الْوَعْيُ بِمَا يُرَدُّ بِهِ كَيْدُ الشَّيْطَانِ وَيُدْفَعُ بِهِ شَرُّهُ


 ((الْوَعْيُ بِمَا يُرَدُّ بِهِ كَيْدُ الشَّيْطَانِ وَيُدْفَعُ بِهِ شَرُّهُ))

لَمْ يَدَعِ النَّبِيُّ ﷺ خَيْرًا إِلَّا وَدَلَّ الْأُمَّةَ عَلَيْهِ، وَلَا تَرَكَ شَرًّا إِلَّا وَحَذَّرَ الْأُمَّةَ مِنْهُ، وَلَمَّا كَانَ أَمْرُ الشَّيْطَانِ مِنْ أَخْطَرِ الْأُمُورِ الَّتِي تَلْقَى الْعَبْدَ فِي سَعْيِهِ إِلَى اللهِ، فَقَدْ بَيَّنَ النَّبِيُّ ﷺ مَا يَعْتَصِمُ بِهِ الْعَبْدُ مِنْهُ بَيَانًا شَافِيًا وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ؛ مِنْ ذَلِكَ:

أَوَّلًا: الِاسْتِعَاذَةُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ.

قَالَ تَعَالَى: {وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ ۖ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [فصلت: 36].

وَعَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ صُرَدٍ، قَالَ: اسْتَبَّ رَجُلَانِ عِنْدَ النَّبِيِّ ﷺ وَنَحْنُ عِنْدَهُ جُلُوسٌ، وَأَحَدُهُمَا يَسُبُّ صَاحِبَهُ مُغْضَبًا، قَدِ احْمَرَّ وَجْهُهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «إِنِّي لَأَعْلَمُ كَلِمَةً لَوْ قَالَهَا لَذَهَبَ عَنْهُ مَا يَجِدُ، لَوْ قَالَ: أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

اسْتَبَّ رَجُلَانِ: تَشَاتَمَا.

ثَانِيًا: قِرَاءَةُ الْمُعَوِّذَتَيْنِ.

وَهُمَا أَفْضَلُ مَا تَعَوَّذَ بِهِمَا الْمُتَعَوِّذُونَ؛ لِحَدِيثِ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ ﷺ: «أَلَا أُخْبِرُكَ بِأَفْضَلِ مَا تَعَوَّذَ بِهِ الْمُتَعَوِّذُونَ: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} وَ{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ}».

ثَالِثًا: قِرَاءَةُ آيَةِ الْكُرْسِيِّ.

فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي حَدِيثِهِ الطَّوِيلِ عِنْدَمَا وَكَّلَهُ النَّبِيُّ ﷺ بِحِفْظِ زَكَاةِ رَمَضَانَ، فَأَتَاهُ آتٍ فَقَالَ لَهُ: إِذَا أَوَيْتَ إِلَى فِرَاشِكَ فَاقْرَأْ آيَةَ الْكُرْسِيِّ، فَإِنَّهُ لَنْ يَزَالَ عَلَيْكَ مِنَ اللهِ حَافِظٌ، وَلَا يَقْرَبُكَ شَيْطَانٌ حَتَّى تُصْبِحَ.

فَلَمَّا أَخْبَرَ النَّبِيَّ ﷺ بِذَلِكَ قَالَ لَهُ: «أَمَا إِنَّهُ قَدْ صَدَقَكَ وَهُوَ كَذُوبٌ، تَعْلَمُ مَنْ تُخَاطِبُ مُنْذُ ثَلَاثٍ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ؟!)).

قَالَ: لَا.

قَالَ: «ذَاكَ شَيْطَانٌ». رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

رَابِعًا: قِرَاءَةُ سُورَةِ الْبَقَرَةِ.

فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «لَا تَجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ مَقَابِرَ، إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْفِرُ مِنَ الْبَيْتِ الَّذِي تُقْرَأُ فِيهِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ». رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

خَامِسًا: خَوَاتِيمُ سُورَةِ الْبَقَرَةِ.

فَعَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْبَدْرِيِّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- عَنِ النَّبِيِّ ﷺ، قَالَ: «مَنْ قَرَأَ بِالْآيَتَيْنِ مِنْ آخِرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ فِي لَيْلَةٍ كَفَتَاهُ». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

سَادِسًا: الْحِرْزُ عَظِيمُ الْفَائِدَةِ جَلِيلُ النَّفْعِ، الَّذِي بَيَّنَهُ النَّبِيُّ ﷺ فِيمَا رَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: «مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ، وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.. فِي يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ، كَانَتْ لَهُ عِدْلَ عَشْرِ رِقَابٍ، وَكُتِبَتْ لَهُ مِائَةُ حَسَنَةٍ، وَمُحِيَتْ عَنْهُ مِائَةُ سَيِّئَةٍ، وَكَانَتْ لَهُ حِرْزًا مِنَ الشَّيْطَانِ يَوْمَهُ ذَلِكَ حَتَّى يُمْسِيَ، وَلَمْ يَأْتِ أَحَدٌ بِأَفْضَلَ مِمَّا جَاءَ بِهِ إِلَّا رَجُلٌ عَمِلَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

سَابِعًا: كَثْرَةُ ذِكْرِ اللهِ تَعَالَى.

