الحمدُ للهِ ربِّ العالمين والصلاةُ والسلامُ على
المبعوثِ رحمةً للعالمين.
أمَّا بعدُ:
فَقَدْ أَعْلَنَ خَارِجِيٌّ لِيبِيٌّ اليَوم عَن مُشَارَكِتِهِ
في جَرِيمةٍ خسيسةٍ دنيئةٍ، قامَ بها نَفَرٌ مِن التكفيريين الخوارج بحقِّ (الدكتور:
نادرٍ العِمرانيِّ –رحمهُ الله-)، وكان ذا منصبٍ دينيٍّ رسميٍّ، فكان أمينًا
للفتوى بـ(ليبيا)، وذا منصبٍ علميٍّ أكاديميٍّ؛ فَقَدْ كان أستاذًا للحديثِ
بالجامعة.
وما أشبهَ الليلةَ بالبارحة، فهذه الجريمةُ تُذَكِّرُ
بِما وقعَ في مصرَ في السبعينياتِ من القرنِ الماضي بحقِّ الشيخِ (الدكتور: محمد
حُسين الذهبيِّ –رحمهُ اللهُ تعالى-)، وكان ذا منصبٍ دينيٍّ رسميٍّ؛
فَقَدْ كان وزيرًا للأوقافِ بمِصر، وكان ذا منصبٍ عِلْمِيٍّ أكاديميٍّ؛ فَقَدْ كان
أستاذًا للتفسيرِ وعلومِ القرآنِ بالجامعةِ الأزهرية، وكان ذا جُهدٍ في الدعوةِ
تدريسًا وتصنيفًا، وكتابُهُ ((التفسيرُ والمُفسرون)) لا تكادُ تخلو منه مكتبةُ مُشْتَغِلٍ
بِكِتَابِ اللهِ تعالى وعلومِهِ.
وكما وقع مع الشيخِ الدكتور الذهبيِّ وقعَ مع الدكتور نادرٍ العِمرانيِّ، فَقَدْ قامت
مجموعةٌ مِن الخوارج بِخَطْفِهِ وَتَرْوِيعِهِ وترهيبِهِ وتعذيبِهِ، وتصفيتِهِ
وقتلِهِ بدمٍ باردٍ بلا رحمةٍ ولا شفقة.
إنَّ مَن يقومُ بخَطْفِ مُسْلِمٍ وترويعِهِ وتفزيعِهِ؛
فضلًا عن تعذيبِهِ وترهيبِهِ؛ فضلًا عن سفكِ دمِهِ وإزهاقِ روحِهِ وهو يتشهَّدُ
شهادةَ الحقِّ ((لا إله إلَّا الله))؛ لا يكونُ إلَّا تكفيريًّا خارجيًّا جَلْدًا،
وليس هذا من الكتابِ والسُّنة في قليلٍ ولا كثير.
وما ذَكَرَهُ الخارجيُّ المشاركُ في الجريمةِ مِن أنَّ
هناك مَن أفتى القتلةَ بالخطفِ والقتل؛ وهو مَن سمَّاه (أحمد الصافي)، فلو كان هذا
صحيحًا فهذا مُفْتٍ ومعتدٍ أثيم، وإذا كان الخارجيُّ صادقًا فيما ذَكَرَ؛ فهذا
المفتي خارجيٌّ تكفيريٌّ بغيض، وما ذَكَرَهُ مِن أنه مِن تلامذتي؛ فيشهدُ اللهُ
أنَّ هذا ما كان قطُّ، ولا عرفناه، ولا زَارَنَا، ولا نَزَلَ عندنا، ولم أسمع
باسمِهِ إلَّا مَذْكُورًا على لسانِ الخارجيِّ القاتل.
وكلُّ مَن يعرفُني يعلمُ يقينًا محاربتي لتكفيرِ
المسلمين بغيرِ حقٍّ وَتَوَرُّعِي عن الفتوى فيما يخُصُّ مصرَ فلذلك أهلُهُ، فكيف
بما وراءَ مصرَ وخارجَهَا.
إنَّ مِن الفجورِ في الخصومةِ، ومِن البُهتانِ المُبين
والبَهْتِ للمسلمين أنْ تُقلبَ الحقائقَ، وأنْ يُتاجرَ بدمِ المسلمِ المَغدور، وقد
أفضى إلى ربِّهِ ولِسَانُهُ يلهجُ بالشهادتين، فلينظر مَن أفتى بقتلِهِ وخطَّطَ لِخَطْفِهِ،
ورَوَّعَهُ ورهَّبَهُ، وَآذَاهُ وَعَذَّبَهُ، واستحلَّ دمَهُ؛ فَليَنْظُر هؤلاء بِمَا
يَلْقَوْنَ اللهَ –عزَّ وجلَّ-، وبما يجيبونَ عندما يأخذُ الدكتورُ
العِمرانيُّ بأيديهم بين يدي اللهِ تعالى؛ فيقول: يا رَب سَلْ هؤلاء لِمَ قتلوني.
عن عبد الله بن عباسٍ –رضي
الله عنهما قال: قال رسول الله ﷺ: (( لا تَرْجِعُوا بَعْدي كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ
رِقابَ بَعْضٍ)).
متفقٌ عليه من روايةِ جريرٍ وابن عُمر –رضي
الله عنه-.
وعن أبي هريرة –رضي
الله عنه- قال: قال أبو القاسم ﷺ: ((مَنْ أشارَ إلى أخيهِ بحديدَةٍ،
فإنَّ الملائِكةَ تَلْعَنُهُ حَتَّى يَنْتَهِيَ، وَإنْ كانَ أخاهُ لأبيهِ وأمِّهِ)).
رواه مسلم.
وعن
عبد الله بن مسعودٍ –رضي
الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: ((أَوَّلُ مَا يُقْضَى بَيْنَ النَّاسِ يَوْمَ
القِيَامَةِ فِي الدِّمَاءِ)). متفقٌ عليه.
وعن
ابن عمر –رضي
الله عنهما- قال: قال رسول الله ﷺ: ((مَا يَزَالُ المُؤمِنُ فِي فُسْحَةٍ مِن
دِينِهِ مَا لَم يُصِب دَمًا حَرَامًا)).
أخرجهُ
البخاريُّ.
وعن
أبي الدرداء –رضي
الله عنه- قال: سمعتُ رسولُ الله ﷺ يقول: ((كُلُّ ذَنْبٍ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَغْفِرَهُ
إِلَّا مَنْ مَاتَ مُشْرِكًا، أَوْ مُؤْمِنٌ قَتَلَ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا)).
أخرجَهُ أبو داود بإسنادٍ صحيح.
وعن
عبد الله بن عمرو –رضي
اللهُ عنهما- عن رسول الله ﷺ قال: ((لَزَوَالُ الدُّنْيَا أَهْوَنُ عَلَى اللَّهِ
مِنْ قَتْلِ رَجُلٍ مُسْلِمٍ)).
أخرجهُ
النسائيُّ والترمذيُّ موقوفًا ومرفوعًا، وهو حديثٌ صحيحٌ.
وَعَنْ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: ((قَتْلُ
الْمُؤْمِنِ أَعْظَمُ عِنْدَ اللهِ مِن زَوَالِ الدُّنيَا)).
أخرجهُ
النسائيُّ بإسنادٍ صحيحٍ.
وعَنْ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، قَالَ: حَدَّثَنَا أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ ﷺ،
أَنَّهُمْ كَانُوا يَسِيرُونَ مَعَ النَّبِيِّ ﷺ، فَنَامَ رَجُلٌ مِنْهُمْ، فَانْطَلَقَ
بَعْضُهُمْ إِلَى حَبْلٍ مَعَهُ فَأَخَذَهُ، فَفَزِعَ.
فَقَالَ
رَسُولُ ﷺ: «لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يُرَوِّعَ مُسْلِمًا».
أخرجهُ
أبو داود بإسنادٍ صحيح.
لقد
ذَكَرَ الخارجيُّ المُشارِكُ في الجريمةِ أنَّ الدكتور نادرًا العِمرانيِّ قُتِلَ
وهو يُرَدِّدُ الشهادتيْن، فلينظُر مَن أفتى بخطفِهِ وقتلِهِ، ومَن خَطَّطَ لذلك
وقامَ به، ومَن فَزَّعَهُ ورَوَّعَهُ، وعَذَّبَهُ ورَهَّبَهُ، وقَتَلَهُ وأَزْهَقَ
روحَهُ، فلينظُر هؤلاء بِما يختمُ اللهُ تعالى لهم.
أسألُ
اللهَ تعالى بأسمائِهِ الحُسنى وصفاتِهِ المُثلى أنْ يُعاملَ بعدلِهِ مَن حَرَّضَ
على أَذيَّتِهِ وقتلِهِ ولو بشَطرِ كلمة، اللهم أَرِنَا فيهم آية، وخُذهُم أَخْذَ
عزيزٍ مُقتدر، ومَكِّن منهم يَا ربَّ العالمين، واحفظ ليبيا وأهلَهَا، وأَلِّف بين
قلوبِهم، وطَهِّر ديارَهُم وأرضَهُم مِن الخوارجِ التكفيريين وأهلِ البدعِ
المجرمين.
وصلى
الله وسلم على نبيِّنا مُحَمَّدٍ وعلى آلِهِ وأصحابِهِ وسلَّمَ تسليمًا كثيرًا
وحسبُنا
اللهُ ونِعم الوكيل، وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ
اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ.
وآخرُ
دعوانا أنْ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين.