((خَوَاتِيمُ الشَّهْرِ وَالتَّوْبَةُ الصَّادِقَةُ))
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُه، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَلَّا إِلهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ﷺ.
أَمَّا بَعْدُ:
فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللهِ، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ ﷺ، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.
أَمَّا بَعْدُ:
((فِي نِهَايَةِ الشَّهْرِ.. مَنْ أَحْسَنَ مِمَّنْ أَسَاءَ؟!!))
فَقَدْ ذَكَرَ الذَّهَبِيُّ فِي ((السِّيَرِ)) ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ, قَالَ: ((مَنْ أَحْسَنَ فَلْيَرْجُ الثَّوَابَ، وَمَنْ أَسَاءَ فَلَا يَسْتَنْكِرِ الْجَزَاءَ، وَمَنْ أَخَذَ عِزًّا بِغَيْرِ حَقٍّ, أَوْرَثَهُ اللهُ ذُلًّا بِحَقٍّ، وَمَنْ جَمَعَ مَالًا بِظُلْمٍ، أَوْرَثَهُ اللهُ فَقْرًا بِغَيْرِ ظُلْمٍ)).
مَنْ أَحْسَنَ فَلْيَرْجُ الثَّوَابَ.. فَلَيْتَ شِعْرِي مَنْ أَحْسَنَ مِمَّنْ أَسَاءَ!! وَمَنْ أَسَاءَ فَلَا يَسْتَنْكِرِ الْجَزَاءَ!!
((رَمَضَانُ.. فُرْصَةٌ لِلْمُحَاسَبَةِ))
عِبَادَ اللهِ! هَذِهِ فُرْصَةٌ؛ فُرْصَةُ الْمُرَاجَعَةِ وَفُرْصَةُ الْمُحَاسَبَةِ لِلنَّفْسِ كَمَا فَعَلَ حَنْظَلَةُ الْأُسَيِّدِيُّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، الْتَفَتَ فَوَجَدَ تَفَاوُتًا فِي الْحَالِ فَعَدَّهُ نِفَاقًا، فَلَقِيَهُ الصِّدِّيقُ الْأَكْبَرُ، فَقَالَ: كَيْفَ أَصْبَحْتَ؟
قَالَ: أَصْبَحْتُ مُنَافِقًا!!
قَالَ: وَيْحَكَ! انْظُرْ مَا تَقُولُ.
قَالَ: تَفَاوُتٌ -يَا أَبَا بَكْرٍ- يَأْتِي إِلَى الْقَلْبِ وَالنَّفْسِ بِحَالَاتٍ تَكْسِرُ الْقَلْبَ كَسْرًا، وَتَحْطِمُ الرُّوحَ حَطْمًا، نَكُونُ عِنْدَ الرَّسُولِ ﷺ يُحَدِّثُنَا عَنِ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ كَأَنَّا رَأْيَ الْعَيْنِ، كَأَنَّا نَنْظُرُ إِلَى الْجَنَّةِ وَأَهْلِهَا فِيهَا، وَنَنْظُرُ إِلَيْهِمْ وَهُمْ يَتَنَعَّمُونَ، وَكَأَنَّنَا نَنْظُرُ إِلَى النَّارِ وَإِلَى أَهْلِهَا فِيهَا وَكَأَنَّهُمْ فِيهَا يُعَذَبُّونَ، فَإِذَا مَا انْصَرَفَنَا إِلَى أَهْلِينَا وَضَيْعَاتِنَا وَأَزْوَاجِنَا؛ عَافَسْنَا الزَّوْجَاتِ وَالضَّيْعَاتِ وَالْأَمْوَالَ وَنَسِينَا كَثِيرًا!!
فَقَالَ: إِنِّي لَأَجِدُ فِي نَفْسِي مِثْلَ الَّذِي تَقُولُ.
