((دُرُوسٌ وَعِبَرٌ مِنَ الْإِسْرَاءِ وَالْمِعْرَاجِ))
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُه، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَلَّا إِلهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ﷺ.
أَمَّا بَعْدُ:
فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللهِ، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ ﷺ، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.
أَمَّا بَعْدُ:
((تَأْيِيدُ اللهِ -جَلَّ وَعَلَا- أَنْبَيَاءَهُ بِالْمُعْجِزَاتِ))
فَقَدْ أَيَّدَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ الْأَنْبِيَاءَ وَالْمُرْسَلِينَ قَبْلَ مُحَمَّدٍ ﷺ بِدُرُوبٍ مِنْ خَوَارِقِ الْعَادَاتِ، بِالْمُعْجِزَاتِ الْبَيِّنَاتِ وَالْآيَاتِ الْقَاهِرَاتِ، فَلَمَّا جَاءَ الرَّسُولُ ﷺ؛ جَمَعَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ لَهُ مَا أَجْرَاهُ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ قَبْلَهُ.
وَلَقَدْ تَنَوَّعَتْ مُعْجِزَاتُ الرَّسُولِ ﷺ، فَشَمَلَتِ الْمُعْجِزَاتِ الْحِسِّيَّةَ الَّتِي يَرَاهَا مَنْ يُعَاصِرُ خَيْرَ الْبَرِيَّةِ ﷺ، وَيَشْهَدُهَا بِعَيْنَيْ رَأْسِهِ، فَتَقُومُ بِهَا الْحُجَّةُ، وَيَقَعُ بِهَا الْإِذْعَانُ، وَتَسْتَبِينُ بِهَا الْمَحَجَّةُ، ثُمَّ يَتَوَاتَرُ النَّقْلُ بِهَا صَحِيحًا مُسْتَقِرًّا، كَأَنَّمَا نَرَاهَا وَنُشَاهِدُهَا، يُجْرِيهَا اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ عَلَى يَدَيْ خَلِيلِهِ وَصَفِيِّهِ ﷺ.
ثُمَّ آتَاهُ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ الْمُعْجِزَةَ الْخَالِدَةَ الْبَاقِيَةَ ((الْقُرْآنَ الْعَظِيمَ))؛ لِأَنَّهُ مَبْعُوثٌ فِي مُطْلَقِ الزَّمَانِ وَمُطْلَقِ الْمَكَانِ كَمَا جَاءَ فِيمَا صَحَّ عَنْهُ فِيمَا رَوَاهُ الشَّيْخَانِ، عَنِ الرَّسُولِ ﷺ، قَالَ: ((وَكَانَ النَّبِيُّ يُبْعَثُ إِلَى قَوْمِهِ خَاصَّةً، وَبُعِثْتُ إِلَى النَّاسِ عَامَّةً)).
((الْإِسْرَاءُ وَالْمِعْرَاجُ))
وَبَعْدَ خَمْسِينَ مِنَ الْأَعْوَامِ ... مَضَتْ لِعُمْرِ سَيِّدِ الْأَنَامِ
أَسْرَى بِهِ اللَّهُ إِلَيْهِ فِي الظُّلَمْ ... وَفَرَضَ الْخَمْسَ عَلَيْهِ وَحَتَمْ
وَكَانَ الْإِسْرَاءُ مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى, وَالْمِعْرَاجُ مِنَ الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى إِلَى سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى، ثُمَّ إِلَى حَيْثُ شَاءَ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ-.
قَالَ اللَّهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- فِي ذِكْرِ الْإِسْرَاءِ: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الْإِسْرَاءِ: 1].
وَقَالَ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- فِي ذِكْرِ الْمِعْرَاجِ: {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى} [النَّجْمِ: 13-18].
وَرَوَى البُخَارِيُّ، عن أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يقول: ((لَمَّا كَذَّبَنِي قُرَيْشٌ, قُمْتُ فِي الحِجْرِ, فَجَلَّى اللَّهُ لِي بَيْتَ الْمَقْدِسِ, فَطَفِقْتُ أُخْبِرُهُمْ عَنْ آيَاتِهِ وَأَنَا أَنْظُرُ إِلَيْهِ)). وَالْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ أَيْضًا مُسْلِمٌ فِي ((صَحِيحِهِ)).
وَرَوَى مُسْلِمٌ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: ((أُتِيتُ بِالْبُرَاقِ, وَهُوَ دَابَّةٌ, أَبْيَضُ طَوِيلٌ فَوْقَ الْحِمَارِ وَدُونَ الْبَغْلِ، يَضَعُ حَافِرَهُ عِنْدَ مُنْتَهَى طَرْفِهِ, قَالَ: فَرَكِبْتُهُ حَتَّى أَتَيْتُ بَيْتَ الْمَقْدِسِ، قَالَ: فَرَبَطْتُهُ بِالْحَلْقَةِ الَّتِي يَرْبِطُ بها الْأَنْبِيَاءُ.
قَالَ: ثُمَّ دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ، فَصَلَّيْتُ فِيهِ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ خَرَجْتُ, فَجَاءَنِي جِبْرِيلُ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- بِإِنَاءٍ مِنْ خَمْرٍ وَإِنَاءٍ مِنْ لَبَنٍ، فَاخْتَرْتُ اللَّبَنَ، فَقَالَ جِبْرِيلُ -عَلَيْهِ السَّلَامُ-: اخْتَرْتَ الْفِطْرَةَ.
ثُمَّ عَرَجَ بِنَا إِلَى السَّمَاءِ)).
((دُرُوسٌ عَظِيمَةٌ مِنَ الْإِسْرَاءِ وَالْمِعْرَاجِ))
*الْإِسْرَاءُ وَالْمِعْرَاجُ وَالْمِنْحَةُ بَعْدَ الْمِحْنَةِ:
عِبَادَ اللهِ! لَقَدْ جَعَلَ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- حَادِثَ الْإِسْرَاءِ وَالْمِعْرَاجِ بِعَقِبِ مَا كَانَ مِنْ إِيذَاءِ قُرَيْشٍ لِلنَّبِيِّ ﷺ فِي تَصَاعُدِ خَطِّ الْإِيذَاءِ إِلَى ذُرْوَتِهِ وَأَعْلَاهُ؛ لِأَنَّهُ بَعْدَ أَنْ مَاتَ عَمُّهُ وَمَاتَتْ خَدِيجَةُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا-.
وَكَانَ عَمُّهُ أَبُو طَالِبٍ يُدَافِعُ عَنْهُ، فَيَجِدُ النَّبِيُّ ﷺ هَذَا السَّنَدَ مِنَ الْبَشَرِ فِي الْخَارِجِ -فِي خَارِجِ الْبَيْتِ-، وَلَكِنَّهُ يَجِدُ الْعَنَتَ الْعَانِتَ، فَإِذَا جَاءَ إِلَى الْبَيْتِ وَجَدَ خَدِيجَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا-، فَكَانَ يَجِدُ السَّكَنَ ﷺ.
فَلَمَّا مَاتَ أَبُو طَالِبٍ وَمَاتَتْ خَدِيجَةُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- ، وَالنَّبِيُّ ﷺ يَقُولُ: ((وَاللهِ مَا خَلُصَ إِلَيَّ أَحَدٌ بِأَذًى أَوْ بِشَيْءٍ أَكْرَهُهُ إِلَّا بَعْدَ أَنْ مَاتَ أَبُو طَالِبٍ)).
وَذَهَبَ النَّبِيُّ ﷺ وَقَدْ أَرَادَ أَنْ يَنْقُلَ الدَّعْوَةَ بِمَرْكَزِهَا -مَرْكَزِ الثِّقَلِ فِي الدَّعْوَةِ- إِلَى الطَّائِفِ؛ لِأَنَّ مَكَّةَ اسْتَعْصَتْ -صَارَتْ حَالَتُهَا مُسْتَعْصِيَةً-.
فَذَهَبَ إِلَى ثَقِيفٍ، وَحَدَثَ عِنْدَهُمْ مَا حَدَثَ مِنَ الْإِيذَاءِ لِرَسُولِ اللهِ ﷺ، أَغْرَوْا بِهِ الْغِلْمَانَ وَالسُّفَهَاءَ وَالضُّعَفَاءَ يَقْذِفُونَهُ بِالْحِجَارَةِ، وَالرَّسُولُ ﷺ يَبْتَعِدُ عَنْ هَؤُلَاءِ السُّفَهَاءِ؛ حَتَّى لَا يَكُونَ فِي مَرْمَى أَحْجَارِهِمْ.
وَمَعَ ذَلِكَ أَصَابَهُ مَا أَصَابَهُ فِي عَقِبِهِ، وَبَلَغَ مِنْهُ التَّعَبُ مَبْلَغَهُ، حَتَّى مَا كَانَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَقُومَ عَلَى قَدَمَيْهِ، فَمَا وَصَلَ إِلَى ظِلِّ حَائِطِ عُتْبَةَ وَشَيْبَةَ إِلَّا عَلَى يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ، وَكَانَ مَا كَانَ.
فَجَاءَتْ حَادِثَةُ الْإِسْرَاءِ وَالْمِعْرَاجِ فَتْحًا بَعْدَ أَنْ وَقَعَ هَذَا..
*مِنْ دُرُوسِ الْإِسْرَاءِ وَالْمِعْرَاجِ: عِظَمُ قَدْرِ الصَّلَاةِ فِي الْإِسْلَامِ وَعُلُوُّ مَنْزِلَتِهَا:
فِي لِيْلَةِ الْمِعْرَاجِ فَرَضَ اللهُ تَعَالَى عَلَى نَبِيِّهِ وَالْأُمَّةِ الصَّلَاةَ، فَرَضَهَا اللهُ تَعَالَى مِنْ فَوْقِ سَبْعِ سَمَوَاتٍ بِدُونِ وَاسِطَةٍ، وَكَانَ التَّكْلِيفُ بِهَا مِنَ اللهِ تَعَالَى إِلَى نَبِيِّهِ ﷺ مُبَاشَرَةً مِنْهُ إِلَيْهِ.
وَالصَّلَاةُ فُرِضَتْ خَمْسِينَ صَلَاةً، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى حُبِّ اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- لِلصَّلَاةِ، وَقَدْ خَفَّفَ اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ- عَنْ عِبَادِهِ؛ فَهِيَ خَمْسٌ فِي الْعَمَلِ وَخَمْسُونَ فِي الْأَجْرِ، وَقَدْ فَرَضَهَا اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- فَوْقَ سَبْعِ سَمَاوَاتٍ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى عَظِيمِ قَدْرِهَا، وَرِفْعَةِ مَنْزِلَتِهَا.
وَفَرَضَهَا اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ عَلَى مُحَمَّدٍ ﷺ وَأُمَّتِهِ مِنْهُ إِلَيْهِ بِغَيْرِ وَاسِطَةٍ، فَلَمْ يُرْسِلْ بِفَرْضِيَّتِهَا جِبْرِيلَ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- وَإِنَّمَا فَرَضَهَا اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ كِفَاحًا مِنْهُ إِلَى نَبِيِّهِ ﷺ، فَهَذَا كُلُّهُ يَدُلُّ عَلَى عَظِيمِ قَدْرِ هَذِهِ الْفَرِيضَةِ فِي دِينِ اللهِ وَعِنْدَ اللهِ.
*مِنْ دُرُوسِ الْإِسْرَاءِ وَالْمِعْرَاجِ: أَنَّ قُدْرَةَ اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- لَا حَدَّ لَهَا:
عِبَادَ اللهِ! الَّذِي دَلَّتْ عَلَيْهِ الْآيَاتُ وَالْأَحَادِيثُ أَنَّ الْإِسْرَاءَ وَالْمِعْرَاجَ كَانَا يَقَظَةً لَا مَنَامًا، بِجَسَدِهِ وَرُوحِهِ ﷺ؛ لِأَنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.
فَقُدْرَةُ اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ- لَا حَدَّ لَهَا، فَمَهْمَا أَخْبَرَنَا بِهِ مِنْ شَيْءٍ؛ فَنَحْنُ نُصَدِّقُهُ؛ لِأَنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.
وَمَا نَسْتَغْرِبُهُ نَحْنُ بِعُقُولِنَا؛ هَذَا رَاجِعٌ إِلَى قُدُرَاتِنَا نَحْنُ -إِلَى قُدْرَةِ الْمَخْلُوقِ- وَقُدْرَةُ الْمَخْلُوقِ عَلَى قَدْرِهِ، وَقُدْرَةُ الْخَالِقِ عَلَى قَدْرِ ذَاتِهِ، وَذَاتُهُ لَيْسَ كَمِثْلِهَا ذَاتٌ، فَقُدْرَةُ اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ- طَلِيقَةٌ.
فَأَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى، ثُمَّ عُرِجَ بِهِ إِلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ إِلَى سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى، ثُمَّ إِلَى مَا وَرَاءَ ذَلِكَ مِمَّا لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللهُ.
*إِعْمَالُ الْعَقْلِ فِي تَوْثِيقِ النَّصِّ، ثُمَّ التَّصْدِيقُ وَالتَّسْلِيمُ:
لَمَّا قَالُوا لِلصِّدِّيقِ وَأَخْبَرُوهُ الْخَبَرَ، قَالَ: إِنْ كَانَ قَالَ ذَلِكَ لَقَدْ صَدَقَ ﷺ.
قَالُوا: وَتُصَدِّقُهُ بِذَلِكَ؟!!
قَالَ: نَعَمْ, إِنِّي لَأُصَدِّقُهُ فِيمَا هُوَ أَبْعَدُ مِنْ ذَلِكَ، فِي خَبَرِ السَّمَاءِ يَأْتِيهِ بُكْرَةً وَعَشِيًّا-أَوْ كَمَا قَالَ-.
فَالْعَقْلُ يَعْمَلُ فِي تَوْثِيقِ النَّصِّ فَقَطْ، فَإِذَا ثَبَتَ النَّصُّ؛ فَمَا هُوَ إِلَّا الْإِذْعَانُ وَالتَّسْلِيمُ، وَهَذَا هُوَ الْإِيمَانُ الصِّدِّيقِيُّ كَمَا قَالَ أَبُو بَكْرٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-.
فَإِذَا ثَبَتَ النَّصُّ؛ فَلَيْسَ إِلَّا التَّسْلِيمُ لِلْوَحْيِ الْمَعْصُومِ.
*مِنْ دُرُوسِ الْإِسْرَاءِ وَالْمِعْرَاجِ: بَيَانُ مَكَانَةِ الْقُدْسِ وَالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى فِي الْإِسْلَامِ:
اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- جَعَلَ فِي الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ وَحَوْلَهُ بَرَكَاتٍ مَادِيَّةً مِنْ خَيْرَاتِ الْأَرْضِ، وَمَعْنَوِيَّةً مِنْ عَطَاءَاتِهِ -جَلَّ وَعَلَا-، وَجَعَلَهُ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- مَقَرَّ الْأَنْبِيَاءِ وَمَهْبِطَ الْوَحْيِ.
*الْمَسْجِدُ الْأَقْصَى مَسْرَى نَبِيِّنَا ﷺ:
قَالَ رَبُّنَا -جَلَّ وَعَلَا-: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ} [الإسراء: 1].
فَقَدْ كَانَ إِسْرَاءُ النَّبِيِّ ﷺ مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى, وَالْمِعْرَاجُ مِنَ الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى إِلَى سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى، ثُمَّ إِلَى حَيْثُ شَاءَ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ-.
وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّد وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ.
الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشْهَدُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ هُوَ يَتَوَلَّى الصَالِحِينَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ﷺ, صَلَاةً وَسَلَامًا دَائِمَيْنِ مُتَلَازِمَيْنِ إِلَى يَومِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ:
((تَنْبِيهٌ مُهِمٌّ: الْإِسْرَاءُ وَالْمِعْرَاجُ لَمْ يَقَعَا فِي شَهْرِ رَجَبٍ))
فَمِنَ الْبِدَعِ فِي شَهْرِ رَجَبٍ -عِبَادَ اللهِ- مَا يَفْعَلُهُ كَثِيرٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ مِمَّا أَطْبَقُوا عَلَيْهِ فِي لَيْلَةِ السَّابِعِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ شَهْرِ رَجَبٍ، يَزْعُمُونَ، بَلْ يَعْتَقِدُونَ أَنَّ ((الْإِسْرَاءَ وَالْمِعْرَاجَ)) قَدْ وَقَعَ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ وَيَجْزِمُونَ بِذَلِكَ، وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فِي ذَلِكَ، وَاللهُ الْمُسْتَعَانُ.
وَقَدْ أَخْطَأَ مَنْ جَزَمَ بِهِ كَمَا قَرَّرَ عُلَمَاؤُنَا -عَلَيْهِمُ الرَّحْمَةُ-، وَلَكِنَّهُمْ يَجْعَلُونَهُ دِينًا مُتَّبَعًا وَسُنَّةً يَؤُمُّونَهَا يَتَقَرَّبُونَ بِهَا إِلَى اللهِ بِزَعْمِهِمْ، ثُمَّ يَزْرِفُونَ الدُّمُوعَ أَوْ دَمْعَةً أَوْ دَمْعَتَيْنِ عَلَى الْأَقْصَى السَّلِيبِ، ثُمَّ يُنْسَى ذَلِكَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ -وَاللهُ الْمُسْتَعَانُ وَإِلَيْهِ الْمُشْتَكَى-.
((الْمِعْرَاجُ وَبَذْلُ الْحُبِّ وَالْوُدِّ))
عِبَادَ اللهِ؛ إِنَّ الْأُمَّةَ فِي حَاجَةٍ إِلَى كُلِّ مُسْلِمٍ؛ لِأَنَّ الْهَلَاكَ الْمُبِينَ لَا يُفَرِّقُ -الَّذِينَ يَسُوقُونَهُ مِنْ أَعْدَاءِ الْإِسْلَامِ وَأَعْدَاءِ الْمُسْلِمِينَ- بَيْنَ حَاكِمٍ وَمَحْكُومٍ.
إِنَّ ذَلِكَ الْمِعْرَاجَ الَّذِي عُرِجَ مِنْهُ بِرَسُولِ اللهِ ﷺ لَيُنَادِي كُلَّ مُسْلِمٍ أَنْ يُطَهِّرَ قَلْبَهُ، وَأَنْ يَبْذُلَ حُبَّهُ، وَأَنْ يُعْطِيَ وُدَّهُ، وَأَنْ يُقْبِلَ عَلَى اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
عِبَادَ اللهِ؛ تُوبُوا إِلَى اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَارْجِعُوا إِلَيْهِ، وَاسْتَغْفِرُوهُ، وَتَوَكَّلُوا عَلَيْهِ، وَوَحِّدُوهُ، وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، فَاطْلُبُوا مِنَ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ الصَّفْحَ وَالْمَغْفِرَةَ، إِنَّهُ وَلِيُّ ذَلِكَ وَالْقَادِرُ عَلَيْهِ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.
وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّد وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ.