((الشِّرْكُ))
وأما المُشْرِكُ؛ فهو مُوَزَّعُ القلب؛ مقلقلُ البال، لا يهدأُ له ضمير ولا يستقرُ على حال؛ لأنَّ الشركَ يُحَرِّمُ على صاحبهِ دخولَ الجنَّة ويُوجبُ له النَّارَ والخلودَ فيها، ومَنْ كانَ كذلك؛ فهو في الحياةِ كالأنعامِ بل هو أضَلُّ، وهو في الآخرةِ مِن أصحابِ النار: {إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ ۖ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ} [المائدة: 72].
{إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَاءُ ۚ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَىٰ إِثْمًا عَظِيمًا} [النساء: 48].
مؤمنُ آلِ فِرعون؛ ذكرَ اللهُ –ربُّ العالمين- ما قاله لقومهِ: {وَيَا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ*تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ} [غافر: 41-42].
تأمل فيما يَدْعُوهم إليه وفِيما يدْعُونه إليه!
تأمل في بُعْدِ الشُّقَّةِ بين هذا وهذا واعلم أنه لا تدخلُ الجنَّةَ إلا نفسٌ مُسلمة كما قال الرسول: ((مَنْ ماتَ يُشرِكُ باللهِ شيئًا دخلَ النَّار)) كما قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-.
*إنَّ الشركَ يُطفئُ نورَ الفِطْرَة.
{لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ*ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ*إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ} [التين: 4-6].
قد بيَّنَ ربُّنا –تباركَ وتعالى- بَعْضَ عناصرِ تكوينِ الإنسان: {إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِّن طِينٍ*فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ} [ص: 71-72].
والرُّوحُ لا تتحررُ إلا بتحقيقِ ما خُلقت له وجُعلت له، وأمَّا مَنْ كَفَر وأشركَ باللهِ غيرَه؛ فهو كما قال اللهُ –جلَّ وعلا-: {ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ} [التين: 5].
*إنَّ الشِّركَ مهانةٌ للإنسانية وقضاءٌ على عِزَّةِ النفس وسببٌ للذِّلَّةِ والمهانةِ دُنيا وآخرة: {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ} [المنافقون: 8].
فمَنْ لم يَكُن؛ فلا عزَّةَ له.
اللهُ -ربُّ العالمين- خَلَقَ الخَلْقَ لعبادتهِ وتوحيدهِ، ولا تتحققُ فيهم الإنسانيةُ الحَقَّة إلا إذا حقَّقُوا الغرضَ الذي لأجلهِ خَلَقَهُم اللهُ -جلَّ وعلا-.
وإذا لم يحققوه تَمَزَّقَت نُفُوسُهم، الشِّركُ يَمُزِّقُ وَحْدَةُ النَّفْسِ الإنْسَانِيَّة.
{قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لَا شَرِيكَ لَهُ ۖ وَبِذَٰلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} [الأنعام: 162-163].
كلُّ ما في الحياة مِن نشاطٍ وحركة؛ ينبغي أنْ يكونَ لله، ينبغي أنْ يكونَ للهِ من ظاهرٍ وباطن، فتتحققُ حينئذ وَحدةُ النفسِ الإنسانية وتهدأُ وتستقرُّ الرُّوح ويطمئنُ الضمير ويهدأ الجنان وتستقيمُ على الصراطِ الأقدام
{ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَّجُلًا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِّرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا ۚ الْحَمْدُ لِلَّهِ ۚ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} [الزمر: 29].
عبدٌ واحد لربٍّ واحد لإلهٍ واحد؛ يُحقِّقُ أمْرَهُ ويجتنبُ نَهْيَهُ ويعبدهُ مُخلصًا له العبادةَ والدين.
أهذا في استقرارِ قلبهِ وقرارِ ضميرهِ وراحةِ فؤادهِ وروحهِ كمَنْ فيه شُركاء مُتشاكسون؛ هذا يأمرهُ وهذا ينهاه، وهذا يُقيمهُ وهذا يُقْعِدُهُ، وهذا يُوقظهُ وهذا يُنيمهُ؟
فأنَّى يستقرُّ لهذا قلبٌ على قرار!!
{هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا}؛ سيجيبُ كلُّ مَن آتاه اللهُ عقلًا: لَا يَسْتَوِيَان.
{الْحَمْدُ لِلَّهِ}؛ لقد نطقتُم أنتم وأجبتم عن المَثَلِ الذي ضربتُ لكم للمُوَحِّدِ والمُشرك.
{هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا}؟
والجواب هاهنا محذوف؛ لأنه معلوم والتعقيب عليه بقوله -جلَّ وعلا-: {الْحَمْدُ لِلَّهِ ۚ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ}.
[وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ} [الحج: 31].
هذا حالُ المُشْرِك.
{قُلْ أَنَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنفَعُنَا وَلَا يَضُرُّنَا وَنُرَدُّ عَلَىٰ أَعْقَابِنَا بَعْدَ إِذْ هَدَانَا اللَّهُ} [الأنعام: 71].
تَأمَّل في مَثَلِ مَنْ كان كذلك.
{كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الْأَرْضِ حَيْرَانَ لَهُ أَصْحَابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنَا ۗ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَىٰ ۖ وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [الأنعام: 71].
*إنَّ الشِّركَ يَقضي على منازعِ النَّفسِ السامية ويُحطِّمُ مُثُلُها العُليا
*إن الشرك مُسَوِّغٌ للخرافات والأباطيل.
*إنَّ الشرك مَبْعَثٌ للمخاوف.
{وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ ۚ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِ ۚ وَلَا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَن يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا ۗ وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا ۗ أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ (80) وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ} -من الآلهةِ الباطلةِ التي لا تضرُّ ولا تنفع- {وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُم بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا} -ما أعجبُ المفارقة لو كنتم تعقلون!!
كيف أخافُ آلهتَكُم الباطلة، التي لا تضرُّ ولا تَنفع، ولا تخافون أنتم في الوقتِ عَيْنِهِ الله، الذي بيدهِ مقاليدُ كلِّ شيءٍ وهو على كلِّ شيءٍ قدير
كيف أخافُ آلهتَكُم وأنتم لا تخافون الإلهَ الحق الذي أعبد؟!
{فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ ۖ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ*الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَـئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ} [الأنعام: 80-82].
*الشِّرْكُ يُحبطُ العَمَلَ دُنيا وآخرة.