْأَمِينِ ﷺ أَنَّهُنَّ لَسْنَ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْنَ اللهَ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-، {فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ}: بِاللِّينِ فِيهِ وَتَرْقِيقِ النَّبْرَةِ، فَنَهَى اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ عَنِ الْخُضُوعِ بِالْقَوْلِ؛ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ.
4*التَّحْذِيرُ مِنَ الِاخْتِلَاطِ:
قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: ((إِيَّاكُمْ وَالدُّخُولَ عَلَى النِّسَاءِ)).
قَالَ: فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ: أَفَرَأَيْتَ الْحَمْوَ؟
قَالَ: ((الْحَمْوُ الْمَوْتُ)).
وَالْحَمْوُ: أَقَارِبُ الزَّوْجِ مِمَّنْ لَيْسَ بِمَحْرَمٍ لِلزَّوْجَةِ، فَإِنَّ أُصُولَ الزَّوْجِ وَإِنْ عَلَتْ؛ هُمْ مِنَ الْمَحَارِمِ، وَكَذَلِكَ فُرُوعُهُ وَإِنْ سَفُلُوا؛ هُمْ مِنَ الْمَحَارِمِ، وَأَمَّا الْحَوَاشِي؛ فَمِنَ الْأَجَانِبِ عَنِ الْمَرْأَةِ؛ كَالْأَخِ وَابْنِ الْأَخِ، وَكَذَلِكَ مَا يَتَأَتَّى بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْخُلُونَ مِنْ أَقَارِبِ الزَّوْجِ عَلَى الْمَرْأَةِ.
فَقَالَ: ((الْحَمْوُ الْمَوْتُ)): أَيْ كَمَا يَنْبَغِي عَلَيْكَ أَنْ تَفِرَّ مِنْ أَسْبَابِ الْمَوْتِ إِذَا مَا رَأَيْتَهَا نَازِلَةً عَلَيْكَ، فَكَذَلِكَ يَنْبَغِي عَلَيْكَ أَنْ تَفِرَّ مِنَ الْجَمْعِ بَيْنَ نِسَائِكَ وَأَقَارِبِكَ مِنَ الرِّجَالِ مِمَّنْ لَمْ تَثْبُتْ لَهُمُ الْمَحْرَمِيَّةُ.
فَجَعَلَ النَّبِيُّ ﷺ هَذَا السِّتْرَ مَضْرُوبًا لِعَفَافٍ وَعِفَّةٍ وَطُهْرٍ وَطَهَارَةٍ، فَأَمَّا إِذَا مَا رُفِعَ؛ فَحِينَئِذٍ يَتَأَتَّى الْفُحْشُ وَالْفَاحِشَةُ، وَلَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَثِقَ بِنَفْسِهِ فِي أَمْثَالِ هَذِهِ الْأُمُورِ كَائِنًا مَا كَانَ أَمْرُهُ، فَإِنَّ أَسْبَابَ الْغِوَايَةِ لَا تَنْضَبِطُ، وَإِنَّ الْمَخْذُولَ لَمَنْ خَذَلَهُ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ، وَالْمَرْءُ إِذَا تَلَوَّثَتْ صَفْحَتُهُ بِالْوُقُوعِ فِي الزِّنَا وَالتَّوَرُّطِ فِي الْفَاحِشَةِ؛ فَقَدْ تَلَوَّثَ.
وَالنَّبِيُّ ﷺ يَمْنَعُ مِنْ هَذَا الِاخْتِلَاطِ عَلَى هَذَا النَّحْوِ، وَكَثِيرٌ مِنَ الْخَلْقِ يَتَسَاهَلُونَ، فَلَا يَلُومَنَّ امْرُؤٌ إِلَّا نَفْسَهُ.
5*أَمَرَ اللهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَضِّ الْبَصَرِ، وَحَرَّمَ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- النَّظَرَ إِلَى الْعَوْرَاتِ الْمَكْشُوفَةِ فِي الشَّوَارِعِ أَوِ التِّلْفَازِ أَوِ الْمَجَلَّاتِ:
قَالَ رَبُّنَا -جَلَّتْ قُدْرَتُهُ-: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ}، يَعْنِي: إِذَا أَتَتْ نَظْرَةُ الْفَجْأَةِ فَاصْرِفْ بَصَرَكَ، وَهَذَا وَاجِبٌ وَفَرْضٌ.
{وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ }، قَوْلًا وَاحِدًا؛ فَهَذَا لَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ تَبْعِيضٍ، وَإِنَّمَا هُوَ كُلٌّ يٌؤْتَى بِهِ كُلًّا مِنْ غَيْرِ تَفْرِيطٍ.
{وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ}، ثُمَّ {إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ}، يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ.
وَالنَّبِيُّ ﷺ قَدْ أَخْبَرَ أَنَّ الْعَيْنَيْنِ تَزْنِيَانِ كَمَا فِي الْحَدِيثِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- عَنِ النَّبِيِّ ﷺ: قَالَ: ((الْعَيْنَانِ تَزْنِيَانِ، وَزِنَاهُمَا النَّظَرُ)).
تَحْسَبُ أَنَّ النَّظَرَ إِذَا مَا سُرِّحَ فِي مَحَارِمِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ نَظَرًا؛ فِي صُورَةٍ صَامِتَةٍ مَطْبُوعَةٍ، أَوْ صُورَةٍ نَاطِقَةٍ مُشَاهَدَةٍ مُبْصَرَةٍ، تَظُنُّ أَنَّ ذَلِكَ مِمَّا كَنَزْتَهُ لِنَفْسِكَ دُنْيَا وَآخِرَةً، وَأَنَّ ذَلِكَ مِمَّا حَصَّلْتَهُ لَكَ ذُخْرًا، وَأَنَّ ذَلِكَ مِمَّا قَدْ حُزْتَهُ لَدَيْكَ كَنْزًا مَكْنُوزًا؟!
وَاهِمٌ أَنْتَ يَا صَاحِبِي!!
وَأَمَرَ الْمُؤْمِنَاتِ بِذَلِكَ؛ أَنْ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ، وَأَنْ يَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ.
6*نَهْيُ النَّبِيِّ الشَّدِيدُ وَوَعِيدُهُ الْأَكِيدُ أَنْ تَخْرُجَ النِّسَاءُ مُتَعَطِّرَاتٍ:
ذَكَرَ النَّبِيُّ الْكَرِيمُ ﷺ أَنَّ الْمَرْأَةَ إِذَا اسْتَعْطَرَتْ –أَيْ، مَسَّتْ عِطْرًا- وَخَرَجَتْ، فَكُلُّ عَيْنٍ تَنْظُرُ إِلَيْهِ زَانِيَةٌ؛ وَالْمَرْأَةُ إِذَا مَسَّتْ طِيبًا فَلَا يَحِلُّ لَهَا أَنْ تَذْهَبَ إِلَى الْمَسْجِدِ، يَقُولُ النَّبِيُّ ﷺ: ((فَهِيَ زَانِيَةٌ، وكُلُّ عَيْنٍ تَنْظُرُ إِلَيْهَا زَانِيَةٌ)).
7*حَرَّمَ النَّبِيُّ ﷺ عَلَى النِّسَاءِ أَنْ يَلْبَسْنَ لِبَاسَ فِتْنَةٍ وَتَبَرُّجٍ:
أَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ –رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى- بِسَنَدٍ صَحِيحٍ نَظِيفٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَنْهُ- عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: ((لَعَنَ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- مَنْ لَبِسَ لِبْسَةَ النِّسَاءِ مِنَ الرِّجَالِ، وَمَنْ لَبِسَتْ لِبْسَةَ الرِّجَالِ مِنَ النِّسَاءِ)) فِي مَعْنَى مَا قَالَ ﷺ.
فَكُلُّ امْرَأَةٍ تَتَّخِذُ الْبِنْطَالَ ثَوْبًا؛ فَهَذِهِ مَلْعُونَةٌ بِلَعْنَةِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
فَالنَّبِيَّ ﷺ لَعَنَ الْمَرْأَةَ الَّتِي تَتَّخِذُ لِبْسَةَ الرِّجَالِ، وَالْبِنْطَالُ مِنْ لِبَاسِ الرِّجَالِ كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ، فَأَيُّمَا امْرَأَةٍ اتَّخَذَتْ ذَلِكَ ثَوْبًا وَلِبَاسًا فَهِيَ مَلْعُونَةٌ بِلَعْنَةِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
قَالَ ﷺ: ((كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، الرَّجُلُ فِي بَيْتِهِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ)).
وَيَقُولُ النَّبِيُّ ﷺ: ((صِنْفَانِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَمْ أَرَهُمَا -يَعْنِي لَمْ يَكُنْ لِهَذَيْنِ الصِّنْفَيْنِ مِنْ وُجُودٍ فِي زَمَنِ رَسُولِ اللهِ ﷺ، وَذَكَرَ: ((وَنِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ مُمِيلَاتٌ مَائِلَاتٌ، رُءُوسُهُنَّ كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ الْمَائِلَةِ، لَا يَدْخُلْنَ الْجَنَّةَ وَلَا يَجِدْنَ رِيحَهَا، وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ كَذَا وَكَذَا)).
((وَنِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ)): حَتَّى وَلَوْ كَانَتْ قَدْ جَعَلَتِ السِّدَالَ قَائِمًا، فَلَا يُبْصَرُ مِنْهَا شَيْءٌ، كَاسِيَةٌ عَارِيَةٌ مِنَ التَّقْوَى بَاطِنًا؛ فَهِيَ دَاخِلَةٌ، أَوْ هِيَ كَاسِيَةٌ بِشُفُوفٍ تَشِفُّ وَثِيَابٍ تَصِفُ، ثُمَّ هِيَ كَاسِيَةٌ عَارِيَةٌ فِي آنٍ وَاحِدٍ، قَوْلَانِ لِأَهْلِ الْعِلْمِ.
يَقُولُ النَّبِيُّ ﷺ: ((مُمِيلَاتٌ مَائِلَاتٌ)): تُمِيلُ بِالْخَنَا، فَهِيَ مَائِلَةٌ عَنِ الْحَقِّ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا، ((مُمِيلَاتٌ مَائِلَاتٌ، رُءُوسُهُنَّ كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ)): وَالبُخْتُ: إِبِلٌ لَهَا سَنَامٌ يَمِيلُ بِقِمَّةِ الشَّعْرِ فِيهِ نَاحِيَةً، وَكَذَلِكَ تَجِدُ الْمَرْأَةَ مِنْ هَؤُلَاءِ كَاسِيَةً عَارِيَةً، تَخْرُجُ بِثِيَابٍ إِلَى الْأَجَانِبِ مِنْ غَيْرِ الْمَحَارِمِ مِمَّنْ لَا يَجُوزُ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى شَيْءٍ مِنْهَا قَطُّ.
وَعَلَى الْمَرْأَةِ الَّتِي آمَنَتْ بِرَبِّهَا وَسَتَرَتْ جَسَدَهَا أَنْ تَتَّقِيَ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ، فَلَا تَتَبَرَّجَ بِحِجَابِهَا، فَهَذَا شَيْءٌ شَائِنٌ لَا يَلِيقُ، وَالْحِجَابُ الْآنَ قَدْ تَبَرَّجَ، نَعَمْ صَارَ الْحِجَابُ يَحْتَاجُ حِجَابًا، فَقَدْ تَبَرَّجَ الْحِجَابُ!!
*اتَّقِ اللهَ فِي نَفْسِكَ وَاتَّقِ فِتْنَةَ النِّسَاءِ، وَكَمَا تَدِينُ تُدَانُ:
فَعَلَى الْمَرْءِ أَنْ يَكُونَ وَاعِيًا وَعَلَى الْمُسْلِمِ -وَعَلَى الْمُسْلِمَةِ أَيْضًا- أَنْ يَعْرِفَ طَرِيقَهُ إِلَى رَبِّهِ، فَالْحَيَاةُ مُنْقَضِيَةٌ أَيُّهَا الْأَحِبَّةُ، مُنْقَضِيَةٌ، ثُمَّ هِيَ لَيْسَتْ عَلَى الشَّبَابِ تَدُومُ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ مَنْ تَوَرَّطَ فِي تِلْكَ الشَّهَوَاتِ عُوقِبَ دُنْيَا وَآخِرَةً إِنْ لَمْ تَصِحَّ تَوْبَتُهُ وَيَعُودُ إِلَى اللهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ، فَلَا بُدَّ أَنْ يُعَاقَبَ وَالْجَزَاءُ مِنْ جِنْسِ الْعَمَلِ كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ الْحَكِيمُ:
مَنْ يَزْنِ فِي امْرَأَةٍ بِأَلْفَيْ دِرْهَمٍ *** فِي بَيْتِهِ يُـزْنَى بِغَيْرِ الدِّرْهَمِ
إِنَّ الزِّنَا دَيْنٌ فَإِنْ أَسْلَفْتَهُ *** كَانَ الْوَفَا مِنْ أَهْلِ بَيْتِكَ فَاعْلَمِ
وَالْمَرْأَةُ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: هِيَ أَشَدُّ فِتْنَةٍ تُرِكَتْ قَطُّ بَعْدَ النَّبِيِّ –صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَأَشَدُّ خَطَرًا عَلَى الرِّجَالِ، ((مَا تَرَكْتُ فِتْنَةً هِيَ أَشَدُّ خَطَرًا عَلَى الرِّجَالِ مِنَ النِّسَاءِ)).
المصدر: مَخَاطِرُ التَّطَرُّفِ الْفِكْرِيِّ وَالِانِفْلَاتِ الْأَخْلَاقِيِّ