تفريغ مقطع : جملة مختصرة من أحكام عيد الفطر
وِلَقَدْ شَرَعَ اللَّهُ لَنَا فِي خِتَامِ شَهْرِنَا عِبَادَات؛ تَزِيدَنَا مِنَ اللَّهِ قُرْبًا، وَتَزِيدُ فِي أَعْمَالِنَا قُوَّة، وَفِي سِجِلِّ إِيمَانِنَا حَسَنَات، فَشَرَعَ اللَّهُ لَنَا زَكَاةَ الفِطْرِ، وَشَرَعَ لَنَا التَّكْبِيرَ عِنْدَ إِكْمَالِ العِدَّةِ مِنْ غُرُوبِ الشَّمْسِ لَيْلَةَ العِيدِ إِلَى صَلَاةِ العِيدِ، قَالَ اللَّهُ -جَلَّ وَعَلَا-: {وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [البقرة: 185].
وَصِفَةُ التَّكْبِير: أَنْ يَقُولَ: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّه, وَاللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ وَللَّهِ الحَمْد، وَيُسَنُّ جَهْرُ الرِّجَالِ بِهِ فِي المَسَاجِدِ وَالأَسْوَاقِ وَالبُّيُوتِ؛ إِعْلَانًا بِتَعْظِيمِ اللَّهِ، وَإِظْهَارًا لِعِبَادَتِهِ وَشُكْرِهِ، وَيُسِرُّ بِهِ النِّسَاءُ؛ لِأَنَّهُنَّ مَأْمُورَاتٌ بِالتَّسَتُّرِ وَالإِسْرَارِ بِالصَّوُتِ.
مَا أَجْمَلَ حَالَ النَّاسِ وَهُمْ يُكَبِّرُونَ اللَّهِ؛ تَعْظِيمًا وَإِجْلَالًا فِي كُلِّ مَكَانٍ، عِنْدَ انْتِهَاءِ شَهْرِ صَوْمِهِم، يَمْلَؤُونَ الأَفَاقَ تَكْبِيرًا وَتَحْمِيدًا وَتَهْلِيلًا، يَرْجُونَ رَحْمَةَ اللَّهِ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ.
وَشَرَعَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ لِعِبَادِهِ صَلَاةَ العِيدِ يَوْمَ العِيد؛ وَهِيَ مِنْ تَمَامِ ذِكْرِ اللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ-, أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- بِهَا أُمَّتَهُ رِجَالًا وَنِسَاءً، وَ أَمْرُهُ مُطَاعٌ؛ لِقَوْلِهِ -جَلَّ وَعَلَا-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد: 33].
وَقَدْ أَمَرَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- النِّسَاءَ أَنْ يَخْرُجْنَ إِلَى صَلَاةِ العِيدِ مَعَ أَنَّ البُّيُوتَ خَيْرٌ لَهُنَّ فِيمَا عَدَا هَذِهِ الصَّلَاة، وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى تَأْكِيدِهَا؛ قَالَت أُمُّ عَطِيَّةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- : أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- أَنْ نُخْرِجَهُنَّ فِي الفِطْرِ وَالأَضْحَى؛ العَوَاتِقَ وَالحُيَّضَ وَذَوَاتِ الخُدُورِ، فَأَمَّا الحُيَّضُ فَيَعْتَزِلْنَ المُصَلَّى وَيَشْهَدْنَ الخَيْرَ وَدَعْوَةَ المُسْلِمِينَ، قَالَت: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِحْدَانَا لَا يَكُونَ لَهَا جِلْبَاب قَالَ: ((لِتُلْبِسْهَا أُخْتُهَا مِنْ جِلْبَابِهَا)) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَالجِلْبَابُ: لِبَاسٌ تَلْتَحِفُ فِيهِ المَرْأَةُ بِمَنْزِلَةِ العَبَاءَة.
وَمِنَ السُّنَّةِ أَنْ يَأْكُلَ قَبْلَ الخُرُوجِ إِلَى الصَّلَاةِ فِي عِيدِ الفِطْرِ تَمَرَاتٍ وِتْرًا؛ ثَلَاثًا أَوْ خَمْسًا أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ يَقْطَعُهَا عَلَى وِتْرٍ؛ لِقَوْلِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-: ((لَا يَغْدُو يَوْمَ الفِطْرِ حَتَّى يَأْكُلَ تَمْرَاتٍ وَيَأْكُلُهُنَّ وِتْرًا)) رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالبُخَارِيُّ.
وَيَخْرُجُ مَاشِيًا لَا رَاكِبًا، إِلَّا مِنْ عُذْرٍ كَعَجْزٍ وَبُعْدٍ؛ لِقَوْلِ عَلِيِّ بنِ أَبِي طَالِبٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: ((مِنَ السُّنَّةِ أَنْ يَخْرُجَ إِلَى العِيدِ مَاشِيًا)).
وَيُسَنُّ لِلرَّجُلِ أَنْ يَتَجَمَّلَ وَيَلْبَسَ أَحْسَنَ ثِيَابِهِ؛ لِمَا فِي ((صَحِيحِ البُخَارِيِّ)) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قَالَ: أَخَذَ عُمَرُ جُبَّةً مِنْ إسْتَبْرَقٍ –أَيْ: مِنْ حَرِيرٍ- تُبَاعُ فِي السُّوقِ, فَأَتَي بِهَا رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ابْتَعْ هَذِهِ –يَعْنِي: اشْتِرِهَا- تَجَمَّلْ بِهَا لِلعِيدِ وَالوُفُودِ, فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ((إِنَّمَا هَذِهِ لِبَاسُ مَنْ لَا خَلَاقَ لَهُ)).
وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ لِكَوْنِهَا حَرِيرًا, وَلَا يَجُوزُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَلْبَسَ شَيْئًا مِنَ الحَرِيرِ أَوْ شَيْئًا مِنَ الذَّهَبِ؛ لِأَنَّهُمَا حَرَامٌ عَلَى الذُّكُورِ مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
وَأَمَّا المَرْأَةُ فَتَخْرُجُ إِلَى العِيدِ لَا مُتَجَمِّلَةً وَلَا مُتَطَيِّبَةً وَلَا مُتَبَرِّجَةً وَلَا سَافِرَةً؛ لِأَنَّهَا مَأْمُورَةٌ بِالتَّسَتُّرِ, مَنْهِيَّةٌ عَنِ التَّبَرُّجِ بِالزِّينَةِ وَعَنِ التَّطَيُّبِ حَالَ الخُرُوجِ.
التعليقات
مقاطع قد تعجبك