التَّثَبُّتُ فِي الْأَخْبَارِ وَخُطُورَةُ إِذَاعَةِ الْكَذِبِ


 ((التَّثَبُّتُ فِي الْأَخْبَارِ وَخُطُورَةُ إِذَاعَةِ الْكَذِبِ))

عَلَى الْمُسْلِمِ أَنْ يَحْرِصَ عَلَى التَّثَبُّتِ مِنَ الْأَخْبَارِ، فَلَيْسَ كُلُّ مَا يُقَالُ حَقًّا، وَلَا كُلُّ مَا يُنْشَرُ صِدْقًا، وَاللَّهُ -تَعَالَى- يَقُولُ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} [الحجرات: 6].

وَيَقُولُ اللهُ -جَلَّ وَعَلَا-: {وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ} [النساء: 83].

فَالطَّرِيقُ الشَّرْعِيُّ عِنْدَ وُرُودِ الْأُمُورِ الْعَامَّةِ -سَوَاءٌ كَانَ الْأَمْرُ يَتَعَلَّقُ بِأَمْنٍ أَوْ خَوْفٍ- أَنْ يُرَدَّ إِلَى أَهْلِ الْحَلِّ وَالْعَقْدِ مِنَ الرُّؤَسَاءِ وَالْعُلَمَاءِ، فَمَا رَأَوُا الْمَصْلَحَةَ فِي نَشْرِهِ وَإِذَاعَتِهِ نُشِرَ، وَمَا رَأَوُا الْمَصْلَحَةَ فِي عَدَمِ نَشْرِهِ لَا يُنْشَرُ؛ حِفَاظًا عَلَى دِينِ النَّاسِ وَأَمْنِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ.

وَالنَّبِيُّ ﷺ يَقُولُ: ((مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ)) .

وَالَّذِي يُقَدِّرُ الْخَيْرَ مِنْ عَدَمِهِ فِي الْأُمُورِ الْعِظَامِ هُمْ أُولُو الْأَمْرِ، فَالْوَاجِبُ الرُّجُوعُ إِلَيْهِمْ فِيهَا.

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ! مَنْ نَظَرَ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ خَاصَّةً, وَفِي التَّارِيخِ عَامَّةً؛ يَعْلَمُ يَقِينًا مَا لِلشَّائِعَاتِ مِنْ خَطَرٍ عَظِيمٍ، وَأَثَرٍ بَلِيغٍ، فَالشَّائِعَاتُ تُعْتَبَرُ مِنْ أَخْطَرِ الْأَسْلِحَةِ الْفَتَّاكَةِ وَالْمُدَمِّرَةِ لِلْمُجْتَمَعَاتِ وَالْأَشْخَاصِ.

وَكَمْ أَقْلَقَتِ الْإِشَاعَةُ مِنْ أَبْرِيَاءَ, وَحَطَّمَتْ عُظَمَاءَ، وَهَزَمَتْ مِنْ جُيُوشٍ، وَهَدَمَتْ مِنْ وَشَائِجَ، وَتَسَبَّبَتْ فِي جَرَائِمَ, وَفَكَّكَتْ مِنْ عَلَاقَاتٍ وَصَدَاقَاتٍ، وَأَخَّرَتْ مِنْ سَيْرِ أَقْوَامٍ!!

لِخَطَرِهَا وَجَدْنَا الدُّوَلَ تَهْتَمُّ بِهَا، وَالْحُكَّامَ يَرْقُبُونَهَا، مُعْتَبِرِينَ إِيَّاهَا مِقْيَاسَ مَشَاعِرِ الشَّعْبِ نَحْوَ الْإِدَارَةِ صُعُودًا وَهُبُوطًا، وَبَانِينَ عَلَيْهَا تَوقُّعَاتِهِمْ لِأَحْدَاثٍ مَا, سَوَاءٌ عَلَى الْمُسْتَوَى الْمَحَلِّيِّ أَوِ الْمُسْتَوَى الْخَارِجِيِّ.

وَثَبَتَ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: ((كَفَى بِالْمَرْءِ إِثمًا أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ)).

وَفِي رِوَايَةٍ: ((كَفَى بِالْمَرْءِ كَذِبًا أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ)). رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي ((مُقَدِّمَةِ الصَّحِيحِ))

وَقَالَ الْإِمَامُ مَالِكٌ -رَحِمَهُ اللهُ-: «اعْلَمْ أَنَّهُ لَيْسَ يَسْلَمُ رَجُلٌ حَدَّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ)) .

وَأَثَرُ الشَّائِعَاتِ سَيِّئٌ جِدُّ سَيِّئٍ, وَيَنْتُجُ عَنْهَا غَالِبًا آثَارٌ أُخْرَى أَسْوَءُ مِنْهَا.

قَالَ اللهُ -جَلَّ وَعَلَا-: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} [الإسراء: 36].

وَلَا تَتَّبِعْ -أَيُّهَا الْإِنْسَانُ- فِي أَيِّ أَمْرٍ مِنْ أُمُورِ حَيَاتِكَ شَيْئًا لَا تَعْلَمُ أَنَّهُ حَقٌّ وَصَوَابٌ مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ؛ فَإِنَّ لَدَيْكَ مِنْ أَدَوَاتِ الْمَعْرِفَةِ مَا تَسْتَطِيعُ بِهِ التَّبَصُّرَ فِي الْأُمُورِ.

فَإِذَا أَنْتَ اتَّبَعْتَ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ؛ فَقَدْ عَطَّلْتَ أَدَوَاتِ الْمَعْرِفَةِ الَّتِي لَدَيْكَ، إِنَّ الْإِنْسَانَ مَسْئُولٌ عَمَّا اسْتَعْمَلَ فِيهِ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَعُمْقَ قَلْبِهِ الَّذِي هُوَ أَدَاةُ الْإِدْرَاكِ فِي الْإِنْسَانِ، وَمَرْكَزُ اسْتِقْرَارِ الْعُلُومِ وَالْمَعَارِفِ، وَالَّذِي تَنْطَلِقُ مِنْهُ الْإِرَادَاتُ.

وَقَالَ تَعَالَى: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ} [المؤمنون: 1-3].

قَدْ فَازَ الْمُصَدِّقُونَ بِاللهِ وَبِرَسُولِهِ، الْعَامِلُونَ بِشَرْعِهِ بِمَا يُرِيدُونَ -أَيْ: فَازُوا بِمَا يُرِيدُونَ- وَظَفِرُوا بِنَعِيمِ الْآخِرَةِ الْأَبَدِيِّ، وَهُمُ الْمَوْصُوفُونَ بِالْأَوْصَافِ الْآتِيَةِ... وَذَكَرَ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- مِنْهَا: الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ مُتَذَلِّلُونَ خَاضِعُونَ، جَمَعُوا بَيْنَ أَفْعَالِ الْقَلْبِ كَالْخَوْفِ وَالرَّهْبَةِ، وَأَفْعَالِ الْجَوَارِحِ كَالسُّكُونِ وَتَرْكِ الِالْتِفَاتِ.

وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ كُلِّ بَاطِلٍ وَمَا لَا يُعْتَدُّ بِهِ مِنَ الْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ مُعْرِضُونَ.

إِنَّ كُلَّ خَبَرٍ يَنْشُرُهُ الْإِنْسَانُ مِمَّا يُثِيرُ الْفِتْنَةَ أَوِ الْغَوْغَاءَ, أَوْ يُثِيرُ التَّسَخُّطَ, أَوْ يُسَبِّبُ شَتْمًا أَوْ أَذِيَّةً لِأَيِّ إِنْسَانٍ بَغَيْرِ وَجْهِ حَقٍّ, أَوْ يُنَبِّهُ بَعْضَ النَّاسِ عَلَى بَابٍ مِنْ أَبْوَابِ الشَّرِّ كَانُوا عَنْهُ غَافِلِينَ, لَا يَجُوزُ نَشْرُهُ، وَنَاشِرُهُ آثِمٌ, يَحْمِلُ إِثْمَ كُلِّ مَا تَسَبَّبَ بِهِ خَبَرُهُ.

وَاللهُ -تَعَالَى- ذَمَّ كُلَّ نَاشِرٍ لِلْأَخْبَارِ الَّتِي تُزَعْزِعُ أَمْنَ النَّاسِ, وَتُثِيرُ الْخَوْفَ وَتَدْعُو إِلَى الْفَوْضَى فِي الْمُجْتَمَعِ؛ لِأَنَّ السُّوقَةَ وَعَامَّةَ النَّاسِ لَا يَصْلُحُونَ لِمِثْلِ هَذِهِ الْأُمُورِ, وَلَا لِأُمُورِ السِّيَاسَةِ, وَلَيْسَ لِعَامَّةِ النَّاسِ أَنْ يَلُوكُوا أَلْسِنَتَهُمْ بِسِيَاسَةِ وُلَاةِ الْأُمُورِ.

السِّيَاسَةُ لَهَا نَاسُهَا, وَلَوْ أَنَّ السِّيَاسَةَ صَارَتْ تُلَاكُ بَيْنَ أَلْسُنِ عَامَّةِ النَّاسِ لَفَسَدَتِ الدُّنْيَا؛ لِأَنَّ الْعَامِّيَّ لَيْسَ عِنْدَهُ عِلْمٌ وَلَيْسَ عِنْدَهُ عَقْلٌ.

الْعَامَّةُ لَيْسُوا كَأُولِي الْأَمْرِ وَأُولِي الرَّأْيِ وَالْمَشُورَةِ, فَلَيْسَ الْكَلَامُ فِي السِّيَاسَةِ مِنَ الْمَجَالَاتِ الْعَامَّةِ الَّتِي يَتَكَلَّمُ فِيهَا أَفْرَادُ الْمُجْتَمَعِ جَمِيعًا!!

مَنْ أَرَادَ أَنْ تَكُونَ الْعَامَّةُ مُشَارِكَةً لِوُلَاةِ الْأُمُورِ فِي سِيَاسَتِهَا وَفِي رَأْيِهَا وَفِكْرِهَا؛ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا, وَخَرَجَ عَنْ هَدْيِ الصَّحَابَةِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ-.

هَذَا يَدُلُّ علَى أنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَنبَغِي لهُ أنْ يَكُونَ مُذِيعًا؛ كُلَّمَا سَمِعَ عَنْ خَبَرٍ مِنْ خَوْفٍ أَوْ أَمْنٍ أَذَاعَهُ, بَلْ قَد يَكُونُ مِنَ الْخَيْرِ أَنْ يَكْتُمَ هَذَا الْخَبَرَ الَّذِي حَصَّلَ.

إِنَّ النَّبِيَّ ﷺ أَمَرَنَا بِحِفْظِ مَنْطِقِنَا وَبِحِفْظِ أَلْسِنَتِنَا.

فَأَمْسِكْ لِسَانَكَ, وَاتَّقِ اللهَ رَبَّكَ, وَخَفْ عَلَى بَلَدِكَ.

 

المصدر: الصِّدْقُ وَأَثَرُهُ فِي صَلَاحِ الْفَرْدِ وَالْمُجْتَمَعِ

التعليقات


فوائد مفرغة قد تعجبك


  وُجُوبُ الْمُحَافَظَةِ عَلَى الْمِيَاهِ وَعَدَمِ الْإِسْرَافِ فِي اسْتِخْدَامِهَا
  الْإِحْسَانُ إِلَى الْأَيْتَامِ وَرِعَايَتُهُمْ
  حَالُ النَّبِيِّ ﷺ وَأَصْحَابِهِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ- عِنْدَ سَمَاعِ الْقُرْآنِ وَتِلَاوَتِهِ
  الْأُمَّةُ الْوَسَطُ
  لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ الْعَفُوِّ الْكَرِيمِ!
  تَحْذِيرُ الْإِسْلَامِ مِنْ وَسَائِلِ الشَّائِعَاتِ كَالْغِيبَةِ وَالْكَذِبِ
  اسْتِقْبَالُ الْعَشْرِ بِالِاجْتِهَادِ فِي أَدَاءِ الْحُقُوقِ وَسَدَادِ الدُّيُونِ
  مَشْرُوعِيَّةُ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَحِكْمَتُهُمَا
  دِينُ الْإِسْلَامِ الْعَظِيمِ أَمَرَ بِالرِّفْقِ وَجَعَلَ الْخَيْرَ فِيهِ
  الْحَثُّ عَلَى خُلُقِ الشَّهَامَةِ وَتَفْرِيجِ كُرُبَاتِ الْمُسْلِمِينَ
  إِقَامَةُ الدُّنْيَا وَتَعْمِيرُهَا بِدِينِ الْإِسْلَامِ الْعَظِيمِ
  مَسْئُولِيَّةُ الْمُسْلِمِ الْإِنْسَانِيَّةِ وَعَلَاقَتُهُ بِغَيْرِ الْمُسْلِمِينَ
  مِنْ مَعَالِمِ الْبِرِّ بِالْأَوْطَانِ: الدِّفَاعُ عَنْهُ وَالْحِفَاظُ عَلَيْهِ
  أَمَانَةُ الْكَلِمَةِ وَرِسَالَةٌ إِلَى الدُّعَاةِ إِلَى اللهِ
  رَسُولُ اللهِ ﷺ فِي الْمَدِينَةِ
  • شارك