((عِيدُنَا وَوَحْدَةُ الْأُمَّةِ))
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُه، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَلَّا إِلهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ﷺ.
أَمَّا بَعْدُ:
فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللهِ، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ ﷺ، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.
أَمَّا بَعْدُ:
«نِعْمَةُ الْأَمْنِ وَالِاسْتِقْرَارِ فِي الْوَطَنِ الْمُسْلِمِ»
فَإِنَّ الْأَمْنَ وَالِاسْتِقْرَارَ نِعْمَةٌ عَظِيمٌ نَفْعُهَا، كَرِيمٌ مَآلُهَا، وَبِاللَّهِ ثُمَّ بِالْأَمْنِ يُحَجُّ الْبَيْتُ الْعَتِيقُ، وَتُعَمَّرُ الْمَسَاجِدُ، وَيُرْفَعُ الْأَذَانُ مِنْ فَوْقِ الْمَنَارَاتِ، وَيَأْمَنُ النَّاسُ عَلَى دِمَائِهِمْ، وَأَمْوَالِهِمْ وَأَعْرَاضِهِمْ، وَتَأْمَنُ السُّبُلُ.
بِاللَّهِ ثُمَّ بِالْأَمْنِ تُرَدُّ الْمَظَالِمُ لِأَهْلِهَا، فَيُنْتَصَرُ لِلْمَظْلُومِ وَيُرْدَعُ الظَّالِمُ، وَتُقَامُ الشَّعَائِرُ، وَيَرْتَفِعُ شَأْنُ التَّوْحِيدِ مِنْ فَوْقِ الْمَنَابِرِ، وَيَجْلِسُ الْعُلَمَاءُ لِلْإِفَادَةِ، وَيَرْحَلُ الطُّلَّابُ لِلِاسْتِفَادَةِ، وَتُحَرَّرُ الْمَسَائِلُ، وَتُعْرَفُ الدَّلَائِلُ، وَيُزَارُ الْمَرْضَى، وَيُحْتَرَمُ الْمَوْتَى، وَيُرْحَمُ الصَّغِيرُ وَيُدَلَّلُ، وَيُحْتَرَمُ الْكَبِيرُ وَيُبَجَّلُ، وَتُوصَلُ الْأَرْحَامُ، وَتُعْرَفُ الْأَحْكَامُ، وَيُؤْمَرُ بِالْمَعْرُوفِ وَيُنْهَى عَنِ الْمُنْكَرِ، وَيُكَرَّمُ الْكَرِيمُ، وَيُعَاقَبُ اللَّئِيمُ.
وَعَلَى كُلِّ حَالٍ فَبِالْأَمْنِ اسْتِقَامَةُ أَمْرِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَبِالْأَمْنِ صَلَاحُ الْمَعَاشِ وَالْمَعَادِ, وَالْحَالِ وَالْمَآلِ.
((وُجُوبُ الدِّفَاعِ عَنْ أَمْنِ وَطَنِنَا وَوَحْدَتِهِ))
عِبَادَ اللهِ! إِنَّ بِلَادَنَا بِلَادٌ إِسْلَامِيَّةٌ، وَالْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
قَالَ الشَّيْخُ ابْنُ عُثَيْمِينٍ -كَمَا فِي شَرْحِهِ عَلَى ((رِيَاضِ الصَّالِحِينَ)) -: ((حُبُّ الْوَطَنِ: إِنْ كَانَ إِسْلَامِيًّا فَهَذَا تُحِبُّهُ؛ لِأَنَّهُ إِسْلَامِيٌّ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ وَطَنِكَ الَّذِي هُوَ مَسْقَطُ رَأْسِكَ، وَالوَطَنِ الْبَعِيدِ عَنْ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ, كُلُّهَا أَوْطَانٌ إِسْلَامِيَّةٌ يَجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نَحْمِيَهَا)).
الْوَطَنُ إِنْ كَانَ إِسْلَاميًّا يَجِبُ أَنْ يُحَبَّ، وَعَلَى الْإِنْسَانِ أَنْ يُشَجِّعَ عَلَى الْخَيْرِ فِي وَطَنِهِ، وَعَلى بَقَائِهِ إِسْلَامِيًّا, وَأَنْ يَسْعَى لِاسْتِقْرَارِ أَوْضَاعِهِ وَأَهْلِهِ, وَهَذَا هُوَ الْوَاجِبُ عَلَى كُلِّ الْمُسْلِمِينَ.
وَمِنْ لَوَازِمِ الْحُبِّ الشَّرْعِيِّ لِلْأَوْطَانِ الْمُسْلِمَةِ -أَيْضًا-: أَنْ يُحَافَظَ عَلَى أَمْنِهَا وَاسْتِقْرَارِهَا، وَأَنْ تُجَنَّبَ الْأَسْبَابَ الْمُفْضِيَةَ إِلَى الْفَوْضَى وَالِاضْطِرَابِ وَالْفَسَادِ؛ فَالْأَمْنُ فِي الْأَوْطَانِ مِنْ أَعْظَمِ مِنَنِ الرَّحِيمِ الرَّحْمَنِ عَلَى الْإِنْسَانِ.
فَعَلَى الْمُسْلِمِ أَنْ يَعْرِفَ قَدْرَ بَلَدِهِ الْإِسْلَامِيِّ، وَأَنْ يُدَافِعَ عَنْهُ، وَأَنْ يَجْتَهِدَ فِي تَحْصِيلِ اسْتِقْرَارِهِ وَأَمْنِهِ، وبُعْدِهِ وَإِبْعَادِهِ عَنِ الْفَوْضَى، وَعَنْ الِاضْطِرَابِ، وَعَنْ وُقُوعِ الْمُشَاغَبَاتِ.
عَلَى الْمُسْلِمِ أَنْ يُحِبَّ بَلَدَهُ الْإِسْلَامِيَّ، وَأَنْ يُدَافِعَ عَنْهُ، وَأَنْ يَمُوتَ دُونَهُ؛ فَإِنَّ مَنْ مَاتَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَالْأَرْضُ مَالٌ، فَمَنْ مَاتَ دُونَ مَالِهِ فَهُو شَهِيدٌ.
فَيَنْبَغِي أَنْ يُحَافَظَ عَلَى هَذَا الْبَلَدِ، وَأَنْ يُحَافَظَ عَلَى وَحْدَتِهِ، وَأَنْ يُجَنَّبَ الْفَوْضَى وَالْاضْطِرَابَ، وَأَنْ يُنَعَّمَ بِالْأَمْنِ وَالْأَمَانِ وَالِاسْتِقْرَارِ.
((الْأُخُوَّةُ الصَّادِقَةُ السَّبِيلُ لِوَحْدَةِ الْأُمَّةِ))
عِبَادَ اللهِ! إِنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا ﷺ بَيَّنَ لَنَا طَرِيقًا وَاحِدًا يَجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَسْلُكُوهُ، وَهُوَ صِرَاطُ اللهِ الْمُسْتَقِيمُ، وَمَنْهَجُ دِينِهِ الْقَوِيمِ.
قَالَ اللهُ -جَلَّ وَعَلَا-: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [الأنعام: 153].
وَقَالَ -جَلَّ وَعَلَا-: {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء:92].
وَقَالَ -جَلَّ وَعَلَا-: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِم} [الفاتحة: 6-7].
وَالَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ -جَلَّ وَعَلَا- عَلَيْهِمْ بَيَّنَهُمْ فِي قَوْلِهِ: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا} [النساء:69].
فَالَّذِينَ جَعَلُوا مَنْهَجَهُمْ كِتَابَ اللهِ تَعَالَى، وَسُنَّةَ نَبِيِّهِ ﷺ، وَعَمِلُوا بِقَوْلِهِ ﷺ هَؤُلَاءِ هُمُ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ.
فَدِينُنَا دِينُ الْأُلْفَةِ وَالِاجْتِمَاعِ، وَالتَّفَرُّقُ لَيْسَ مِنَ الدِّينِ، فَتَعَدُّدُ الْجَمَاعَاتِ لَيْسَ مِنَ الدِّينِ؛ لِأَنَّ الدِّينَ يَأْمُرُنَا أَنْ نَكُونَ جَمَاعَةً وَاحِدَةً، وَالنَّبِيُّ ﷺ يَقُولُ: «إِنَّ الْمُؤْمِنَ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا».
وَيَقُولُ ﷺ: «مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ، وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ».
وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْبُنْيَانَ، وَأَنَّ الْجَسَدَ شَيْءٌ وَاحِدٌ مُتَمَاسِكٌ، لَيْسَ فِيهِ تَفَرُّقٌ؛ لِأَنَّ الْبُنْيَانَ إِذَا تَفَرَّقَ سَقَطَ، كَذَلِكَ الْجِسْمُ إِذَا تَفَرَّقَ فَقَدَ الْحَيَاةَ؛ فَلَا بُدَّ مِنَ الِاجْتِمَاعِ، وَأَنْ نَكُونَ أُمَّةً وَاحِدَةً، أَسَاسُهَا التَّوْحِيدُ، وَمَنْهَجُهَا دَعْوَةُ الرَّسُولِ ﷺ، وَمَسَارُهَا عَلَى دِينِ الْإِسْلَامِ الْعَظِيمِ.
إِنَّ اللهَ -جَلَّ وَعَلَا- جَعَلَ مُحَمَّدًا ﷺ دَاعِيَةَ ائْتِلَافٍ، فَلَا تَخْتَلِفُوا، وَجَعَلَ مُحَمَّدًا ﷺ دَاعِيَةَ مَحَبَّةٍ، فَلَا تَبَاغَضُوا.
((نَصِيحَةٌ غَالِيَةٌ لِلنِّسَاءِ يَوْمَ الْعِيدِ))
قَالَ النَّبِيُّ ﷺ -وَكَانَ مِنْ عَادَتِهِ بَعْدَ خُطْبَةِ الْعِيدِ أَنْ يَتَوَجَّهُ إِلَى النِّسَاءِ- يَقُولُ: «يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ, تَصَدَّقْنَ؛ فَإِنِّي أُرِيتُكُنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ النَّارِ».
فَقُلْنَ: وَبِمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟
قَالَ: «تُكْثِرْنَ اللَّعْنَ، وَتَكْفُرْنَ العَشِيرَ».
((يُكْثِرْنَ اللَّعْنَ)): لَا يَنْضَبِطْنَ فِي أَلْسِنَتِهِنَّ وَمَنْطِقِهِنَّ، وَقَلَّ أَنْ تَجِدَ امْرَأَةً انْضَبَطَ لِسَانُهَا؛ لِمَ؟!!
لِأَنَّ انْضِبَاطَ اللِّسَانِ فَرْعٌ عَنِ انْضِبَاطِ الْقَلْبِ، وَذَلِكَ عَزِيزٌ فِي الرِّجَالِ؛ فَضْلًا عَنِ النِّسَاءِ!!
((يُكْثِرْنَ اللَّعْنَ، وَيَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ))، وَهَذَا فَاشٍ مُتَفَشٍّ فِي النِّسَاءِ؛ وَخَاصَّةً فِي هَذَا الزَّمَانِ.
يَقُولُ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «لَوْ أَحْسَنْتَ إِلَى إِحْدَاهُنَّ الدَّهْرَ، ثُمَّ رَأَتْ مِنْكَ شَيْئًا، قَالَتْ: مَا رَأَيْتُ مِنْكَ خَيْرًا قَطُّ!!».
خُلُقُ النِّسَاءِ؛ إِذَا عَرَفْتَهُ أَرَحْتَ وَاسْتَرَحْتَ، وَتَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ..؛ وَلَكِنَّ الْخَيْبَةَ الَّتِي لَا تَعْدِلُهَا خَيْبَةٌ: أَنْ يَنْسَرِحَ خُلُقُ النِّسَاءِ عَلَى الرِّجَالِ، فَلَا يَعْرِفُ أَحَدٌ لِأَحَدٍ مَعْرُوفًا، وَلَا يُقِرُّ أَحَدٌ لِأَحَدٍ بِفَضْلٍ، وَإِنَّمَا هُوَ الْجُحُودُ ... جُحُودُ النِّسَاءِ فِي الرِّجَالِ!!
وَهُوَ أَمْرٌ عَجِيبٌ؛ حَتَّى إِنَّكَ رُبَّمَا وَجَدْتَ مِنَ النِّسَاءِ مَنْ لَا تَجْحَدُ، وَلَا تَجِدُ فِي الرِّجَالِ مَنْ لَا يَجْحَدُ!!
وَلَا يَنْهَشُ يَدَكَ الَّتِي تَمُدُّهَا إِلَيْهِ -أَنَّكَ إِذَا مَدَدْتَ إِلَيْهِ يَدَكَ بِالْمَعْرُوفِ قَضَمَهَا، ثُمَّ تَطَلَّعَ إِلَى بَقِيَّةِ ذِرَاعِكَ؛ مِنْ أَجْلِ أَنْ يَلْتَهِمَه!!- حَتَّى إِنَّكَ لَا تَجِدُ إِلَّا مَنْ تَمُدُّ إِلَيْهِ يَدَكَ؛ لِيَكْفُرَ بِمَعْرُوفِكَ، وَيَقَعَ فِي عِرْضِكَ، وَيَصِلَكَ مِنْهُ الْأَذَى -كُلُّ الْأَذَى-؛ وَلَكِنْ: وَالصَّبْرُ عَلَى الْأَذَى فِيهِ.
((مُوَاصَلَةُ الْعِبَادَةِ بَعْدَ رَمَضَانَ))
تَذَكَّرُوا -عِبَادَ اللهِ- فِي هَذَا الْيَوْمِ مَنْ كَانَ مَعَكُمْ فِي الْعَامِ الَّذِي مَضَى، أَتَظُنُّونَ أَنَّهُمْ حُبِسُوا تَحْتَ أَطْبَاقِ الثَّرَى؛ لِتَرْتَعُوا أَنْتُمْ فَوْقَ الثَّرَى؟!!
أَتَظُنُّونَ أَنَّهُمْ صَارُوا إِلَى الضِّيقِ وَالْكَرْبِ؛ مِنْ أَجْلِ أَنْ تَظَلُّوا أَنْتُمْ فِي النَّعِيمِ وَاللَّعِبِ؟!!
أَلَا إِنَّ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ قَدْ فَسَحَ لَكُمْ فِي الْمُدَّةِ، وَهَذِهِ مِنْ نِعَمِهِ تَعَالَى عَلَيْكُمْ، فَوَاصِلُوا الْعِبَادَةَ وَلَا تَقْطَعُوهَا، قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ، كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ».
يَقُولُ رَسُولُ اللهِ ﷺ ((صِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ؛ صِيَامُ الدَّهْرِ)) ؛ يَعْنِي: صِيَامُ الْعَامِ؛ ذَلِكَ لِأَنَّ الْحَسَنَةَ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا؛ فَثَلَاثَةُ أَيَّامٍ بِثَلَاثِينَ يَوْمًا، فَمَنْ صَامَ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، فَكَأَنَّمَا صَامَ الشَّهْرَ كُلَّهُ -يَعْنِي فِي الثَّوَابِ وَالْعَطَاءِ مِنَ الْجَوَادِ الْكَرِيمِ الرَّحِيمِ-.
وَيُسْتَحَبُّ أَنْ تَكُونَ فِي الثَّالِثَ عَشَرَ، وَالرَّابِعَ عَشَرَ، وَالْخَامِسَ عَشَرَ، وَهِيَ: ((أَيَّامُ الْبِيضِ)).
عِبَادَ اللهِ! إِنَّهُ إِذَا كَانَ رَمَضَانُ قَدِ انْقَضَى بِصِيَامِهِ، وَقِيَامِهِ، وَتِلَاوَتِهِ، وَعَطَائِهِ؛ فَإِنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ لَمْ يَنْقَضِ بَعْدُ، وَلَنْ يَنْقَضِي إِلَّا بِالْمَوْتِ، {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} [الْحِجْرُ: 99].
فَإِنَّ الْعِبَادَةَ مُمْتَدَّةٌ إِلَى الْمَوْتِ، ((إِذَا مَاتَ ابْنُ آدَمَ انْقَطَعَ عَمَلُهُ)) ، فَلَمْ يَجْعَلْ لِانْقِطَاعِ الْعَمَلِ غَايَةً دُونَ الْمَوْتِ.
اعْلَمُوا -عِبَادَ اللهِ- أَنَّكُمْ مِنْ عِبَادِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، فَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونُوا للهِ طَائِعِينَ مُخْبِتِينَ.
خَلِّصُوا الْأَنْفُسَ مِنْ أَهْوَائِهَا!
طَهِّرُوا الْقُلُوبَ مِنْ أَحْقَادِهَا!
عُودُوا إِلَى اللهِ بِكُلِّكُمْ كَمَا خَلَقَكُمْ بِكُلِّكُمْ؛ فَإِنَّهُ لَيْسَ لَهُ شَرِيكٌ فِي خَلْقِكُمْ، وَلَيْسَ لَهُ شَرِيكٌ فِي رِزْقِكُمْ، فَاتَّقُوا اللهَ رَبَّكُمْ، وَارْجِعُوا إِلَى مَوْلَاكُمْ وَإِلَهِكُمْ!
وَحِّدُوا رَبَّكُمْ، وَاعْرِفُوا التَّوْحِيدَ، وَاعْلَمُوا أَنَّهُ لَا نَجَاةَ لَكُمْ إِلَّا بِهِ!
وَاتَّبِعُوا أَمْرَ نَبِيِّكُمْ، وَاعْلَمُوا أَنَّهُ لَا نَجَاةَ لَكُمْ إِلَّا بِاتِّبَاعِهِ!
«الْفَرَحُ يَوْمَ الْعِيدِ وَاجْتِنَابُ الْمُحَرَّمَاتِ»
عِبَادَ اللهِ! إِنَّ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ هُوَ الْحَكِيمُ، وَحِكْمَتُهُ ظَاهِرَةٌ -ظَاهِرَةٌ فِي خَلْقِهِ، كَمَا هِيَ ظَاهِرَةٌ فِي أَمْرِهِ، ظَاهِرَةٌ فِي شَرْعِهِ، كَمَا هِيَ ظَاهِرَةٌ فِي قَدَرِهِ-، فَاللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ هُوَ الْحَكِيمُ.
وَقَدْ شَرَعَ لَنَا رَبُّنَا هَذَا الْعِيدَ السَّعِيدَ فِي يَوْمٍ تَوَّجَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ فِيهِ شَهْرَ الصِّيَامِ، وَافْتَتَحَ فِيهِ مَوْسِمَ الْحَجِّ بِأَشْهُرِهِ إِلَى بَيْتِ اللهِ الْحَرَامِ، فَأَشْهُرُ الْحَجِّ: ((شَوَّالُ، وَذُو الْقَعْدَةِ، وَعَشْرٌ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ))، فَهَذِهِ أَشْهُرُ الْحَجِّ.
فَالْيَوْمُ أَوَّلُ أَشْهُرِ الْحَجِّ، أَوَّلُ يَوْمٍ فِي أَوَّلِ شَهْرٍ مِنْ أَشْهُرِ الْحَجِّ، وَهُوَ هَذَا الْعِيدُ الَّذِي يَجْزِيكُمُ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ فِيهِ عَلَى الصِّيَامِ وَالْقِيَامِ إِذَا كَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا.
عِبَادَ اللهِ! فِي هَذَا الْيَوْمِ يُحِبُّ رَبُّنَا -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- مِنْ عِبَادِهِ أَنْ يُظْهِرُوا الْفَرَحَ -الْفَرَحَ الْحَقِيقِيَّ بِنِعْمَةِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ عَلَيْهِمْ-، لَا بِالْإِغْرَاقِ فِي الْمَعَاصِي، لَا بِالتَّوَرُّطِ فِي السَّيِّئَاتِ؛ مِنْ مُصَافَحَةِ النِّسَاءِ الْأَجْنَبِيَّاتِ، وَمِنَ الِاخْتِلَاطِ بَيْنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، وَلَا مِنَ النَّظَرِ إِلَى الْمُحَرَّمَاتِ، وَلَا مِنَ الِاعْتِدَاءِ عَلَى الْحُرُمَاتِ.
{قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} [يونس 58].
افْرَحُوا بِنِعْمَةِ رَبِّكُمْ عَلَيْكُمْ؛ أَنْ وَفَّقَكُمْ لِلصِّيَامِ، وَهَدَاكُمْ لِلْقِيَامِ، وَمَنَّ عَلَيْكُمْ بِإِخْرَاجِ صَدَقَةِ الْفِطْرِ كَمَا دَلَّكُمْ عَلَيْهَا نَبِيُّكُمْ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَأَزْكَى السَّلَامِ-.
افْرَحُوا بِهَذِهِ النِّعْمَةِ فَرَحًا حَقِيقِيًّا، فَرَحًا يُرْضِي اللهَ، وَاجْتَنِبُوا الْمُحَرَّمَاتِ، وَتُوبُوا إِلَى رَبِّكُمْ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا، وَهُوَ تَعَالَى الْمَسْئُولُ أَنْ يُوَفِّقَنَا أَجْمَعِينَ لِمَا يُحِبُّهُ وَيَرْضَاهُ.
((نَصَائِحُ غَالِيَةٌ فِي الْعِيدِ مِنْ قَلْبِ مُشْفِقٍ!!))
عِبَادَ اللهِ! عُودُوا إِلَى اللهِ عَوْدًا حَمِيدًا!
تُوبُوا إِلَى اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ!
وَصِلُوا أَرْحَامَكُمْ، وَبِرُّوا آبَاءَكُمْ، وَبِرُّوا أُمَّهَاتِكُمْ!
وَدَعُوا الشِّجَارَ وَالْخِصَامَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ إِخْوَانِكُمْ!
آتُوا أَصْحَابَ الْحُقُوقِ حُقُوقَهُمْ، وَرُدُّوا إِلَى مَنْ ظَلَمْتُمُوهُمْ مَا ظَلَمْتُمُوهُمْ إِيَّاهُ!
تُوبُوا إِلَى اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَاسْتَغْفِرُوهُ، وَعُودُوا إِلَى اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَأَنِيبُوا إِلَيْهِ!
تُوبُوا إِلَى اللهِ -عِبَادَ اللهِ- وَاسْتَغْفِرُوهُ، وَارْجِعُوا إِلَى اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَأَنِيبُوا إِلَيْهِ؛ عَسَى اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ أَنْ يَنْصُرَنَا نَصْرًا مُؤَزَّرًا، وَأَنْ يَكْبِتَ أَعْدَاءَنَا بِقُدْرَتِهِ وَحَوْلِهِ وَطَوْلِهِ؛ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.
((اتَّقُوا اللهَ فِي وَطَنِكُمُ الْإِسْلَامِيِّ الْغَالِي))
اتَّقُوا اللهَ فِي وَطَنِكُمْ -عِبَادَ اللهِ-، وَاتَّقُوا اللهَ فِي أَوْطَانِكُمْ -أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ فِي مَشَارِقِ الأَرْضِ وَمَغَارِبِهَا-؛ فَإِنَّهَا مُسْتَهْدَفَةٌ مُرَادَةٌ مَطْلُوبَةٌ.
تَآزَرُوا وَتَعَاوَنُوا، وَنَمُّوا الْمَوْجُودَ؛ حَتَّى تَحْصُلُوا عَلَى الْمَفْقُودَ، وَلَا تَتَّبِعُوا السَّرَابَ؛ فَإِنَّهُ هَبَاءٌ يُفْضِي إِلَى يَبَابٍ.
((الْقَوْلُ السَّدِيدُ فِي اجْتِمَاعِ الْجُمُعَةِ وَالْعِيدِ))
عِبَادَ اللهِ! إِنَّنَا فِي هَذَا اليَوْمِ وَقَدِ اجْتَمَعَ فِيهِ عِيدَان؛ لَنَجْتَهِدُ فِي إِبْلَاغِ إِخْوَانِنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ بِمَا اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ أَهْلُ الْعِلْمِ مِنْ سَلَفِ الْأُمَّةِ الصَّالِحِينَ مِنَ الصَّحَابَةِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ- وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ فِي شَأْنِ الصَّلَاتَيْنِ -صَلَاةِ الْعِيدِ وَصَلَاةِ الْجُمُعَةِ-.
وَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ إِذَا مَا اجْتَمَعَ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ عِيدٌ وَجُمُعَةٌ، هَلْ يُجْزِئُ الْعِيدُ عَنِ الْجُمُعَةِ؟
وَالرَّاجِحُ: أَنَّ الْجُمُعَةَ تَسْقُطُ عَمَّنْ صَلَّى الْعِيدَ فِي جَمَاعَةٍ مَعَ الْمُسْلِمِينَ، وَهُوَ مَا صَحَّ بِهِ الْحَدِيثُ, وَعَلَيْهِ عَمَلُ السَّلَفِ، وَيَسْتَوِي فِي ذَلِكَ الْإِمَامُ وَالْمَأْمُومُ، فَالرُّخْصَةُ عَامَّةٌ لِلْإِمَامِ وَسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ ﷺ: ((وَإِنَّا مُجَمِّعُونَ)): فَغَايَةُ مَا فِيهِ أَنَّهُ أَخْبَرَهُمْ بِأَنَّهُ سَيَأْخُذُ بِالْعَزِيمَةِ.
أَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ, بِسَنَدِهِ: عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، قَالَ: ((صَلَّى بِنَا ابْنُ الزُّبَيْرِ فِي يَوْمِ عِيدٍ فِي يَوْمِ جُمُعَةٍ أَوَّلَ النَّهَارِ، ثُمَّ رُحْنَا إِلَى الْجُمُعَةِ فَلَمْ يَخْرُجْ إِلَيْنَا، فَصَلَّيْنَا وُحْدَانًا -أَيْ صَلَّوْا الظُّهْرَ مُنْفَرِدِينَ؛ لِأَنَّ الْجُمُعَةَ لَا تَصِحُّ إِلَّا فِي جَمَاعَةٍ- وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ بِالطَّائِفِ، فَلَمَّا قَدِمَ ذَكَرْنَا ذَلِكَ لَهُ.
فَقَالَ: ((أَصَابَ السُّنَّةَ)). وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ، وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ.
فَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَأْخُذَ بِالرُّخْصَةِ، وَيَكْتَفِي بِصَلَاةِ الْعِيدِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَأْخُذَ بِالْعَزِيمَةِ فَلَهُ فِي رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أُسْوَةٌ فِي قَوْلِهِ ﷺ: ((وَإِنَّا مُجَمِّعُونَ)).
وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ، وَابْنُ مَاجَه، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: ((قَدْ اجْتَمَعَ فِي يَوْمِكُمْ هَذَا عِيدَانِ، فَمَنْ شَاءَ أَجْزَأَهُ -أَيْ الْعِيدُ- مِنَ الْجُمُعَةِ، وَإِنَّا مُجَمِّعُونَ)).
فَمَذْهَبُ الصَّحَابَةِ -كَمَا تَرَوْنَ- أَنَّ الْجُمُعَةَ يَسْقُطُ فَرْضُهَا، وَتَصِيرُ الصَّلَاةُ بَعْدَ ذَلِكَ لِمَنْ شَاءَ، كَمَا قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: ((مَنْ شَهِدَ أَجْزَأَهُ، وَإِنَّا مُجَمِّعُونَ)).
وَمَا أَحْسَبُ أَنَّ الصَّحَابَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ- تَرَكُوا النَّبِيَّ ﷺ يُجَمِّعُ وَحْدَهُ، بَلْ صَلَّوْا مَعَهُ.
فاللهم خُذْ بِأَيْدِينَا إِلَيْكَ وَرُدَّنَا إِلَيْكَ رَدًّا جَمِيلًا.
اللهم أَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِنَا.
اللهم ارْفَعِ الْخِصَامَ مِنْ بَيْنِ الْمُسْلِمِينَ.
اللهم ارْفَعِ الْهِجْرَانَ مِنْ بَيْنِ الْمُسْلِمِينَ، وَاجْعَلْهُمْ أُخْوَةً مُتَحَابِّينَ.
اللهم ارْزُقْنَا بِرَّ وَالِدِينَا أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا.
اللهم اجْعَلْنَا مِمَّنْ يَصِلُونَ الْأَرْحَامَ، اللهم ارْزُقْنَا صِلَةَ الْأَرْحَامِ.
وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّم عَلَى نَبيِّنَا مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ أَجْمعِين.