((كَيْفَ نَسْتَقْبِلُ شَهْرَ الصِّيَامِ؟))
إنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّـهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّـهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ.
وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّـهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ﷺ.
أَمَّا بَعْدُ:
فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّـهِ، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ ﷺ، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.
أَمَّا بَعْدُ:
((مَوَاسِمُ الطَّاعَاتِ رَحْمَةٌ مِنَ اللهِ بِالْأُمَّةِ))
فَإِنَّ اللهَ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- لَمْ يُخْلِ زَمَانًا مِنْ رَحَمَاتٍ غَامِرَةٍ، وَفُيُوضَاتٍ شَامِلَةٍ, وَقَدْ جَعَلَ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- هَذِهِ الْأُمَّةَ أُمَّةً مَرْحُومَةً, وَهِيَ كَالْغَيْثِ لَا يُدْرَى أَوَّلُهُ خَيْرٌ أَمْ آخِرُهُ, وَهَذِهِ هِيَ أُمَّةُ خَيْرِ الْأَنْبِيَاءِ وَسَيِّدِ الْمُرْسَلِينَ ﷺ.
وَقَدْ عَلِمَ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- مَا يَكُونُ مِنْ قِصَرِ أَعْمَارِ أَبْنَائِهَا؛ فَجَعَلَ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- لَهُمْ مِنْ مَوَاسِمِ الطَّاعَاتِ مَا يُحَصِّلُونَ بِهِ الْغَايَاتِ، بَلْ وَيُوفُونَ بِهِ عَلَى الْغَايَاتِ, وَيَسْتَشْرِفُونَ بِهِ عَلَى النِّهَايَاتِ, وَكُلُّ ذَلِكَ مِنْ إِكْرَامِ اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- لِهَذِهِ الْأُمَّةِ الْمَرْحُومَةِ.
جَعَلَ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- مِنْ مَوَاسِمِ الرَّحْمَةِ شَهْرَ رَمَضَانَ.
((جُمْلَةٌ مِنْ فَضَائِلِ الصِّيَامِ))
لَقَدْ جَعَلَ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- لِلصِّيَامِ مِنَ الْفَضَائِلِ وَالْمَنَاقِبِ مَا اللهُ -جَلَّتْ قُدْرَتُهُ- بِهِ عَلِيمٌ, فَالصِّيَامُ بِإِطْلَاقٍ لَهُ مِنَ الْمَنَاقِبِ، وَمِنَ الْفَضَائِلِ، وَمِنَ الثَّوَابِ عِنْدَ رَبِّنَا الْكَرِيمِ الرَّحْمَنِ مَا لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا الدَّيَّانُ.
وَالنَّبِيُّ ﷺ لَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِدْلًا, فَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! دُلَّنِي عَلَى عَمَلٍ أَدْخُلُ بِهِ الْجَنَّةَ.
قَالَ: ((عَلَيْكَ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَا عِدْلَ لَهُ)).
وَفِي رِوَايَةٍ: ((عَلَيْكَ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَا مِثْلَ لَهُ)).
وَ(عِدْل) وَ(مِثْل) بِمَعْنَى, فَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ الرَّسُولُ ﷺ نَظِيرًا وَلَا مَثِيلًا وَلَا عِدْلًا.
وَأَخْبَرَ ﷺ: ((أَنَّ مَنْ صَامَ يَوْمًا فِي سَبِيلِ اللهِ؛ بَاعَدَ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ بِذَلِكَ الْيَوْمِ سَبْعِينَ خَرِيفًا)).
فَجَعَلَ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- لِلصِّيَامِ مِنَ الْفَضَائِلِ, وَرَتَّبَ عَلَيْهِ مِنَ الثَّوَابِ مَا لَا يُقَادَرُ قَدْرُهُ كَمَا بَيَّنَ لَنَا ذَلِكَ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّنَا ﷺ فِيمَا يَرْوِيهِ عَنْ رَبِّ الْعِزَّةِ -جَلَّ وَعَلَا-: ((كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ, الْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعِ مِئَةٍ ضِعْفٍ إِلَّا الصَّوْمَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ)).
وَالرَّسُولُ ﷺ بَيَّنَ الْكَثِيرَ مِنْ فَضَائِلِ الصِّيَامِ, وَاللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ فَرَضَ عَلَى الْأُمَّةِ صِيَامَ رَمَضَانَ, وَقَدْ جَعَلَ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- ذَلِكَ مِنْ أَجْلِ إِنْزَالِ الْقُرْآنِ فِيهِ.
فَقَدْ قَالَ رَبُّنَا -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ ۚ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة: 185].
وَاللهُ -جَلَّتْ قُدْرَتُهُ- جَعَلَ فِي هَذَا الشَّهْرِ مِنَ الْعَطَاءِ مَا أَخْبَرَ بِهِ رَسُولُ اللهِ ﷺ, ((فَإِنَّ مَنْ صَامَهُ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا؛ غَفَرَ اللهُ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ, وَمَنْ قَامَهُ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا؛ غَفَرَ اللهُ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ, وَمَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا؛ غَفَرَ اللهُ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ)), وَلَا تَجِدُ ذَلِكَ لِأُمَّةٍ سِوَى أُمَّةِ رَسُولِ اللهِ ﷺ.
فَهَذَا مَوْسِمُ الطَّاعَةِ الْأَكْبَرُ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ.
((اسْتِقْبَالُ رَمَضَانَ بِالْفَرَحِ بِفَضْلِ اللهِ وَرَحْمَتِهِ))
أَمَرَ اللهُ بِالْفَرَحِ بِالدِّينِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ؛ فَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} [يونس: 58].
قُلْ يَا رَسُولَ اللهِ وَيَا كُلَّ دَاعٍ إِلَى اللهِ مِنْ أُمَّتِهِ! قُلْ لِلنَّاسِ مُبَيِّنًا وَمُقْنِعًا: اسْتَمْسِكُوا بِإِفْضَالِ اللهِ عَلَيْكُمْ، وَرَحْمَتِهِ الْعَظِيمَةِ بِكُمْ، وَمَا آتَاكُمْ فِي كِتَابِهِ الْمَجِيدِ مِنَ الْمَوَاعِظِ وَشِفَاءِ الصُّدُورِ، فَبِذَلِكَ الَّذِي جَاءَكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ، وَالْحِرْصِ عَلَى الِاسْتِمْسَاكِ بِهِ وَاتِّبَاعِهِ؛ فَلْيَفْرَحُوا.
وَاعْلَمُوا أَنَّ مَا أَعَدَّ اللهُ لَكُمْ فِيمَا لَوِ اسْتَمْسَكْتُمْ بِهِ، وَاتَّبَعْتُمْ وَصَايَاهُ؛ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ مِنْ كُلِّ مَا يَجْمَعُونَ مِنْ مَتَاعِ الدُّنْيَا وَلَذَّاتِهَا الْفَانِيَةِ.
وَمِنْ ذَلِك مَا جَعَلَهُ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- لِلْمُسْلِمِينَ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ مِنْ هَذِهِ الْمَوَاسِمِ الْعَظِيمَةِ الَّتِي تُغْفَرُ فِيهَا الذُّنُوبُ، وَتُحَطُّ فِيهَا السَّيِّئَاتُ، وَتُضَاعَفُ فِيهَا الْحَسَنَاتُ مَا أَكْرَمَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ بِهِ أُمَّةَ نَبِيِّهِ ﷺ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ.
((اسْتِقْبَالُ رَمَضَانَ بِالتَّوْبَةِ وَتَطْلِيقِ الْعَادَاتِ السَّيِّئَةِ))
عِبَادَ اللهِ! لَا بُدَّ مِنَ اسْتِعْدَادٍ لِدُخُولِ هَذَا الْمَوْسِمِ؛ بِتَطْلِيقِ عَادَاتٍ قَدْ تَجَذَّرَتْ فِي حَبَّةِ الْقَلْبِ, وَصَارَتْ نَمَطًا فِي الْحَيَاةِ لَا يُقْلَعُ عَنْهُ.
فَلَا بُدَّ مِنَ الْوَقْفَةِ الْمُتَأَنِّيَةِ؛ مِنْ أَجْلِ اقْتِلَاعِ جُذُورِ تِلْكَ الْعَادَاتِ مِنَ الْقُلُوبِ, مِنْ أَجْلِ أَنْ يَتَخَفَّفَ الْمَرْءُ مِنْ ثِقْلٍ قَدْ أَضْنَى كَاهِلَيْهِ, وَقَدْ أَقَضَّ مَضْجَعَهُ, وَقَدْ أَحْنَى ظَهْرَهُ؛ مِنْ أَجْلِ أَنْ يَكُونَ خَفِيفًا فِي مُنْطَلَقِهِ فِي سَبِيلِ رَبِّهِ -جَلَّ وَعَلَا-.
لَا بُدَّ مِنْ تَقْلِيلِ الطَّعَامِ وَالْكَلَامِ وَالْمَنَامِ.
وَلَا بُدَّ مِنَ التَّوْبَةِ إِلَى اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَالْأَوْبَةِ, لَا بُدَّ مِنَ الْإِخْلَاصِ فِيهَا؛ مِنْ أَجْلِ أَنْ تَكُونَ خَالِصَةً للهِ -جَلَّ وَعَلَا-.
وَلَا بُدَّ مِنَ الْإِقْلَاعِ عَنِ الذُّنُوبِ عَلَى الْفَوْرِيَّةِ وَالنَّدَمِ عَلَى مَا سَلَفَ مِنْهَا, مَعَ الْعَزْمِ عَلَى عَدَمِ الْمُعَاوَدَةِ, مَعَ رَدِّ الْمَظَالِمِ إِلَى أَرْبَابِهَا؛ لِأَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي التَّوْبَةِ مِنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ أَنْ تُؤَدَّى الْمَظَالِمُ إِلَى أَرْبَابِهَا.
((اسْتِقْبَالُ رَمَضَانَ بِتَطْهِيرِ الْقَلْبِ وَاللِّسَانِ))
عَلْيَنَا -عِبَادَ اللهِ- أَنْ نَلْتَفِتَ لِفَضَائِلِ هَذَا الشَّهْرِ الَّذِي أَكْرَمَنَا اللهُ بِالْقُدُومِ عَلَيْهِ, وَلَا يَعْلَمُ إِلَّا اللهُ مَنْ يَبْلُغُهُ, فَاللهم بَلِّغْنَا رَمَضَانَ, وَاجْعَلْنَا فِيهِ مِنَ الْمُحْسِنِينَ الْمَقْبُولِينَ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ، وَيَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ، وَيَا أَكْرَمَ الْأَكْرَمِينَ.
أَقْبِلْ عَلَى رَبِّكَ -جَلَّ وَعَلَا- بِمَجْمُوعِ قَلْبِكَ وَجِمَاعِ رُوحِكَ؛ بِنِيَّةٍ خَالِصَةٍ صَالِحَةٍ وَقَلْبٍ مُوقِنٍ مُؤْمِنٍ مُحْتَسِبٍ، عَسَى اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ أَنْ يُغَيِّرَ مَا بِنَا {إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ} [الرعد: 11].
فَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ يُغَيِّرَ اللهُ مَا بِنَا عَلَى الْمُسْتَوَى الْفَرْدِيِّ وَعَلَى الْمُسْتَوَى الْمَجْمُوعِيِّ؛ فَعَلَيْنَا أَنْ نُغَيِّرَ مَا بِأَنْفُسِنَا.
يَنْبَغِي أَنْ نُحَصِّلَ -عِبَادَ اللهِ- أُمُورًا قَبْلَ الدُّخُولِ عَلَى ذَلِكَ الْمَوْسِمِ الْأَعْظَمِ مِنْ مَوَاسِمِ الطَّاعَةِ لِلْأُمَّةِ وَمِنْهَا:
1*أَنْ نَتُوبَ إِلَى اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- تَوْبَةً نَصُوحًا, وَالتَّوْبَةُ النَّصُوحُ أَلَّا تَعُودَ حَتَّى يَرْجِعَ اللَّبَنُ إِلَى الضَّرْعِ, التَّوْبَةُ النَّصُوحُ عَزْم وَنَدَمٌ، وَإِقْبَالٌ عَلَى مَرَاضِي اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-، وَبُعْدٌ عَنْ مَسَاخِطِهِ, عَزْمٌ عَلَى أَلَّا تَعُودَ حَتَّى يَعُودَ اللَّبَنُ إِلَى الضَّرْعِ!!
فَهَذَا أَوَّلُ شَيْءٍ.
*بِتَصْحِيحِ الِاعْتِقَادِ، وَالتَّوْبَةِ مِنْ كُلِّ مَا يُخَالِطُهُ مِنْ شِرْكٍ وَبِدْعَةٍ وَمِنْ تَخْلِيطٍ وَتَهْوِيشٍ.
*وَبِسَلَامَةِ الصَّدْرِ لِلْمُسْلِمِينَ..
وَعِشْ سَالمًا صَدْرًا وَعَنْ غِيبَةٍ فَغِبْ *** تُحَضَّرْ حِظَارَ الْقُدْسِ أَنْقَى مُغَسَّلَا
فَيَنْبَغِي عَلَيْنَا أَنْ نُفَتِّشَ فِي قُلُوبِنَا, وَأَنْ نُخَلِّصَهَا مِنْ شَوَائِبِهَا وَآفَاتِهَا.
يَنْبَغِي عَلَيْنَا أَنْ تَسْلَمَ صُدُورُنَا لِإِخْوَانِنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ, وَأَنْ يَكُونَ الْقَصْدُ نَفْعَهُمْ, وَأَنْ يَكُونَ الْقَصْدُ الْأَخْذَ بِأَيْدِيهِمْ إِلَى الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ؛ لَا التَّشَفِّي فِيهِمْ.
*وَيَنْبَغِي عَلَيْنَا أَنْ نَعْلَمَ أَنَّنَا جَمِيعًا كَالْجَسَدِ الْوَاحِدِ؛ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: ((مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ كَمَثَلِ الْجَسَدِ الْوَاحِدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى)).
فَالْمُسْلِمُونَ جَسَدٌ وَاحِدٌ, وَالْمُؤْمِنُونَ كَالْبُنْيَانِ الْمَرْصُوصِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا.
يَنْبَغِي عَلَيْنَا أَنْ نُرَاقِبَ قلُوبَنَا وَضَمَائِرَنَا وَأَنْفُسَنَا وَأَرْوَاحَنَا وَأَلْسِنَتَنَا وَجَوَارِحَنَا؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ ﷺ حَذَّرَنَا، فَقَالَ: ((مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ)) .
عَلَى الْإِنْسَانِ أَنْ يَجْتَهِدَ فِيهِ؛ مِنْ مُدَارَسَةِ الْقُرْآنِ، وَالْعُكُوفِ عَلَى آيَاتِ الرَّحِيمِ الرَّحْمَنِ, وَالنَّبِيُّ ﷺ كَمَا فِي ((صَحِيحِ مُسْلِمٍ)): ((كَانَ إِذَا صَلَّى الصُّبْحَ لَمْ يَقُمْ مِنْ مُصَلَّاهُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ)). هَكَذَا.
*عَلَى الْإِنْسَانِ أَنْ يَجْتَهِدَ فِي تَقْدِيمِ الطَّعَامِ لِلْمُحْتَاجِينَ وَغَيْرِ الْمُحْتَاجِينَ؛ لِأَنَّ ((مَنْ فَطَّرَ فِي هَذَا الشَّهْرِ صَائِمًا كَانَ لَهُ مِثْل أَجْرِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَجْرِهِ شَيْء)) ؛ حَتَّى وَلَوْ كَانَ غَيْرَ مُحْتَاجٍ, وَلَكِنَّهُ يَتَقَرَّبُ بِذَلِكَ إِلَى اللهِ.
وَبَيَّنَ لَنَا نَبِيُّنَا ﷺ: ((أَنَّ النَّاسَ لَا يَزَالُونَ بِخَيْرٍ مَا عَجَّلُوا الْفِطْرَ)), وَهُوَ مِنْ شَعَائِرِ هَذِهِ الْأُمَّةِ، وَمِنْ شِعَارَاتِهَا، وَمِنْ عَلَامَاتِهَا.
وَ((فَصْلُ مَا بَيْنَ صِيَامِنَا وَصِيَامِ أَهْلِ الْكِتَابِ: أَكْلَةُ السَّحَرِ)).
فَهَذَا مِنَ الْأُمُورِ الَّتِي فَرَّطَ فِيهَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ!! مَعَ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ أَخْبَرَ: ((أَنَّ الْأُمَّةَ مَا تَزَالُ بِخَيْرٍ مَا عَجَّلُوا الْفِطْرَ)). فَهَذَا يَنْسَرِحُ عَلَى مَجْمُوعِ الْأُمَّةِ.
فَاللَّهُمَّ سَلِّمْنَا رَمَضَانَ, وَسَلِّمْنَا إِلَى رَمَضَانَ, وَاللَّهُمَّ سَلِّمْ لَنَا رَمَضَانَ, وَتَسَلَّمْ مِنَّا رَمَضَانَ يَا كَرِيمُ يَا رَحْمَنُ.
وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِهِ وَأَصحَابِهِ أَجمَعِينَ.
الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشْهَدُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، هُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ﷺ, صَلَاةً وَسَلَامًا دَائِمَيْنِ مُتَلَازِمَيْنِ إِلَى يَومِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ:
((بَيْنَ يَدَيْ رَمَضَانَ وَالتَّحْذِيرُ مِنَ الْوُقُوعِ فِي الْمُحَرَّمَاتِ))
فَالْعَجَبُ -عِبَادَ اللهِ!- أَنْ يُجْعَلَ هَذَا الشَّهْرُ -الَّذِي هُوَ لِتَحْصِيلِ الطَّاعَةِ؛ مِنْ أَجْلِ تَحْصِيلِ الرُّضْوَانِ- مِنَ الْعَجَبِ أَنْ يُجْعَلَ تَحْصِيلًا لِلسَّيِّئَاتِ, وَتَكْثِيرًا لِلْآثَامِ وَالْأَوْزَارِ؛ بِإِطْلَاقِ الْبَصَرِ إِلَى الْمُحَرَّمَاتِ, وَبِالْعُكُوفِ عَلَيْهَا فِي الْأَمْسَاءِ وَالْأَصْبَاحِ وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ!!
مِنَ الْعَجَبِ أَنْ يُجْعَلَ الشَّهْرُ -الَّذِي تُفْطَمُ فِيهِ النَّفْسُ عَنْ شَهَوَاتِهَا- مُسْتَرَاحًا لِلرَّتْعِ فِي لَذِيذِ الْمَطْعَمِ وَالْمَشْرَبِ وَحُلْوِ الْمَنَامِ, كُلُّ ذَلِكَ مِمَّا أَبَاحَ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-؛ وَلَكِنَّهُ لَيْسَ مَقْصِدًا فِي شَهْرِ الصِّيَامِ.
يَنْبَغِي عَلَيْنَا أَنْ نَفْعَلَ الْخَيْرَ، وَلَا نَجْعَلَ الصَّوْمَ تُكَأَةً مِنْ أَجْلِ إِخْرَاجِ خَبَائِثِ النَّفْسِ.
الصَّائِمُ مُنْكَسِرٌ للَّهِ, خَاضِعٌ بِتَقْوَاهُ لِسُنَّةِ نَبِيِّهِ ﷺ؛ الَّذِي أَمَرَهُ بِأَنْ يَكُونَ فِي سَكِينَةٍ وَدَعَةٍ، وَأَنْ يُقَدِّمَ الْمَعْرُوفَ, وَأَنْ يَبْتَعِدَ عَنْ جَمِيعِ الْمُنْكَرَاتِ.
فَيَنْبَغِي عَلَيْنَا أَنْ نَتَأَمَّلَ قَبْلَ الدُّخُولِ فِي هَذَا الْمَوْسِمِ الْعَظِيمِ فِي أَحْوَالِنَا, وَأَنْ نَقِفَ عَلَى رَأْسِ طَرِيقِنَا؛ لِكَيْ نُرَاجِعَ مَا مَرَّ مِنْ أَعْمَارِنَا، لِكَيْ نَنْظُرَ فِيمَا مَرَّ -مُنْذُ الِاحْتِلَام إِلَى هَذَا الوَقْتِ- نَظْرَةً فَاحِصَةً مُتَأَمِّلَةً وَاعِيَةً ثَاقِبَةً، وَأَنْ يَجْتَهِدَ الْإِنْسَانُ فِي بَيَانِ مَا لَهُ وَمَا عَلَيْهِ, وَفِي النَّظَرِ فِي تَقْوِيمِ وَتَثْمِينِ نَفْسِهِ.
أَيْنَ أَنْتَ مِنْ أَخْلَاقِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ؟!!
وَأَيْنَ أَنْتَ مِنَ الْخُضُوعِ لِدِينِ رَبِّكَ بِأَحْكَامِهِ وَشَرِيعَتِهِ؟!!
اتَّقِ اللَّهَ فِي نَفْسِك وَفِيمَا بَقِيَ مِنْ عُمُرِكَ، وَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ رَبِّكَ وَأَخْلِصْ، وَصَفِّ حَتَّى يُصَفَّى لَكَ، وَلَا تُخَلِّط حَتَّى لَا يُخَلَّطَ عَلَيْكَ, وَاللهُ يَرْعَاكَ وَبِكَلَاءَتِهِ يَتَوَلَّاكَ, وَهُوَ مِنْ وَرَاءِ الْقَصْدِ, وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.
وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَى الْبَشِيرِ النَّذِيرِ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ.