جُمْلَةٌ مِنْ عَلَامَاتِ حُسْنِ الْخَاتِمَةِ


جُمْلَةٌ مِنْ عَلَامَاتِ حُسْنِ الْخَاتِمَةِ

فَإِنَّ الْمُسْلِمَ إِذَا خَتَمَ اللهُ لَهُ بِالْحُسْنَى فَقَدْ نَجَا وَفَازَ، وَلِحُسْنِ الْخَاتِمَةِ عَلَامَاتٌ بَيَّنَهَا النَّبِيُّ ﷺ وَدَلَّ عَلَيْهَا.

فَقَدْ أَخْبَرَنَا النَّبِيُّ ﷺ أَنَّ مِنْ عَلَامَاتِ حُسْنِ الْخَاتِمَةِ أَنْ يَقُولَ الْإِنْسَانُ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ: ((لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ))، فَفِي الْحَدِيثِ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ: ((مَنْ كَانَ آخِرَ كَلَامِهِ مِنَ الدُّنْيَا لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ)).

فَالنُّطْقُ بِالْكَلِمَةِ الطَّيِّبَةِ، كَلِمَةِ التَّوْحِيدِ، كَلِمَةِ الْإِخْلَاصِ، مِفْتَاحِ دَارِ السَّعَادَةِ، وَهِيَ كَلِمَةُ ((لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ))، النُّطْقُ بِهَا قَبْلَ الْوَفَاةِ، وَأَنْ تَكُونَ هَذِهِ الْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ آخِرَ مَا يَتَكَلَّمُ بِهِ الْإِنْسَانُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا عَلَامَةٌ مِنْ عَلَامَاتِ حُسْنِ الْخَاتِمَةِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ ﷺ رَتَّبَ عَلَى النُّطْقِ بِهَا فِي هَذِهِ الْحَالِ دُخُولَ الْجَنَّةِ.

وَهَذَا يَدْفَعُنَا إِلَى الْإِكْثَارِ مِنْ هَذِهِ الْكَلِمَةِ الطَّيِّبَةِ، وَأَنْ نَجْتَهِدَ فِي تَلْقِينِ مَوْتَانَا إِذَا مَا ظَهَرَتْ عَلَيْهِمْ عَلَامَاتُ الْمَوْتِ، وَكَانُوا فِي سِيَاقِ الِاحْتِضَارِ أَنْ نُلَقَّنَهُمْ ((لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ))، فَيَأْتِي الْإِنْسَانُ إِلَى الْمُحْتَضَرِ الَّذِي يَمُوتُ وَيَأْمُرُهُ، يَقُولُ لَهُ: ((قُلْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ)).

وَالنَّبِيُّ ﷺ لَمَّا حَضَرَتِ الْوَفَاةُ عَمَّهُ أَبَا طَالِبٍ، وَكَانَ كَافِرًا لَمْ يُسْلِمْ، وَلَكِنَّهُ كَانَ كَثِيرَ الدِّفَاعِ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ، حَتَّى إِنَّهُ لَمْ يَصِلْ إِلَى الرَّسُولِ ﷺ شَيْءٌ يَكْرَهُهُ إِلَّا بَعْدَ مَوْتِهِ -إِلَّا بَعْدَ مَوْتِ عَمِّهِ- مَعَ أَنَّهُ كَافِرًا.

وَالنَّبِيُّ ﷺ بَعْدَ أَنْ مَاتَتْ أُمُّهُ كَفَلَهُ جَدُّهُ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ، فَظَلَّ عِنْدَهُ سَنَتَيْنِ ثُمَّ مَاتَ، فَكَفَلَهُ عَمُّهُ أَبُو طَالِبٍ، فَبَقِيَ النَّبِيُّ ﷺ مَعَ عَمِّهِ، وَكَانَ عَمُّهُ يُحِبُّهُ حُبًّا شَدِيدًا، فَلَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ؛ ذَهَبَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللهِ ﷺ؛ مِنْ أَجْلِ أَنْ يَأْمُرَهُ بِقَوْلِ هَذِهِ الْكَلِمَةِ الطَّيِّبَةِ، لِيَشْفَعَ لَهُ بِهَا عِنْدَ اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- يَوْمَ الْقِيَامَةِ.

ذَهَبَ النَّبِيُّ ﷺ إِلَى عَمِّهِ وَهُوَ فِي سِيَاقِ الْمَوْتِ، فَوَجَدَ عِنْدَهُ رَجُلَيْنِ مِنْ رُؤُوسِ الْكُفْرِ مِنْ قُرَيْشٍ -مِنْ رُؤُوسِ الْكُفْرِ فِي مَكَّةَ- فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ ﷺ: ((يَا عَمُّ! قُلْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، كَلِمَةٌ أُحَاجُّ لَكَ بِهَا عِنْدَ اللهِ)).

فَقَالَا لَهُ هَذَانِ الرَّجُلَانِ مِنْ رُؤُوسِ الْكُفْرِ: أَتَدَعُ دِينَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَتَتْبَعُ مُحَمَّدًا؟

فَلَمْ يَقُلْهَا.

وَكَرَّرَ النَّبِيُّ ﷺ الْأَمْرَ مَرَّةً وَمَرَّةً، وَخَرَجَتْ رُوحُ أَبِي طَالِبٍ -عَمِّ رَسُولِ اللهِ ﷺ- وَلَمْ يَقُلْ ((لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ)).

نَأْخُذُ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ الَّذِي مَرَّ أَنَّ الْإِنْسَانَ يَنْبَغِي عَلَيْهِ إِذَا حَضَرَ عِنْدَ مَيِّتٍ يَحْتَضِرُ -يَمُوتُ- أَنْ يَأْمُرَهُ بِقَوْلِ ((لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ))، ((فَإِنَّ مَنْ كَانَ آخِرُ كَلَامِهِ مِنَ الدُّنْيَا لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ)).

وَشَيْءٌ آخِرُ هُوَ أَنَّهُ يَنْبَغِي عَلَيْنَا أَنْ نَتَّقِيَ اللهَ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- فِي مَرْضَانَا وَفِي الْمُحْتَضَرِينَ مِنْ أَهْلِينَا، وَأَلَّا نُمَكِّنَ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الضَّلَالِ أَنْ يَحْضُرَ احْتِضَارَهُمْ وَلَا أَنْ يَكُونَ عِنْدَهُمْ عِنْدَ مَوْتِهِمْ، فَقُرَنَاءُ السُّوءِ مَنَعُوا أَبَا طَالِبٍ مِنْ قَولِ ((لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ))، وَزَيَّنُوا لَهُ الْكُفْرَ وَالْبَاطِلَ، وَقَالُوا لَهُ: أَتَدَعُ دِينَكَ وَدِينَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَتَتْبَعُ مُحَمَّدًا ﷺ؟ فَكَانَ آخِرَ مَا قَالَ أَنَّهُ عَلَى دِينِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَمَاتَ كَافِرًا.

*وَمِنْ عَلَامَاتِ حُسْنِ الْخَاتِمَةِ أَنْ يَمُوتَ الْمُسْلِمُ بِرَشْحِ الْجَبِينِ، فَإِنَّ النَّبِيَّ ﷺ أَخْبَرَ ((أَنَّ الْمُؤْمِنَ يَمُوتُ بِعَرَقِ الْجَبِينِ -بِرَشْحِ الْجَبِينِ-))، فَإِذَا كَانَ الْإِنْسَانُ فِي حَالَ السِّيَاقِ -فِي حَالِ الِاحْتِضَارِ وَهُوَ يَعْرَقُ -وَيَعْرَقُ جَبِينُهُ عَرَقًا غَزِيرًا- فَهَذَا مِنْ عَلَامَاتِ حُسْنِ الْخَاتِمَةِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ ﷺ أَخْبَرَ أَنَّ الَّذِي يَمُوتُ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ هُوَ الْمُؤْمِنُ.

*وَبَيَّنَ النَّبِيُّ ﷺ أَنَّ مِنْ عَلَامَاتِ حُسْنِ الْخِتَامِ: أَنْ يُقَيِّضَ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- لِلْعَبْدِ عَمَلًا صَالِحًا وَيَقْبِضَهُ عَلَيْهِ.

فِي آخِرِ عُمُرِهِ يُقَيِّضُ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- لَهُ عَمَلًا صَالِحًا؛ يُؤَذِّنُ فِي الْمَسْجِدِ، يَخْدِمُ فِيهِ مُتَطَوِّعًا، يَسْعَى فِي الصُّلْحِ بَيْنَ النَّاسِ، يَأْمُرُ بِالسُّنَّةِ، يَلْتَزِمُ بِهَا وَيَدْعُو إِلَيْهَا، يَأْتِي بِأَيِّ عَمَلٍ صَالِحٍ مِمَّا يُحِبُّهُ اللهُ وَيَرْضَاهُ فِي آخِرِ عُمُرِهِ، وَيَقْبِضُهُ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- عَلَى هَذَا الْعَمَلِ الصَّالِحِ.

*مِنْ عَلَامَاتِ حُسْنِ الْخِتَامِ: أَنْ يَمُوتَ الْإِنْسَانُ مُجَاهِدًا فِي سَبِيلِ اللهِ، أَوْ مُرَابِطًا فِي سَبِيلِ اللهِ، أَوْ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ بَيْتِهِ لِلْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللهِ فَيُقْبَضُ فِي بَعْضِ الطَّرِيقِ، فَكُلُّ هَذَا وَعَدَ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- عَلَيْهِ الْحُسْنَى.

*عَدَّ النَّبِيُّ ﷺ أَنْوَاعًا أُخْرَى مِنَ الشُّهَدَاءِ غَيْرَ شَهِيدِ الْمَعْرَكَةِ:

*مِنْ عَلَامَاتِ حُسْنِ الْخِتَامِ -أَيْضًا-: أَنْ يَمُوتَ شَهِيدًا، لَا فِي الْمَعْرَكَةِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ ﷺ سَأَلَ أَصْحَابَهُ يَوْمًا عَنِ الشَّهِيدِ: ((مَا تَعُدُّونَ الشَّهِيدَ فِيكُمْ؟)).

فَقَالُوا: الَّذِي يَمُوتُ مُجَاهِدًا فِي سَبِيلِ اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-.

يَمُوتُ فِي سَاحَةِ الْوَغَى، فِي سَاحَةِ الْقِتَالِ.

قَالَ: ((إِنَّ شُهَدَاءَ أُمَّتِي إِذَنْ لَقَلِيلٌ)).

ثُمَّ بَيَّنَ النَّبِيُّ ﷺ أَنْوَاعًا مِنَ الشُّهَدَاءِ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ، وَلَيْسُوا مِمَّنْ مَاتَ فِي الْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلَا فِي سَاحَةِ الْمَعْرَكَةِ.

شَهِيدُ الْمَعْرَكَةِ، وَمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-؛ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللهِ هِيَ الْعُلْيَا؛ هَذَا شَهِيدُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ؛ هَذَا يُكَفَّنُ فِي ثِيَابِهِ، لَا يُغَسَّلُ وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ، وَيَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَجُرْحُهُ يَخْرُجُ مِنْهُ رِيحُ الْمِسْكِ؛ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ ﷺ مَعَ أَنَّ اللَّوْنَ لَوْنُ الدَّمِ.

هَذَا شَهِيدُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.

 وَأَمَّا شُهَدَاءُ الْآخِرَةِ لَا شُهَدَاءُ الدُّنْيَا؛ فَلَا تَجْرِي عَلَيْهِمْ أَحْكَامُ شَهَادَةِ الْقَتْلِ فِي الْمَعَارِكِ جِهَادًا فِي سَبِيلِ اللهِ.

قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: ((الْمَبْطُونُ شَهِيدٌ، مَنْ قَتَلَهُ بَطْنُهُ فَهُوَ شَهِيدٌ))؛ يَعْنِي الَّذِي يُصَابُ فِي كَبِدِهِ فَيَمُوتُ بِهِ، أَوْ فِي كُلْيَتَيْهِ فَيَمُوتُ بِذَلِكَ، الَّذِي يَأْتِيهِ سَرَطَانٌ فِي الْأَمْعَاءِ، أَوْ فِي الْمُسْتَقِيمِ، أَوْ فِي الْمَثَانَةِ، أَوْ فِي الْبُرُوسْتَاتَا أَوْ مَا أَشْبَهَ، يَعْنِي مَا كَانَ مِنْ أَمْرٍ يَكُونُ مُؤَدِّيًا إِلَى الْمَوْتِ فِي الْبَطْنِ، فَإِنَّ مَنْ صَبَرَ عَلَى ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- وَاحْتِسَابًا عِنْدَ اللهِ مَا لَهُ مِنَ الْأَجْرِ الْحَسَنِ؛ فَهُوَ شَهِيدٌ.

فِي التَّقْسِيمِ الطِّبِيِّ التَّشْرِيحِيِّ الْحَدِيثِ يُفَرِّقُونَ بَيْنَ الْبَطْنِ وَالْحَوْضِ، وَلَكِنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مَعْهُودًا عِنْدَ الْمُتَقَدِّمِينَ، وَالْقُرْآنٌ عَرَبِيٌّ، فَمَهْمَا كَانَ مِنْ دَاءٍ فِي الْحَوْضِ مِنْ شَيْءٍ مِمَّا ذَكَرْتُ بَعْضَهُ، فَأَدَّى إِلَى الْوَفَاةِ، فَهُوَ أَيْضًا دَاخِلٌ فِي قَوْلِ رَسُولِ اللهِ ﷺ: ((الْمَبْطُونُ شَهِيدٌ)).

قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: ((صَاحِبُ السِّلِّ شَهِيدٌ))؛ السِّلُّ: هُوَ السُّلُّ، يَعْنِي الْمَسْلُولُ الَّذِي يُصِيبُهُ السُّلُّ غَالِبًا فِي رِئَتَيْهِ، فَإِنَّهُ إِذَا مَاتَ بِذَلِكَ فَإِنَّهُ يَكُونُ أَيْضًا شَهِيدًا كَمَا قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ.

 ((وَمَنْ مَاتَ مَطْعُونًا -أَيْ بِالطَّاعُونِ- فَهُوَ شَهِيدٌ)).

قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: ((صَاحِبُ الْهَدْمِ شَهِيدٌ))؛ يَعْنِي الَّذِي يَسْقُطُ عَلَيْهِ جِدَارٌ، يَسْقُطُ عَلَيْهِ السَّقْفُ، يُهْدَمُ عَلَيْهِ الْبَيْتُ، فَيَمُوتُ؛ هُوَ شَهِيدٌ، قَالَ ﷺ: ((صَاحِبُ الْهَدْمِ شَهِيدٌ)).

وَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: ((الْغَرِقُ شَهِيدٌ، وَالْحَرِقُ شَهِيدٌ))؛ يَعْنِي مَنْ مَاتَ غَرَقًا فَهُوَ شَهِيدٌ أَيْضًا، وَمَنْ مَاتَ مَحْرُوقًا فَهُوَ شَهِيدٌ أَيْضًا.

فَبَيَّنَ النَّبِيُّ ﷺ أَنْوَاعًا مِنَ الشُّهَدَاءِ، وَذَكَرَ لَوْنًا مِنَ الشَّهَادَةِ، كَانَ الصَّحَابَةُ أَنْفُسُهُمْ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ- لَا يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مِنَ الشَّهَادَةِ، لِأَنَّهُمْ لَمَّا سُئِلُوا عَنِ الشَّهِيدِ، قَالُوا: الَّذِي يَمُوتُ فِي الْمَعْرِكَةِ، فَقَالَ: ((إِذَنْ شُهَدَاءُ أُمَّتِي قَلِيلٌ)).

*وَالَّذِي يُدَافِعُ عَنْ مَالِهِ، عَنْ عِرْضِهِ، يُدَافِعُ عَنْ دَمَهِ، هَذَا أَيْضًا إِذَا مَاتَ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَأَمَّا مَنْ اعْتَدَى عَلَيْهِ فَهَذَا قَاتِلٌ، يُحَاسِبُهُ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- حِسَابَ الْقَاتِلِينَ الْمُعْتَدِينَ.

*ذَكَرَ النَّبِيُّ ﷺ -أَيْضًا- مِنْ أَنْوَاعِ الشُّهَدَاءِ الْمَرْأَةُ تَمُوتُ فِي نِفَاسِهَا، ((فَتَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَجُرُّهَا وَلِيدُهَا بِسَرَرِهِ حَتَّى يُدْخِلَهَا الْجَنَّةَ))، السَّرَرُ هُوَ الْحَبْلُ السُّرِّيُّ.

فَتَصَوَّرْ هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ النَّبِيُّ ﷺ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَالْمَرْأَةُ تَمُوتُ فِي أَثْنَاءِ الْوَضْعِ أَوْ تَمُوتُ فِي أَثْنَاءِ النِّفَاسِ -يَعْنِي قَبْلَ أَنْ تَطْهُرَ مِنْ نِفَاسِهَا-، فَهَذِهِ، يَقُولُ النَّبِيُّ ﷺ: ((إِنَّ وَلَدَهَا يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ جَارًّا لَهَا بِسَرَرِهِ -يَعْنِي بِالْحَبْلِ السُّرِّيِّ- حَتَّى يُدْخِلَهَا الْجَنَّةَ)).

فَالنَّبِيُّ ﷺ  ذَكَرَ لَنَا هَذِهِ الْأُمُورَ، وَكُلُّهَا مِنْ عَلَامَاتِ حُسْنِ الْخِتَامِ.

*مِنْ عَلَامَاتِ حُسْنِ الْخِتَامِ أَنْ يَمُوتَ الْإِنْسَانُ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ أَوْ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ، فَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: ((مَنْ مَاتَ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ أَوْ فِي يَوْمِهَا وَقَاهُ اللهُ فِتْنَةَ الْقَبْرِ)).

وَفِتْنَةُ الْقَبْرِ أَعْظَمُ فِتْنَةٍ يَتَعَرَّضُ لَهَا الْإِنْسَانُ بَعْدَ مَوْتِهِ إِلَى أَنْ يُقِيمَ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- السَّاعَةَ، فِتْنَةُ الْقَبْرِ وَاقِعَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ، يَقُولُ النَّبِيُّ ﷺ: ((إِنَّكُمْ تُفْتَنُونَ فِي قُبُورِكُمْ)).

وَبَيَّنَ ﷺ أَنَّ فِتْنَةَ الْقَبْرِ عَظِيمَةٌ جِدًّا، وَأَنَّ مَنْ نَجَا مِنْهَا؛ نَجَا مِمَّا وَرَاءَهَا، فَإِذَا كَانَ الْقَبْرُ يَسِيرًا وَكَانَ أَمْرُهُ غَيْرَ عَسِيرٍ، فَإِنَّ مَا بَعْدَهُ أَيْسَرُ وَأَسْهَلُ، وَأَمَّا إِذَا مَا رَسَبَ الْإِنْسَانُ فِي الِاخْتِبَارِ عِنْدَ الْفِتْنَةِ فِي الْقَبْرِ، فَمَا بَعْدَ ذَلِكَ يَكُونُ أَعْسَرَ وَيَكُونُ أَشَدَّ.

يَقِي اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- الْمُسْلِمُ مِنْ هَذِهِ الْفِتْنَةِ الْعَظِيمَةِ -مِنْ فِتْنَةِ الْقَبْرِ- إِذَا مَاتَ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ أَوْ مَاتَ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ.

عَلَى الْإِنْسَانِ أَنْ يَجْتَهِدَ فِي أَنْ يَكُونَ مُوصِيًا بِوَصِيَّةٍ شَرْعِيَّةٍ مُنْضَبِطَةٍ قَبْلَ مَوْتِهِ، لِأَنَّ كَثِيرًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ يُفَرِّطُ فِي هَذَا الْأَمْرِ الْكَبِيرِ، مَعَ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ يَقُولُ: ((مَا حَقُّ امْرِئٍ يَبِيتُ لَيْلَتَيْنِ إِلَّا وَوَصِيَّتُهُ مَكْتُوبَةٌ تَحْتَ رَأْسِهِ)).

كُلُّ هَؤُلَاءِ أَخْبَرَ النَّبِيُّ ﷺ أَنَّ لَهُمْ مَقَامًا عِنْدَ اللهِ بِشَرْطِ أَنْ يَمُوتُوا عَلَى التَّوْحِيدِ وَالصَّبْرِ عَلَى مَقَادِيرِ اللهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ، مُتَّبِعِينَ لِلنَّبِيِّ الْكَرِيمِ ﷺ.

إِذَا آتَى اللهُ عَبْدًا خَيْرًا، فَأَمَاتَهُ بِعَلَامَةٍ مِنْ تِلْكَ الْعَلَامَاتِ الَّتِي ذَكَرَهَا الرَّسُولُ ﷺ؛ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ دَلَائِلِ أَنَّ اللهَ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- قَدْ أَحْسَنَ خَاتِمَتَهُ.

 

المصدر:حُسْنُ الْخَاتِمَةِ بَيْنَ الِاجْتِهَادِ وَالتَّوْفِيقِ

التعليقات


فوائد مفرغة قد تعجبك


  ثَمَرَاتُ الْمُرَاقَبَةِ وَرِعَايَةِ الضَّمَائِرِ
  عَلِّمُوا أَبْنَاءَكُمْ حُبَّ الْوَطَنِ الْإِسْلَامِيِّ
  فَضْلُ الْجِهَادِ وَمَنْزِلَةُ الشَّهَادَةِ فِي سَبِيلِ اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ-
  أَفْضَلُ أَيَّامِ الدُّنْيَا
  مَا نَبَتَ مِنْ سُحْتٍ فَالنَّارُ أَوْلَى بِهِ!!
  قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ فِي رَمَضَانَ
  أَكْلُ الْحَرَامِ مِنْ أَعْظَمِ قَوَاطِعِ إِجَابَةِ الدُّعَاءِ
  مِنْ أَعْظَمِ سُبُلِ مُوَاجَهَةِ إِدْمَانِ الْمُخَدِّرَاتِ: تَعْلِيمُ الشَّبَابِ سُبُلَ زِيَادَةِ الْإِيمَانِ
  حِكَمٌ جَلِيلَةٌ مِنْ مَشْرُوعِيَّةِ الْعِيدِ
  فَضَائِلُ لَيْلَةِ الْقَدْرِ
  مُؤَامَرَةُ الْيَهُودِ الْمَكْشُوفَةُ وَغَفْلَةُ الْمُسْلِمِينَ!!
  مِنْ سُبُلِ بِنَاءِ الِاقْتِصَادِ السَّدِيدِ: التَّرْشِيدُ فِي الِاسْتِهْلَاكِ
  مِنْ مَظَاهِرِ الْإِيجَابِيَّةِ لِلْحِفَاظِ عَلَى الْأَوْطَانِ: الْعِلْمُ وَالْعَمَلُ بِعَقِيدَةِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ فِي حُقُوقِ الْحُكَّامِ
  المَوْعِظَةُ التَّاسِعَةَ عَشْرَةَ : ((الْقُرْآنُ سَبِيلُ الْعِزَّةِ وَالنَّصْرِ لِلْأُمَّةِ))
  خُطُورَةُ الْمَعَاصِي وَالْمُخَاصَمَةِ فِي الْحَجِّ
  • شارك