((فَوَائِدُ مِنْ دَوْرَةِ الْإِمَامِ الطَّبَرِيِّ -رَحِمَهُ اللهُ-))
شَرْحُ كِتَابِ ((الْكَلِمِ الطَّيِّبِ))
لِشَيْخِ الْإِسْلَامِ ابْنِ تَيْمِيَّةَ -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى-
لِلشَّيْخِ أَبِي عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيد رَسْلَان -حَفِظَهُ اللهُ-.
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ.
وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ, وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ﷺ.
أَمَّا بَعْدُ:
فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ ﷺ، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.
أَمَّا بَعْدُ:
فَهَذِهِ -بِفَضْلِ اللهِ وَرَحْمَتِهِ- مَجْمُوعَةٌ مِنْ فَوَائِدِ الدَّوْرَةِ الْعِلْمِيَّةِ الْعَاشِرَةِ -دَوْرَةِ الْإِمَامِ الطَّبَرِيِّ -رَحِمَهُ اللهُ- وَالَّتِي يَشْرَحُ فِيهَا شَيْخُنَا الْعَلَّامَةُ مُحَمَّد بْنُ سَعِيد رَسْلَان -حَفِظَهُ اللهُ- كِتَابَ ((الْكَلِمِ الطَّيِّبِ)) لِشَيْخِ الْإِسْلَامِ ابْنِ تَيْمِيَّةَ -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى-.
وَهَذِهِ مَجْمُوعَةٌ مِنَ الْفَوَائِدِ وَالدُّرَرِ الرَّائِعَةِ مِنْ هَذِهِ الدَّوْرَةِ الْمُبَارَكَةِ، وَمَا تَرَكْنَا مِنَ الْفَوَائِدِ وَالدُّرَرَ أَضْعَافَ أَضْعَافِ مَا جَمَعْنَا، نَسْأَلُ اللهَ أَنْ يَجْزِيَ الشَّيْخَ خَيْرَ الْجَزَاءِ وَأَنْ يَحْفَظَهُ، وَأَنْ يُوَفِّقَ الْقَائِمِينَ عَلَى دَعْوَةِ الشَّيْخِ لِتَفْرِيغِ الدَّوْرَةِ؛ لِيَعُمَّ النَّفْعُ وَالْخَيْرُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ.
1*((مَعْنَى الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عَلَى النَّبِيِّ –صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-))
أَحْسَنُ مَا قِيلَ فِيهِ: قَوْلُ أَبِي الْعَالِيَةِ: ((صَلَاةُ اللهِ عَلَى رَسُولِهِ ثَنَاؤُهُ عَلَيْهِ عِنْدَ الْمَلَائِكَةِ فِي الْمَلَأِ الْأَعْلَى، وَصَلَاةُ الْمَلَائِكَةِ الدُّعَاءُ)). وَقَدْ رَوَى أَثَرَهُ الْبُخَارِيُّ –رَحِمَهُ اللهُ-، وَذَكَرَهُ مُعَلَّقًا فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْأَحْزَابِ.
((وَسَلَّمَ)): فِيهَا السَّلَامَةُ مِنَ الْآفَاتِ.
فَاللهُ –جَلَّ وَعَلَا- يُحَقِّقُ لِنَبِيِّهِ الْخَيْرَاتِ -وَمِنْهَا الثَّنَاءُ فِي الْمَلَأِ الْأَعْلَى-، وَالسَّلَامَةَ مِنَ الْآفَاتِ.
2*الذَّاكِرُ للهِ كَثِيرًا: مَنْ يَكَادُ لَا يَخْلُو مِنْ ذِكْرِ اللهِ بِقَلْبِهِ أَوْ بِلِسَانِهِ أَوْ كِلَيْهِمَا مَعًا.
3*الْحَمْدُ للهِ كَلِمَةُ كُلِّ شَاكِرٍ.
((الْعِنَايَةُ بِهَذَا الْأَصْلِ الْكَبِيرِ -بِذِكْرِ اللهِ-))
4*عَلَيْنَا أَنْ نَجْتَهِدَ فِي أَنْ نُولِي هَذَا الْأَصْلَ الْأَصِيلَ -وَهُوَ ذِكْرُ اللهِ- مَزِيدَ الْعِنَايَةِ.
5*أَعْظَمُ الْمُجَاهِدِينَ أَجْرًا أَكْثَرُهُمْ فِي الْجِهَادِ للهِ ذِكْرًا.
6*فَلْنَحْرِصْ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ -وَهُوَ ذِكْرُ اللهِ-، وَلْنَتَعَلَّمْهُ، وَلِنَجَعَلْهُ حَيَاةَ قُلُوبِنَا وَرُوحَ أَفْئِدَتِنَا.
7*وَقَد ذَكَرَ الإِمَامُ العَلَّامَةُ ابنُ القَيِّمِ –رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- فِي كِتَابِهِ العَظِيم ((الوَابِلُ الصَّيِّبُ)) كَثِيرًا مِنَ فَوائِدِ الذِّكرِ مِنهَا:
الأُولَى: أَنَّ الذِّكرَ يَطرُدُ الشَّيطَانَ وَيَقمَعُهُ وَيَكسَرُهُ.
الثَّانِيَةُ: أَنَ الذِّكرَ يُرضِي الرَّحمَنَ -عَزَّ وَجَلَّ-.
الثَّالِثَةُ: أَنَّ الذِّكرَ يُزِيلُ الهَمَّ وَالغَمَّ عَن القَلب, وَيَجلِبُ لِلقَلبِ الفَرَحَ وَالسُّرُورَ وَالنَّشَاطَ.
الرَّابِعَةُ: أَنَّهُ يُقَوِّي القَلبَ وَالبَدَنَ.
الخَامِسَةُ: أَنَّهُ يُنَوِّرُ الوَجهَ وَالقَلبَ.
السَّادِسَةُ: أَنَّ الذِّكرَ يَجلِبُ الرِّزقَ.
السَّابِعَةُ: أَنَّهُ يَكسُو الذَّاكِرَ المَهَابَةَ وَالحَلَاوَةَ وَالنَّضرَةَ.
الثَّامِنَةُ: أَنَّهُ يُورِثُ المَحَبَّةَ الَّتِي هِيَ رُوحُ الإِسلَامِ, وَقُطبُ رَحَى الدِّين, وَمَدَارُ السَّعَادَةِ وَالنَّجَاةِ.
التَّاسِعَةُ: أَنَّ الذِّكرَ يُورِثُ المُرَاقَبَةَ حَتَّى يَدخُلَ فِي بَابِ الإِحسَان، فَيَعبُدَ اللَّهَ كَأَنَّهُ يَرَاهُ، وَلَا سَبِيلَ لِلغَافِلِ عَن الذِّكرِ إِلَى مَقَامِ الإِحسَان.
العَاشِرَةُ – مِن فَوَائدِ الذِّكرِ-: أَنَّهُ يُورِثُ الإِنَابَةَ وَالرُّجُوعَ إِلَى اللَّهِ –جَلَّ وَعَلَا-.
الحَادِيَةَ عَشرَةَ: أَنَّ الذِّكرَ يُورِثُ القُربَ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى، فَعَلَى قَدرِ ذِكرِ اللَّهِ تَعَالَى يَكُونُ القُربُ مِنهُ، وَعَلَى قَدرِ الغَفلَةِ عَن الذِّكرِ يَكُونُ بُعْدُ العَبدِ عَن رَبِّهِ.
الثَّانِيَةَ عَشرَةَ: أَنَّهُ يَفتَحُ لَهُ بَابًا عَظِيمًا مِن أَبوَابِ المَعرِفَة، وَكُلَّمَا أَكثَرَ مِنَ الذِّكرِ؛ ازدَادَ مِنَ المَعرِفَةِ.
الثَّالِثَةَ عَشرَةَ: أَنَّهُ يُورِثُ الهَيبَةَ لِرَبِّهِ وَإِجلَالَهِ، لِشِدَّةِ استِيلَاءِ الذِّكرِ عَلَى قَلبِهِ وَحُضُورِ العَبْدِ مَعَ رَبِّهِ، بِخِلَافِ الغَافِل فَإِنَّ حِجَابَ الهَيبَةِ رَقِيقٌ فِي قَلبِهِ.
الرَّابِعَةَ عَشرَةَ – مِن فَوَائدِ الذِّكرِ-: أَنَّهُ يُورِثُ الذَّاكِرَ ذِكرَ اللَّهِ –جَلَّ وَعَلَا- {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ}, وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِي الذِّكرِ إِلَّا هَذِهِ لَكَفَى بِالذِّكرِ فَضلًا وَشَرَفًا.
الخَامِسَةَ عَشرَةَ: أَنَّهُ يُورِثُ حَيَاةَ القَلب.
قَالَ شَيخُ الإِسلَامِ –رَحِمَهُ اللَّهُ-: ((الذِّكرُ لِلقَلبِ مِثلُ المَاءِ لِلسَّمَكَةِ, فَكَيفُ يَكُونُ حَالُ السَّمَكِ إِذَا فَارَقَ المَاء؟)).
السَّادِسَةَ عَشرَةَ: أَنَّ الذِّكرَ قُوتُ القُلُوبِ وَرُوحُهَا.
السَّابِعَةَ عَشرَةَ: أَنَّهُ يُورِثُ جِلَاءَ القَلبِ مِن صَدَئِه، وَلَا رَيبَ أَنَّ القَلبَ يَصدَأُ كَمَا يَصدَأُ النُّحَاسُ وَالفِضَّةُ وَغَيرُهُمَا، وَجِلَاؤُهُ بِالذِّكرِ، فَإِنَّهُ يَجلُو القَلبَ حَتَّى يَدَعَهُ كَالمِرآةِ البَيضَاءِ، فَإِذَا تَرَكَ العَبدُ الذِّكرَ صَدِئَ قَلبُه، فَإِذَا ذَكَرَ جَلَاهُ.
وَصَدَأُ القَلبِ بِأَمرَين: بِالغَفلَةِ، وَالذَّنبِ؛ وَجِلَاؤُهُ بِشَيئَين: بِالاستِغفَارِ وَالذِّكرِ.
فَمَن كَانَت الغَفلَةُ أَغلَبَ أَوقَاتِهِ كَانَ الصَّدَأُ مُتَرَاكِمًا علَى قَلبِهِ، وَصَدَؤُهُ بِحَسَبِ غَفلَتِهِ.
وَإِذَا صَدِىءَ القَلبُ لَم تَنطَبِع فِيهِ صُوَرُ المَعلُومَات علَى مَا هِيَ فِيهِ؛ فَيَرَى البَاطِلَ فِي صُورَةِ الحَقِّ، وَالحَقَّ فِي صُورَةِ البَاطِل، لِأَنَّهُ لمَّا تَرَاكَمَ عَلَيهِ الصَّدَأُ أَظلَمَ فَلَمْ تَظهَر فِيهِ صُوَرُ الحَقائقِ كَمَا هِيَ عَلَيهِ.
فَإِذَا تَرَاكَمَ عَلَيهِ الصَّدَأُ إِسوَدَّ، وَرَكِبَهُ الرَّانُ فَفَسَدَ تَصَوُّرُهُ وَإِدرَاكُهُ فَلَا يَقبَلُ حَقًّا، وَلَا يُنكِرُ بَاطِلًا، وَهَذا أَعظَمُ عُقُوبَاتِ القَلب.
الثَّامِنَةَ عَشرَةَ: أَنَّهُ يُحِطُّ الخَطَايَا وَيُذهِبُهَا, فَإنَّهُ مِن أَعظَمِ الحَسَنَات، وَالحَسَنَاتُ يُذهِبنَ السَّيِّئَات.
التَّاسِعَةَ عَشرَةَ – مِن فَوائِدِ الذِّكرِ-: أَنَّهُ يُزِيلُ الوَحشَةَ بَينَ العَبدِ وَرَبِّه، فَإِنَّ الغَافِلَ بَينَهُ وَبَينَ اللَّهِ تَعَالَى وَحشَة لَا تَزُول إِلَّا بِالذِّكرِ.
العِشرُون: أَنَّ مَا يَذكُر بِهِ العَبدُ رَبَّهُ مِن جَلَالِه وَتَسبِيحِه وَتَهلِيلِهِ وَتَحمِيدِهِ تُذَكِّرُ بِصَاحِبِهَا عِندَ الشِّدَّة.
الحَادِيَةُ وَالعِشرُون: أَنَّ العَبدَ إِذَا تَقَرَّبَ إِلَى اللَّهِ بِذِكرِهِ فِي الرَّخَاءِ؛ عَرَفَهُ اللهُ تَعَالَى فِي الشِّدَّة.
الثَّانِيَةُ وَالعِشرُون: أَنَّ الذِّكرَ مَنجَاةٌ مِن عَذَابِ اللَّهِ تَعَالَى.