مُحَاسَبَةٌ.. وَهِيَ بِذَاتِهَا الَّتِي جَاءَ بِهَا إِبْرَاهِيمُ التَّيْمِيُّ -عَلَيْهِ الرَّحْمَةُ-، قَالَ: «مَثَّلْتُ نَفْسِي فِي الْجَنَّةِ، آكُلُ ثِمَارَهَا، وَأَشْرَبُ مِنْ أَنْهَارِهَا، وَأُعَانِقُ أَبْكَارَهَا، ثُمَّ مَثَّلْتُ نَفْسِي فِي النَّارِ، آكُلُ مِنْ زَقُّومِهَا، وَأَشْرَبُ مِنْ صَدِيدِهَا، وَأُعَالِجُ سَلَاسِلَهَا وَأَغْلَالَهَا؛ فَقُلْتُ لِنَفْسِي: أَيْ نَفْسِي، أَيُّ شَيْءٍ تُرِيدِينَ؟
قَالَتْ: أُرِيدُ أَنْ أُرَدَّ إِلَى الدُّنْيَا؛ فَأَعْمَلَ صَالِحًا!!
قَالَ: قُلْتُ: فَأَنْتِ فِي الْأُمْنِيَةِ فَاعْمَلِي».
إِذْ إِنَّكِ فِي الْأُمْنِيَّةِ وَلَمْ تُغَادِرِي الدُّنْيَا بَعْدُ!!
مَثَّلْتُ لِنَفْسِي الْجَنَّةَ وَمَثَّلْتُ لِنَفْسِي النَّارَ.. فَإِذَا كَانَ وَاحِدٌ فِي النَّارِ؛ فَمَا أُمْنِيَّتُهُ؟!!
أَنْ يُرَدَّ إِلَى الدُّنْيَا؛ لِيَعْمَلَ صَالِحًا، فَيَا مَنْ لَمْ تَمُتْ بَعْدُ! أَنْتَ فِي الدُّنْيَا فَلِمَ لَا تَعْمَلْ صَالِحًا؟!!
بِهَذِهِ الْمُحَاسَبَةِ يَنْبَغِي أَنْ يَأْخُذَ الْمَرْءُ نَفْسَهُ، وَإِلَّا فَشَهْرٌ جَاءَ وَشَهْرٌ انْصَرَمَ، وَأَيَّامٌ تَوَلَّتْ، وَلَيَالٍ قَضَتْ، ثُمَّ لَا شَيْءَ، وَإِنَّمَا يَخْرُجُ الْمَرْءُ أَعْظَمَ إِثْمًا، وَأَكْبَرَ وِزْرًا!!
فَهِيَ فُرْصَةٌ عَسَى اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ أَنْ يُمَتِّعَنَا بِهَا فَنَبْتَهِلَهَا؛ حَتَّى لَا نَكُونَ مِنَ النَّادِمِينَ، وَلَا الْخَزَايَا الْمَحْزُونِينَ، إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.
((فَرِيضَةُ صَدَقَةِ الْفِطْرِ وَحِكْمَتُهَا وَثَمَرَاتُهَا))
عِبَادَ اللهِ! الرَّسُولُ ﷺ فَرَضَ صَدَقَةَ الْفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ، وَسُمِّيَتْ ((فِطِرَةً))، فَكَأَنَّهَا عَائِدَةٌ -لِأَنَّهَا عَلَى أَصْلِ الرُّؤُوسِ- فَكَأَنَّهَا عَائِدَةٌ إِلَى الْفِطْرَةِ، وَهَذَا قَوْلٌ وَإِنْ كَانَ مَرْجُوحًا جَاءَ بِهِ ابْنُ قُتَيْبَةَ، فَإِنَّمَا سُمِّيَتْ صَدَقَةَ الْفِطْرِ؛ لِإِفْطَارِ النَّاسِ مِنْ رَمَضَانَ.
