تفريغ مقطع : رسالة قوية إلى أئمة المساجد
رسالة قوية إلى أئمة المساجد
أيها الداعي إلى الله؛ اتق الله، وإذا كان ربُّك قد اختصك؛ فأقامك في الدعوةِ إليه لقاءَ أجرٍ تتحصلُ عليه، فلا تجعل ذلك عِوضًا، ولكنْ اجعلهُ بدلَ تَفرُّغٍ؛ لأنك تُنفقُ وقتَك لدينِ ربِّك تحصيلًا له وبثًا وإذاعةً له وقيامًا عليه، ولكن احذر أنْ تكونَ آكلًا مِن حرام؛ لأنَّ الذين أقامهم اللهُ –تبارك وتعالى- دُعاةً إلى دينهِ في مساجدِ المسلمين؛ هؤلاء أُجَرَاء، قد وقَّعوا عقدَ إجارةٍ بينهم وبين الوزارة التي استخلفتهُم على هذه المهمةِ العظيمة واستأجرتهم لأدائها والقيامِ بها، فهم يأتون بمنغعةٍ لقاء أجر، كما هي الإجارة في عقدٍ وأنت دخلت راضيًا مختارًا.
حسنٌ؛ ما المطلوب منك؟
كثيرٌ ممن أقامهم اللهُ ذلك المقام، فأنعمَ عليهم واختصهم واختارهم واصطفاهم، وجعلَ دينَهم دُنياهم، ودُنياهم دينَهم؛ لأنه قد أقامَهُم في الدعوةِ إلى دينهِ، فكلما اجتهدوا في طلبِ العلم وبثِّهِ؛ كلما حصَّلوا الدنيا، التي جعل الله –تبارك وتعالى- طريقها إليهم ذلك الطريق، وكلما اجتهدوا في الدنيا على هذا النحو؛ كان اجتهادًا في دينِ اللهِ –تبارك وتعالى-، فجعلَ دينَهم دنياهم، ودُنياهم دينَهم.
أيُّ مِنَّةٍ هي أكبر من هذه؟
وأيُّ عطيةٍ هي أعظم وأجلّ؟
ولكن احذر؛ لأنك لا تلتفت إلى ما استؤجرت عليه، أتحسبُ أنك استؤجرت؛ من أجلِ أنْ تأتيَ يومَ الجُمعة لتُسمِّعَ لنفسِكَ أولًا كلامًا قد استظهرتَه؛ لا يمسُّ قلبَك، وإنما ينزلقُ على لسانك، لا يمسُّ شِغافَ فؤادك ولا يؤثِّر فيك شيئًا، ولم يتحول في حياتك إلى واقعٍ مُعَاش، ثم تنصرف، وبقيةُ اليوم إجازة وغدُك أيضًا، فقد بذلت جُهدًا، صار الجهادُ الحنجري أعظمَ الجهاد؛ يحتاج منك إجازةً وراحةً وإخلادًا إلى الدَّعةِ والخَفض، وأنْ تَشُدَّ عليك غطاءَك بليل؛ لتنعمَ بلذيدِ الغُمْض.
الإسلام تعدو عليه الذئابُ نهيبةً من كلِّ جانب، وانعم أنت بغُمْضٍ!! ما صنعت؟ ما الذي أتيت به؟
أهذا ما استؤجرتَ عليه؟
لا؛ أنت في مسجدِك منارةَ تعليمٍ لدائرةٍ مركزُها مَسْجدُك، قد يطولُ نصفُ قُطرِها ما يطول؛ تتفقدُ جماعةَ المسجد وترعى أحوالَهم حتى في بيوتِهم، تزورُهم، مَن لم يأت إلى صلاةِ الصُّبحِ وكان عليها مواظبًا؛ تسأل عنه؛ أمريضٌ هو؟ أم مسافرٌ هو؟ أم قد فُتن؟ ماذا أصابه؟ ألحِقَه فتورٌ أم أصابهُ كَسَل؟ ماذا هنالك؟
تجعل يدكَ في مشاكلِ الناس من حولِك، تدعو إلى ربِّك، تُعلِّم الناسَ العقيدة، لا أنْ تظلَ جُملةَ سنينك وسائر أيامك ولياليك زاعقًا في مسجدِك بوعظٍ لا يؤثر شيئًا من غيرِ أنْ تُعلِّم عقيدة، أو أنْ تُرشدَ إلى الصواب في عبادة، ويسمعُك الناسُ عقودًا، وجُملتُهم على العقائد البِدعية الزائغة، جُملتُهم جبرية، جُملتهم مُرجئة، جُملتُهم حُلولية أو اتحادية، عندهم زيغٌ عظيمٌ في الاعتقاد.
تسمعُ من رُوادِ مسجدِك ومِن جماعةِ المسجد مَن يقول: العِبرةُ بالقلب وهذه الصلاة وهذه الأعمال لا قيمة لها؛ ليست بشيء؛ هذا إرجاء؛ بل هو عينُ الإرجاء.
لماذا لا تُصحِّح؟
تسمعُ الواحدُ منهم يقول –مُحتجًا بالقدرِ على المعصية؛ إذ يُلام، لِمَا صنعتَ هذا؟-، يقول: قدَرٌ مقدور، وماذا أصنع! –((جبرية))-.
تسمعُ الواحدُ منهم يقول: اللهُ في كلِّ مكان، وهو يذهبُ إلى أنَّ اللهَ في كلِّ مكانٍ بذاتهِ، يذهب إلى ذلك بقلبهِ.
هذه كما ترى ((حلولية)) على مذهبِ أهلِ الحلول.
بعضُهم يستطيلُ على أصحابِ الرسول –صلى الله وسلم وبارك عليه-.
أكثرُهم على المعتقدِ الخائبِ والشِّركِ القبيح فيما يتعلقُ بالقبور، إلى غيرِ ذلك مِن تلك الأمور.
أين تصحيحُك؟
لماذا تأخذُ آخر الشهر راتبك؟
ماذا صنعت؟
ليس على هذا استؤجرت أيها الأجير، تأكلُ حرامًا، وتُطعِمُ أولادَك وأهلَك من حرام، وينشأُ أولادك من حرامٍ مُذ كانوا نُطفًا أمشاجا؛ لأن الحيوان المنوي يتخلقُ بقدرِ الله –تبارك وتعالى- مما تأكلُ وتشرب، والبويضةُ في الأنثى تتخلقُ بقدرِ الله تعالى مما تأكل المرأة وتشرب، وقد تَكَوَّن ذلك من حرام، وصارت النطفةُ الأمشاجُ مغذوةً بالحرام، ثم ما يزالُ الجنينُ يزدادُ من الحرام حتى يُلقى إلى الدنيا؛ يُطعمُ من حرام ويَنشأ على الحرام.
وأنت لا ترضى تستأجر رجلًا ليفلَحَ أرضَك، تأمرهُ بشيءٍ؛ ويفعلُ غيرَه، ثم يطالبُك آخر المدة بأجرهِ؛ لن تُعطيَه، وأنت تقبلُ ذلك، ولا تلتفتُ إلى موطنِ الحلِّ والحُرمة فيما تأكلُ وتشرب.
فاتق اللهَ ربَّك وقد أنعم اللهُ عليك، أكرمكَ وجعلكَ داعيةً إليه؛ تدعو إلى الله، مَن نكون وما نكون حتى ندعو إلى الله؟!! حتى نكونَ ممن يُرشدُ الخَلْقَ إلى سبيلِ الحق؟
من نكون وما نكون
هذا والله اختصاصٌ من الله ومِنَّةٌ من الله ممنونة، هذه عطية، فاعرف قدرَها واشكر ربَّك حتى يزيدكَ ويُمدَّك.
والله ربُّ العالمين من وراءِ القصد.
التعليقات
مقاطع قد تعجبك