الثَّالِثَةُ وَالعِشرُون: أَنَّ الذِّكرَ سَبَبُ تَنَزُّلِ السَّكِينَة، وَغِشَيَانِ الرَّحمَة، وَحُفُوفِ المَلائكَةِ بِالذَّاكِرِ كَمَا أَخبَرَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
الرَّابعَةُ وَالعِشرُون: أَنَّهُ سَبَبُ انشِغَالِ اللِّسَانِ عَن الغِيبَةِ وَالنَّمِيمَةِ وَالكَذِبِ وَالفُحشِ وَالبَّاطِلِ.
الخَامِسَةُ وَالعِشرُون: مَجَالِسُ الذِّكرِ مَجَالِسُ المَلائكَةِ، وَمَجَالِسُ اللَّغو وَالغَفلَة مَجَالِسُ الشَّيَاطِين.
السَّادِسَةُ وَالعِشرُون: أَنَّ الذِّكرَ يَسعَدُ الذَّاكِرُ بِهِ وَيَسعَدُ بِهِ جَلِيسُه، وَهَذا هُوَ المُبَارَكُ أَينَ مَا كَان, وَالغَافِلُ يَشقَى بِلَغوِهِ وَغَفلَتِهِ وَيَشقَى بِهِ مُجَالِسُهُ.
السَّابِعَةُ وَالعِشرُون: أَنَّ الذَّكِرَ يُؤَمِّنُ العَبدَ مِنَ الحَسرَةِ يَومَ القِيَامَة.
فَكُلُّ مَجلِسٍ لَا يَذكُرُ العَبدُ فِيهِ رَبَّهَ تَعَالَى؛ يَكُونُ عَلَيهِ حَسرَةً وَتِرَةً وَنَدَامَةً يَومَ القِيَامَة.
الثَّامِنَةُ وَالعِشرُون: أَنَّهُ مَعَ البُكَاءِ فِي الخَلوَةِ سَبَبٌ لِإِظلَالِ اللهِ تَعَالَى العَبدَ يَومَ الحَشرِ الأَكبَرِ فِي ظَلِّ عَرشِهِ، وَالنَّاسُ فِي حَرِّ الشَّمسِ قَد صَهَرَتهُم فِي المَوقِفِ, وَهَذَا الذَّاكِر مُستَظِلٌّ بِظِلِّ عَرشِ الرَّحمَن –جَلَّ وَعَلَا-.
التَّاسِعَةُ وَالعِشرُون: أَنَّ الاشتِغَالَ بِالذِّكرِ سَبَبُ إعَطَاءِ اللهِ تَعَالَى الذَّاكِر أَفضَلَ مَا يُعطِي السَّائلِينَ.
الثَّلاثُون: أَنَّهُ أَيسَرُ العِبَادَاتِ، وَهُوَ مِن أَحلَاهَا وَأَفضَلِهَا، فَإِنَّ حَرَكَةَ اللِّسَانِ أَخَفُّ حَرَكَاتِ الجَوَارِح وَأَيسَرُهَا، وَلَوْ تَحَرَّكَ عُضوٌ مِن أَعضَاءِ الإِنسَانِ فِي اليَّومِ وَاللَّيلَةِ مِقدَارَ حَرَكَةِ اللِّسَان لَشَقَّ عَلَيهِ غَايَةَ المَشَقَّة بَلْ لَا يُمكِنُ ذَلِك.
الحَادِيَةُ وَالثَّلاثُون: أَنَّ الذِّكرَ غَرسُ الجَنَّة.
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ((مَنْ قَالَ: سُبْحَانَ اللهِ العَظِيمِ وَبِحَمْدِهِ، غُرِسَتْ لَهُ نَخْلَةٌ فِي الجَنَّةِ)). أَخرَجَهُ التِّرمِذِيُّ بِإِسنَادٍ صَحِيحٍ.
الثَّانِيَةُ وَالثَّلاثُون: أَنَّ العَطَاءَ وَالفَضلَ الذِي رُتِّبَ عَلَى الذِّكرِ لَمْ يُرَتَّبَ عَلَى غَيرِهِ مِنَ الأَعمَالِ.
الثَّالِثَةُ وَالثَّلاثُون: أَنَّ دَوَامَ ذِكرِ اللهِ تَعَالَى يُوجِبُ الأَمَانَ مِن لِسَانِهِ الذِي هُوَ سَبَبُ شَقَاءِ العَبدِ فِي مَعَاشِهِ وَمَعَادِهِ، فَإِنَّ نِسيَانَ الرَّبّ يُوجِبُ نِسيَانَ نَفسِهِ وَمَصَالِحِهَا. كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ أُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [الحشر: 19].
الرَّابِعَةُ وَالثَّلاثُون: أَنَّ الذِّكرَ يُسَيِّرُ العَبدَ وَهُوَ عَلَى فِرَاشِهِ وَفِي سُوقِهِ, وَفِي حَالِ صِحَّتِهِ وَسَقَمِهِ، وَفِي حَالِ نَعِيمِهِ وَلَذَّتِهِ، وَمَعَاشِهِ وَقِيَامِهِ وَقُعُودِهِ وَاضِّجَاعِهِ, وَسَفَرِهِ وَإِقَامَتِهِ, فَلَيسَ فِي الأَوقَاتِ شَيءٌ يَعُمُّ الأَوقَاتَ وَالأَحوَالَ مِثلُهُ.
الخَامِسَةُ وَالثَّلاثُون: أَنَّ الذِّكرَ نُورٌ لِلذَّاكِرِ فِي الدُّنيَا، نُورٌ لَهُ فِي قَبرِهِ، وَنُورٌ لَهُ فِي مَعَادِهِ يَسعَى بَينَ يَدَيهِ عَلَى الصِّرَاطِ.
وَلِأَجلِ ذَلِكَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُبَالِغُ فِي سُؤالِهِ رَبَّهُ مِنَ النُّورِ حَتَّى سَأَلَهُ –جَلَّ وَعَلَا- أَنْ يَجعَلَ النُّورَ فِي لَحمِهِ وَعِظَامِهِ, وَعَصَبِهِ وَشَعرِهِ, وَسَمعِهِ وَبَصَرِه, وَمِن فَوقِهِ وَمِن تَحتِهِ, وَعَن يَمِينِهِ وَعَن شِمَالِهِ, وَمِن خَلفِهِ وَمِن أَمَامِهِ، حَتَّى قَالَ: ((وَاجعَلنِي نُورًا)).
فَسَأَلَ رَبَّهُ تَعَالَى أَنْ يَجعَلَ النُّورَ فِي ذَاتِهِ الظَّاهِرَة وَالبَّاطِنَة، وَأَنْ يَجعَلَهُ مُحِيطًا بِهِ مِن جِهَاتِهِ، فَدِينُ اللهِ نُور، وَكِتَابُهُ نُور، وَرَسُولُهُ نُور، وَدَارُهُ التِي أَعَدَّهَا لِأَولِيَائِهِ نُورٌ يَتَلَألَأ، وَاللهُ تَعَالَى نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرض، وَمِن أَسمَائِهِ النُّور -سُبحَانَهُ وَتَعَالَى-.
السَّادِسَةُ وَالثَّلَاثُونَ: أَنَّ الذِّكرَ رَأسُ الأُصُولِ، وَطَرِيقُ عَامَّةِ السَّالِكِينَ وَمَنشُودُ الوِلَايَةِ, فَمَن فُتِحَ لَهُ؛ فِيهِ فَقَدْ فُتِحَ لَهُ بَابُ الدُّخُولِ عَلَى اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ-، فَلَيَتَطَهَّر وَلَيَدخُل عَلَى رَبِّهِ يَجِد عِندَهُ كُلَّ مَا يُرِيد، فَإِنْ وَجَدَ رَبَّهُ تَعَالَى وَجَدَ كُلَّ شَيء، وَإِنْ فَاتَهُ رَبُّهُ –جَلَّ وَعَلَا- فَاتَهُ كُلُّ شَيء.
فَالسَّابِعَةُ وَالثَّلاثُونَ – مِن فَوائِدِ الذِّكرِ كَمَا ذَكَرَهَا الإِمَامُ العَلَّامَةُ ابنُ القَيِّمِ –رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- فِي كِتَابِهِ العَظِيم ((الوَابِلُ الصَّيِّبُ))-: أَنَّ الذِّكرَ يَجمَعُ المُتَفَرِّقَ وَيُفَرِّقَ المُجتَمِع، وَيُقَرِّبُ البَعِيدَ وَيُبعِدُ القَرِيبَ، فَيَجمَعُ مَا تَفَرَّقَ عَلَى العَبدِ مِن قَلبِهِ وَإِرَادَتِهِ, وَيُفَرِّقُ مَا اجتَمَعَ عَلَيهِ مِنَ الهُمُومِ وَالغُمُومِ وَالأَحزَانِ وَالحَسَرَاتِ.
وَيُفَرِّقُ أَيضًا مَا اجتَمَعَ عِندَهُ مِن جُندِ الشَّيطَان، فَإِنَّ إِبلِيسَ –عَلَيهِ لَعَائِنُ اللَّهِ- لَا يَزَال يَبعَثُ لِلعَبدِ سَرِيَّةً بَعدَ سَرِيَّة, وَالذِّكرُ يُقَرِّبُ الآخِرَةَ وَيَعَظِّمُهَا فِي قَلبِ الذَّاكِر, وَيُصَغِّرُ الدُّنيَا فِي عَينَيْهِ وَيُبعِدُهَا عَن قَلبِهِ وَلِسَانِهِ.
الثَّامِنَةُ وَالثَّلاثُونَ: أَنَّ الذِّكرَ يُنَبِّهُ القَلبَ مِن نَومِه، وَيُوقِظُهُ مِن سَنَتِه, وَالقَلبُ إِذَا كَانَ نَائِمًا فَاتَتْهُ الأَربَاحُ وَالمَتَاجِرُ, وَكَانَ الغَالِبُ عَلَيهِ الخُسرَان.
التَّاسِعَةُ وَالثَّلاثُون: أَنَّ الذِّكرَ شَجَرَةٌ تُثمِرُ المَعَارِف.
الأَربَعُون: أَنَّ الذَّاكِرَ قَرِيبٌ مِن مَذكُورِهِ, وَمَذكُورُهُ مَعَهُ, وَهَذِهِ المَعِيَّةُ مَعِيَّةُ الوِلَايَةِ وَالمَحَبَّةِ وَالنُصرَةِ وَالتَّوفِيقِ، كَقَولِهِ تعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوا وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ} [النحل: 128].
{وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت: 69].
{لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} [التوبة: 40]. وَلِلذَّاكِرِ مِن هَذِهِ المَعِيَّةِ الخَاصَّةِ نَصِيبٌ وَافِرٌ كَمَا فِي الحَدِيثِ القُدُسِيّ الذِي رَوَاهُ أَحمَدُ بِإِسنَادٍ صَحِيحٍ: ((أَنَا مَعَ عَبدِي مَا ذَكَرَنِي وَتَحَرَّكَت بِي شَفَتَاه)).
الحَادِيَةُ وَالأَربَعُون – مِن فَوائِدِ الذِّكرِ-: أَنَّ الذِّكرَ يَعدِلُ الضَّربَ بِالسَّيفِ فِي سَبيلِ اللهِ تَعَالَى, بَعدَ نَفَقَةِ الأَموالِ, وَالحَملِ علَى الخَيلِ فِي سَبِيلِ اللهِ تَعَالَى.
الثَّانِيَةُ وَالأَربَعُون: أَنَّ الذِّكرَ رَأسُ الشُّكرِ، فَمَا شَكَرَ اللهُ تَعَالَى مَن لَمْ يَذكُرَه.
الثَّالِثَةُ وَالأَربَعُون: أَنَّ أَكرَمَ الخَلقِ علَى اللهِ تَعَالَى مِن المُؤمِنِينَ؛ مَن لَا يَزَالُ لِسَانُهُ رَطبًا مِن ذِكرِهِ، فَإِنَّهُ أبقَاهُ فِي أَمرِهِ وَنَهيِهِ, وَجَعَلَ ذِكرَهُ شِعَارَهُ, وَالتَّقوَى أَوجَبَت لَهُ دُخُولَ الجَنَّة وَالنَّجَاةَ مِنَ النَّارِ.
الرَّابِعَةُ وَالأَربَعُون: أَنَّ فِي القَلبِ قَسْوَة لَا يُذهِبُهَا وَلَا يُذِيبُهَا إِلَّا ذِكرُ اللهِ –جَلَّ وَعَلَا-.
قَالَ رَجُلٌ لِلحَسَنِ البَصرِيِّ –رَحِمَهُ اللهُ-: يَا أَبَا سَعِيد؛ أَشكُو إِلَيكَ قَسوَةَ قَلبيِ.
قَالَ: ((أَذِبهَا بِالذِّكرِ)).
الخَامِسَةُ وَالأَربَعُون: أَنَّ الذِّكرَ شِفَاءٌ لِلقَلبِ وَدَوَاءٌ لَهُ، وَأَمَّا الغَفلَةُ فَمَرَضُهُ، وَالقُلُوبُ مَرِيضَةٌ وَشِفَاؤُهَا وَدَوَاؤهَا فِي ذِكرِ اللهِ تَعَالَى.
السَّادِسَةُ وَالأَربَعُون: أَنَّ الذِّكرَ أَصلُ مُوالَاةِ اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ-، وَأَمَّا الغَفلَةُ فَأَصلُ مُعَادَاتِهِ، وَالعَبدُ لَا يَزالُ يَذكُرُ رَبَّهُ حَتَّى يُحِبَّهُ فَيُوالِيَهُ، وَلَا يَزَالُ يَغفُلُ عَن ذِكرِ رَبِّهِ حَتَّى يُبغِضَهُ فَيُعَادِيهِ.
السَّابِعَةُ وَالأَربَعُون: أَنَّهُ مَا استُجلِبَت نِعَمُ اللهِ تَعَالَى وَاستُدفِعَت نِقَمُهُ بِمِثلِ ذِكرِهِ, فَالذِّكرُ جَلَّابٌ لِلنِّعَمِ، دَفَّاعٌ لِلنِّقَمِ.
قَالَ بَعضُ السَّلَف: ((مَا أَقبَحَ الغَفلَةَ عَن ذِكرِ مَن لَا يَغفُلُ عَن بِرِّك)).
الثَّامِنَةُ وَالأَربَعُون: الذِّكرُ يُوجِبُ صَلَاةَ اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ- وَمَلائكَتِهِ عَلَى الذَّاكِرِ، وَمَن صَلَّى عَلَيهِ اللهُ وَمَلائكَتُهُ فَقَد أَفلَحَ وَفَازَ كُلَّ الفَوز {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا (41) وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (42) هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا} [الأحزاب: 41-43].
التَّاسِعَةُ وَالأَربَعُون: إِنَّ مَن شَاءَ أَنْ يَسكُنَ رِيَاضَ الجَنَّة؛ فَلْيَستَوْطِن مَجَالِسَ الذِّكرِ فَإِنَّهَا رِيَاضُ الجَنَّة.
الخَمسُون: إِنَّ مَجَالِسَ الذِّكرِ مَجَالِسُ المَلائكَة، فَلَيسَ مِن مَجَالِسِ الدُّنيَا مِن مَجلِسٍ إِلَّا هَذَا الذِي ذُكِر, وَهِيَ مَجَالِسُ الذِّكرِ؛ مَجلِسٌ يُذكَرُ اللهُ تَعَالَى فِيهِ كَمَا فِي قَولِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ((إِنَّ للَّهِ مَلائكَةً يَطُوفُونَ فِي الطُّرُقِ؛ يَلتَمِسُونَ أَهلَ الذِّكر)) الحَدِيث, وَهُوَ مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.
الحَادِيَةُ وَالخَمسُون: أَنَّ اللهَ -عَزَّ وَجَلَّ- يُبَاهِي مَلائِكَتَهُ بِالذَّاكِرِينَ، كَمَا جَاءَ عَن أَبِي سَعِيدٍ الخُدرِيِّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: خَرَجَ مُعَاوِيَةُ عَلَى حَلْقَةٍ فِي المَسجِدِ فَقَالَ: مَا أَجْلَسَكُمْ؟
قَالُوا: جَلَسْنَا نَذْكُرُ اللَّهَ تَعَالَى.
قَالَ: آللَّهِ مَا أَجْلَسَكُمْ إِلَّا ذَلِكَ؟
قَالُوا: آللَّهِ مَا أَجْلَسْنَا إِلَّا ذَلِكَ.
قَالَ: أَمَا إِنِّي لَمْ أَسْتَحْلِفْكُمْ تُهْمَةً لَكُمْ
قَالَ: وَمَا كَانَ أَحَدٌ بِمَنزِلَتِي مِن رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَقَلَّ عَنهُ حَدِيثًا مِنِّي، وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ –صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- خَرَجَ عَلَى حَلْقَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ فَقَالَ: ((مَا أَجْلَسَكُمْ هَاهُنَا؟))
قَالُوا: جَلَسْنَا نَذْكُرُ اللَّهَ تَعَالَى وَنَحْمَدُهُ عَلَى مَا هَدَانَا لِلْإِسْلَامِ وَمَنَّ بِهِ عَلَيْنَا بِكَ.
قَالَ: ((آللَّهِ مَا أَجْلَسَكُمْ إِلَّا ذَلِكَ؟))
قَالُوا: وَاللَّهِ مَا أَجْلَسْنَا إِلَّا ذَلِكَ.
قَالَ: ((أَمَا إِنِّي لَمْ أَسْتَحْلِفْكُمْ تُهْمَةً لَكُمْ، وَلَكِنَّهُ أَتَانِي جِبْرِيلُ –عَلَيهِ السَّلَامُ- فَأَخْبَرَنِي: أَنَّ اللَّهَ يُبَاهِي بِكُمُ المَلَائِكَة)). رَوَاهُ مُسلِمٌ.
فَهَذِهِ المُبَاهَاةُ مِنَ الرَّبِّ تَعَالَى دَلِيلٌ عَلَى شَرَفِ الذِّكرِ عِندَهُ وَمَحَبَّتِهُ لَهُ, وَأَنَّ لَهُ مَزِيَّةً عَلَى غَيرِهِ مِنَ الأَعمَالِ.
الثَّانِيَةُ وَالخَمسُون: أَنَّ جَمِيعَ الأَعمَال إِنَّمَا شُرِعَت إِقَامَةً لِذِكرِ اللهِ –عَزَّ وَجَلَّ-، فَالمَقصُودُ بِهَا تَحصِيلُ ذِكرِ اللهِ –جَلَّ وَعَلَا-، قَالَ تَعَالَى: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} [طه: 14].
وَذُكِرَ عَن ابنِ عَبَّاسٍ –رَضِيَ اللَّهُ عَنهُمَا- أَنَّهُ سُئِلَ: أَيُّ العَمَلِ أَفضَل؟
قَالَ: ((ذِكرُ اللَّهِ أَكبَر)).
الثَّالِثَةُ وَالخَمسُون: أَنَّ أَفضَلَ أَهلِ كُلِّ عَمَلٍ؛ أَكثَرُهُم فِيهِ ذِكرًا للَّهِ تَعَالَى، فَأَفضَلُ الصُّوَّامِ أَكثَرُهُم ذِكرًا للَّهِ فِي صَومِهِم، وَأَفضَلُ الحُجَّاجِ أَكثَرُهُم ذِكرًا للَّهِ فِي حَجِّهِم, وَأَفضَلُ المُتَصَدِّقِينَ أَكثَرُهُم ذِكرًا للَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ-, وَهَكَذَا سَائِرُ الأَعمَال.
الرَّابِعَةُ وَالخَمسُونَ: أَنَّ إِدَامَةَ الذِّكر تَنُوبُ عَن التَّطَوُّعَات, وَتَقُومُ مَقَامَهَا سَواءٌ كَانَت بَدَنِيَّةً أَوْ مَالِيَّةً أَوْ بَدَنِيَّةً مَالِيَّةً كَحَجِّ التَّطَوُّع.
وَقَد جَاءَ ذَلِكَ صَرِيحًا فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيرَةَ –رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ-: ((أَنَّ فُقَرَاءَ الْمُهَاجِرِينَ أَتَوْا رَسُولَ رَبِّ العَالَمِين -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّه، ذَهَبَ أَهْلُ الدُّثُورِ –يَعنِي: أَهلَ الأَموَال- بِالدَّرَجَاتِ العُلَى, وَالنَّعِيمِ المُقِيمِ، يُصَلُّونَ كَمَا نُصَلِّي, وَيَصُومُونَ كَمَا نَصُومُ، وَلَهُم فَضلُ أَموَالٍ يَحُجُّونَ بِهَا, وَيَعتَمِرُونَ وَيُجَاهِدُونَ.
فَقَالَ: ((أَلَا أُعَلِّمُكُم شَيئًا تُدرِكُونَ بِهِ مَن سَبَقَكُم، وَتَسبِقُونَ بِهِ مَن بَعدَكُم، وَلَا يَكُونُ أَحَدٌ أَفضَلَ مِنكُم إِلَّا مَن صَنَع مَا صَنَعتُم؟))
قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ!!
قَالَ: ((تُسَبِّحُونَ وَتَحمَدُونَ وَتُكَبِّرُونَ خَلفَ كُلِّ صَلَاةٍ)) الحَدِيث, وَهُوَ مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.
فَجَعَلَ الذِّكرَ عِوَضًا عَمَّا فَاتَهُم مِنَ الحَجِّ وَالعُمرَةِ وَالجِهَادِ، وَأَخبَرَ أَنَّهُم يَسبِقُونَهُم بِهَذَا الذِّكرِ.
الخَامِسَةُ وَالخَمسُون – مِن فَضَائلِ الذِّكرِ وَفَوائدِهِ-: أَنَّ ذِكرَ اللَّهِ تَعَالَى مِن أَكبَرِ العَونِ عَلَى طَاعَتِهِ، فَإِنَّهُ يُحَبِّبُهَا إِلَى العَبدِ, وَيُسَهِّلُهَا عَلَيهِ, وَيُلَذِّذُهَا لَهُ, وَيَجعَل قُرَّةَ عَينِهِ فِيهَا.
السَّادِسَةُ وَالخَمسُونَ: أَنَّ ذِكرَ اللَّهِ تَعَالَى يُسَهِّلُ الصَّعب، وَيُيَسِّرُ العَسِير, وَيُخَفِّفُ المَشَاق.
السَّابِعَةُ وَالخَمسُون: أَنَّ ذِكرَ اللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ- يُذهِبُ عَن القَلبِ مَخَاوِفَهُ كُلَّهَا، وَلَهُ –أَي: لِلذِّكرِ- تَأثِيرٌ عَجِيبٌ فِي حُصُولِ الأَمْن، فَلَيسَ لِلخَائفِ الذِي قَد اشتَدَّ خَوفُه أَنفَعُ مِن ذِكرِ اللَّهِ –جَلَّ وَعَلَا-.
الثَّامِنَةُ وَالخَمسُون: أَنَّ الذِّكرَ يُعطِي الذَّاكِرَ قُوَّة، حَتَّى إِنَّهُ لَيَفعَلُ مَع الذِّكرِ مَا لَمْ يُطِقْ فِعلُهُ بِدُونِهِ، أَلَا تَرَى كَيفَ عَلَّمَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ابنَتَهُ فَاطِمَة وَعَلِيًّا -رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا- أَنْ يُسَبِّحَا كُلَّ لَيلَةٍ إِذَا أَخَذَا مَضَاجِعَهُمَا ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ, وَيَحمَدَا ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ, وَيُكَبِّرَا أَربَعًا وَثَلَاثِينَ؛ لمَّا سَأَلَتهُ الخَادِمَة, وَشَكَت إِلَيهِ مَا تُقَاسِيهِ مِن الطَّحنِ وَالسَّقْيِ وَالخِدمَةِ، فَعَلَّمَهَا ذَلِكَ وَقَالَ: ((إِنَّهُ خَيرٌ لَكُمَا مِن خَادِمٍ)) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.
قِيلَ: إِنَّ مَن دَاوَمَ عَلَى ذَلِكَ –أَيْ: عَلَى هَذَا الذِّكرِ عِندَ النَّوم- وَجَدَ قُوَّة فِي يَومِهِ مُغنِيَةً عَن خَادِم.
التَّاسِعَةُ وَالخَمسُون: أَنَّ أَعمَالَ الآخِرَةِ كُلَّهَا فِي مِضمَارِ السِّبَاق، وَالذَّاكِرُونَ هُم أَسبَقُهُم فِي ذَلِكَ المِضمَار.
السِّتُّونَ – مِن فَضَائلِ وَفَوائدِ الذِّكر-: كَثرَةُ ذِكرِ اللَّهِ –جَلَّ وَعَلَا- أَمَانٌ مِنَ النِّفَاقِ، فَإِنَّ المُنَافِقَ قَلِيلُو الذِّكرِ للَّهِ تَعَالَى، قَالَ رَبُّنَا –جَلَّ وَعَلَا- فِي المُنَافِقِينَ: {وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا} [النساء: 142].
قَالَ كَعبٌ: ((مَن أَكثَرَ ذِكرَ اللَّهِ بَرِئَ مِنَ النِّفَاقِ)).
*9((إِقْبَالُ شَيْخِ الْإِسْلَامِ عَلَى رَبِّهِ –جَلَّ وَعَلَا-))
كَانَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ –رَحِمَهُ اللهُ- مُقْبِلًا عَلَى اللهِ –تَبَارَكَ وَتَعَالَى- إِقْبَالًا صَحِيحًا، يُحَقِّقُ الْعُبُودِيَّةَ للهِ فِي نَفْسِهِ وَفِيمَنْ حَوْلَهُ.
فَدَعَا إِلَى عِبَادَةِ اللهِ وَحْدَهُ، وَحَذَّرَ مِنَ الشِّرْكِ.
*وَكَانَ –رَحِمَهُ اللهُ- يَعْلَمُ أَنَّ الْعَطَاءَ مِنْ عِنْدِ اللهِ –جَلَّ وَعَلَا-، وَأَنَّهُ لَا يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ أَنْ يُعْطِيَ أَحَدًا شَيْئًا إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ –جَلَّ وَعَلَا-.
*لَمْ يَكُنْ لَهُ فِي الدُّنْيَا مِنْ شَيْءٍ –رَحِمَهُ اللهُ-.
*مِنْ مُمَيِّزَاتِ مَدْرَسَةِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ وَتَلَامِذَتِهِ:
أَنَّهُمْ كَانُوا أَشَدَّ النَّاسِ للهِ ذِكْرًا.
وَقَدْ كَانَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ فِي ذَلِكَ رَائِدًا.
قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ: حَضَرْتُ شَيْخَ الْإِسْلَامِ ابْنَ تَيْمِيَّةَ مَرَّةً صَلَّى الْفَجْرَ، ثُمَّ جَلَسَ يَذْكُرُ اللهَ تَعَالَى إِلَى قَرِيبٍ مِنَ انْتِصَافِ النَّهَارِ، ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَيَّ وَقَالَ: هَذِهِ غَدْوَتِي، وَلَوْ لَمْ أَتَغَدَّ هَذَا الْغَدَاءَ لَسَقَطَتْ قُوَّتِي.
*شَيْخُ الْإِسْلَامِ –رَحِمَهُ اللهُ- يُعَلِّمُ تَلَامِذَتَهُ وَأَصْحَابَهُ هَذِهِ الْأُصُولَ الْعَظِيمَةَ –وَمِنْهَا: ذِكْرُ اللهِ-، فَصَنَّفُوا فِيهَا وَكَتَبُوا، وَشَرَحُوا كُتُبَ مَنْ قَبْلَهُمْ.
*يَنْبَغِي عَلَيْنَا أَنْ نَلْتَفِتَ إِلَى هَذَا الْأَصْلِ الْتِفَاتًا صَحِيحًا، عَسَى أَنْ تَتَغَيَّرَ حَيَوَاتُنَا.
10*أَقُولُ لَكَ صَادِقًا -عَلَى حَسَبِ مَا دَلَّتْ عَلَيْهِ نُصُوصُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَمَا كَانَ عَلَيْهِ سِيَرُ سَلَفِنَا الصَّالِحِينَ- لَوْ أَخَذْتَ بِهَذَا الْأَصْلِ –ذِكْرِ اللهِ- وَشَدَدْتَ عَلَيْهِ يَدَيْكَ؛ لَتَغَيَّرَتْ حَيَاتُكَ، وَوَقَاكَ اللهُ مِنَ الْمَهَالِكِ، فَالْتَفِتُوا إِلَيْهِ –بَارَكَ اللهُ فِيكُمْ-، وَلَا تُهْمِلُوهُ.
11*هَلْ يُفْلِحُ أَحَدٌ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ إِلَّا إِذَا كَانَ مُدْمِنًا لِلذِّكْرِ؟!!
قَالَتْ عَائِشَةُ –رَضِيَ اللهُ عَنْهَا-: ((كَانَ النَّبِيُّ –صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَذْكُرُ اللهَ عَلَى كُلِّ أَحْيَانِهِ)).
12*قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ سَأَلْتُ شَيْخَ الْإِسْلَامِ ابْنَ تَيْمِيَةَ -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى- يَوْمًا: أَيُّهُمَا أَنْفَعُ لِلْعَبْدِ التَّسْبِيحُ أَوْ الِاسْتِغْفَارُ؟
فَقَالَ: إِذَا كَانَ الثَّوْبُ نَقِيًّا فَالْبُخُورُ وَمَاءُ الْوَرْدِ أَنْفَعُ لَهُ وَإِذَا كَانَ دَنِسًا فَالصَّابُونُ وَالْمَاءُ الْحَارُّ أَنْفَعُ لَهُ فَقَالَ لِي رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: فَكَيْفَ وَالثِّيَابُ لَا تَزَالُ دَنِسَةً؟!!
13* ((ذِكْرُ أَهْلِ الْمَعَاصِي للهِ فِي أَغَانِيهِمْ وَفِسْقِهِمْ وَابْتِهَالَاتِهِمْ!!))
قَالَ اللهُ تَعَالَى: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ} [البقرة:152].
قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ كَثِيرٍ –رَحِمَهُ اللهُ-: ((.....وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ الصَّبَّاحِ أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ أَخْبَرَنَا عُمَارَةُ الصَّيْدَلَانِيُّ أَخْبَرَنَا مَكْحُولٌ الْأَزْدِيُّ قَالَ: قُلْتُ لِابْنِ عُمَرَ: أَرَأَيْتَ قَاتِلَ النّفْسِ، وَشَارِبَ الْخَمْرِ، وَالسَّارِقَ وَالزًّانِيَ يَذْكُرُ اللهَ، وَقَدْ قَالَ اللهُ تَعَالَى: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ} قَالَ: إِذَا ذَكَرَ اللهَ هَذَا ذَكَرَهُ اللهُ بِلَعْنَتِهِ حَتَّى يَسْكُتَ)).
قَالَ الْعَلَّامَةُ أَحْمَدْ شَاكِرْ –رَحِمَهُ اللهُ-: ((وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ ابْنُ عُمَرَ حَقٌّ، يَنْطَبِقُ تَمَامًا عَلَى مَا يَصْنَعُ أَهْلُ الْفِسْقِ وَالْمُجُونِ فِي عَصْرِنَا، مِنْ ذِكْرِ اللهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي مَوَاطِنِ فِسْقِهِمْ وَفُجُورِهِمْ، وَفِي الْأَغَانِي الدَّاعِرَةِ، وَالتَّمْثِيلِ الْفَاجِرِ الَّذِي يَزْعُمُونَهُ تَرْبِيَةً وَتَعْلِيمًا، وَفِي قَصَصِهِمُ الْمُفْتَرَى، الَّذِي يَجْعَلُونَهُ أَنَّهُ هُوَ الْأَدَبُ وَحْدَهُ أَوْ يَكَادُونَ، وَفِي تَلَاعُبِهِمْ بِالدِّينِ بِمَا يُسَمُّونَهُ ((الْقَصَائِدَ الدَّينِيَّةَ)) وَ((الِابْتِهَالَاتِ) الَّتِي يَتَلَاعَبُ بِهَا الْجَاهِلُونَ مِنَ الْقُرَّاءِ، يَتَغَنُّونَ بِهَا فِي مَوَاطِنِ الْخُشُوعِ وَأَوْقَاتِ التَّخَلِّي لِلْعِبَادَةِ، حَتَّى لَبَّسُوا عَلَى عَامَّةِ النَّاسِ شَعَائِرَ الْإِسْلَامِ. فَكُلُّ أُولَئِكَ يَذْكُرُونَ اللهَ فَيَذْكُرُهُمُ اللهُ بِلَعْنَتِهِ حَتَّى يَسْكُتُوا)). *عُمْدَةُ التَّفَاسِيرِ(1/272)
14*قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ –رَحِمَهُ اللهُ-: ((قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ أَفْضَلُ الذِّكْرِ إِذَا عُمِلَ بِهِ)).
15*ذِكْرُ الْعَبْدِ لِرَبِّهِ مَحْفُوفٌ بِذِكْرَيْنِ مِنْ رَبِّهِ لَهُ : ذِكْرٍ قَبْلَهُ بِهِ صَارَ الْعَبْدُ ذَاكِرًا لَهُ ، وَذِكْرٍ بَعْدَهُ بِهِ صَارَ الْعَبْدُ مَذْكُورًا.
16*كَانَ السَّلَفُ الصَّالِحُ يَحْفَظُونَ أَوْقَاتَهُمْ وَأَعْمَارَهُمْ، وَيَعْمُرُونَهَا بِذِكْرِ اللهِ تَعَالَى.
17*((مَجَالِسُ الذِّكْرِ رَوْضَاتُ الْجَنَّاتِ))
كَانَ السَّلَفُ –رَحِمَهُمُ اللهُ- يَهْتَمُّونَ بِمَجَالِسِ الذِّكْرِ أَعْظَمَ الِاهْتِمَامِ، وَيَعْتَنُونَ بِهَا أَعْظَمَ عِنَايَةٍ.
إِنَّ مَجَالِسَ الذِّكْرِ هِيَ رَوْضَاتُ الْجَنَّاتِ فِي الدُّنْيَا.
قَالَ رَسُولُ اللهِ –صلى الله عليه وسلم-: ((إِذَا مَرَرْتُمْ بِرِيَاضِ الْجَنَّةِ فَارْتَعُوا)).
قَالُوا: وَمَا رِيَاضُ الْجَنَّةِ؟
قَالَ: ((حِلَقُ الذِّكْرِ)).
18*((نِسْيَانُ ذِكْرِ اللهِ مَوْتٌ لِلْقَلْبِ))
فَنِسْــيَانُ ذِكْـرِ اللهِ مَوْتُ قُلُوبِهِمْ * وَأَجْسَــامُهُمْ قَبْلَ الْقُبُورِ قُبُورُ
وَأَرْوَاحُهُمْ فِي وَحْشَةٍ مِنْ جُسُومِهِمْ * وَلَيْسَ لَهُمْ حَتَّى النُّشُورِ نُشُورُ
19*عَنْ عَوْنِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: كُنَّا نَأْتِي أُمَّ الدَّرْدَاءِ فَنَذْكُرُ اللَّهَ عِنْدَهَا، قَالَ: فَاتَّكَأَتْ ذَاتَ يَوْمٍ، فَقِيلَ لَهَا: لَعَلَّنَا نَكُونُ قَدْ أَمْلَلْنَاكِ يَا أُمَّ الدَّرْدَاءِ؟
فَجَلَسَتْ، فَقَالَتْ: نعم والله، أَمْلَلْتُمُونِي، قَدْ طَلَبْتُ الْعِبَادَةَ بِكُلِّ شَيْءٍ; فَمَا وَجَدْتُ أَشْفَى لِصَدْرِي وَلَا أَحْرَى أَنْ أُدْرِكَ مَا أُرِيدُ مِنْ مُجَالَسَةِ أَهْلِ الذِّكْرِ.
20*خَطَأٌ شَائِعٌ: ((لَا حَـوْلَ وَلَا قُـوَّةَ إِلَّا بِاللهِ)) كَلِمَةُ اسْتِعَانَةٍ، وَيُخْطِئُ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ فَيَسْتَعْمِلُونَهَا فِي الِاسْتِرْجَاعِ أَوْ بَدَلَ الِاسْتِرْجَاعِ.
الِاسْتِرْجَاعُ: ((إِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ))؛ وَهَذَا يُقَالُ عِنْدَ الْمُصِيبَةِ.
21*((تَسْبِيحُ الْجِبَالِ وَغَفْلَةُ الْقَلْبِ))
هَذَا حَالُ الْجِبَالِ وَهِيَ الْحِجَارَةُ الصَّلْبَةُ وَهَذِهِ رِقَّتُهَا وَخَشْيِتُهَا وَتَدَكْدُكُهَا مِنْ جَلَالِ رَبِّهَا وَعَظَمَتِهِ، وَقَدْ أَخْبَرَ عَنْهَا فَاطِرُهَا وَبَارِيهَا أَنَّهُ لَوْ أُنْزِلَ عَلَيْهَا كَلَامُهُ لَخَشَعَتْ وَلَتَصَدَّعَتْ مِنْ خَشْيَةِ اللهِ؛ فَيَا عَجَبًا مِنْ مُضْغَةِ لَحْمٍ أَقْسَى مِنْ هَذِهِ الْجِبَالِ تَسْمَعُ آيَاتِ اللهِ تُتْلَى عَلَيْهَا وَيُذْكَرُ الرَّبُّ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- فَلَا تَلِينُ وَلَا تَخْشَعُ وَلَا تُنِيبُ!!
22*كُلُّ عَامِلٍ للهِ بِطَاعَةٍ فَهُوَ ذَاكِرٌ للهِ –عَزَّ وَجَلَّ- كَمَا قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ –رَحِمَهُ اللهُ-.
23*رَدُّ الْقَضَاءِ بِالدُّعَاءِ مِنْ جُمْلَةِ الْقَضَاءِ...
24*((ضَرُورَةُ وَثَمَرَاتُ مَعْرِفَةِ مَعَانِي الْأَذْكَارِ))
يَنْبَغِي عَلَى الْعَبْدِ أَنْ يَكُونَ عَلَى بَصِيرَةٍ مِنْ مَعَانِي مَا يَذْكُرُ اللهَ تَعَالَى بِهِ.
فَإِذَا حَمِدَ الْعَبْدُ اللهَ –تَبَارَكَ وَتَعَالَى-، يَنْبَغِي أَنْ يَعْرِفَ مَعْنَى الْحَمْدِ، وَإِذَا سَبَّحَ اللهَ يَنْبَغِي عَلَى الْعَبْدِ أَنْ يَعْرِفَ مَعْنَى التَّسْبِيحِ.
فَإِذَا عَرَفَ الْعَبْدُ الْمَعْنَى –مَعْنَى الذِّكْرِ-؛ أَثَّرَ هَذَا الذِّكْرُ فِي قَلْبِهِ تَأْثِيرًا عَظِيمًا.
25*كَلِمَةُ ((سُبْحَانَ اللهِ)) لَهَا شَأْنٌ عَظِيمٌ وَهِيَ مِنْ أَجَلِّ الْأَذْكَارِ للهِ تَعَالَى.
وَمَعْنَى ((سُبْحَانَ اللهِ)): تَنَزَّهَ اللهُ وَتَقَدَّسَ عَنْ كُلِّ النَّقَائِصِ وَالْمَعَايِبِ.
26*الشِّرْكُ هُوَ أَظْلَمُ الظُّلْمِ، وَالتَّوْحِيدُ أَعْظَمُ الْحَسَنَاتِ وَأَعْظَمُ مَا يُتَقَرَّبُ بِهِ إِلَى رَبِّ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتِ.
27*«الفَوَائِدُ والثَّمَرَاتُ الحَاصِلَةُ بِالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ»
وقد ذكرَ الإمامُ ابنُ القيمِ –رحمهُ اللهُ تعالى- الفوائدَ والثمراتِ الحاصلةَ بالصلاةِ على النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-، فقالَ -رحمهُ الله-:
ومِن الفوائدِ والثمراتِ الحاصلةِ بالصلاةِ عليه ﷺ:
الأُولَى: امْتِثَالُ أَمْرِ اللهِ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-.
الثَّانيةُ: مُوَافَقَتُهُ سُبْحَانَهُ في الصَّلَاةِ عَلَيْهِ ﷺ وَإِنْ اخْتَلَفَت الصَّلَاتَان.
الثَّالِثَةُ: مُوَافَقَةُ المَلَائِكَةِ في ذَلِكَ.
الرَّابِعَةُ: حُصُولُ عَشْرِ صَلَوَاتٍ مِن اللهِ عَلَى المُصَلِّي مَرَّةً وَاحِدَةً.
الخَامِسَةُ: أَنَّهُ يُرْفَعُ لَهُ عَشْرُ دَرَجَاتٍ.
السَّادِسَةُ: أَنَّهُ يُكْتَبُ لَهُ عَشْرُ حَسَنَاتٍ.
السَّابِعَةُ: أَنَّهُ يُمْحَى عَنْهُ عَشْرُ سَيِّئَاتٍ.
الثَّامِنَةُ: أَنَّهُ يُرْجَى إِجَابَةُ دُعَائِهِ إِذَا قَدَّمَهَا أَمَامَهُ، فَهِيَ تُصَاعِدُ الدُّعَاءَ إِلَى عِنْدِ رَبِّ العَالَمِينَ.
التَّاسِعَةُ: أَنَّهَا سَبَبٌ لِشَفَاعَتِهِ ﷺ إِذَا قَرَنَهَا بِسُؤالِ الوَسِيلَةِ لَهُ أَوْ أَفْرَدَهَا.
العَاشِرَةُ: أَنَّهَا سَبَبٌ لِغُفْرَانِ الذُّنُوبِ.
الحَادِيَةَ عَشْرَةَ: أَنَّهَا سَبَبٌ لِكِفَايَةِ اللهِ العَبْدَ مَا أَهَمَّهُ.
الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ: أَنَّهَا سَبَبٌ لِقُرْبِ العَبْدِ مِنْهُ ﷺ يَوْمَ القِيَامَةِ.
الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ: أَنَّهَا تَقُومُ مَقَامَ الصَّدَقَةِ لِذِي العُسْرَةِ.
الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ: أَنَّهَا سَبَبٌ لِقَضَاءِ الحَوَائِجِ.
الخَامِسَةَ عَشْرَةَ: أَنَّهَا سَبَبٌ لِصَلَاةِ اللهِ عَلَى المُصَلِّي وَصَلَاةِ مَلَائِكَتِهِ عَلَيْهِ.
السَّادِسَةَ عَشْرَةَ: أَنَّهَا زَكَاةٌ للمُصَلِّي وَطَهَارَةٌ لَهُ.
السَّابِعَةَ عَشْرَةَ: أَنَّهَا سَبَبٌ لِتَبْشِيرِ العَبْدِ بِالجَنَّةِ قَبْلَ مَوْتِهِ.
الثَّامِنَةَ عَشْرَةَ: أَنَّهَا سَبَبٌ لِلنَّجَاةِ مِنْ أَهْوَالِ يَوْمِ القِيَامَةِ.
التَّاسِعَةَ عَشْرَةَ: أَنَّهَا سَبَبٌ لِرَدِّ النَّبِيِّ ﷺ الصَّلَاةَ وَالسَّلَامَ عَلَى المُصَلِّي وَالمُسَلِّمِ عَلَيْهِ.
العِشْرُونَ: أَنَّهَا سَبَبٌ لِتَذَكُّرِ العَبْدِ مَا نَسِيَهُ.
الحَادِيَةُ وَالعِشْرُونَ: أَنَّهَا سَبَبٌ لِطِيبِ المَجْلِسِ، وَأَنْ لَا يَعُودَ حَسْرَةً عَلَى أَهْلِهِ يَوْمَ القِيَامَةِ.
الثَّانِي وَالعِشْرُونَ: أَنَّ الصَّلَاةَ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ سَبَبٌ لِنَفْي الفَقْرِ.
الثَّالِثَةُ وَالعِشْرُونَ: أَنَّ الصَّلَاةَ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ تَنْفِي عَن العَبْدِ اسْمَ البُخْلِ إِذَا صَلَّى عَلَيْهِ عِنْدَ ذِكْرِهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-.
الرَّابِعَةُ وَالعِشْرُونَ: أَنَّهَا تَرْمِي صَاحِبَهَا عَلَى طَرِيقِ الجَنَّةِ، وَتُخْطِئُ بِتَارِكِهَا عَنْ طَرِيقِهَا.
الخَامِسَةُ وَالعِشْرُونَ: أَنَّ الصَّلَاةَ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ تُنْجِي مِنْ نَتْنِ المَجْلِسِ الَّذِي لَا يُذْكَرُ فِيهِ اللهُ وَرَسُولُهُ، وَيُحْمَدُ وَيُثْنَى عَلَيْهِ فِيهِ، وَيُصَلَّى عَلَى رَسُولِهِ ﷺ.
السَّادِسَةُ وَالعشْرُونَ: أَنَّهَا سَبَبٌ لِتَمَامِ الكَلَامِ الَّذِي ابْتُدِئَ بِحَمْدِ اللهِ وَالصَّلَاةِ عَلَى رَسُولِهِ ﷺ.
السَّابِعَةُ وَالعشرُونَ: أَنَّ الصَّلَاةَ عَلَى النَّبِيِّ المَأْمُونِ سَبَبٌ لِوُفُورِ نُورِ العَبْدِ عَلَى الصِّرَاطِ.
الثَّامِنَةُ وَالعشْرُونَ: أَنَّ الصَّلَاةَ عَلَى المَأمُونِ يَخْرُجُ بِهَا العَبْدُ عَن الجَفَاءِ.
التَّاسِعَةُ والعشْرُونَ: أَنَّهَا سَبَبٌ لإِبْقَاءِ اللهِ سُبْحَانَهُ الثَّنَاءَ الحَسَنَ عَلَى المُصَلِّى عَلَيْهِ بَيْنَ أَهْلِ السَّمَاءِ والأرضِ؛ لأَنَّ المُصَلِّيَ طَالِبٌ مِن اللهِ أَنْ يُثْنِيَ عَلَى رَسُولِهِ وَيُكْرِمَهُ وَيُشَرِّفَهُ، وَالجَزَاءُ مِنْ جِنْسِ العَمَلِ، فَلَا بُدَّ أَنْ يَحْصُلَ للمُصَلِّي نَوْعٌ مِنْ ذَلِكَ.
الثَّلَاثُونَ: أَنَّهَا سَبَبٌ للبَرَكَةِ فِي ذَاتِ المُصَلِّي وَعَمَلِهِ وَعُمُرِهِ وَأَسْبَابِ مَصَالِحِهِ؛ لأَنَّ المُصَلِّيَ دَاعٍ رَبَّهُ أَنْ يُبَارِكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ، وَهَذَا الدُّعَاءُ مُسْتَجَابٌ، وَالجَزَاءُ مِنْ جِنْسِهِ.
الحَادِيَةُ وَالثَّلاثُونَ: أَنَّهَا سَبَبٌ لِنَيْلِ رَحْمَةِ اللهِ لَهُ؛ لأَنَّ الرَّحْمَةَ إِمَّا بمَعْنَى الصَّلَاةِ كما قاله طائفة، وَإِمَّا مِنْ لَوَازِمِهَا وُمُوجِبَاتِهَا عَلَى القَوْلِ الصَّحِيحِ، فَلَا بُدَّ للمُصَلِّي عَلَيْهِ مِنْ رَحْمَةٍ تَنَالُهُ.
الثَّانِيَةُ وَالثَّلَاثُونَ: أَنَّهَا سَبَبٌ لِدَوَامِ مَحَبَّتِهِ للرَّسُولِ ﷺ وَزِيَادَتِهَا وَتَضَاعُفِهَا، وَذِلَكَ عَقْدٌ مِن عُقْودِ الإِيمَانِ الَّذِي لَا يَتِمُّ إِلَّا بِهِ؛ لأَنَّ العَبْدَ كُلَّمَا أَكْثَرَ مِنْ ذِكْرِ المَحْبُوبِ وَاسْتِحْضَارِهِ فِي قَلْبِهِ وَاسْتِحْضَارِ مَحَاسِنِهِ ومعانيه الجالبة لِحُبِّه؛ تَضَاعَفَ حُبُّهُ لَهُ، وَتَزَايَدَ شَوْقُهُ إِلَيْهِ، وَاسْتَوْلَى عَلَى جَمِيعِ قَلْبِهِ.
وَإِذَا أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِهِ وَإِحْضَارِهِ وَإِحْضَارِ مَحَاسِنِهِ بِقَلْبِهِ؛ نَقَصَ حُبُّهُ مِنْ قَلْبِهِ، وَلَا شَيءَ أَقَرُّ لِعَيْنِ المُحِبِّ مِنْ رُؤيَةِ مَحْبُوبِهِ، وَلَا أَقَرَّ لِقَلْبِهِ مِنْ ذِكْرِهِ وَإِحْضَارِ مَحَاسِنِهِ، فَإِذَا قَوِيَ هَذَا فِي قَلْبِهِ؛ جَرَى لِسَانُهُ بِمَدْحِهِ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ وَذِكْرِ مَحَاسِنِهِ، وَتَكُونُ زِيَادَةُ ذَلِكَ وَنُقْصَانُهُ بِحَسَبِ زِيَادَةِ الحُبِّ وَنُقْصَانِهِ فِي قَلْبِهِ، وَالحِسُّ شَاهِدٌ بِذَلِكَ.
الثَّالِثَةُ وَالثَّلَاثُونَ: أَنَّ الصَّلَاةَ عَلَيْهِ ﷺ سَبَبٌ لِمَحَبَّتِهِ للعَبْدِ، فَإِنَّهَا إِذَا كَانَت سَبَبًا لِزِيَادَةِ مَحَبَّةِ المُصَلِّى عَلَيْهِ لَهُ, فَكَذِلَكَ هِيَ سَبَبٌ لِمَحَبَّتِهِ هُوَ للمُصَلِّي عَلَيْهِ ﷺ.
الرَّابِعَةُ وَالثَّلَاثُونَ: أَنَّهَا سَبَبٌ لِهِدَايَةِ العَبْدِ وَحَيَاةِ قَلْبِهِ، فَإِنَّهُ كُلَّمَا أَكْثَرَ الصَّلَاةَ عَلَيْهِ ﷺ وَذَكَرَهُ؛ اسْتَوْلَت مَحَبَّتُهُ عَلَى قَلْبِهِ، حَتَّى لَا يَبْقَى فِي قَلْبِهِ مُعَارَضَةٌ لِشَيءٍ مِنْ أَوَامِرَهِ، وَلَا يَبْقَى فِي قَلْبِهِ شَكٌّ فِي شَيءٍ مِمَّا جَاءَ بِهِ، بَلْ يَصِيرُ مَا جَاءَ بِهِ مَكْتُوبًا مَسْطُورًا فِي قَلْبِهِ، لَا يَزَالُ يَقْرَؤُهُ عَلَى تَعَاقُبِ أَحْوَالِهِ، وَيَقْتَبِسُ الهُدَى وَالفَلَاحَ وَأَنْوَاعَ العُلُومِ مِنْهُ، وَكُلَّمَا ازْدَادَ فِي ذَلِكَ بَصِيرَةً وَقُوَّةَ مَعْرِفَةٍ؛ ازْدَادَت صَلَاتُهُ عَلَيْهِ ﷺ.
الخَامِسَةُ وَالثَّلَاثُونَ مِنْ فَوَائِدِ وَثَمَرَاتِ الصَّلَاةِ عَلَى المَأمُونِ ﷺ: أَنَّهَا سَبَبٌ لِعَرْضِ اسْمِ المُصَلِّي عَلَيْهِ ﷺ وَذِكْرِهِ عِنْدَهُ.
السَّادِسَةُ وَالثَّلَاثُونَ: أَنَّهَا سَبَبٌ لِتَثْبيتِ القَدَمِ عَلَى الصِّرَاطِ، وَالجَوَازِ عَلَيْهِ, لِحَدِيثِ عَبْد الرَّحْمَن بن سَمُرَة الَّذِي رَوَاهُ عَنْهُ سَعِيد بن المُسَيِّب في رُؤيَا النَّبِيِّ –صلى الله عليه وآله وسلم-؛ وَفِيهِ: «وَرَأيْتُ رَجُلًا مِنْ أُمَّتِي يَزْحَفُ عَلَى الصِّرَاطِ وَيَحْبُو أَحْيَانًا وَيَتَعَلَّقُ أَحْيَانًا، فَجَاءَتْهُ صَلَاتُهُ عَلِيَّ فَأَقَامَتْهُ عَلَى قَدَمَيْهِ وَأَنْقَذَتْهُ».
السَّابِعَةُ وَالثَّلَاثُونَ: أَنَّ الصَّلَاةَ عَلَيْهِ ﷺ أَدَاءٌ لِأَقَلِّ القَلِيلِ مِنْ حَقِّهِ، مَعَ أَنَّ الَّذِي يَسْتَحِقُّهُ لَا يُحْصَى عِلْمًا وَلَا قُدْرَةً، وَلَا إِرَادَةً, وَلَكِنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ لِكَرَمِهِ رَضِيَ مِنْ عِبَادِهِ بِاليَسِيرِ مِنْ شُكْرِهِ وَأَدَاءِ حَقِّهِ.
الثَّامِنَةُ وَالثَّلَاثُونَ: أَنَّهَا مُتَضَمِّنَةٌ لِذِكْرِ اللهِ تعالى وَشُكْرِهِ، وَمَعْرِفَةِ إِنْعَامِهِ عَلَى عَبِيدِهِ بِإِرْسَالِهِ، فَالمُصَلِّي عَلَيْهِ -صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ- قَد تَضَمَّنَت صَلَاتُهُ عَلَيْهِ ذِكْرَ اللهِ وَذِكْرَ رَسُولِهِ، وَسُؤالَهُ أَنْ يَجْزِيَهُ بِصَلَاتِهِ عَلَيْهِ مَا هُوَ أَهْلُهُ، كَمَا عَرَّفَنَا رَبُّنَا أَسْمَاءَهُ وَصِفَاتِهِ، وَهَدَانَا إِلَى طَرِيقِ مَرْضَاتِهِ، وَعَرَّفَنَا مَا لَنَا بَعْدَ الوصُولِ إِلَيْهِ وَالقُدُومِ عَلَيْهِ، فَهِيَ مُتَضَمِّنَةٌ لِلإِقَرْارِ بِوُجُوبِ الرَّبِّ المَدْعُوِّ، وَعِلْمِهِ وَسَمْعِهِ وَقُدْرَتِهِ، وَإِرَادَتِهِ وَحَيَاتِهِ وَكَلامِهِ، وَإِرْسَالِ رَسُولِهِ، وَتَصْدِيقِهِ فِي أَخْبَارِهِ كُلِّهَا، وَكَمَالِ مَحَبَّتِهِ.
وَلَا رَيْبَ أَنَّ هَذِهِ هِيَ أُصُولُ الإِيمَانِ، فَالصَّلَاةُ عَلَيْهِ ﷺ مُتَضَمِّنَةٌ لِعِلْمِ العَبْدِ ذَلِكَ، وَتَصْدِيقِهِ بِهِ، وَمَحَبَّتِهِ لَهُ، فَكَانَت مِنْ أَفْضَلِ الأَعْمَالِ.
التَّاسِعَةُ وَالثَّلَاثُونَ: أَنَّ الصَّلَاةَ عَلَيْهِ ﷺ مِنَ العَبْدِ هِيَ دُعَاءٌ، وَدُعَاءُ العَبْدِ وَسُؤالُهُ مِنْ رَبِّهِ نَوْعَان:
*أَحَدُهُمَا: سُؤالُهُ حَوَائِجَهُ وَمُهِمَّاتِهِ، وَمَا يَنُوبُهُ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، فَهَذَا دُعَاءٌ وَسُؤالٌ، وَإِيْثَارٌ لِمَحْبُوبِ العَبْدِ وَمَطْلُوبِهِ.
*وَالثَّانِي: سُؤالُهُ أَنْ يُثْنِيَ عَلَى خَلِيلِهِ وَحَبِيبِهِ, وَيَزِيدَ فِي تَشْرِيفِهِ وَتَكْرِيمِهِ، وَإِيثَارِ ذِكْرِه، وَرَفْع شَأْنِهِ عَلَى كُلِّ مَا يَطْلُبُهُ العَبْدُ لِنَفْسِهِ مِنْ رَبِّهِ، وَلَا رَيْبَ أَنَّ اللهَ يُحِبُّ ذَلِكَ وَرَسُولُهُ يُحِبُّهُ، فَالمُصَلِّي عَلَيْهِ ﷺ قَد صَرَفَ سُؤالَهُ وَرَغْبَتَهُ وَطَلَبَهُ إِلَى مَحَابِّ اللهِ وَرَسُولِهِ، وَآثَرَ ذَلِكَ عَلَى طَلَبِهِ لحَوَائِجِهِ وَمَحَابِّهِ، بَلْ كَانَ هَذَا المَطْلُوبُ مِنْ أَحَبِّ الأُمُورِ إِلَيْهِ وَآثَرِهَا عِنْدَهُ، فَقَد آثَرَ مَا يُحِبُّهُ اللهُ وَرَسُولُهُ عَلَى مَا يُحِبُّهُ هُوَ، وَآثَرَ اللهَ وَمَحَابه عَلَى مَا سِوَاهُ، وَالجَزَاءُ مِنْ جِنْسِ العَمَلِ، فَمَنْ آثَرَ اللهَ عَلَى غَيْرِهِ آثَرَهُ اللهُ عَلَى غَيْرِهِ.
الأَرْبَعُونَ مِن فَوَائِدِ وَثَمَرَاتِ الصَّلَاةِ عَلَى المَأمُونِ ﷺ: وَهِيَ مَسْأَلَةٌ حَسَنَةٌ بَدِيعَةٌ، وَهِيَ لِمَنْ عَلَّمَ أُمَّةَ النَّبِيِّ ﷺ دِينَ اللهِ وَمَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ ﷺ مِنْ عِنْدِ اللهِ، وَدَعَاهُم إِلَيْهِ، وَحَضَّهُم عَلَيْهِ، وَصَبَرَ عَلَى ذَلِكَ، وَهِيَ أَنَّ للنَّبِيِّ ﷺ مِن الأَجْرِ الزَّائِدِ عَلَى أَجْرِ عَمَلِهِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ اتَّبَعَهُ، فَالدَّاعِي إِلَى سُنَّتِهِ وَدِينِهِ ﷺ، وَالمُعَلِّمُ الخَيْرِ لِلأُمَّةِ إِذَا قَصَدَ تَوفِيرَ هَذَا الحَظِّ وَالأَجْرِ عَلَى رَسُولِ اللهِ ﷺ وَصَرْفَهُ إِلَيْهِ، وَكَانَ مَقْصُودُهُ بِدَعْوَةِ الخَلْقِ إِلَى اللهِ التَّقَرُّبَ إِلَيْهِ بِإِرْشَادِ عِبَادِهِ، وَتَوْفِيرَ أُجُورِ المُطِيعِينَ لَهُ عَلَى رَسُولِ اللهِ ﷺ، مَعَ تَوْفِيَتِهِم أُجُورَهُم كَامِلَةً؛ كَانَ لَهُ مِن الأَجْرِ فِي دَعْوَتِهِ وَتَعْلِيمِهِ بِحَسَبِ هَذِهِ النِّيَّةِ، وَذَلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤتِيهِ مَنْ يَشَاءُ، وَاللهُ ذُو الفَضْلِ العَظِيمِ.
28*ذِكْرُ اللهِ وَفَهْمُ مَعَانِي الْأَذْكَارِ.. أَكْثَرُ النَّاسِ مَصْرُوفٌ عَنْهَا صَرْفًا شَدِيدًا، وَهِيَ مَيْسُورَةٌ جِدًّا.
*وَقَبِيحٌ جِدًّا مِنْ طُلَّابِ الْعِلْمِ أَنْ يُشْغَلُوا عَنْهَا -عَنِ الْأَذْكَارِ-، وَأَلَّا يُعَطِّرُوا بِهَا مَجَالِسَهُمْ.
29*ذِكْرُ اللهِ هُوَ الَّذِي يُوصِلُ الْعَبْدَ إِلَى مَحَبَّةِ اللهِ وَإِلَى رِضَاهُ -جَلَّ وَعَلَا-، وَيُوصِلُ الْعَبْدَ إِلَى جَنَّةِ الْخُلْدِ.
30*يُقْرَنُ التَّسْبِيحُ وَالتَّحْمِيدُ فِي الْأَذْكَارِ:
فَالتَّسْبِيحُ: تَنْزِيهُ اللهِ عَنِ النَّقَائِصِ وَالْعُيُوبِ.
وَالتَّحْمِيدُ: إِثْبَاتُ الْمَحَامِدِ كُلِّهَا للهِ -جَلَّ وَعَلَا-.
31*((تَسْبِيحُ الْكَائِنَاتِ لِرَبِّ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتِ))
*الْإِنْسَانُ إِذَا سَبَّحَ رَبَّهُ يَدْخُلُ فِي مَنْظُومَةِ الْكَوْنِ الْمُسَبِّحِ؛ لِأَنَّ اللهَ -جَلَّ وَعَلَا- أَخْبَرَنَا عَنْ تَسْبِيحِ الْكَائِنَاتِ لَهُ، فَجَمِيعُ الْكَائِنَاتِ مُسَبِّحَةٌ للهِ تَعَالَى.
*الثَّقَلَانِ وَحْدَهُمَا لَا يُسَبِّحَانِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ اللهُ -جَلَّ وَعَلَا-.
قَالَ تَعَالَى: {تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ ۚ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَٰكِن لَّا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ ۗ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا} [الإسراء: 44].
وَقَالَ تَعَالَى: {إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ} [ص: 18].
وَقَالَ تَعَالَى: {وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ ۚ وَكُنَّا فَاعِلِينَ} [الأنبياء: 79].
فَهَذِهِ النُّصُوصُ الْعَظِيمَةُ تَدُلُّ دَلَالَةً ظَاهِرَةً أَنَّ جَمِيعَ الْكَائِنَاتِ تُسَبِّحُ اللهَ -جَلَّ وَعَلَا-، فَالْحَيَوَانَاتُ تُسَبِّحُ اللهَ، وَالنَّبَاتَاتُ تُسَبِّحُ اللهَ، وَالْجَمَادَاتُ تُسَبِّحُ اللهَ، وَإِنْ كُنَّا لَا نَفْهَمُ تَسْبِيحَهُمْ، وَهُوَ تَسْبِيحٌ حَقِيقِيٌّ، يَصْدُرُ -هَذَا التَّسْبِيحُ- مِنْ هَذِهِ الْكَائِنَاتِ بِلِسَانِ الْمَقَالِ، وَلَيْسَ بِلِسَانِ الْحَالِ كَمَا يَدَّعِيهِ بَعْضُهُمْ.
وَاللهُ -جَلَّ وَعَلَا- يَجْعَلُ لِهَذِهِ الْكَائِنَاتِ إِدْرَاكَاتٍ يُسَبِّحُونَ بِهَا.
قَالَ النَّوَوِيُّ -رَحِمَهُ اللهُ-: ((وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يُسَبِّحُ حَقِيقَةً وَيَجْعَلُ اللهُ تَعَالَى فِيهِ تَمْيِيزًا بِحَسَبِهِ)).
وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الْقَوْلُ الْحَقُّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِلَا رَيْبٍ.
*وَلَيْسَ هَذَا بِأَعْجَبَ مِنْ تَسْبِيحِ الْحَصَا فِي يَدِ رَسُولِ اللهِ ﷺ، وَتَسْبِيحِ الطَّعَامِ وَهُوَ يُؤْكَلُ، وَكَانَ يَسْمَعُ ذَلِكَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ ﷺ، فَقَدْ رَوَى الْبُخَارِيُّ: ((فَلَقَدْ رَأَيْتُ الْمَاءَ يَنْبُعُ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وَلَقَدْ كُنَّا نَسْمَعُ تَسْبِيحَ الطَّعَامِ وَهُوَ يُؤْكَلُ)).
قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ -رَحِمَهُ اللهُ-: ((وَتَسْبِيحُ الْجِبَالِ وَالطَّيْرِ مَعَ دَاوُدَ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- هُوَ تَسْبِيحٌ حَقِيقِيٌّ، وَلَكِنْ بِكَيْفِيَّةٍ يَعْلَمُهَا اللهُ تَعَالَى كَمَا قَالَ سُبْحَانَهُ: {تُسَبِّحُ لَهُ السَّماواتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ، وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ} )).
قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ -رَحِمَهُ اللهُ-: ((فَسُبْحَانَ مَنْ اخْتَصَّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ شَاءَ مِنَ الْجِبَالِ وَالرِّجَالِ.. هَذَا وَإِنَّهَا لَتَعْلَمُ أَنَّ لَهَا مَوْعِدًا وَيَوْمًا تُنْسَفُ فِيهَا نَسْفًا، وَتَصِيرُ كَالْعِهْنِ مِنْ هَوْلِهِ وَعِظَمِهِ، فَهِيَ مُشْفِقَةٌ مِنْ هَوْلِ ذَلِكَ الْمَوْعِدِ، مُنْتَظِرَةٌ لَهُ...
هَذَا حَالُ الْجِبَالِ وَهِيَ الْحِجَارَةُ الصَّلْبَةُ وَهَذِهِ رِقَّتُهَا وَخَشْيِتُهَا وَتَدَكْدُكُهَا مِنْ جَلَالِ رَبِّهَا وَعَظَمَتِهِ، وَقَدْ أَخْبَرَ عَنْهَا فَاطِرُهَا وَبَارِيهَا أَنَّهُ لَوْ أُنْزِلَ عَلَيْهَا كَلَامُهُ لَخَشَعَتْ وَلَتَصَدَّعَتْ مِنْ خَشْيَةِ اللهِ؛ فَيَا عَجَبًا مِنْ مُضْغَةِ لَحْمٍ أَقْسَى مِنْ هَذِهِ الْجِبَالِ تَسْمَعُ آيَاتِ اللهِ تُتْلَى عَلَيْهَا وَيُذْكَرُ الرَّبُّ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- فَلَا تَلِينُ وَلَا تَخْشَعُ وَلَا تُنِيبُ!!))
32*التَّسْبِيحُ مِنَ الْأُصُولِ وَالْأُسُسِ الْمُهِمَّةِ الَّتِي يَنْبَنِي عَلَيْهَا الْمُعْتَقَدُ فِي الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ.
33*التَّسْبِيحُ: هُوَ التَّنْزِيهُ، إِبْعَادُ صِفَاتِ النَّقْصِ مِنْ أَنْ تُضَافَ إِلَى اللهِ سُبْحَانَهُ.
34*قَالَ تَعَالَى: {قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} [الأنعام: 15]...
35*((فَضَائِلُ وَثَمَرَاتُ ((لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ))
*مِنْ فَضَائِلِ ((لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ)): أَنَّ اللهَ جَعَلَهَا زُبْدَةَ دَعْوَةِ الرُّسُلِ -عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-.
قَالَ تَعَالَى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل: 36].
*وَمِنْ فَضَائِلِ ((لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ)): أَنَّ اللهَ وَصَفَهَا فِي الْقُرْآنِ بِأَنَّهَا الْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ.
قَالَ تَعَالَى: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ} [إبراهيم: 24].
*وَمِنْ فَضَائِلِ ((لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ)): أنها القول الثابت.
قال تعالى: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ} [إبراهيم: 27].
*وهي العهد.
قال تعالى: {لَّا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِندَ الرَّحْمَٰنِ عَهْدًا} [مريم: 87].
*وَمِنْ فَضَائِلِ ((لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ)): أنها العروة الوثقى التي من تمسك بها نجا، ومن لم يتمسك بها هلك.
قال تعالى: {فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىٰ لَا انفِصَامَ لَهَا} [البقرة: 256].
*وَمِنْ فَضَائِلِ ((لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ)): أنها الكلمة الباقية التي جعلها إبراهيم -عليه الصلاة والسلام- في عقبه لعلهم يرجعون.
قال تعالى: {وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [الزخرف: 28].
*وَمِنْ فَضَائِلِ ((لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ)): أنها كلمة التقوى التي ألزم الله أصحاب النبي ﷺ بها.
قال تعالى: {إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَىٰ وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا ۚ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا} [الفتح: 26].
*ومن فضائل هذه الكلمة: أنها منتهى الصواب وغايتُه.
قال تعالى: {يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا ۖ لَّا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَٰنُ وَقَالَ صَوَابًا} [النبأ: 38].
عن علي ابن أبي طلحة، عن ابن عباس -رضي الله عنهما-: ((إلا من أذن له الله -عز وجل- بكلمة الصواب وهي ((لا إله إلا الله)).
*ومن فضائلها أنها دعوة الحق.
قال تعالى: {لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ} [الرعد: 14].
*وَمِنْ فَضَائِلِ ((لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ)): أَنَّهَا هِيَ الرَّابِطَةُ الْحَقِيقِيَّةُ الَّتِي اجْتَمَعَ عَلَيْهَا أَهْلُ دِينِ الْإِسْلَامِ، فَعَلَيْهَا يُوَالُونَ وَيُعَادُونَ، وَبِهَا يُحِبُّونَ وَيُبْغِضُونَ، وَبِسَبَبِهَا أَصْبَحَ الْمُجْتَمَعُ الْمُسْلِمُ كَالْجَسَدِ الْوَاحِدِ وَكَالْبُنْيَانِ الْمَرْصُوصِ يَشُدُّ بَعْضُهَا بَعْضًا.
قَالَ الشَّيْخُ الْعَلَّامَةُ مُحَمَّد الْأَمِين الشِّنْقِيطِيِّ -رَحِمَهُ اللهُ- فِي كِتَابِهِ ((أَضْوَاء الْبَيَانِ)): ((والحاصل أن الرابطة الحقيقية التي تجمع المفترق وتؤلف المختلف هي رابطة ((لا إله إلا الله)).
ألا ترى أن هذه الرابطة التي تجمع المجتمع الإسلامي كله كأنه جسد واحد، وتجعله كالبنيان يشد بعضه بعضا، عطفت قلوب حملة العرش ومن حوله من الملائكة على بني آدم في الأرض مع ما بينهم من الاختلاف، قال تعالى: { الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ (7) رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدتَّهُمْ وَمَن صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ ۚ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (8) وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ ۚ وَمَن تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ ۚ وَذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (9)} [غافر: 7-9].
فقد أشار تعالى إلى أن الرابطة التي ربطت بين حملة العرش ومن حوله وبين بني آدم في الأرض حتى دعوا الله لهم هذا الدعاء الصالح العظيم إنما هي الإيمان بالله -جل وعلا-.
إلى أن قال -رحمه الله-: وبالجملة فلا خلاف بين المسلمين أن الرابطة التي تربط أفراد أهل الأرض بعضهم ببعض وتربط بين أهل الأرض والسماء هي رابطة ((لا إله إلا الله))، فلا يجوز ألبتة النداء برابطة غيرها)).
*ومن فضائل هذه الكلمة: أنها أفضل الحسنات، قال الله تعالى: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} [الأنعام: 160].
وقد ورد عن ابن مسعود، وابن عباس، وأبي هريرة، وغيرهم: أن المراد بالحسنة: ((لا إله إلا الله))، وعن عكرمة -رحمه الله- في قول الله -عز وجل-: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} [الأنعام: 160].
قال: ((قول: لا إله إلا الله. قال: له منها خير؛ لأنه لا شيء خير من لا إله إلا الله)).
وقد ثبت في ((المسند)) وغيره عن أبي ذر -رضي الله عنه- قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، عَلِّمْنِي عَمَلًا يُقَرِّبُنِي مِنَ الْجَنَّةِ وَيُبَاعِدُنِي مِنَ النَّارِ، قَالَ: ((إِذَا عَمِلْتَ سَيِّئَةً فَاعْمَلْ حَسَنَةً فَإِنَّهَا عَشْرُ أَمْثَالِهَا)).
قَالَ: قَلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مِنَ الْحَسَنَاتِ؟
قَالَ: ((هِيَ مِنْ أَحْسَنِ الْحَسَنَاتِ)).
فهذه بعض فضائل هذه الكلمة العظيمة، من خلال ما ورد في الآيات في الكتاب العزيز.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له كلمة قامت بها الأرض السماوات وخلقت لأجلها جميع المخلوقات وبها أرسل الله تعالى رسله وأنزل كتبه وشرع شرائعه ولأجلها نصبت الموازين ووضعت الدواوين وقام سوق الجنة والنار وبها انقسمت الخليقة إلى المؤمنين والكفار والأبرار والفجار.
فهي منشأ الخلق والأمر والثواب والعقاب، وهي الحق الذي خلقت له الخليقة وعنها وعن حقوقها السؤال والحساب، وعليها يقع الثواب والعقاب، وعليها نصبت القبلة، وعليها أسست الملة، ولأجلها جردت سيوف الجهاد.
وهي حق الله على جميع العباد فهي كلمة الإسلام ومفتاح دار السلام وعنها يسأل الأولون والآخرون فلا تزول قدما العبد بين يدى الله حتى يسأل عن مسألتين: ماذا كنتم تعبدون؟ وماذا أجبتم المرسلين؟
فجواب الأولى بتحقيق ((لا إله إلا الله)) معرفة وإقرارا وعملا
وجواب الثانية بتحقيق أن ((محمدا رسول الله)) معرفة وإقرارا وانقيادا وطاعة.
فضائل ((لا إله إلا الله)) لا يمكن لمخلوق عدها، إذ يترتب عليها من الأجر والثواب والفوائد الجمة ما لا يخطر ببال ولا يأتي في خيال.
وفضائلها من سنة النبي ﷺ:
فمن فضائلها: أنها أفضل الأعمال وأكثرها تضعيفا، وتعدل عتق الرقاب، وتكون لقائلها حرزا من الشيطان، كما في ((الصحيحين)) عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي ﷺ قال: ((مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ، فِي يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ ؛ كَانَتْ لَهُ عَدْلَ عَشْرِ رِقَابٍ ، وَكُتِبَ لَهُ مِائَةُ حَسَنَةٍ ، وَمُحِيَتْ عَنْهُ مِائَةُ سَيِّئَةٍ ، وَكَانَتْ لَهُ حِرْزًا مِنْ الشَّيْطَانِ يَوْمَهُ ذَلِكَ حَتَّى يُمْسِيَ ، وَلَمْ يَأْتِ أَحَدٌ بِأَفْضَلَ مِمَّا جَاءَ ، إِلَّا رَجُلٌ عَمِلَ أَكْثَرَ مِنْهُ)).
وفيهما أيضا عن أبي أيوب الأنصاري -رضي الله عنه- عن النبي ﷺ قال: ((من قالها عشر مرات كان كمن أعتق أربعة أنفس من ولد إسماعيل)).
*ومن فضائلها: أنها أفضل ما قاله النبيون، لما ثبت في الحديث عن النبي ﷺ أنه قال: ((أفضل ما قلت أنا والنبيون عشية عرفة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير))، وفي لفظ: ((خير الدعاء دعاء يوم عرفة، وخير ما قلته أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير)).
*ومن فضائلها: أنها ترجح بصحائف الذنوب يوم القيامة كما في حديث عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- المخرج في ((المسند))، و((سنن النسائي))، والترمذي، وغيرهما بإسناد جيد عن النبي ﷺ أنه قال: ((يُصَاحُ بِرَجُلٍ مِنْ أُمَّتِي عَلَى رُءُوسِ الْخَلائِقِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ , فَيُنْشَرُ لَهُ تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ سِجِلا ، كُلُّ سِجِلٍّ مِنْهَا مَدَّ الْبَصَرِ , ثُمَّ يَقُولُ لَهُ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ-: أَتُنْكِرُ مِنْ هَذَا شَيْئًا؟
فَيَقُولُ: لا يَا رَبِّ , فَيَقُولُ -عَزَّ وَجَلَّ-: أَلَكَ عُذْرٌ أَوْ حَسَنَةٌ؟ فَيَهَابُ الرَّجُلُ , فَيَقُولُ: لا يَا رَبِّ , فَيَقُولُ -عَزَّ وَجَلَّ-: بَلَى إِنَّ لَكَ عِنْدِي حَسَنَاتٍ , وَإِنَّهُ لا ظُلْمَ عَلَيْكَ.
فَيُخْرِجُ لَهُ بِطَاقَةً فِيهَا: أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ , فَيَقُولُ: يَا رَبِّ مَا هَذِهِ الْبِطَاقَةُ مَعَ هَذِهِ السِّجِلاتِ؟ فَيَقُولُ -عَزَّ وَجَلَّ-: إِنَّكَ لا تُظْلَمُ , قَالَ -: فَتُوضَعُ السِّجِلاتُ فِي كِفَّةٍ وَالْبِطَاقَةُ فِي كِفَّةٍ , فَطَاشَتِ السِّجِلاتُ وَثَقُلَتِ الْبِطَاقَةُ)).
ولا ريب أن هذا قد قام بقلبه من الإيمان ما جعل بطاقته التي فيها لا إله إلا الله تطيش بتلك السجلات، إذ الناس متفاضلون في الأعمال بحسب ما يقوم بقلوبهم من الإيمان، وإلا فكم من قائل ((لا إله إلا الله)) لا يحصل له مثل هذا لضعف إيمانه بها في قلبه، فقد ورد في ((الصحيحين)) من حديث أنس بن مالك -رضي الله عنه- عن النبي ﷺ أنه قال: ((يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ مَنْ قَالَ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَفِي قَلْبِهِ وَزْنُ شَعِيرَةٍ مِنْ خَيْرٍ ، وَيَخْرُجُ مِنَ النَّارِ مَنْ قَالَ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ ، وَفِي قَلْبِهِ وَزْنُ بُرَّةٍ مِنْ خَيْرٍ ، وَيَخْرُجُ مِنَ النَّارِ مَنْ قَالَ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَفِي قَلْبِهِ وَزْنُ ذَرَّةٍ مِنْ خَيْرٍ)).
فدل ذلك على أن أهل ((لا إله إلا الله)) متفاوتون فيها بحسب ما قام في قلوبهم من إيمان.
*ومن فضائل هذه الكلمة: أنها لو وزنت بالسموات والأرض رجحت بهن كما في ((المسند)) عن عبد الله بن عمرو، عن النبي ﷺ: ((أَنَّ نُوحًا قَالَ لِابْنِهِ عِنْدَ مَوْتِهِ: آمُرُكَ بِلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ فَإِنَّ السَّمَوَاتِ السَّبْعَ وَالْأَرْضِينَ السَّبْعَ لَوْ وُضِعَتْ فِي كِفَّةٍ وَوُضِعَتْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ فِي كِفَّةٍ رَجَحَتْ بِهِنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَلَوْ أَنَّ السَّمَوَاتِ السَّبْعَ وَالْأَرْضِينَ السَّبْعَ كُنَّ حَلْقَةً مُبْهَمَةً قَصَمَتْهُنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ)).
*ومن فضائلها: أنها ليس لها دون الله حجاب، بل تخرق الحجب حتى تصل إلى الله -عز وجل-، ففي الترمذي بإسناد حسن عن أبي هريرة -رضي الله عنه-، عن النبي ﷺ أنه قال: ((مَا قَالَ عَبْدٌ : لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ قَطُّ مُخْلِصًا إِلَّا فُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ السَّمَاءِ حَتَّى تُفْضِيَ إِلَى الْعَرْشِ مَا اجْتَنَبَ الْكَبَائِرُ)).
*ومن فضائلها: أنها نجاة لقائلها من النار، ففي ((صحيح مسلم)): ((أن النبي ﷺ سمع مؤذنا يقول: أشهد أن لا إله إلا الله، فقال: ((خرج من النار)).
وفي ((الصحيحين)) من حديث عتبان -رضي الله عنه-، عن النبي ﷺ أنه قال: ((إِنَّ اللهَ حَرَّمَ عَلَى النَّارِ مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ يَبْتَغِي بِذَلِكَ وَجْهَ اللهِ)).
*ومن فضائل هذه الكلمة: أن النبي ﷺ جعلها أفضل شعب الإيمان، ففي ((الصحيحين)) من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-: أن النبي ﷺ قال: ((الإيمان بضع وسبعون شعبة، أعلاها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق)).
*ومن فضائلها: أن النبي ﷺ أخبر أنها أفضل الذكر كما في الترمذي وغيره من حديث جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: ((أفضل الذكر لا إله إلا الله، وأفضل الدعاء الحمد لله)).
*ومن فضائلها: أن من قالها خالصا من قلبه يكون أسعد الناس بشفاعة الرسول الكريم ﷺ يوم القيامة، كما في ((الصحيح)) من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أنه قال: قيل: يا رسول الله من أسعد الناس بشفاعتك يوم القيامة؟
قال رسول الله ﷺ: ((لَقَدْ ظَنَنْتُ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ أَنْ لاَ يَسْأَلُنِي عَنْ هَذَا الحَدِيثِ أَحَدٌ أَوَّلُ مِنْكَ لِمَا رَأَيْتُ مِنْ حِرْصِكَ عَلَى الحَدِيثِ أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِي يَوْمَ القِيَامَةِ، مَنْ قَالَ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، خَالِصًا مِنْ قَلْبِهِ، أَوْ نَفْسِهِ)).
وفي قول النبي ﷺ في هذا الحديث: ((من قال لا إله إلا الله خالصا من قلبه)) دليل على أن ((لا إله إلا الله)) لا تقبل من قائلها بمجرد قوله لها بلسانه فقط، بل لا بد من استيفاء شروطها والإتيان بقيودها الواردة في الكتاب والسنة.
وهي لا تنفع قائلها إلا إذا علم معناها وحقق شروطها واجتنب نواقضها وعمل بمقتضاها.
*((لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ)) لَا تَنْفَعُ إِلَّا مَنْ عَلِمَ مَدْلُولَهَا نَفْيًا وَإِثْبَاتًا وَعَمِلَ بِهَا.
36*((لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ)) خَيْرُ الذِّكْرِ وَأَفْضَلُهُ وَأَكْمَلُهُ.
37*شَرَعَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ -رَحِمَهُ اللهُ- فِي ذِكْرِ الْأَذْكَارِ الْمُوَظَّفَةِ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ: فَصْلٌ فِي ذِكْرِ اللهِ تَعَالَى طَرَفَيِ النَّهَارِ.
فِي حَدِيثِ: ابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-، قَالَ: لَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَدَعُ هَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتِ إِذَا أَصْبَحَ وَإِذَا أَمْسَى: ((اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ فِي دِينِي وَدُنْيَايَ وَأَهْلِي وَمَالِي، اللَّهُمَّ اسْتُرْ عَوْرَاتِي وَآمِنْ رَوْعَاتِي، اللَّهُمَّ احْفَظْنِي مِنْ بَيْنِ يَدَيَّ وَمِنْ خَلْفِي وَعَنْ يَمِينِي وَعَنْ شِمَالِي وَمِنْ فَوْقِي وَأَعُوذُ بِعَظَمَتِكَ مِنْ أَنْ أُغْتَالَ مِنْ تحتي)).
عَوْرَاتِي: جَمْعُ عَوْرَةٍ وَهِيَ كُلُّ مَا يُسْتَحْيَا مِنْهُ.
الرَّوْعَةُ: الْفَزْعَةُ وَكُلُّ مَا يُخِيفُ.
أُغْتَالَ مِنْ تَحْتِي: يَعْنِي الْخَسْفَ.
*بَدَأَ النَّبِيُّ ﷺ بِسُؤُالِ اللهِ الْعَافِيَةَ، وَالْعَافِيَةُ لَا يَعْدِلُهَا شَيْءٌ، وَمَنْ أُوتِيَ الْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَقَدْ أُوتِي الْخَيْرَ كُلَّهُ.
اللهم اسْتُرْ عَوْرَاتِي: أَيْ عُيُوبِي وَخَلَلِي وَتَقْصِيرِي.
*حَرِيٌّ بِالْمَرْأَةِ أَنْ تُحَافِظَ عَلَى هَذَا الدُّعَاءِ لَا سِيَّمَا فِي هَذَا الزَّمَانِ الَّذِي سَادَ فِيهِ التَّهَتُّكُ وَالْعُرْيُ، وَالْمَرْأَةُ الْمُسْلِمَةُ الصَّيِّنَةُ تَسْأَلُ اللهَ دَائِمًا وَأَبَدًا أَنْ يَحْفَظَهَا مِنَ الْفِتَنِ وَأَنْ يَسْتُرَ عَوْرَاتِهَا.
*وَآمِنْ رَوْعَاتِي: سُؤُالُ الله أَنْ يُجَنِّبَهُ كُلَّ أَمْرٍ يُخِيفُهُ.
*فِي هَذَا الدُّعَاءِ تَحْصِينُ الْعَبْدِ مِنْ أَنْ يَصِلَهُ الشَّيْطَانُ مِنْ أَيِّ جِهَةٍ مِنَ الْجِهَاتِ؛ لِأَنَّهُ فِي كَنَفِ اللهِ...
38*فَصْلٌ فِيمَا يُقَالُ عِنْدُ النَّوْمِ..
ذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ -رَحِمَهُ اللهُ- أَذْكَارَ تُقَالُ عِنْدَ النَّوْمِ.
إِذَا قِيلَ: مَا الْحِكْمَةُ مِنْ ذِكْرِ اللهِ قَبْلَ النَّوْمِ وَعِنْدَ الْقِيَامِ مِنْهُ؟
عِنْدَ النَّوْمِ: لِيَكُونَ خَاتَمَةُ أَعْمَالِهِ بِذِكْرِ اللهِ تَعَالَى.
وَعِنْدَ الِاسْتِيقَاظِ: لِيَكُونَ أَوَّلُ عَمَلِهِ بِذِكْرِ اللهِ تَعَالَى وَالْكَلِمِ الطَّيِّبِ.
*النَّوْمُ يُذَكِّرُ الْمُسْلِمَ بِالْمَوْتِ وَأَنَّ اللهَ هُوَ الْحِيُّ الْقَيُّومُ الَّذِي لَا يَمُوتُ، وَكَذَلِكَ الِاسْتِيقَاظُ دَلِيلٌ عَلَى الْبَعْثِ وَالنُّشُورِ.
39*مِنْ نِعَمِ اللهِ تَعَالَى الْعَظِيمَةِ الَّتِي يَغْفُلُ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ عَنْ شُكْرِهَا نِعْمَةُ الْمَسْكِنِ.
40*قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: ((إِنَّ أَعْجَزَ النَّاسِ مَنْ عَجَزَ بِالدُّعَاءِ ، وَإِنَّ أَبْخَلَ النَّاسِ مَنْ بَخِلَ بِالسَّلامِ)).
41*((التَّوَازُنُ بَيْنَ الرُّوحِ وَالْجَسَدِ))
الْإِقْبَالُ عَلَى اللهِ تَعَالَى يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مُتَوَازِنًا، وَعَلَى الْإِنْسَانِ -وَهُوَ مِنْ جَسَدٍ وَرُوحٍ، مِنْ قَبْضَةٍ مِنْ تُرَابٍ وَنَفْخَةٍ مِنْ رُوحٍ- أَنْ يَكُونَ مُتَوَازِنًا؛ حَتَّى يَسْتَطِيعَ أَنْ يَكُونَ إِلَى اللهِ سَائِرًا سَيْرًا صَحِيحًا، وَأَنْ يَتَعَامَلَ مَعَ النُّصُوصِ تَعَامُلًا صَحِيحًا.
وَالْمُسْلِمُ يَقْتَدِي بِرَسُولِ اللهِ ﷺ: ((إِنِّي لَأَصُومُ وَأُفْطِرُ، وَأَقُومُ وَأَرْقُدُ، وَأَنْكِحُ النِّسَاءَ، مَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي)).
42*الْمُسْلِمُ الصَّادِقُ يَعْلَمُ عِلْمَ الْيَقِينِ أَنَّهُ لَا غِنَى لَهُ عَنِ اللهِ طَرْفَةَ عَيْنٍ...
43*((اللهم سَلِّمْنِي وَسَلِّمْ مِنِّي))
كَانَ بَعْضُ السَّلَفِ يَقُولُونَ: ((اللهم سَلِّمْنِي وَسَلِّمْ مِنِّي))
فَمَنْ كَانَ سَالِمًا مِنْ شَرِّ النَّاسِ، وَالنَّاسُ سَالِمُونَ مِنْهُ فَهُوَ فِي خَيْرٍ عَظِيمٍ.
#الدورة_العلمية_العاشرة_للعلامة_الرسلان