ضع خدي على الأرض عسى أن يرى ذلي فيرحمني
فَهَذا
الاطمِئنانُ عِندِي وَعِندَك لِمَ؟! لِمَاذا؟!
بمَاذَا
تُعَلِّلُه؟ وَبِأيِّ شَيءٍ تُسَبِّبُه؟!
لِمَاذا
أَنَا وَأنْتَ علَى هَذهِ الدَّرجَةِ مِن الاطمِئنانِ؟! كأنَّنَا قَد ضَمِنَّا الجَنة
وَالنَّجَاةَ مِنَ النَّارِ!!
هَذا
رَسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقولُ: ((لَن يَدخُلَ أَحدًا مِنكُم الجَنةَ
بعَمَلِهِ))
قَالُوا
: وَلَا أَنتَ؟!
قَالَ
: ((وَلَا أَنَا إِلَّا أَنْ يَتَغَمَّدَنِي اللهُ برَحمَةٍ مِنهُ وَفَضل)).
فَاللَّهُم ارحَمنَا وَتَفَضَّل عَلينَا
وَاقِعُنَا
عَجِيبٌ, وَأُمورُنَا غَرِيبَة, وَلَا يَتَأَتَّى ذَلكَ إلَّا مِن قَسوَةِ القَلب,
وَأَبعَدُ القُلوبِ عَنِ اللهِ القَلبُ القَاسِي؛ فَوَيْلٌ لِلقَاسِيَةِ قُلوبُهُم
مِن ذِكْرِ الله.
القَلبُ
القَاسِي أَبعَدُ القُلوبِ عَنِ اللهِ؛ لَا تُؤثِّرُ فِيهِ مَوعِظَة وَلَا تَعمَلُ
فِيهِ عِبْرَة, وَإنَّما هُوَ كَالأَرْزَه, كَشَأنِ المُنافِقِ وَالفَاجِرِ, لَيَتَفَيَّأُ
مَعَ الرِّيح يَمْنَةً وَيَسرَةً, حَتَّى تَأتِيَ الرِّيحُ لِتستَأْصِلَهُ فَكذَلكَ
القَلبُ القَاسِي, وَكَذلِكَ شَأنُ المُنَافِق.
هَذا
الاطمِئنانُ الذِي نُعَانِي مِنهُ -وَلَا أَقولُ نَتَمتَّعُ بهِ- بَلْ هُوَ مُركَّبٌ
علَى غَيرِ أَصلِه, هَذَا الاطمِئنَانُ لِمَاذا؟! سَلْ نَفسَك
مَا
الذِي جَعَلَك مُطمَئنًّا إِلَى هَذهِ الدَّرجَة, وَهَذا قَولُ نَبيِّكَ -صلى الله
عليه وسلم- وَهُوَ خَيرُ الخَلقِ وَأَحبُّهُم إِلَى الرَّبِّ -جل وعلا-, وَهُوَ علَى
هَذا الاشفَاقِ وَالوَجَل
وَصِدِّيقُ
الأُمَّةِ الأَكْبَر -رِضوَانُ اللهِ تَعَالَى عَليهِ- يَقُولُ:
يَالَيتَنِي
كُنتُ شَعرَةً فِي جَنبِ عَبدٍ مُؤمِنٍ, يَا لَيتَنِي كُنتُ شَجَرَةً تُعْضَدْ
وَالفَارُوقُ
-رِضوَانُ اللهِ عَليهِ- لَمَّا طُعِنَ وَإِلَى بَيْتِهِ حُمِل, وَكانَت الغَشْيَةُ
تَأتِي وَتَرُوح, فَغُشِيَ عَليهِ, فَوَضَعَ وَلَدَهُ عَبدُ الله رَأسَهُ فِي حَجْرِهِ,
فَلمَّا أَفَاقَ قَالَ:
وَيحَك,,,
ضَع خَدِّي علَى الأرضِ, عَسَى أنْ يَرَى ذُلِّي فَيَرحَمَنِي
وَهُوَ
الفَارُوقُ يَقُولُ لِحُذَيفَةَ -صَاحِبِ السِّرِّ- سِرِّ رَسُولِ اللهِ -صلى الله
عليه وسلم-, وَقَد أَخبَرَهُ بِالمُنَافِقِين وَاستَأْمَنَهُ علَى مَا أَخبَرَهُ بِهِ؛
هَذَا عُمَرُ يَقُولُ: نَشَدتُكَ اللهَ يَا حُذَيفَةَ أَذَكَرَنِي رَسُولُ اللهِ فِي
مَنْ ذَكَر؟ يَعنِي: فِي المُنَافِقِين نِفَاقًا أَكبَر!!
عُمَرُ
يَخشَى هَذهِ الخَشيَة, وَيُوْجَلُ هَذا الوَجَلُ, وَيُشفِقُ هَذا الإشفَاقُ؛ وَأنَا
وَأَنْتَ, كَأنَّنَا قَد صِرنَا إِلَى الجنَّةِ وَفِيهَا حَلَلْنَا!! فَإِنَّا للهِ
وَإِنَّا إِلَيهِ رَاجِعُون.
أَسأَلُ
اللهَ أَنْ يُوقِظَنَا مِن غَفوَتِنَا وَأَنْ يُنَبِّهَنَا مِن سُبَاتِنَا, وَأَنْ
يَمُنَّ عَلَينَا بالاستِقَامَةِ, وَأنْ يَهَبَنَا الكَرامَة دُنيَا وَآخِرَة, وَصلَّى
اللهُ وَسَلَّمَ علَى نَبيِّنَا مُحمَّدٍ وَعلَى آلِهِ وَأصحَابِهِ أَجمَعِين.