وَفِي حَدِيثِ الْحَارِثِ الْأَشْعَرِيِّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- مَا أَخْبَرَ بِهِ النَّبِيُّ ﷺ أَنَّ يَحْيَى بْنَ زَكَرِيَّا أَمَرَ بَنِي إِسْرَائِيلَ بِأَمْرِ اللهِ تَعَالَى: أَنَّ اللهَ -عَزَّ وَجَلَّ-: «أَمَرَكُمْ أَنْ تَذْكُرُوا اللهَ، فَإِنَّ مَثَلَ ذَلِكَ كَمَثَلِ رَجُلٍ خَرَجَ الْعَدُوُّ فِي أَثَرِهِ سِرَاعًا حَتَّى أَتَى عَلَى حِصْنٍ حَصِينٍ، فَأَحْرَزَ نَفْسَهُ مِنْهُمْ، كَذَلِكَ الْعَبْدُ لَا يُحْرِزُ نَفْسَهُ مِنَ الشَّيْطَانِ إِلَّا بِذِكْرِ اللهِ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ.

ثَامِنًا: إِمْسَاكُ فُضُولِ النَّظَرِ، وَالْكَلَامِ، وَالطَّعَامِ، وَمُخَالَطَةِ النَّاسِ.

فَإِنَّ الشَّيْطَانَ إِنَّمَا يَتَسَلَّطُ عَلَى ابْنِ آدَمَ وَيَنَالُ مِنْهُ غَرَضَهُ مِنْ هَذِهِ الْأَبْوَابِ الْأَرْبَعَةِ.

وَهَذِهِ الْأَحْرَازُ ذَكَرَهَا الْعَلَّامَةُ ابْنُ الْقَيِّمِ بِبَسْطٍ غَيْرِ هَذَا الْإِيجَازِ.

إِنَّ اللهَ -تَعَالَى- قَدْ نَبَّهَ فِي الْكِتَابِ الْعَزِيزِ مَرَّاتٍ إِلَى أَنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ ظَاهِرُ الْعَدَاوَةِ غَيْرُ خَافِيهَا، وَأَمَرَ -تَعَالَى- أَنْ يَتَّخِذَهُ الْإِنْسَانُ عَدُوًّا.

فَلَا يَجُوزُ بِحَالٍ أَنْ يَتَوَلَّى الْإِنْسَانُ عَدُوَّهُ الَّذِي يَجِدُّ فِي إِهْلَاكِهِ، وَيَسْعَى فِي إِيرَادِهِ النَّارَ، وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ.

وَإِذَا كَانَ الْإِنْسَانُ عِنْدَمَا يُبْتَلَى بِعَدُوٍّ ظَاهِرٍ يَأْخُذُ حِذْرَهُ، وَيُعِدُّ عُدَّتَهُ، وَيُجْهِدُ نَفْسَهُ، فَكَيْفَ إِذَا كَانَ الْعَدُوُّ خَفِيًّا لَا يَرَاهُ، وَهُوَ يَجْرِي مِنْهُ مَجْرَى الدَّمِ؟!!

لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الِانْتِبَاهُ كَامِلًا، وَالْيَقَظَةُ تَامَّةً، وَإِلَّا تَحَيَّنَ الْعَدُوُّ الْفُرَصَ، وَنَالَ مِنَ الْإِنْسَانِ مَا يَهْوَى، وَأَصَابَ مِنْهُ مَا يُرِيدُ.

 

المصدر: بِنَاءُ الْوَعْيِ وَأَثَرُهُ فِي مُوَاجَهَةِ التَّحَدِّيَّاتِ

التعليقات


فوائد مفرغة قد تعجبك


  المَوْعِظَةُ الثَّامِنَةَ عَشْرَةَ : ((غَزْوَةُ بَدْرٍ فُرْقَانٌ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ))
  وَصِيَّةُ النَّبِيِّ ﷺ بِالْإِحْسَانِ إِلَى الْجِيرَانِ
  فَسَادُ الْمُجْتَمَعَاتِ يَكُونُ بِسَبَبِ فَسَادِ الْأَفْرَادِ وَالْأُسَرِ
  وَقْفَةٌ مَعَ النَّفْسِ فِي غَمْرَةِ الْفِتَنِ الْحَالَّةِ
  رَمَضَانُ شَهْرُ الْمَغْفِرَةِ وَوَحْدَةِ الْمُسْلِمِينَ
  رَحْمَةُ النَّبِيِّ ﷺ وَشَرْعِهِ بِالْأُمَّةِ عِنْدَ الْمَوْتِ
  مَظَاهِرُ النِّظَامِ فِي عِبَادَةِ الصَّوْمِ
  شِدَّةُ إِيذَاءِ قُرَيْشٍ لِلْمُسْلِمِينَ وَالْهِجْرَةُ إِلَى الْحَبَشَةِ
  فَوَائِدُ مِنْ دَوْرَةِ الْإِمَامِ الطَّبَرِيِّ -رَحِمَهُ اللهُ-
  رِعَايَةُ الْمُسْلِمِ لِأُسْرَتِهِ وَوَاجِبُهُ نَحْوَهَا
  بَعْضُ صُوَرِ أَكْلِ السُّحْتِ فِي زَمَانِنَا!!
  مَنْزِلَةُ السُّنَّةِ فِي الْإِسْلَامِ وَحُجِّيَّتُهَا
  تزكية النفس سبيل الفلاح والنجاح
  الْأَمَلُ وَأَسْرَارُهُ اللَّطِيفَةُ
  التَّرْشِيدُ فِي السُّنَّةِ.. خَاصَّةً فِي الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ
  • شارك