((قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا))
إِنَّ اللهَ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- أَمَرَنَا أَنْ نَقِيَ أَنْفُسَنَا النَّارَ، وَوَصَفَهَا اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- بِبَعْضِ صِفَاتِهَا كَمَا وَصَفَ الْقَائِمِينَ عَلَيْهَا بِبَعْضِ صِفَاتِهِمْ، وَحَذَّرَنَا اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- مِنْ ذَلِكَ، وَأَمَرَنَا أَنْ نَقِيَ أَنْفُسَنَا وَأَهْلِينَا ذَلِكَ الْأَمْرَ الْكَبِيرَ، وَهُوَ وُرُودُ النَّار: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾ [التحريم:6].
إنَّ اللهَ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- نَادَانَا بِوَصْفِ الْإِيمَانِ؛ لَكِيْ يَكُونَ ذَلِكَ حَافِزًا لَنَا عَلَى إِلْقَاءِ سَمْعِ الْقَلْبِ لِمَا يَأْمُرُنَا بِهِ وَمَا يَنْهَانَا عَنْهُ.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا}: يَا مَنْ أَعْلَنْتُمْ إِيمَانَكُمْ بِرَبِّكِمْ -جَلَّ وَعَلَا-، فَآمَنْتُمْ بِهِ وَبِمَا أَنْزَلَ مِنْ كِتَابٍ، وَبِالرَّسُولِ الَّذِي أَرْسَلَهُ إِلَيْكُمْ، إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ حَقًّا؛ فَاسْمَعُوا وَعُوا، وَامْتَثِلُوا أَمْرَ اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-، وَاجْتَنِبُوا مَسَاخِطَهُ.
{قُوا أَنفُسَكُمْ}: اجْعَلُوا بَيْنَ أَنْفُسِكِمْ وَبَيْنَ نَارِ اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- وِقَايَةً وَجُنَّةً، {وَأَهْلِيكُمْ}: فَإِنَّكُمْ رُعَاةٌ فِيهِمْ، وَكُلُّ رَاعٍ فِي رَعِيَّةٍ هُوَ مَسْئُولٌ عَنْهَا، وَالرَّجُلُ فِي أَهْلِهِ رَاعٍ، وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ.
وَمَا أَحْسَنَ إِلَيْهِمْ مَنْ مَكَّنَهُمْ مِنْ وَسَائِلِ الْفِسْقِ وَاللَّهْوِ وَالْفُجُورِ، وَإِضَاعَةِ الْأَوْقَاتِ فِي مَعْصِيَةِ رَبِّ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتِ!!
وَمَا سَعَى بِذَلِكَ فِي وِقَايَتِهِمُ النَّارَ الَّتِي وَصَفَهَا الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ بِقَوْلِهِ: {نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ}: لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ، يُعذِّبُ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- بِهَا أَهْلَ الْفُجُورِ وَالْفِسْقِ وَالْكُفْرِ، وَاللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.
{عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ}: فَهُمْ فِي غِلْظَتِهِمْ وَشِدَّتِهِمْ مُطِيعُونَ للهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- يَتَقَرَّبُونَ إِلَيْهِ؛ بِإِنْزَالِ النَّكَالِ وَالْهَوَانِ وَالْعَذَابِ عَلَى مَنِ اسْتَحَقَّ ذَلِكَ فِي النّارِ الَّتِي أَعَدَّهاَ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- لِلْمُجْرِمِينَ.
*صِيَانَةُ الْبُيُوتِ مِنَ الْفَوَاحِشِ وَالْخَنَا مِنْ أَسْبَابِ الْحِفَاظِ عَلَى الْأُسْرَةِ الْمُسْلِمَةِ:
إِنَّ الْبُيُوتَ يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ مُنِيرَةً بِآيَاتِ اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-؛ بِقُرْآنِ الرَّحْمَنِ لَا بِقُرْآنِ الشَّيْطَانِ.
عَلَى الْأَسْمَاعِ أَنْ تَتَنَزَّهَ عَنْ سَمَاعِ الْخَنَا وَالزُّورِ وَالْبُهْتَانِ، وَعَلَى الْأَبْصَارِ أَنْ تَتَنَزَّهَ عَنِ النَّظَرِ إِلَى الْفَوَاحِشِ وَمُطَالَعَةِ الْعَوْرَاتِ، وَالتَّطَلُّعِ إِلَى تِلْكَ الْأُمُورِ الَّتِي حَرَّمَهَا رَبُّ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتِ.
تَعَلَّمُوا عِبَادَ اللهِ، وَتَمَسَّكُوا بِدِينِ اللهِ، وَتَمَسَّكُوا بِالْأَخْلَاقِ الْإِسْلَامِيَّةِ، احْفَظُوا مَنْطِقَكُمْ، وَاحْفَظُوا أَبْصَارَكُمْ أَنْ تُوَاقِعَ الْحَرَامَ، لَا تَجْلِسُوا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ أَمَامَ تِلْكَ الشَّاشَاتِ الَّتِي تُخَرِّبُ عَلَيْكُمْ أَخْلَاقَكُمْ، تُدَمِّرُ عَلَيْكُمْ دِينَكُمْ، وتُفْسِدُ عَلَيْكُمْ بُيُوتَكُمْ، فَلْتَكُنْ بُيُوتُكُمْ كَبُيُوتِ الْأَصْحَابِ -عِبَادَ اللهِ-.
كُنْتَ إِذَا مَرَرْتَ بِطُرُقَاتِ الْمَدِينَةِ بِلَيْلٍ؛ سَمِعْتَ لَهُمْ دَوِيًّا كَدَوِيِّ النَّحْلِ بِالْقُرْآنِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ-، وَالْآنَ يَعْكُفُ النَّاسُ فِي الْأَصْبَاحِ وَفِي الْأَمْسَاءِ وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ، وَفِي السَّحَرِ الْأَعْلَى، وَفِي أَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ، عَلَى مُشَاهَدَةِ الْعُهْرِ وَالْخَنَا، وَتَبَلَّدَتِ الْأَخْلَاقُ، وَانْمَحَقَتِ الْغَيْرَةُ!!
انْمَحَقَتِ الْغَيْرَةُ!!
الرَّجُلُ تَكُونُ امْرَأَتُه بِجِوَارِه تَتَطَلَّعُ إِلَى رَجُلٍ عَارٍ، لا يَبْقَى إِلَّا أَنْ يُكْشَفَ غِطَاءٌ، وَلَرُبَّمَا كُشِفَ حَتَّى تَرَى الْمَرْأَةُ مُوَاقَعَةً، وَمُبَاشَرَةً وَاقِعَةً، وزَوْجُهَا -وَقَدْ خَرَجَ لَهُ قَرْنَانِ عَظِيمَانِ!!- بِجِوَارِهَا يَنْظُرُ، ورُبَّمَا يَضْحَكُ!!
وَابْنَتُهُ يَأْتِي إِلَيْهَا فِي خِدْرِهَا بِالْخَنَا، وَيَأْتِي لَهَا فِي خِدْرِهَا مَا يُعَلِّمُهَا بِهِ الْفُجُورَ!! ثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَ؛ لَامَ النَّاسَ، وَلَامَ الدُّنْيَا، وَهُوَ الَّذِي حَفَرَ بِظِلْفِهِ قَبْرَهُ، فَلْيَتَّقِ اللهَ رَبَّهُ؛ حَتَّى تَتَنَزَّلَ عَلَيْنَا الرَّحَمَاتُ؛ فَإِنَّ الْمَعَاصِيَ يُحْجَبُ بِهَا خَيْرٌ كَبِيرٌ، لَوُ أَنَّنَا أَطَعْنَا اللهَ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- لَتَوَاتَرَتْ عَلَيْنَا النِّعَمُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً، وَلَأَكَلْنَا مِنْ فَوْقِنَا وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِنَا، نَحْنُ نَسُدُّ عَلَى أَنْفُسِنَا مَسَالِكَ العَطَاءِ.
فَيَنْبَغِي عَلَيْنَا أَنْ نَتُوبَ، وَأَنْ نَتَّقِيَ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ.
فَالْمُجْتَمَعُ إِذَا مَا انْهَارَتْ أَخْلَاقُهُ، وَإِذَا مَا سَقَطَتْ أَخْلَاقُهُ فِي الْحَمْئَةِ الْوَبِيلَةِ، الْمُجْتَمَعُ إِذَا ظَهَرَتْ فِيهِ الْفَاحِشَةُ؛ فَكَبِّرْ عَلَيْهِ أَرْبَعًا.
الْمُجْتَمَعُ لَا يُحَارَبُ بِمِثْلِ مَا يُحَارَبُ بِنَشْرِ الْفَاحِشَةِ وَالرَّذِيلَةِ بَيْنَ أَبْنَائِهِ، وَمَا تَمَكَّنَ أَعْدَاءُ الْإِسْلَامِ فِي دَاخِلٍ وَلَا خَارِجٍ يَوْمًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ إِلَّا بِالْعَبَثِ بِأَخْلَاقِهمْ وَبَثِّ النَّزَوَاتِ وَالشَّهَوَاتِ مَفْتُوحَةً بِمَصَارِعِ أَبْوَابِهَا أَمَامَ شَهَوَاتِهِمْ وَمَلَذَّاتِهِمْ.
يَقُولُ النَّبِيُّ ﷺ: «صِنْفَانِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَمْ أَرَهُمَا -يَعْنِي لَمْ يَكُنْ لِهَذَيْنِ الصِّنْفَيْنِ مِنْ وُجُودٍ فِي زَمَنِ رَسُولِ اللهِ ﷺ، وَذَكَرَ: «وَنِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ مُمِيلَاتٌ مَائِلَاتٌ، رُؤُوسُهُنَّ كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ الْمَائِلَةِ، لَا يَدْخُلْنَ الْجَنَّةَ وَلَا يَجِدْنَ رِيحَهَا، وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ كَذَا وَكَذَا».
«وَنِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ»: حَتَّى وَلَوْ كَانَتْ قَدْ جَعَلَتِ السِّدَالَ قَائِمًا، فَلَا يُبْصَرُ مِنْهَا شَيْءٌ، كَاسِيَةٌ عَارِيَةٌ مِنَ التَّقْوَى بَاطِنًا؛ فَهِيَ دَاخِلَةٌ، أَوْ هِيَ كَاسِيَةٌ بِشُفُوفٍ تَشِفُّ وَثِيَابٍ تَصِفُ، ثُمَّ هِيَ كَاسِيَةٌ عَارِيَةٌ فِي آنٍ وَاحِدٍ، قَوْلَانِ لِأَهْلِ الْعِلْمِ.
يَقُولُ النَّبِيُّ ﷺ: «مُمِيلَاتٌ مَائِلَاتٌ»: تُمِيلُ بِالْخَنَا، فَهِيَ مَائِلَةٌ عَنِ الْحَقِّ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا، «مُمِيلَاتٌ مَائِلَاتٌ، رُؤُوسُهُنَّ كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ»: وَالْبُخْتُ: إِبِلٌ لَهَا سَنَامٌ يَمِيلُ بِقِمَّةِ الشَّعْرِ فِيهِ نَاحِيَةً، وَكَذَلِكَ تَجِدُ الْمَرْأَةَ مِنْ هَؤُلَاءِ كَاسِيَةً عَارِيَةً، تَخْرُجُ بِثِيَابٍ إِلَى الْأَجَانِبِ مِنْ غَيْرِ الْمَحَارِمِ مِمَّنْ لَا يَجُوزُ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى شَيْءٍ مِنْهَا قَطُّ.
فَعَلَى الْمَرْأَةِ الَّتِي آمَنَتْ بِرَبِّهَا وَسَتَرَتْ جَسَدَهَا أَنْ تَتَّقِّيَ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ، فَلَا تَتَبَرَّجُ بِحِجَابِهَا، فَهَذَا شَيْءٌ شَائِنٌ لَا يَلِيقُ، وَالْحِجَابُ الْآنَ قَدْ تَبرَّجَ، نَعَمْ صَارَ الْحِجَابُ يَحْتَاجُ حِجَابًا، فَقَدْ تَبَرَّجَ الْحِجَابُ!!
وَلَا يَنْبَغِي لِمَنْ جَعَلَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ لَهُ وَلَايَةً عَلَى امْرَأَةٍ؛ يَسْأَلُهُ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ عَنْهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي عَرَصَاتِهَا، يَوْمَ لَا يَنْفَعُ حَمِيمٌ حَمِيمًا وَلَا صَاحِبٌ صَاحِبًا، وَإِنَّمَا هِيَ الْمُؤَاخَذَةُ بِالْمُجَازَاةِ وَالْمَسْئُولِيَّةِ.
يَنْبَغِي لِمَنْ جَعَلَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ لَهُ وَلَايَةً أَنْ يَأْخُذَ عَلَى مَنْ فَعَلَتْ ذَلِكَ عَلَى يَدَيْهَا وَأَلَّا يُمَكِّنْهَا مِنْ ذَلِكَ؛ فَإِنَّهُ مَسْئُولٌ؛ لِأَنَّ النَّبِيُّ ﷺ أَخْبَرَنَا عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ ﷺ: «كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، الرَّجُلُ فِي بيتهِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ».
*تَعْلِيمُ الْأَبْنَاءِ التَّوْحِيدَ وَأُصُولَ الِاعْتِقَادِ أَسَاسُ صَلَاحِ الْأُسْرَةِ وَالْمُجْتَمَعِ:
قَالَ تَعَالَى: {وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان: 13].
وَضَعْ فِي ذَاكِرَتِكَ أَيُّهَا الْمُتَلَقِّي آيَاتِ كِتَابِ اللهِ؛ ضَعْ نَصِيحَةَ لُقْمَانَ ابْنِهِ وَهُوَ يَنْصَحُهُ نُصْحًا مَقْرُونًا بِمَا يُثِيرُ الرَّغْبَةَ وَالرَّهْبَةَ، يَا بُنَيَّ الْقَرِيبَ مِنْ قَلْبِي، الْحَبِيبَ لِي، لَا تَجْعَلْ للهِ فِي اعْتِقَادِكَ أَوْ عَمَلِكَ شَرِيكًا لَهُ فِي رُبُوبِيَّتِهِ لِكَوْنِهِ أَوْ فِي إِلَهِيَّتِهِ؛ لِأَنَّ الْتَسْوِيَةَ بَيْنَ مَنْ يَسْتَحِقُّ الْعِبَادَةَ وَبَيْنَ مَنْ لَا يَسْتَحِقُّهَا ظُلْمٌ عَظِيمٌ بِوَضْعِ الْعِبَادَةِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهَا، إِنَّ الشِّرْكَ لِظُلْمٌ عَظِيمٌ.
وَقَالَ تَعَالَى: {وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [البقرة: 132].
وَوَصَّى إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ بِكَلِمَةِ الْإِخْلَاصِ وَالْمِلَّةِ الْحَنِيفِيَّةِ، وَالِاسْتِسْلَامِ الْكَامِلِ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ.
وَوَصَّى يَعْقُوبُ بَنِيهِ -وَكَانُوا اثْنَا عَشَرَ وَلَدًا، أَحَدُهُمْ يُوسُفُ -عَلَيْهِ السَّلَامُ-- بِمِثْلِ مَا وَصَّى بِهِ إِبْرَاهِيمُ، وَكُلٌّ مِنْ إِبْرَاهِيمَ وَيَعْقُوبَ -عَلَيْهِمَا السَّلَامُ- قَالَ لِبَنِيهِ فِي وَصِيَّتِهِ لَهُمْ: يَا أَبْنَائِي! إِنَّ اللهَ اخْتَارَ لَكُمْ عَقَائِدَ الدِّينِ، وَشَرَائِعَهُ، وَأَحْكَامَهُ، فَاسْتَخْلَصَ لَكُمْ أَحْسَنَهَا، وَكَلَّفَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا بِهَا وَتَعْمَلُوا بِمُقْتَضَاهَا.
وَأَمَرَكُمْ أَنْ تَكُونُوا مُسْلِمِي قِيَادَتِكُمْ فِي مَسِيرِةِ حَيَاتِكُمْ إِلَيْهِ -جَلَّ جَلَالُهُ-، تُطِيعُونَهُ فِيمَا أَمَرَكُمْ بِهِ فَتُؤَدُّونَهُ، وَتُطِيعُونَهُ فِيمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَتَجْتَنِبُونَهُ.
فَالْتَزِمُوا بِإِسْلَامِكُمْ لَهُ كُلَّ أَزْمَانِ حَيَاتِكُمْ، حَتَّى إِذَا جَاءَكُمُ الْمَوْتُ الَّذِي لَا تَعْلَمُونَ وَقْتَ نُزُولِهِ بِكُمْ عِنْدَ انْتِهَاءِ آجَالِكُمْ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا الَّتِي أَنْتُمْ فِيهَا مُمْتَحَنُونَ، جَاءَكُمْ حِينَئِذٍ الْمَوْتُ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ، مُسْتَسْلِمُونَ، مُنْقَادُونَ، مُطِيعُونَ رَبَّكُمْ فِيمَا أَمَرَكُمْ بِهِ وَفِيمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ؛ لِتَكُونُوا مِنَ النَّاجِينَ وَالْفَائِزِينَ بِالْمَنَازِلِ الرَّفِيعَةِ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ.
عِبَادَ اللهِ! لَقَدْ كَانَتْ أَبْيَاتُ أَصْحَابِ النَّبِيِّ ﷺ بِاللَّيْلِ لَهَا دَوِيٌّ كَدَوِيِّ النَّحْلِ مِنْ تِلَاوَةِ الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ.
فَلْنُوَجِّهْ أَهْلِينَا، وَلْنُوَجِّهْ أَنْفُسَنَا إِلَى كِتَابِ اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-، فَمَا ضَلَّ مَنْ ضَلَّ إِلَّا بِتَرْكِ كِتَابِ اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-؛ لِأَنَّ التَّزْكِيَةَ لِلنَّفْسِ لَا تَكُونُ إِلَّا بِالْقُرْآنِ الْعَظِيمِ، وَبِسُنَّةِ النَّبِيِّ الْكَرِيمِ ﷺ.
{قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا}: عَلِّمُوهُمْ أُصُولَ الِاعْتِقَادِ، دُلُّوهُمْ عَلَى الْحَقِّ وَالرَّشَادِ.
عَلِّمُوهُمْ دِينَ رَبِّهِمْ: عَقِيدَتَهُ، وَعِبَادَتَهُ، وَمُعَامَلَتَهُ، وَأَخْلَاقَهُ، وَسُلُوكَهُ؛ لِيَفُوزُوا بِالرِّضْوَانِ فِي الْآخِرَةِ مَعَ السَّعَادَةِ فِي الدُّنْيَا، وَإِلَّا فَقَدْ خُنْتُمُ الْأَمَانَةَ، وَإِلَّا فَمَا أدَّيْتُمْ حَقَّ ذَوِيكُمْ عَلَيْكُمْ.
تَعَلَّمُوا أُصُولَ الِاعْتِقَادِ وَعَلِّمُوهَا، قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ مِنَ الشِّرْكِ الَّذِي يُوَرِّطُ الْخَلْقَ فِي النَّارِ تَوَرُّطًا، وَاللهُ لَا يَغْفِرُهُ {إِنَّ اللهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ} [النِّسَاء: 48].
عَلِّمُوهُمْ أَنْ يَنْذِروا للهِ، إِنْ نَذَرُوا.
عَلِّمُوهُمْ أَلَّا يَذْبَحُوا إِلَّا للهِ، وَأَلَّا يَتَوَكَّلُوا إِلَّا عَلَى اللهِ، أَلَّا يُحِبُّوا إِلَّا فِي اللهِ، وَأَلَّا يُبْغِضُوا إِلَّا فِي اللهِ.
عَلِّمُوهُمْ أَسْمَاءَ اللهِ وَصِفَاتِهِ.
دُلُّوهُمْ عَلَى الصَّوَابِ وَالْحَقِيقَةِ فِي مَسَائِلِ الْإِيمَانِ وَالْكُفْرِ، ألَّا يَكُونُوا مُرْجِئَةً، وَأَلَّا يَكُونُوا خَوَارِجَ؛ فَيَخْسَرُوا الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ.
عَلِّمُوهُمْ الْحَقَّ الْحَقِيقَ فِي بَابِ الْقَضَاءِ وَالْقَدَرِ، وَإِلَّا صَارُوا مُتَوَاكِلِينَ، لَا يَنْهَضُونَ لِهِمَّةٍ، وَلَا يَأْتُونَ بِعَزْمٍ فِي مُلِمَّةٍ.
عَلِّمُوهُمُ الْوَاجِبَ تِجَاهَ آلِ بَيْتِ رَسُولِ اللهِﷺ، وَأَلَّا يَكُونُوا رَافِضَةً، وَأَلَّا يَكُونُوا نَاصِبَةً؛ حَتَّى يَكُونُوا عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ مَعَ أَهْلِ السُّنَّةِ.
عَلِّمُوهُمُ الْحَقَّ الْحَقِيقَ في أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ ﷺ، حَتَّى يُجَانِبُوا الشِّيعَةَ الرَّوَافِضَ الْمَلَاعِينَ فِي سَبِّهِمْ لِأَصْحَابِ النَّبِيِّ الْأَمِينِﷺ، وَفِي تَكْفِيرِهِمْ لَهُمْ، وَفِي رَمْيِهِمْ بِالْخِيَانَةِ لِلدِّينِ، وَارْتِدَادِهِمْ عَنْهُ بَعْدَ مَوْتِ النَّبِيِّ الْأَمِينِ؛ حَتَّى لَا يَنْجُمَ فِي بَيْتِكَ مَنْ يَقُولُ: هَؤُلَاءِ إِخْوَانُنَا، وَهَؤُلَاءِ نَتَقَارَبُ مَعَهُمْ!!
عَلِّمُوهُمُ الْحَقَّ الْحَقِيقَ فِي كِتَابِ اللهِ -جَلَّ وَعَلَا-.
عَلِّمُوهُمْ أَلَّا يَنْظُرُوا إِلَى كِتَابِ رَبِّهِمْ -جَلَّ وَعَلَا- نَظْرَةَ السُّوءِ؛ فَيَرَوْهُ مُفَكَّكًا لَا يَتَمَاسَكُ كَمَا يَزْعُمُ الْعَلْمَانِيُّونَ وَالْمُسْتَشْرِقُونَ، وَكَمَا يَزْعُمُ الْمُكَفِّرُونَ الْمُنَصِّرُونَ، فَإِنَّهُمْ يَزْعُمُونَ فِي الْقُرْآنِ كَثِيرًا وَكَثِيرًا.
عَلِّمُوهُمْ حَقَّ رَسُولِ اللهِ، وَعَرِّفُوهُمْ بِهِ.
لَنْ تَقِيَ الْأَهْلَ نَارًا، وَأَنْتَ لَا تَدْرِي وَلدُكَ مَنْ يُصَاحِبُ، وَمِنْ أَيِّ مَعِينٍ يَنْهَلُ؛ فَلَعَلَّهُ قَدْ قُيِّضَ لَهُ مُبْتَدِعٌ يُضِلُّهُ عَنِ الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ، وَأَنْتَ فِي غَفْلَةٍ غَفْلَاءَ!!
لَا تَدَعْ وَلَدَك تَتَلَقَّفُهُ الْجَمَاعَاتُ الضَّالَّةُ، وَالْفِرَقُ الْمُنْحَرِفَةُ.
فَمَا وَقَيْتَهُ النَّارَ، وَأَسَأْتَ، وَتَعَدَّيْتَ، وَظَلَمْتَ! وَلَمْ تَرْعَ فِيهِ أَمَانَةَ اللهِ!
عَلِّمْهُ دِينَ اللهِ، وَدِينُ اللهِ لَا فُرْقَةَ فِيهِ، وَإِنَّمَا هُوَ قِيَامٌ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ، الَّذِي جَاءَ بِهِ رَسُولُ اللهِﷺ.
وَكُلُّ ذَلِكَ مِنَ امْتِثَالِ أَمْرِ اللهِ فِي قَوْلِهِ -جَلَّ وَعَلَا-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} [التحريم: 6].
اتَّقُوا اللهَ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- فِي أَنْفُسِكُمْ وَفِي أَهْلِيكُمْ؛ فَإِنَّمَا هِيَ أَمَانَةٌ.
المصدر: بِنَاءُ الْأُسْرَةِ الْمُسْلِمَةِ الْقَوِيَّةِ وَحِمَايَتُهَا