وَفِي ((الصَّحِيحَيْنِ)): عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- قَالَ: ((فَرَضَ رَسُولُ اللهِ ﷺ صَدَقَةَ الْفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ -فَالَّذِي فَرَضَهَا هُوَ الرَّسُولُ ﷺ
بِأَمْرٍ مِنَ اللهِ- فَرَضَ رَسُولُ اللهِ ﷺ صَدَقَةَ الْفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، عَلَى كُلِّ ذَكَرٍ وَأُنْثَى، وَحُرٍّ وَعَبْدٍ، وَصَغِيرٍ وَكَبِيرٍ)).
بَيَّنَ لَنَا نَبِيُّنَا ﷺ مَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ: وَإِنَّمَا هُوَ صَاعٌ مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعٌ مِنْ شَعِيرٍ، وَلِمَ؟
يَقُولُ ابْنُ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- -فِي الْحَدِيثِ الَّذِي صَحَّ عِنْدَ ابْنِ مَاجَةَ وَغَيْرِهِ-: ((فَرَضَ رَسُولُ اللهِ ﷺ صَدَقَةَ الْفِطْرِ طُهْرَةً لِلصَّائِمِ مِنَ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ، وَطُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ))
إِنَّهُ مُجْتَمَعٌ فَاضِلٌ مُتَطَهِّرٌ، إِنَّهُ مُجْتَمَعٌ يَبْحَثُ عَنْ كَمَالٍ مَنْشُودٍ يَسْعَى إِلَيْهِ سَعْيًا سَرِيعًا حَثِيثًا، إِنَّهُ مُجْتَمَعٌ يَتَطَهَّرُ أَبْنَاءُهُ مِمَّا قَدْ يُصِيبُهُمْ، وَلَا بُدَّ أَنْ يُصِيبَهُمْ مِنْ غُبَارِ سَيِّئَاتٍ لا يَنْجُو مِنْهَا إِلَّا الْمَعْصُومُ ﷺ.
((طُهْرَةً لِلصَّائِمِ مِنَ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ)): مِمَّا كَانَ هُنَالِكَ مِمَّا اعْتَادَهُ النَّاسُ فِي حَيَاتِهِم، فَأَتَوْا بِهِ عَلَى سَجِيَّاتِهِمْ، وَمُتَعَنِّتِينَ فِي أَكْثَرِ الْأَحَايِينِ، مَعَ أَنَّ الْمَدْرَسَةَ الْعَمَلِيَّةَ قَدْ قَضَتْ بِأَنْ يَكُونَ الصَّخَبُ مَنْفِيًّا، فَهَلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ الصَّخَبُ مَنْفِيًّا فِي بَقِيَّةِ الْعَامِ؟!!
لِأَنَّهُ لَا صَخَبَ مَعَ الصِّيَامِ؛ وَلِذَلِكَ يَنْبَغِي عِنْدَمَا يَتَعَوَّدُ الْمَرْءُ ذَلِكَ ثَلاثِينَ يَوْمًا أَنْ يَظَلَّ كَذَلِكَ بِذَخِيرَةٍ رُبَّمَا تَتَنَاقَصُ حَتَّى إِذَا مَا شَارَفَتِ النِّهَايَةَ بِالْفَنَاءِ جَاءَ الشَّهْرُ مَرَّةً أُخْرَى؛ لِتَعْلُوَ الْحَصِيلَةُ إِلَى الذِّرْوَةِ، ثُمَّ مَا يَزَالُ الْمَرْءُ سَائِرًا بِمُنْحَنًى كَمُنْحَنى الْجَيْبِ؛ يَعْلُو وَيَنْزِلُ ثَمَّ يَعْلُو وَيَنْزِلُ!!
((طُهْرَةً لِلصَّائِمِ مِنَ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ)): مِنَ الْكَلامِ الَّذِي لا لَهُ وَ لا عَلَيْهِ، مِنَ الْكَلامِ الَّذي يخْرُجُ عَفْوَ الْخَاطِرِ، فَيَسُدُّ مَسَدَّ مَا كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُوضَعَ فِي خِزَانَةِ النَّفْسِ الَّذِي لَيْتَهُ رَاحَ فَارِغًا، وَإِنَّمَا شُغِلَ بِبَعْرَةٍ فِي مَكَانِ دُرَّةٍ!!
((مِنْ الْلَّغْوِ وَالْرَّفَثِ)): مِنَ الْكَلَامِ الْقَبِيحِ، مِنَ الْفُحْشِ، مِنَ الْوُقُوعِ فِي أَمْثَالِ تِلْكَ الْأَشْيَاءِ بِالتَّوْرِيَةِ وَالْكِنَايَةِ، وَمِمَّا تَوَاضَعَ عَلَيْهِ الْخَلْقُ كُلُّهُمْ إِلَّا مَنْ رَحِمَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ، وَقَلِيلٌ ما هُمْ!!
* وَحِكمَةُ صَدَقَةِ الفِطْرِ ظَاهِرَةٌ جِدًّا:
*فَفِيهَا إِحْسَانٌ إِلَى الْفُقَرَاءِ، وَكَفٌّ لَهُمْ عَنِ السُّؤَالِ فِي يَوْمِ الْعِيدِ؛ لِيُشَارِكُوا الْأَغنِيَاءَ فِي فَرَحِهِمْ وَسرُورِهِمْ بِهِ، وَلِيَكُونَ عِيدًا لِلْجَمِيعِ.
*وَفِيهَا الِاتِّصَافُ بِخُلُقِ الْكَرَمِ وَحُبِّ الْمُوَاسَاةِ.
*وَفِيهَا تَطهِيرُ الصَّائِمِ مِمَّا يَحْصُلُ فِي صِيَامِهِ مِنْ نَقْصٍ وَلَغْوٍ وَإِثْمٍ.
*وَفِيهَا إِظْهَارُ شُكْرِ نِعْمَةِ اللهِ بِإِتْمَامِ صِيَامِ شَهْرِ رَمَضَانَ وَقِيَامِهِ، وَفِعْلِ مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ فِيهِ.
((رَمَضَانُ مِنْحَةٌ وَمِحْنَةٌ!!))
عِبَادَ اللهِ! إِنَّ الْعِيدَ الْحَقَّ هُوَ الْيَوْمُ الَّذِي يَخْرُجُ الْمَرْءُ فِيْهِ مِنْ هَذِهِ الدُّنْيَا سَالِمًا غَانِمًا، وَالْعِيدُ الَّذِي هُوَ الْعِيدُ هُوَ الَّذِي يَخْرُجُ الْمَرْءُ مِنْ رَمَضَانَ مُغْفُورًا لَهُ، كَمَا أَخْبَرَ الرَّسُولُ ﷺ.
إِنَّهَا مِحْنَةٌ ظَاهِرَةٌ قَلَّ مَنْ يَلْتَفِتُ إِلَيْهَا!! أَلَمْ يَصْعَدُ الْمِنْبَرَ ﷺ فَجَاءَ دُعَاءُ جِبْرِيلَ، فَأَمَّنَ الْأَمِينُ -أَمِينُ أَهْلِ الْأَرْضِ وَالسَّمَاءِ- عَلَى أَمِينِ السَّمَاءِ جِبْرِيلَ، فَأَمَّنَ مُحَمَّدٌ ﷺ عَلَى دُعَاءِ جِبْرِيلَ، أَلَيْسَتْ مِحْنَةً؟!
وَصَعِدَ الْمِنْبَرَ فَقَالَ: ((آمِينَ)).
فَلَمَّا نَزَلَ فَسُئِلَ: ((آمِينَ، آمِينَ، آمِينَ، مَا هَذا الَّذِي قُلْتَهُ، وَمَا عَهِدْنَاكَ لَهُ قَائِلًا؟)).
فَقَالَ: ((جَاءَنِي جِبْرِيلُ، فَقَالَ: بَعُدَ رَجُلٌ انْسَلَخَ عَنْهُ رَمَضَانُ فَلَمْ يُغْفَرْ لَهُ. فَقُلْتُ: آمِينَ)).
وَفِي رِوَايَةٍ: ((رَغِمَ أَنْفُ عَبْدٍ انْسَلَخَ عَنْهُ رَمَضَانُ فَلَمْ يُغْفَرْ لَهُ، فَقُلْتُ : آمِينَ)).
وَإِذَنْ؛ فَرَمَضَانُ مُعْتَرَكٌ لِلْعِزِّ وَالذُلِّ، وَمَعْرَكَةٌ مَنْصُوْبَةٌ هُنَالِكَ تَأْتِي إِلَيْهَا أَفْيَاءُ النَّاسِ مِنْ كُلِّ صَوْبٍ.
مَعْرَكَةٌ قَائِمَةٌ بِسِجَالٍ وَنِزَالٍ، وبِقِتَالٍ وَجِهَادٍ وَجِلادٍ .
مَعْرَكَةٌ حَقِيقِيَّةٌ، فَفِيهَا عَزِيزٌ وَذَلِيلٌ، وَفِيهَا مَرْفُوعٌ وَمَخْفُوضٌ، وَفِيهَا مَنْ هُوَ مُقَرَّبٌ سَعِيدٌ، وَمَنْ هُوَ مَحْرُومٌ طَرِيدٌ، فِيهَا مَنْ كَتَبَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ لَهُ السَّعَادَةُ فَلا يَشْقَى مِنْ بَعْدِهَا أَبَدًا، وَمَنْ خَتَمَ اللهُ عَلَى قَلْبِهِ، وَطَبَعَ عَلَيْهِ بِالشَّقَاوَةِ فَلا يَسْعَدُ مِنْ بَعْدِهَا أَبَدًا.
مَعْرَكَةُ عِزٍّ وَذُلٍّ، مَعْرَكَةُ كَرَامَةٍ وَمَذَلَّةٍ -كَمَا أَخْبَرَ النَّبِيُّ ﷺ.
فَنَسْأَلُ اللهَ رَبَّ العَالَمِينَ كَمَا مَنَّ عَلَينَا وَأَكْرَمَنَا بِأَنْ أَشْهَدَنَا هَذَا الشَّهْرِ، وَأَعَانَنَا عَلى مَا مَرَّ مِنْ صِيَامِهِ، وَتَفَضَّلَ عَلَينَا بِمَا مَرَّ عَلَينَا مِنْ قِيَامِهِ، أَنْ يُحْسِنَ لَنَا الخِتَامِ أَجْمَعِينِ، إِنَّهُ تَعَالى عَلى كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ، وَبِالإِجَابَةِ جَدِيرٌ.
وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، وَعَلى آله وَأَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ.
الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشْهَدُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ هُوَ يَتَوَلَّى الصَالِحِينَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ﷺ, صَلَاةً وَسَلَامًا دَائِمَيْنِ مُتَلَازِمَيْنِ إِلَى يَومِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ:
((وَدَاعُ رَمَضَانَ بِتَوْبَةٍ صَادِقَةٍ))
فَإِلى أَيِّ شَيْءٍ يَنْبَغِي أَنْ يُدَلَّ عَلَيْهِ النَّاسُ.. عَلَى أَيِّ شَيْءٍ؟!!
يَنْبَغِي أَنْ يُدَلَّ النَّاسُ عَلَى الْأَصْلِ، عَلَى التَّوْبَةِ، أَنْ نَتُوبَ، فَمَا تُبْنَا بَعْدُ -وَإِنْ كُنَّا صَائِمِينَ- إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبِّي، وَقَلِيلٌ ما هُمْ!! لِأَنَّ الْخَيْرَ مَا زَالَ فَي الْأُمَّةِ مَوْصُولًا، وَسَيَظَلُّ بِأَمْرِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
عِبَادَ اللهِ! إِنَّ الْعَمَلَ مَطْلُوبٌ أَصْلًا فِي دِينِ اللهِ -وَأَسَاسًا- وَأَمَّا الْكَلامُ فَكَثِيرٌ، إِنَّ الكَلامَ كَثِيرٌ، وَلا يُعْتَدُّ مِنَ الْكَلامِ إِلَّا بِمَا صَدَّقَهُ الْعَمَلُ.
وَإِذَنْ؛ فَيَنْبَغِي عَلَيْنَا أَنْ نَعُودَ إِلَى الْأَصْلِ؛ أَنْ نَتُوبَ.
وَالتَّوْبَةُ أَوْبَةٌ، وَالتَّوْبَةُ رَجْعَةٌ وَعَوْدَةٌ:
*وَشَرْطُهَا الْأُوَّلُ: أَنْ تَكُونَ التَّوْبَةُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ.
وَأَنِينُ التَّائِبِينَ.. أَنِينُ الْمُخْطِئِينَ.. أَنِينُ الْمُجْتَرِحِينَ لِلسَّيِّئَاتِ وَالذُّنُوبِ أَحَبُّ إِلَى اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ مِنْ زَجَلِ الْمُسَبِّحِينَ فِي أَجْوَافِ اللَّيَالِي.
اللَّهُمَّ ارْزُقْنَا أَعْيُنًا بَاكِيَةً مِنْ جَلالِ خَشْيَتِكَ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ.
*الْإِخْلاصُ للهِ -جَلَّ وَعَلَا-، وَالْإِقْلاعُ الْفَوْرِيُّ عَمَّا هُوَ عَلَيْهِ مِنْ هَذِهِ الْذُّنُوبِ الْمُلَوِّثَاتِ.
*الْإِقْلاعُ عَنِ الذَّنْبِ وَالنَّدَمِ، وَالْعَزْمُ بِالْجَزْمِ عَلَى أَنَّ لا يَعُودَ الْمَرْءُ إِلَى ذَلِكَ أَبَدًا.
وَالنَّبِيُّ ﷺ يَقُولُ: ((النَّدَمُ تَوْبَةٌ)).
*وَأَنْ تَقَعَ التَّوْبَةُ فِي وَقْتِهَا الْمَضْرُوبِ.
فَأَمَّا عَلَى الْمُسْتَوَى الْإِنْسَانِيِّ فَقَبْلَ أَنْ تَبْلُغَ الرُّوحُ الْحُلْقُومَ.
وَأَنْت هَا هُنَا لَمْ تَبْلُغْ رُوحُكَ حُلْقُومَهَا، وَلَمْ تَصِلْ بَعْدُ إِلَى ذِرْوَتِها، فَبَابُ التَّوْبَةِ مَازَالَ مَفْتُوحًا.
وَأَمَّا فِيْ عُمُوْمِ الْجِنْسِ الْإِنْسَانِيِّ؛ فَحَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا، وَقَبْلَ ذَلِكَ الْبَابُ مَفْتُوْحٌ، وَالْأَمْرُ مِنَ الرَّبِّ نَازِلٌ بِخَيْرٍ، وَلَا يَنْزِلَ مِنْهُ إِلَّا الْخَيْرَ.
اللَّهُمَّ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ، يَا أَكْرَمَ الْأَكْرَمِينَ، يَا أَرْحَمَ الرَّاحمينَ، يَا ذَا الْقُوَّةِ الْمَتِينَ، تُبْ عَلَيْنَا تَوْبَةً نَصُوْحًا، اللَّهُمَّ تُبْ عَلَيْنَا تَوْبَةً نَصُوحًا، اللَّهُمَّ تُبْ عَلَيْنَا لِنَتُوبَ.
اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا، اغْفِرْ لَنَا مَا قَدَّمْنَا وَمَا أَخَّرْنَا، وَمَا أَسْرَرْنَا وَمَا أَعْلَنَّا، وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنَّا، أَنْتَ الْمُقَدِّمُ وَأَنْتَ الْمُؤَخِّرُ، لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ.
وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ.