مِنْ أَسْمَى الْخِصَالِ الشَّهَامَةُ وَالْمُرُوءَةُ وَالتَّضْحِيَةِ


 ((مِنْ أَسْمَى الْخِصَالِ الشَّهَامَةُ وَالْمُرُوءَةُ وَالتَّضْحِيَةِ))

إِنَّ الْبُطُولَةَ لَا تَتَوَقَّفُ عِنْدَ مَيَادِينِ الصِّرَاعِ وَمَلَاحِمِ النِّزَالِ، وَإِنَّمَا الْبُطُولَةُ فِي كُلِّ مَوْطِنٍ مِنْ مَوَاطِنِ الْقِيَمِ النَّبِيلَةِ، وَفِي كُلِّ مَوْطِنٍ وَمَجَالٍ مِنْ مَجَالَاتِ الْعَمَلِ الشَّرِيفِ مِنْ أَجْلِ تَعْلِيَةِ الْحَيَاةِ بِقِيَمِ هَذَا الدِّينِ الْمَتِينِ.

أَلَا إِنَّ الرَّجُلَ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ بَطَلًا حَقِيقِيًّا فِي قِيمَةٍ يَسِيرَةٍ مَنْسِيَّةٍ ضَائِعَةٍ بَيْنَ أَهْرَاءِ حَيَاةٍ مُتَهَرِّئَةٍ!!

نَعَمْ؛ أَلَا إِنَّ الْإِنْسَانَ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ بَطَلًا فِي كُلِّ مَيْدَانٍ يُؤَدِّيهِ عَلَى النَّحْوِ، عَلَى الْوَجْهِ، قَائِمًا بِالْعَمَلِ عَلَى أَسَاسٍ صُلْبٍ رَاسِخٍ مِنْ نِيَّةٍ صَادِقَةٍ مُسْتَقِيمَةٍ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

عِبَادَ اللهِ! إِنَّ أَفْضَلَ الْأَعْمَالِ سَلَامَةُ الصُّدُورِ، وَسَخَاوَةُ النَّفْسِ، وَالنَّصِيحَةُ لِلْأُمَّةِ، وَبِهَذِهِ الْخِصَالِ بَلَغَ الذُّرَى مَنْ بَلَغَ.

سَلَامَةُ الصَّدْرِ، سَخَاوَةُ النَّفْسِ، النَّصِيحَةُ لِلْأُمَّةِ، وَبَذْلُ النَّفْسِ لِلْمُسْلِمِينَ كَمَا كَانَ نَبِيُّنَا الْأَمِينُ ﷺ فِي حَاجَةِ الْمَرْأَةِ الْمِسْكِينَةِ وَالضَّعِيفِ، كَانَ فِي حَاجَةِ الْكَسِيرِ، كَانَ فِي حَاجَةِ الْحَسِيرِ، كَانَ فِي حَاجَةِ الْفُقَرَاءِ وَالْمُعْوزِينَ، كَانَ فِي حَاجَةِ الثَّكَالَى وَالْأَرَامَلِ وَالْمَسَاكِينِ، يَبْذُلُ نَفْسَهُ، وَتَأْخُذُ الْجَارِيَةُ بِكُمِّهِ بِيَدِهِ، تَسِيرُ مَعَهُ فِي أَيِّ طَرِيقٍ مِنْ طُرُقِ الْمَدِينَةِ شَاءَتْ حَتَّى يَقْضِيَ حَاجَتَهَا ﷺ.

وَكَانَ النَّبِيُّ ﷺ كَمَا حَكَتْ عَائِشَةُ، وَلَمْ تَبْلُغْ بِهِ السُّنُونُ مَبَالِغَهَا، فَإِنَّهُ ﷺ قَبَضَهُ رَبُّهُ إِلَيْهِ وَشَيْبُهُ مَعْدُودٌ، شَيَّبَتْهُ هُودٌ وَأَخَوَاتُهَا؛ خَوْفًا مِنَ اللهِ وَقِيَامًا بِأَمْرِ اللهِ، وَصِفَتْهُ عَائِشَةُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- مَعَ ذَلِكَ وَمَا عَلَتْ بِهِ السُّنُونُ، قَالَتْ لَمَّا كَانَ قَدْ أَصَابَهُ وَذَلِكَ حِينَ حَطَمَهُ النَّاسُ، حَطَمَهُ النَّاسُ فِي بِدَايَةِ الْأَمْرِ بِكُفْرِهِمْ وَشِرْكِهِمْ وَعِنَادِهِمْ، وَطُغْيَانِهِمْ وَجَبَرُوتِهِمْ، وَصِرَاعِهِمْ مَعَ الْحَقِّ، وَمُحَاوَلَاتِهِمْْ لِطَمْسِ نُورِهِ، وَتَحَمَّلَ مَا تَحَمَّلَ رَاضِيًا فِي ذَاتِ اللهِ ﷺ، حَتَّى أُخْرِجَ مِنْ بَلَدِهِ وَمِنْ دَارِهِ، مِنْ بَلَدِ آبَائِهِ وَأَجْدَادِهِ، وَهُوَ أَوْلَى الْخَلْقِ بِهِ.

وَحُرِمَ مِنْ جِوَارِ بَيْتِ اللهِ الْحَرَامِ، وَمِنَ السُّجُودِ عِنْدَهُ تَبَتُّلًا للهِ -جَلَّ وَعَلَا-، وَصُدَّ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَهُوَ أَوْلَى الْخَلْقِ بِهِ، وَكَانَ قَدْ جَاءَهُ فِي نُسُكِ مُحْرِمًا مُعْتَمِرًا، قَدْ سَاقَ الْهَدْيَ، فَحُبِسَ الْهَدْيُ فِي مَحِلِّهِ حَتَّى أَكَلَ وَبَرَهُ؟

فَصُدَّ وَمَنْ مَعَهُ عَنِ البَيْتِ الْحَرَامِ، وَقَدْ بَنَاهُ أَبُوهُ وَجَدُّهُ، بَنَاهُ إِسْمَاعِيلُ مَعَ إِبْرَاهِيمَ، يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ، حِينَ حَطَمَهُ النَّاسُ بِكَيْدِهِمُ الرَّخِيصِ، بِتَصَوُّرَاتِهِمُ الْهَزِيلَةِ، بِنَزَوَاتِهِمُ الْوَضِيعَةِ، وَعَدَمِ فَهْمِهِمْ، وَسُوءِ قَصْدِهِمْ، وَعَدَمِ إِلْمَامِهِمْ بِجَنَبَاتِ نُفُوسِهِمْ فِي اتِّسَاعِ أُفُقِهَا الْوَضِيءِ، بِوُقُوفِهِمْ عِنْدَ حُدُودِ رَغَبَاتِهِمْ وَكَيْدِهِمْ وَمَكْرِهِمْ، مَعَ اتِّبَاعِهِمْ لِشَيَاطِينِهِمْ مِنْ شَيَاطِينِ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ، وَالنَّبِيُّ يُصَارِعُ ذَلِكَ كُلَّهُ، يَتَحَمَّلُ الْأَذَى فِيهِ وَالْمَكْرُوهَ، رَاضِيًا عَنْ رَبِّهِ -جَلَّ وَعَلَا-، يَتَحَمَّلُ ذَلِكَ فِي ذَاتِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

ثُمَّ كَانَ مَا كَانَ، وَأَعَزَّ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ جُنْدَهُ وَنَصَرَهُمْ، وَأَعْلَى شَأْنَهُمْ، وَفَتَحَ لَهُمْ الْبِلَادَ وَقُلُوبَ الْعِبَادِ، وَمَكَّنَ نَبِيَّهُ ﷺ وَالْمُؤْمِنُونَ مَعَهُ مِنَ الْأَرْضِ وَمِنْ رِقَابِ الْخَلْقِ، فَسَارُوا فِي ذَلِكَ سِيرَةَ الْحَقِّ، وَلَمْ يَظْلِمُوا وَلَمْ يَحِيفُوا، وَكَانَ مَا كَانَ، وَوَقَعَتْ أُمُورٌ، وَكَانَ فِي حَاجَةِ إِخْوَانِهِ مِنْ أَصْحَابِهِ، وَكَانَ دَاعِيًا إِلَى رَبِّهِ فِي كُلِّ حَالٍ، فِي حَرْبِهِ وَسِلْمِهِ، فِي قِيَامِهِ وَقُعُودِهِ وَعلَى جَنْبٍ ﷺ؛ لِأَنَّهُ بُعِثَ مُعَلِّمًا ﷺ.

كَانَ ﷺ دَاعِيًا إِلَى رَبِّهِ فِي حَلِّهِ وَتَرْحَالِهِ، فِي قِيَامِهِ وَفِي ظَعْنِهِ، كَانَ ﷺ دَاعِيًا إِلَى رَبِّهِ فِي بَيْعِهِ وَشِرَائِهِ، فِي ضَحِكِهِ وَبُكَائِهِ، فِي مُعَامَلَةِ الْعَدُوِّ وَالصَّدِيقِ، وَفِي مُعَامَلَةِ الْقَرِيبِ وَالْبَعِيدِ، وَفِي مُعَامَلَةِ الْكُفَّارِ الْأَصْلِيِّينَ وَأَهْلِ الْكِتَابِ.

كَانَ يَقْضِي حَاجَاتِ الْخَلْقِ، وَذَلِكَ حِينَ حَطَمَهُ النَّاسُ، تَقُولُ عَائِشَةُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا-: ((بَذَلَ نَفْسَهُ، وَلَمْ يَبْخَلْ بِشَيْءٍ -حَاشَاهُ- ﷺ )).

وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَأَصحَابِهِ أَجمَعِينَ.

 

المصدر: الشَّهَامَةُ وَالْمُرُوءَةُ وَالتَّضْحِيَةُ فِي الْإِسْلَامِ

التعليقات


فوائد مفرغة قد تعجبك


  مَعَانِي الْوَفَاءِ
  مِنْ أَعْظَمِ سُبُلِ مُوَاجَهَةِ إِدْمَانِ الْمُخَدِّرَاتِ: تَعْلِيمُ الشَّبَابِ سُبُلَ زِيَادَةِ الْإِيمَانِ
  فَضْلُ الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ وَالنَّهْيُ عَنِ الظُّلْمِ فِيهَا خَاصَّةً
  مَظَاهِرُ النِّظَامِ فِي عِبَادَةِ الصَّوْمِ
  عَاقِبَةُ إِهْمَالِ مُرَاقَبَةِ الْقُلُوبِ وَرِعَايَةِ الضَّمَائِرِ
  صِدْقُ الْعَزِيمَةِ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ
  مَعْرِفَةُ شُرُوطِ الْبَيْعِ وَثَمَرَاتُهَا
  مِنْ أَبْوَابِ الْعَمَلِ التَّطَوُّعِيِّ: زِرَاعَةُ الْأَشْجَارِ، وَسَقْيُ الْمَاءِ
  جُمْلَةٌ عَظِيمَةٌ مِنَ انْتِصَارَاتِ الْمُسْلِمِينَ فِي رَمَضَانَ
  تَرْغِيبُ اللهِ تَعَالَى فِي الْإِحْسَانِ إِلَى الْخَلْقِ
  حُبُّ الْوَطَنِ غَرِيزَةٌ فِي كُلِّ كَائِنٍ حَيٍّ
  الْأَوْلَادُ زِينَةٌ وَابْتِلَاءٌ وَاخْتِبَارٌ!!
  عَاقِبَةُ الْيَأْسِ وَالْقُنُوطِ مِنْ رَحْمَةِ اللهِ
  مِنْ أَعْظَمِ أَنْوَاعِ الْهِجْرَةِ إِلَى اللهِ -جَلَّ وَعَلَا-: هَجْرُ الْفَوَاحِشِ وَالنَّظَرِ وَالسَّمَاعِ الْمُحَرَّمِ
  حَضَارَةُ الْعُنْصُرِيَّةِ وَسَفْكِ الدِّمَاءِ!!
  • شارك