أَحَادِيثُ ثَابِتَةٌ فِي لَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ


((أَحَادِيثُ ثَابِتَةٌ فِي لَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ))

فَعَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الْأَصْحَابِ -رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِمْ جَمِيعًا- مِنْ طُرُقٍ شَتَّى يَشُدُّ بَعْضُهَا بَعْضًا: عَنْ أَبِي بَكْرٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَعَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو، وَأَبِي ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيِّ، وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، وَعَوْفِ بْنِ مَالِكٍ، وَعَائِشَةَ -رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِمْ جَمِيعًا-، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «يَطَّلِعُ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- إِلَى خَلْقِهِ لَيْلَةَ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ، فَيَغْفِرُ لِجَمِيعِ خَلْقِهِ إِلَّا لِمُشْرِكٍ أَوْ مُشَاحِنٍ».

وَهَذَا الْحَدِيثُ حَدِيثٌ صَحِيحٌ بِمَجْمُوعِ طُرُقِهِ، لَا شَكَّ فِي ذَلِكَ، وَلَا رَيْبَ فِيهِ.

وَأَمَّا طَرِيقُ أَبِي ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيِّ فَإِنَّهُ أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي «الشُّعَبِ» بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ عَنْهُ، عَنِ الرَّسُولِ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: «يَطَّلِعُ اللهُ -جَلَّتْ قُدْرَتُهُ- إِلَى خَلْقِهِ فِي لَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ؛ فَيَغْفِرُ لِلْمُؤْمِنينَ، وَيُمْلِي لِلْكَافِرِينَ، وَيَدَعُ -أَيْ:  يَتْرُكُ- أَهْلَ الْحِقْدِ بِحِقْدِهِمْ حَتَّى يَدَعُوهُ». وَمِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى أَخْرَجَهَا الطَّبَرَانِيُّ فِي «الْمُعْجَمِ الْكَبِيرِ» بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ مِثْلُهُ .

وَأَنْتَ إِذَا مَا نَظَرْتَ إِلَى مَا صَحَّ فِي لَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ وَجَدْتَ النَّبِيَّ ﷺ يُقَرِّرُ: «أَنَّ اللهَ -جَلَّتْ قُدْرَتُهُ- يَطَّلِعُ إِلَى خَلْقِهِ فِي لَيْلَةِ النِّصْفِ فَيَغْفِرُ لِلْمُؤْمِنِينَ، وَيُمْلِي لِلْكَافِرِينَ، وَيَدَعُ أَهْلَ الْحِقْدِ بِحِقْدِهِمْ حَتَّى يَدَعُوهُ».

وِفِي الْحَدِيثِ الَّذِي تَكَاثَرَتْ طُرُقُهُ حَتَّى صَارَتْ بِهِ إِلَى جَادَّةِ الصِّحَةِ -بِلَا رَيْبٍ وَلَا شَكٍّ-: «يَطَّلِعُ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- إِلَى خَلْقِهِ فِي لَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ فَيَغْفِرُ لِجَمِيعِ خَلْقِهِ إِلَّا لِمُشْرِكٍ أَوْ مُشَاحِنٍ».

وَالْحَدِيثَانِ -كَمَا تَرَى- يَكَادَانِ يَنْطَبِقَانِ مَعْنًى، يَغْفِرُ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ لِجَمِيعِ خَلْقِهِ إِلَّا لِمُشْرِكٍ أَوْ مُشَاحِنٍ؛ فَيَغْفِرُ لِلْمُؤْمِنِينَ، وَيَدَعُ -بِالْإِمْلَاءِ- الْكَافِرِينَ فِيمَا هُمْ عَلَيْهِ مِنْ كُفْرٍ وَشِرْكٍ، وَيَدَعُ أَهْلَ الْحِقْدِ بِحِقْدِهِمْ حَتَّى يَدَعُوهُ.

فَفِي «صَحِيحِ مُسْلِمٍ» : ((أَنَّ اللهَ -جَلَّتْ قُدْرَتُهُ - كَمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ- يُفَتِّحُ أَبْوَابَ الْجَنَّةِ فِي كُلِّ اثْنَيْنِ وَخَمِيسٍ؛ فَيَغْفِرُ اللهُ - رَبُّ الْعَالَمِينَ - لِلْمُؤْمِنِينَ إِلَّا رَجُلًا كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ - كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ بَغْضَاءُ - فَيَقُولُ اللهُ -جَلَّ وَعَلَا-: أَنْظِرَا -أَيْ: أَجِّلَا، أَيْ: دَعَا، أَيْ: اتْرُكَا- هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا)).

فَلَا يَنْعَمَانِ بِالْغُفْرَانِ الَّذِي يَلْحَقُ غَيْرَ الْمُشَاحِنِينَ فِي كُلِّ اثْنَيْنِ وَخَمِيسٍ, إِذْ تُفَتَّحُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ, وَإِذْ تَهُبُّ نَسَمَاتُ نَفَحَاتِ رَحَمَاتِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

إِنَّ الْعُلَمَاءَ -رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِمْ- يَصِيرُونَ فِي جُمْلَتِهِمْ إِلَى مَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَامَةَ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ الْعَرَبِيِّ الْمَالِكِيِّ -رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ- سَوَاءٌ فِي «الْعَارِضَةِ»، أَوْ فِي «الْأَحْكَامِ» يَقُولُ: ((إِنَّهُ لَمْ يَصِحَّ فِي لَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ حَدِيثٌ يُسَاوِي سَمَاعَهُ)).

وَأَمَّا الشَّيْخُ الْإِمَامُ -رَحِمَهُ اللهُ- فَإِنَّهُ فِي «السِّلْسِلَةِ الصَّحِيحَةِ»  بَعْدَ مَا تَتَبَّعَ مُسْتَقْرِئًا طُرُقَ الْحَدِيثِ فَأَرْبَتْ عَلَى ثَمَانِيَةِ طُرُقٍ, نَظَرَ فِيهَا وَبَحَثَ فِيهَا مُسْتَقْصِيًا مُسْتَقْرِئًا حَتَّى خَلُصَ فِي الْمُنْتَهَى إِلَى قَوْلِهِ -رَحِمَهُ اللهُ-: ((وَمِنْ هَذَا الِاسْتِقْصَاءِ تَعْلَمُ أَنَّ الَّذِينَ قَالُوا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِأَنَّه لَمْ يَصِحّ فِي لَيْلَةِ النِّصْفِ حَدِيثٌ، إِنَّمَا أُوتُوا مِنْ عَدَمِ بَذْلِ الْجَهْدِ فِي اسْتِقْصَاءِ الطُرُقِ وَتَتَبُّعِهَا، كَمَا تَرَى فِيمَا بَيْنَ يَدَيْكَ)).

فَهَذَا مَا قَالَهُ -رَحِمَهُ اللهُ-.

وَعَلَيْهِ فَإِنَّ الصَّنْعَةَ الْحَدِيثِيَّةَ تَقْضِي فِي الْمُنْتَهَى بِأَنَّه صَحَّ فِي لَيْلَةِ النِّصْفِ أَحَادِيثُ مِنْهَا: مَا هُوَ مَذْكُورٌ بِطُرُقِهِ عَنْ جُمْلَةٍ مِنَ الْأَصْحَابِ: « أَنَّ اللهَ -جَلَّتْ قُدْرَتُهُ- يَطَّلِعُ لَيْلَةَ النِّصْفِ إِلَى خَلْقِهِ, فَيَغْفِرُ لِجَمِيعِ خَلْقِهِ إِلَّا لِمُشْرِكٍ أَوْ مُشَاحِنٍ».

ثُمَّ مَا قَالَهُ أَبُو ثَعْلَبَةَ يَرْفَعُهُ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ: «أَنَّ اللهَ -جَلَّتْ قُدْرَتُهُ يَطَّلِعُ إِلَى خَلْقِهِ فِي لَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ فَيَغْفِرُ لِلْمُؤْمِنِينَ, وَيُمْلِي لِلْكَافِرِينَ, وَيَدَعُ أَهْلَ الْحِقْدِ بِحِقْدِهِمْ حَتَّى يَدَعُوهُ».

 

المصدر:مَا صَحَّ فِي لَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ

التعليقات


فوائد مفرغة قد تعجبك


  تَحْوِيلُ الْقِبْلَةِ امْتِحَانٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ
  خَطَرُ الْخِيَانَةِ عَلَى الْأَوْطَانِ
  مِنْ مُوجِبَاتِ الْعِتْقِ مِنَ النِّيرَانِ: قِرَاءَةُ وَتَدَبُّرُ الْقُرْآنِ وَالْعَمَلُ بِهِ
  مِنْ صُوَرِ الْعَمَلِ التَّطَوُّعِيِّ النَّبِيلِ: زِيَارَةُ الْمَرْضَى، وَمُوَاسَاتُهُمْ
  الْإِحْسَانُ هُوَ أَسَاسُ الْعَلَاقَاتِ فِي الْإِسْلَامِ
  حَالُ النَّبِيِّ ﷺ وَأَصْحَابِهِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ- عِنْدَ سَمَاعِ الْقُرْآنِ وَتِلَاوَتِهِ
  مُوجِبَاتُ الْعِتْقِ مِنَ النِّيرَانِ فِي رَمَضَانَ
  أَنْوَاعُ الْهِجْرَةِ
  الْكَذِبُ لَا يَلِيقُ بِالرَّجُلِ ذِي الْمُرُوءَةِ!!
  الْعَدْلُ وَالْفَضْلُ مُجَسَّدَانِ فِي النَّبِيِّ ﷺ
  حُرْمَةُ الْإِفْسَادِ فِي الْأَرْضِ
  نَصَائِحُ النَّبِيِّ الْأَمِينِ ﷺ لِتُجَّارِ الْمُسْلِمِينَ
  مِنْ أَسْمَى الْخِصَالِ الشَّهَامَةُ وَالْمُرُوءَةُ وَالتَّضْحِيَةِ
  رَحْمَةُ النَّبِيِّ ﷺ بِالْحَيَوَانَاتِ
  صَفْحَاتٌ مِنْ حَرْبِ الْعَاشِرِ مِنْ رَمَضَانَ - السَّادِسِ مِنْ أُكْتُوبَر
  • شارك