تفريغ مقطع : ((أَيْنَ نَحْنُ مِنْ أَخْلَاقِ السَّلَفِ؟!!))... الشيخ محمد سعيد رسلان
((أَيْنَ نَحْنُ مِنْ أَخْلَاقِ السَّلَفِ؟!!))
وَفِي ذَلِكَ لَمَّا دَخَلَ وَالرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَلَى الشَّافِعِيِّ -رَحِمَهُ اللهُ- يَعُودُهُ فِي مَرَضِهِ -وَكَانَ الشَّافِعِيُّ مِمْرَاضًا، وَكَانَتِ الْبَوَاسِيرُ النَّازِفَةُ سَبَبَ مَوْتِهِ -رَحِمَهُ اللهُ-، حَتَّى إِنَّهُ كَانَ يَرْكَبُ الْبَغْلَةَ فَيَمْتَلِئُ خُفُّهُ مِنَ الدَّمِ النَّازِفِ مِنَ الْبَوَاسِيرِ -رَحِمَهُ اللهُ رَحْمَةً وَاسِعَةً-، فَدَخَلَ عَلَيْهِ الرَّبِيعُ يَعُودُهُ فِي مَرَضِهِ، وَكَانَ الشَّافِعِيُّ لَهُ مُحِبًّا؛ حَتَّى إِنَّهُ قَالَ فِيهِ لَمَّا مَرِضَ:
مَرِضَ الْحَبِيبُ فَعُدْتُهُ = فَمَرِضْتُ مِنْ حُزْنِي عَلَيْهِ
شُفِيَ الْحَبِيبُ فَعَادَنِي = فَبَرِئْتُ مِنْ نَظَرِي إِلَيْهِ
فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ الرَّبِيعُ دَعَا لَهُ؛ فَقَالَ لَهُ: ((قَوَّى اللهُ ضَعْفَكَ يَا إِمَامُ)).
فَقَالَ الشَّافِعِيُّ.. وَالشَّافِعِيُّ مِمَّنْ تُؤْخَذُ عَنْهُمُ اللُّغَةُ كَمَا قَالَ الْمُتَقَدِّمُونَ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ؛ حَتَّى إِنَّ الْجَاحِظَ -وَهُوَ مَنْ هُوَ فِي مَسَائِلِ اللُّغَةِ وَالْأَدَبِ، وَهُوَ مُعْتَزِلِيٌّ صَاحِبُ فِرْقَةٍ، كَانَتْ لَهُ جَمَاعَةٌ كَالْجَمَاعَاتِ الْحَاضِرَةِ، كَانَتْ لَهُ فِرْقَةٌ مُعْتَزِلِيَّةٌ يُقَالُ لَهَا: «الْجَاحِظِيَّةُ»، وَهَذَا مَذْكُورٌ فِي كُتُبِ الْمِلَلِ وَالنِّحَلِ-، الْجَاحِظُ يَقُولُ: نَظَرْتُ فِي كُتُبِ الْمُتَكَلِّمِينَ فِي الْعِلْمِ، فَلَمْ أَرَ أَبْلَغَ وَلَا أَفْصَحَ مِنَ الْمُطَّلِبِيِّ -يَعْنِي: الْإِمَامَ الشَّافِعِيَّ- كَأَنَّ لِسَانَهُ يَنْثُرُ الدُّرَّ -يَقُولُ عَنِ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ، الْجَاحِظُ هُوَ الَّذِيِّ يَقُولُ-، يَقُولُ عَنِ الشَّافِعِيِّ الْإِمَامِ -رَحِمَهُ اللهُ-: ((كَأَنَّ لِسَانَهُ يَنْثُرُ الدُّرَّ)).
الْآنَ عِنْدَنَا أَقْوَامٌ يَتَمَدَّحُونَ بِالْعِيِّ وَالْفَهَاهَةِ، وَيُعَيِّرُونَ مَنْ آتَاهُ اللهُ فَصَاحَةً، فَيَقُولُونَ: هَذَا مُتَكَلِّفٌ، هَذَا مُتَقَعِّرٌ، هَذَا كَذَا، وَهُمْ لَا يَفْهَمُونَ!! حَمْقَى!
يَقُولُ الْجَاحِظُ عَنِ الشَّافِعِيِّ: ((كَأَنَّ لِسَانَهُ يَنْثُر الدُّرَّ))، فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ الرَّبِيعُ فَقَالَ: ((قَوَّى اللهُ ضَعْفَكَ يَا إِمَامُ))؛ ابْتَسَمَ وَقَالَ: ((لَوْ قَوَّى ضَعْفِي قَتَلَنِي!!)).
قَالَ: ((فَمَا أَقُولُ؟)).
قَالَ: ((تَقُولُ: قَوَّى اللهُ قُوَّتَكَ، وَأَضْعَفَ اللهُ ضَعْفَكَ))، أَمَّا أَنْ تَقُولَ: قَوَّى اللهُ ضَعْفَكَ؛ فَمَعْنَى ذَلِكَ: أَنَّهُ سَيَقْتُلُنِي بِضَعْفِي.
قَالَ: ((لَوْ قَوَّى ضَعْفِي قَتَلَنِي)).
قَالَ: ((فَمَا أَقُولُ؟)).
قَالَ: ((تَقُولُ: أَضْعَفَ اللهُ ضَعْفَكَ، وَقَوَّى اللهُ قُوَّتَكَ)).
قَالَ: ((وَاللهِ مَا أَرَدْتُ إِلَّا الْخَيْرَ)).
فَقَالَ: ((يَا رَبِيعُ! وَاللهِ لَوْ شَتَمْتَنِي لَعَلِمْتُ أَنَّكَ مَا أَرَدْتَ إِلَّا الْخَيْرَ)).
مِنْ عَظِيمِ ثِقَتِهِ بِهِ، وَمِنْ جَلِيلِ مَحَبَّتِهِ لَهُ.
هَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْتَ الْيَوْمَ أَنْ تَقُولَ هَذَا لِأَحَدٍ؟!! تَقُولُ: لَوْ شَتَمْتَنِي؛ لَعَلِمْتُ أَنَّكَ مَا أَرَدْتَ إِلَّا الْخَيْرَ؟!!
أَصْحَابُ الْحُقُوقِ تُجْحَدُ حُقُوقُهُمْ؛ فَإِنَّ الْأَبَ إِذَا لَمْ يُوَفِّ ابْنَهُ بَعْضَ مَا طَلَبَ وَلَيْسَ لَهُ فِيهِ حَقٌّ؛ جَحَدَهُ وَجَحَدَ فَضْلَهُ، وَالْمُعَلِّمُ إِذَا اشْتَدَّ بِقَسْوَةٍ عَلَى بَعْضِ طُلَّابِهِ لِيُرَبِّيَهُ وَلِيُؤَدِّبَهُ؛ انْقَلَبَ لَهُ، وَانْقَلَبَ عَلَيْهِ، وَصَارَ لَهُ عَدُوًّا، وَانْحَازَ إِلَى صَفِّ أَعْدَائِهِ، وَصَارَ فِيهِ طَاعِنًا.
هَذَا عَصْرٌ فِيهِ مِنَ الْعَجَائِبِ مَا لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللهُ! هَذَا عَصْرُ الْجُحُودِ! فَقَلَّ مَنِ اعْتَرَفَ بِنِعْمَةٍ أَوْ شَكَرَ عَلَى فَضْلٍ، هَذَا عَصْرُ الْجُحُودِ فِي جَمِيعِ الْمَجَالَاتِ حَتَّى فِي الْعِلْمِ، فَنَسْأَلُ اللهَ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- أَنْ يُوزِعَنَا شُكْرَ نِعْمَتِهِ، إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.
التعليقات
مقاطع قد تعجبك