تَسَلُّطُ أَعْدَاءِ اللهِ وَتَمَكُّنُهُمْ مِنْ أُمَّةِ الْإِسْلَامِ الْعَظِيمِ.
فَمَنْ ذَا الَّذِي يَرْضَى لِنَفْسِهِ وَيَرْضَى لِغَيْرِهِ تِلْكَ الْأُمُورَ؟!!
الْإِرْهَابُ مُحَرَّمٌ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ بِشَتَّى صُوَرِهِ، بَلْ لَعَلَّهُ لَمْ تُوجَدْ قَضِيَّةٌ مُعَاصِرَةٌ يَكُونُ عَلَيْهَا مِنَ الْإِجْمَاعِ مِثْلُ الْإِجْمَاعِ عَلَى حُرْمَةِ أَعْمَالِ الْإِرْهَابِ، وَعَلَى ذَلِكَ فَلَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَيَقْتَدِي بِأَفْضَلِ الْخَلْقِ مُحَمَّدٍ ﷺ.. أَنْ يُغَامِرَ بِنَفْسِهِ وَدِينِهِ إِلَى حَافَّةِ الْهَاوِيَةِ وَمَصِيرِ الْهَلَاكِ.
الْإِسْلَامُ بَرِيءٌ مِنَ الْإِرْهَابِ، بَلْ إِنَّ الْإِسْلَامَ يَرَى الْإِرْهَابَ عَارِضًا قَدْ عَرَضَ، وَمَرَضًا خَبِيثًا قَدْ نَزَلَ، ابْتُلِيَتْ بِهِ هَذِهِ الْأُمَّةُ فِي أَخْلَاقِهَا، وَمَزَّقَ كَلِمَتَهَا، وَشَتَّتَ شَمْلَهَا، وَأَفْسَدَ أَمْنَهَا، وَقَدِ اتَّخَذَ الْإِسْلَامُ جَمِيعَ الْوَسَائِلِ الْمُمْكِنَةِ لِلْوِقَايَةِ مِنَ الْإِرْهَابِ قَبْلَ وُقُوعِهِ، وَلِلْعِلَاجِ إِذَا مَا وَقَعَ.
الْعِلَاجُ الْإِسْلَامِيُّ لِلتَّطَرُّفِ وَالْعُنْفِ وَالْإِرْهَابِ قَدْ سَبَقَ بِهِ الْإِسْلَامُ جَمِيعَ الْأُمَمِ، وَنَصَّ عَلَى حِفْظِ حَيَاةِ الْإِنْسَانِ، وَحِمَايَةِ عِرْضِهِ وَمَالِهِ وَدِينِهِ وَعَقْلِهِ، مِنْ خِلَالِ حُدُودٍ وَاضِحَةٍ مَنَعَ الْإِسْلَامُ مِنْ تَجَاوُزِهَا.
{وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [البقرة: 229]، وَهَذَا تَوْجِيهٌ لِعُمُومِ الْبَشَرِ، وَتَحْقِيقًا لِهَذَا التَّكْرِيمِ مَنَعَ الْإِسْلَامُ بَغْيَ الْإِنْسَانِ عَلَى أَخِيهِ الْإِنْسَانِ، وَحَرَّمَ كُلَّ عَمَلٍ يُلْحِقُ الظُّلْمَ بِهِ.
وَقَالَ تَعَالَى: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ} [الأعراف: 33].
وَشَنَّعَ عَلَى الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّاسَ فِي أَرْجَاءِ الْأَرْضِ، وَلَمْ يُحَدِّدْ ذَلِكَ بِدِيَارِ الْمُسْلِمِينَ؛ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِذَا تَوَلَّىٰ سَعَىٰ فِي الْأَرْضِ}، وَلَمْ يُحَدِّدْ بِأَنَّهَا أَرْضُ الْإِسْلَامِ وَأَرْضُ الْمُسْلِمِينَ.
وَإِنَّمَا قَالَ تَعَالَى: {وَإِذَا تَوَلَّىٰ سَعَىٰ فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ (205) وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ ۚ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ ۚ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ} [البقرة: 205-206].
أَمَرَ الْإِسْلَامُ بِالِابْتِعَادِ عَنْ كُلِّ مَا يُثِيرُ الْفِتَنَ بَيْنَ النَّاسِ، وَحَذَّرَ مِنْ مَخَاطِرِ ذَلِكَ؛ فَقَالَ سُبْحَانَهُ: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَّا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنكُمْ خَاصَّةً ۖ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [الأنفال: 25].
جَعَلَ الْإِسْلَامُ وِقَايَاتٍ تَقِي الْمُجْتَمَعَ مِنْ هَذَا الْإِرْهَابِ.. مِنْ هَذَا الْغُولِ الَّذِي يَفْتِكُ بِأَمْنِ الْمُسْلِمِينَ وَيُدَمِّرُ سَعَادَتَهُمْ وَاسْتِقْرَارَهُمْ فِي أَوْطَانِهِمْ، وَبِالتَّالِي يَصْرِفُهُمْ عَنْ دِينِهِمْ وَعِبَادَةِ رَبِّهِمْ، وَاتِّبَاعِ سُنَّةِ نَبِيِّهِمْ ﷺ.
فَمِنْ وَسَائِلِ الْوِقَايَةِ مِنَ الْإِرْهَابِ:
أَنَّ اللهَ حَرَّمَ الظُّلْمَ وَأَوْجَبَ الْعَدْلَ، وَجَعَلَ ذَلِكَ أَسَاسَ الِاجْتِمَاعِ، وَتَوَعَّدَ الظَّالِمِينَ بِعِقَابٍ شَدِيدٍ، حَتَّى إِنَّ اللهَ -تَعَالَى- يَقْتَصُّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِلْبَهَائِمِ بَعْضِهَا مِنْ بَعْضٍ، فَيَقْتَصُّ لِلشَّاةِ الْجَلْحَاءِ مِنَ الشَّاةِ الْقَرْنَاءِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
أَوْجَبَ اللهُ نَشْرَ الْعِلْمِ الصَّحِيحِ الَّذِي يُزِيلُ الْغَبَشَ، وَيَمْنَعُ الِانْحِرَافَ، وَكِثيٌر مِمَّا تَرَاهُ الْآنَ مِنْ مَظَاهِرِ الْإِرْهَابِ وَالْقَتْلِ وَالتَّفْجِيرِ وَالتَّدْمِيرِ وَالتَّكْفِيرِ.. كُلُّهُ بِسَبَبِ الْجَهْلِ وَسُوءِ الْفَهْمِ، كَمَا وَقَعَ مِنَ الْخَوَارِجِ؛ ((يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ)) ، فَأَنَّى يَفْهَمُونَ؟!
وَالْخَوَارِجُ الْمُحْدَثُونَ كَالْخَوَارِجِ الْمُتَقَدِّمِينَ حَذْوَ النَّعْلِ بِالنَّعْلِ: ((يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ)).
أَوْجَبَ طَاعَةَ وُلَاةِ الْأُمُورِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَحَرَّمَ الْخُرُوجَ عَلَيْهِمْ مَا لَمْ يُظْهِرُوا كُفْرًا بَوَاحًا بَيِّنًا عِنْدَ النَّاسِ مِنَ اللهِ عَلَيْهِ بُرْهَانٌ.
وَأَيْضًا لَمْ يَشْرَعْ ذَلِكَ الْخُرُوجَ إِلَّا بِإِعْدَادِ الْعُدَّةِ، وَإِلَّا فَإِنَّهُ يَكُونُ مَمْنُوعًا عَلَى الْأَصْلِ.
الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ رَكَّزَا فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ عَلَى أَنَّ الْإِسْلَامَ دِينُ الرَّحْمَةِ، دِينُ الْإِحْسَانِ، وَتِلْكَ نَقِيضَةُ الْإِرْهَابِ:
{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ} [الأنبياء: 107].
{وَأَحْسِنُوا ۛ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [البقرة: 195].
وَفِيمَا وَصَفَ بِهِ رَسُولَهُ ﷺ: {فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَىٰ آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُوا بِهَٰذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا} [الكهف: 6]؛ أَيْ: لَعَلَّكَ مُهْلِكٌ نَفْسَكَ مِنْ أَجْلِ أَنْ يَهْتَدُوا.
فَتَأَمَّلْ فِي وَصْفِ الرَّسُولِ، وَتَأَمَّلْ فِيمَا عَلَيْهِ الْقَوْمُ:
حِرْصُهُمْ عَلَى الْقَتْلِ!
حِرْصُهُمْ عَلَى الْإِبَادَةِ!
حِرْصُهُمْ عَلَى الِاسْتِئْصَالِ!
وَأَمَّا الرَّسُولُ فَيُعَاتِبُهُ رَبُّهُ لِشَدِيدِ حُزْنِهِ، وَعَظِيمِ هَمِّهِ لِعَدَمِ اهْتِدَاءِ قَوْمِهِ -صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ-.
النَّبِيُّ ﷺ أَمَرَ قُوَّادَهُ وَشَدَّدَ عَلَيْهِمْ -فِي وَصِيَّتِهِ لِقَادَةِ الْجُيُوشِ- أَلَّا يَقْتُلُوا شَيْخًا كَبِيرًا، وَلَا امْرَأَةً، وَلَا صَبِيًّا، وَلَا رَاهِبًا، وَلَا عَابِدًا.
وَلَمَّا رَأَى النَّبِيُّ ﷺ -كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ- امْرَأَةً مَقْتُولَةً غَضِبَ، وَقَالَ: ((مَا كَانَتْ هَذِهِ لِتُقَاتِلَ))؛ أَيْ: لَمْ تُقَاتِلْ هَذِهِ، فَلِمَ تُقْتَلُ؟! وَلَا يَحِلُّ قَتْلُهَا بِحَالٍ، لَمْ تَكُنْ مُحَارِبَةً، فَعَاتَبَهُمْ فِي قَتْلِهَا.
حَرَّمَ الْإِسْلَامُ كُلَّ مَا يُغَذِّي الْإِرْهَابَ وَيَنْشُرُهُ مِنْ مَدْحِ الْمُجْرِمِينَ، وَإِضْفَاءِ صِفَةِ الشَّرْعِيَّةِ عَلَى جَرَائِمِهِمْ، كَوَصْفِ فِعْلِهِمْ بِأَنَّهُ جِهَادٌ فِي سَبِيلِ اللهِ، وَوَصْفِهِمْ بِأَنَّهُمْ مِنَ الْمُجَاهِدِينَ، كَمَا تَسْمَعُهُ فِي كَثِيرٍ مِنْ وَسَائِلِ الْإِعْلَامِ الَّتِي تُحَارِبُهُمْ، يَقُولُ: مِنَ الْجِهَادِيِّينَ!
يُجَاهِدُونَ الْإِسْلَامَ، أَمْ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ الْإِسْلَامِ؟!
أَيُّ جِهَادٍ هَذَا؟!
هَذَا إِرْهَابٌ، هَذَا عُنْفٌ لَمْ يَشْرَعْهُ اللهُ وَلَا رَسُولُهُ ﷺ.
وَأَمَّا الْمُسْلِمُونَ الْمُتَّبِعُونَ، فَقَدْ أَمَرَهُمُ اللهُ أَنْ يَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى، وَلَا يَتَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ، كَنَشْرِ الْإِرْهَابِ بِالْإِشَاعَةِ، وَتَخْوِيفِ النَّاسِ وَتَفْزِيعِهِمْ، فَإِنَّ ذَلِكَ مِمَّا يَنْشُرُ الْإِرْهَابَ، وَيَجْعَلُهُ مَقْبُولًا فِي الْمُجْتَمَعِ الْإِسْلَامِيِّ، وَيُعَظِّمُ أَثَرَهُ عَلَى عَامَّةِ النَّاسِ.
عَالَجَ الْإِسْلَامُ الْإِرْهَابَ بِعِلَاجٍ حَاسِمٍ، آخِرُ الطِّبِّ الْكَيُّ، فَشَرَعَ حَدَّ الْحِرَابَةِ، هُوَ حَدٌّ شَرَعَهُ اللهُ -تَعَالَى- لِلْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ، وَلِلْقَضَاءِ عَلَى جَرِيمَةِ الْإِفْسَادِ فِي الْأَرْضِ، الَّتِي تُرَوِّعُ الْأَبْرِيَاءَ وَتَقْتُلُهُمْ، وَتُخِيفُ سُبُلَهُمْ، وَتُضْعِفُ أَمْنَهُمْ، وَتُفَجِّرُ دُورَهُمْ وَمُنْشَآتِهِمْ، وَتُبَدِّدُ ثَرْوَاتِهِمْ، وَتُضَيِّعُ أَوْطَانَ الْمُسْلِمِينَ، فَشَرَعَ لِذَلِكَ كُلِّهِ حَدًّا، آخِرُ الطِّبِّ الْكَيُّ.
{إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلَافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الْأَرْضِ} [المائدة: 33].
وَهَذِهِ الْعُقُوبَاتُ الَّتِي ذَكَرَهَا -تَعَالَى- فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ هِيَ عَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ: