((مَا صَحَّ فِي لَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ))
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ.
وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ, وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ﷺ.
أَمَّا بَعْدُ:
فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ ﷺ، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.
أَمَّا بَعْدُ:
((أَحَادِيثُ ثَابِتَةٌ فِي لَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ))
فَعَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الْأَصْحَابِ -رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِمْ جَمِيعًا- مِنْ طُرُقٍ شَتَّى يَشُدُّ بَعْضُهَا بَعْضًا: عَنْ أَبِي بَكْرٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَعَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو، وَأَبِي ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيِّ، وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، وَعَوْفِ بْنِ مَالِكٍ، وَعَائِشَةَ -رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِمْ جَمِيعًا-، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «يَطَّلِعُ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- إِلَى خَلْقِهِ لَيْلَةَ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ، فَيَغْفِرُ لِجَمِيعِ خَلْقِهِ إِلَّا لِمُشْرِكٍ أَوْ مُشَاحِنٍ».
وَهَذَا الْحَدِيثُ حَدِيثٌ صَحِيحٌ بِمَجْمُوعِ طُرُقِهِ، لَا شَكَّ فِي ذَلِكَ، وَلَا رَيْبَ فِيهِ.
وَفِي رِوَايَةٍ: قَالَ ﷺ: «يَطَّلِعُ اللهُ -جَلَّتْ قُدْرَتُهُ- إِلَى خَلْقِهِ فِي لَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ؛ فَيَغْفِرُ لِلْمُؤْمِنينَ، وَيُمْلِي لِلْكَافِرِينَ، وَيَدَعُ -أَيْ: يَتْرُكُ- أَهْلَ الْحِقْدِ بِحِقْدِهِمْ حَتَّى يَدَعُوهُ».
((لَيْلَةُ النِّصْفِ لَيْلَةُ الْمَغْفِرَةِ لِلْمُوَحِّدِينَ))
النَّبِيُّ ﷺ دَلَّنَا عَلَى أَنَّ لَيْلَةَ النِّصْفِ لَيْلَةٌ شَرِيفَةٌ يُعْطِي فِيهَا اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ مِنْ رَحَمَاتِهِ خَلْقَهُ, وَأَنَّ اللهَ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- لَا يُفِيضُ هَذَا الْعَطَاءَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ وَلَا عَلَى الْمُشَاحِنِينَ.
وَقَدْ جَعَلَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ الْمُشْرِكَ مَعَ الْمُشَاحِنِ فِي خَنْدَقٍ وَاحِدٍ, فَلَا يَغْفِرُ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ فِي لَيْلَةِ النِّصْفِ -مَعَ عُمُومِ الْمَغْفِرَةِ لِجَمِيعِ أَهْلِ الْأَرْضِ- لَا يَغْفِرُ لِمُشْرِكٍ وَلَا لِمُشَاحِنٍ.
مَنْ عِنْدَهُ الْبَغْضَاءُ فِي قَلْبِهِ, وَمَنِ انْطَوَى صَدْرُهُ عَلَى الْغِلِّ وَالْحِقْدِ وَالْحَسَدِ، فَهَذَا بِمَبْعَدَةٍ عَنِ الْمَغْفِرَةِ.
وَفِي «صَحِيحِ سُنَنِ ابْنِ مَاجَه» عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرو -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-: قِيلَ لِلنَّبِيِّ ﷺ: مَنْ أَفْضَلُ النَّاسِ؟
فقال ﷺ: ((كُلُّ مَخْمُومِ الْقَلْبِ صَدُوقِ اللِّسَانِ -كُلُّ مَخْمُومِ الْقَلْبِ صَدُوقِ اللِّسَانِ هَذَا أَفْضَلُ النَّاسِ-)).
فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، صَدُوقُ اللِّسَانِ عَرَفْنَاهُ, فَمَا مَخْمُومُ الْقَلْبِ؟
قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: ((هُوَ التَّقِيُّ النَّقِيُّ الَّذِي لَا إِثْمَ فِيهِ وَلَا بَغْيَ وَلَا غِلَّ فِيهِ وَلَا حَسَدَ».
فَأَفْضَلُ الْأَعْمَالِ عِنْدَ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَأَفْضَلُ الْخَلْقِ عِنْدَ اللهِ -جَلَّ وَعَلَا- سَلَامَةُ الصَّدْرِ، وَمَنْ كَانَ عَنِ الْغِلِّ وَالْحَسَدِ مُنَزَّهًا وَمِنْ ذَلِكَ مُبَرَّئًا.
((سُبُلُ صَلَاحِ الْقَلْبِ وَثَمَرَتُهُ))
كَيْفَ يَصْلُحُ الْقَلْبُ؟
يَصْلُحُ الْقَلْبُ بِالْخُلُوصِ مِنَ الشِّرْكِ، وَالْبِدْعَةِ، وَالْحِقْدِ، وَمَذْمُومِ الْخِصَالِ.. هَذَا صَلَاحُ الْقَلْبِ.
وَالنَّبِيُّ ﷺ رَتَّبَ الْجَزَاءَ عَلَى الشَّرْطِ: «إِذَا صَلَحَتْ؛ صَلَحَ»، «أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً»: قِطْعَةٌ مِنَ اللَّحْمِ بِمِقْدَارِ مَا يُمْضَغُ -صَغِيرَةٌ هِيَ-، «إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ؛ أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ».
كَيْفَ صَلَاحُ الْقَلْبِ -إِذَنْ-؟
بِخُلُوصِهِ مِنَ الشِّرْكِ، وَخُلُوصِهِ مِنَ الْبِدْعَةِ، وَخُلُوصِهِ مِنَ الْحِقْدِ وَمَذْمُومِ الْخِصَالِ.
فَهَذِهِ هِيَ الْخِصَالُ الَّتِي يَنْبَغِي أَنْ يَبْرَأَ مِنْهَا الْقَلْبُ؛ لِيَتَحَصَّلَ عَلَى الْغُفْرَانِ.
أَمَّا الَّذِينَ يَتَلَوَّثُونَ بِالْأَحْقَادِ وَالْأَحْسَادِ.. أَمَّا الَّذِينَ تَجْرِي فِي عُرُوقِهِمْ تِلْكَ الْأُمُورُ مِنْ مَذْمُومِ الْخِصَالِ؛ فَهُمْ عَنِ الْغُفْرَانِ بِمَبْعَدَةٍ!!
((الْخُلُوصُ مِنَ الشِّرْكِ وَطَهَارَةُ الْقَلْبِ فِي لَيْلَةِ النِّصْفِ))
إِنَّ النَّبِيَّ ﷺ يَدُلُّنَا عَلَى عِبَادَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ:
*إِيمَانٌ بِاللَّـهِ رَبِّ العَالَمِينَ، خُلُوصٌ مِنَ الشِّرْكِ: مِنْ شِرْكِ الْمُعْتَقَدِ، مِنْ شِرْكِ الضَّمِيرِ، مِنْ شِرْكِ الْقَلْبِ، مِنْ شِرْكِ اللِّسَانِ، مِنْ شِرْكِ الْجَوَارِحِ، خُلُوصٌ مِنَ الشِّرْكِ جُمْلَةً ظَاهِرًا وَبَاطِنًا، وَإِلَّا فَلَا غُفْرَانَ.
«فَيَغْفِرُ لِجَمِيعِ خَلْقِهِ إِلَّا لِمُشْرِكٍ أَوْ مُشَاحِنٍ»، «يَغْفِرُ لِلْمُؤْمِنِينَ»، تَحْقِيقُ الْإِيمَانِ فِي لَيْلَةِ النِّصْفِ تَحْقِيقُ التَّوْحِيدِ، الْخُلُوصُ وَالْبَرَاءَةُ مِنَ الشِّرْكِ فِي لَيْلَةِ النِّصْفِ هُوَ الشَّيْءُ الَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يُعْقَدَ عَلَيْهِ الْخِنْصَرُ أَوَّلَ مَا يُعْقَدُ عِنْدَ عَدِّ الْخِصَالِ وَعِنْدَ السَّيْرِ إِلَى الْكَرِيمِ الْمُتَعَالِ، فَهَذَا أَوَّلًا.
*هَذِهِ الْعِبَادَةُ تَسْتَتْبِعُ حَتْمًا طَهَارَةَ الْقَلْبِ مِنَ الْحِقْدِ.
((بِدَعٌ وَضَلَالَاتٌ مُخْتَرَعَةٌ فِي لَيْلَةِ النِّصْفِ))
عِبَادَ اللهِ! هَذَا مَا صَحَّ فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ، لَا مَا يَذْهَبُ إِلَيْهِ الشِّيعَةُ, وَلَا مَا يَتَقَصَّى عَلَى آثَارِهِمْ فِيهِ قَصًّا الْمُتَصَوِّفَةُ, إِذْ يَجْتَمِعُونَ فِي الْمَسَاجِدِ فِي لَيْلَةِ النِّصْفِ فِي صَلَاةِ الْمَغْرِبِ, يَقُومُ قَائِمُهُمْ بَعْدَ الصَّلَاةِ يُصَلُّونَ مَا يُسَمَّى بِـ (صَلَاةِ الرَّغَائِبِ)!!
وَيَا لَلَّهِ الْعَجَب! كَيْفَ يُتَقَرَّبُ إِلَى اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ بِمَا لَمْ يَشْرَعْ؟!!
وَكَيْفَ يُتَقَرَّبُ إِلَى اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ بِالضَّلَالَةِ؟!!
وَهَذَا نَبِيُّكُمْ ﷺ، صَحَّ عَنْهُ قَوْلُهُ: «كُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ, وَكُلُّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ».
وَأَمَّا الدُّعَاءُ -الَّذِي يُنْسَبُ إِلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- فَهُوَ مِنْهُ بَرِيءٌ, وَهُوَ مِنْهُ بَرَاءٌ- هَذَا الدُّعَاءُ الَّذِي يَأْخُذُ بِهِ النَّاسُ فِي لَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ؛ يَحْسَبُونَ -تَبَعًا لِلشِّيعَةِ وَلِلضُّلَّالِ مِمَّنْ حَادُوا عَنْ صِرَاطِ مُحَمَّدٍ ﷺ- أَنَّ لَيْلَةَ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ هِيَ الَّتِي أَنْزَلَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ فِيهَا قَوْلَهُ: ﴿حم* وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ﴾ [الدُّخَانُ: 1- 2], ثُمَّ يَقُولُ رَبُّنَا -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-: ﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ*فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ﴾ [الدُّخَانُ :3- 4].
فَيَظُنُّ الظَّانُّ أَنَّ هَذِهِ اللَّيْلَةَ الْمُبَارَكَةَ هِيَ لَيْلَةُ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ, وَلَيْسَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ لَمَّا ذَكَرَ الْقُرْآنَ الْعَظِيمَ بَعْدَمَا ذَكَرَ مَا ذَكَرَ مِنَ الْحُرُوفِ الْمُقَطَّعَةِ؛ قَالَ رَبُّنَا -جَلَّ وَعَلَا-: ﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ﴾, فَعَادَ الضَّمِيرُ إِلَى الْقُرْآنِ الْمَذْكُورِ, إِلَى الْكِتَابِ الْمُبِينِ, إِلَى الذِّكْرِ الْحَكِيمِ.
ثُمَّ قَالَ رَبُّنَا -جَلَّتْ قُدْرَتُهُ-: ﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ﴾ [القدر : 1].
فَاللَّيْلَةُ الَّتِي يُفْرَقُ فِيهَا كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ هِيَ لَيْلَةُ الْقَدْرِ لَيْلَةُ التَّقْدِيرِ.
*اخْتِصَاصُ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ بِصِيَامٍ أَوْ بِقِيَامٍ بِدْعَةٌ:
حَدِيثُ: «إِذَا كَانَتْ لَيْلَةُ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ فَقُومُوا لَيْلَهَا, وَصُومُوا نَهَارَهَا». حَدِيثٌ مَوْضُوعٌ, فِي سَنَدِهِ ابْنُ أَبِي سَبْرَةَ, قَالَ فَيهِ الْإِمَامَانِ أَحْمَدُ وَابْنُ مَعِينٍ -رَحِمَهُمَا اللهُ -جَلَّ وَعَلَا--: «كَانَ يَضَعُ الْحَدِيثَ» -يَعْنِي: ابْنَ أَبِي سَبْرَةَ-.
فَلَيْلَةُ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ تَخْصِيصُهَا بِالْقِيَامِ شَيْءٌ لَمْ يَأْتِ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ وَلَا عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِهِ -رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ-.
وَأَمَّا صِيَامُ النِّصْفِ فَإِنْ كَانَ تَخْصِيصًا لِتَوَهُّمِ مَزِيدِ فَضْلٍ؛ فَهَذَا ابْتِدَاعٌ فِي دِينِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، لَمْ يَأْتِ بِهِ أَثَرٌ مِنْ كِتَابٍ، وَلَا مِنْ سُنَّةٍ، وَلَا مِنْ فِعْلِ صَاحِبٍ، وَلَا إِجْمَاعِ أُمَّةٍ.
وَأَمَّا إِنْ كَانَ يَصُومُ الْخَامِسَ عَشَرَ مِنْ شَهْرِ شَعْبَانَ عَلَى أَنَّهُ مِنَ الْأَيَّامِ الْغُرِّ الْبِيضِ فَهَذِهِ بِذَاتِهَا قَدْ وَرَدَ فِيهَا النَّصُّ الصَّحِيحُ, وَكَانَ النَّبِيُّ ﷺ حَرِيصًا عَلَى أَنْ يَصُومَ الْأَيَّامَ الْبِيضَ.
((وَظِيفَةُ دِينِ اللهِ فِي الْحَيَاةِ))
عِبَادَ اللهِ! إِنَّ وَظِيفَةَ الدِّينِ فِي الْحَيَاةِ أَنْ يُغَيِّرَ الْمَرْءَ مِمَّا هُوَ عَلَيْهِ مِنْ ضَلَالٍ وَانْحِرَافٍ، وَسُوءِ سِيرَةٍ، وَسُوءِ طَوِيَّةٍ، وَسُوءِ قَصْدٍ, يُغَيِّرَهُ الدِّينُ إِلَى مَا يُحِبُّهُ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ وَيَرْضَاهُ بَاطِنًا وَظَاهِرًا.
فَإِذَا كَانَ عَاجِزًا عَنِ التَّغْيِيرِ؛ فَقُلْ لِي بِرَبِّكَ: فَأْيَّ شَيْءٍ أَفَادَهُ دِيْنُ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ؟!!
أَسْأَلُ اللهَ - جَلَّتْ قُدْرَتُهُ وَتَقَدَّسَتْ أَسْمَاؤُهُ - أَنْ يَحْشُرَنَا فِي زُمْرَةِ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ ﷺ إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.
الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشْهَدُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ هُوَ يَتَوَلَّى الصَالِحِينَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ﷺ, صَلَاةً وَسَلَامًا دَائِمَيْنِ مُتَلَازِمَيْنِ إِلَى يَومِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ:
((الْعِبَادَةُ الثَّابِتَةُ فِي لَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ))
فَمَا هُنَالِكَ مِنَ الْعِبَادَةِ -عِبَادَ اللهِ- فِي لَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ؛ فَقَدْ وضَّحَهَا الْحَدِيثُ الْعَظِيمُ: «إِلَّا لِمُشْرِكٍ أَوْ مُشَاحِنٍ».
وَإِذَنْ، فَإِنَّ الْعِبَادَةَ الْجَلِيلَةَ الَّتِي يَحْرِصُ عَلَيْهَا الْمَرْءُ فِي لَيْلَةِ النِّصْفِ وَفِي كُلِّ لَيَالِي الْعَامِ؛ بَلْ فِي كُلِّ لَحْظَةٍ مِنْ لَحْظَاتِ الْعُمُرِ الَّذِي أَعْطَاهُ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ هِبَةً لِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِهِ فِي دُنْيَاهُ؛ يَحْرِصُ الْإِنْـسَانُ عَلَى أَنْ يَكُونَ مُبَرَّءًا مِنَ الشِّرْكِ مُنَزَّهًا عَنْهُ؛ لِأَنَّ اللهَ -جَلَّتْ قُدْرَتُهُ- قَدْ مَضَتْ مَشِيئَتُهُ بِأَلَّا يَغْفِرَ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ, فَلَا يَغْفِرُ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ مِنْ هَذَا الدِّيوَانِ شِيْئًا -وَلَوْ كَانَ يَسِيرًا- وَلَا يَسِيرَ فِيهِ عَلَى الْإِطْلَاقِ.
إِلَّا أَنَّ الْمَرْءَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ حَرِيصًا فِي لَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ عَلَى أَنْ يَكُونَ طَاهِرَ الجَنَانِ، مُبَرَّأَ الْأَرْكَانِ مِنْ أَنْ يَكُونَ وَاقِعًا فِيمَا يُغْضِبُ الْعَزِيزَ الدَّيَّانَ, بَلْ يَكُونُ بَاحِثًا عَنْ مَرْضَاةِ الرَّحِيمِ الرَّحْمَنِ.
عَلَى الْمَرْءِ أَنْ يَكُونَ مُجْتَهِدًا فِي الْخَلَاصِ مِنَ الشِّرْكِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا بِتَصْفِيَةِ الْقَلْبِ مِمَّا يَعْلَقُ بِهِ مِنَ الشَّوَائِبِ، وَمَا يَجُرُّ إِلَيْهِ الشِّرْكُ مِنْ تِلْكَ الْمَادَّةِ الْقَذِرَةِ بِالحَمْئَةِ الْمَسْنُونَةِ؛ مِنْ تِلْكَ الشَّحْنَاءِ بِالْبَغْضَاءِ، بِالْغِلِّ، بِالْحَسَدِ.
قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «وَلَا يُؤمِنُ أَحَدُكُم حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ» كَمَا قَالَ الرَّسُولُ ﷺ.
لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُم إِيمَانًا صَحِيحًا كَامِلًا مُعْتَبَرًا فِي مِيزَانِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ مَقْبُولًا عِنْدَ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ.
فَهَذَا هَذَا -عِبَادَ اللهِ!-.
فَلَيْلَةُ النِّصْفِ فِيهَا هَذَا الْفَضْلُ, فِيهَا عُمُومُ الْمَغْفِرَةِ إِلَّا لِمُشْرِكٍ أَوْ مُشَاحِنٍ.
فَاللهم! طَهِّرْنَا وَبَرِّئْنَا مِنَ الشِّرْكِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا.
اللهم! طَهِّرْنَا مِنَ الشَّحْنَاءِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا.
اللهم! اخْتِمْ لَنَا بِخَاتِمَةِ السَّعَادَةِ أَجْمَعِينَ.
وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ ﷺ.