((دَفْعُ الْبُهْتَانِ حَوْلَ قَوْلِ الْأَفَّاكِينَ فِي ادِّعَاءِ تَكْفِيرِ أَبْنَاءِ الْمُسِلِمِينَ))
وَبَعْدَ:
فَإِنَّ الْبَلَاءَ الَّذِي تُعَانِي مِنْهُ الْأُمَّةُ مِنْ هَذِهِ الْفِرْقَةِ الضَّالَّةِ، بَلَاءٌ لَعَلَّهَا مَا أُصِيبَتْ بِهِ، وَمَا عَانَتْ مِثْلَهُ فِي عِلْمِهَا وَتُرَاثِهَا مِنْ قَبْلُ.
عِنْدَ الْحَدَّادِيَّةِ أَنَّ مَنْ زَلَّ زَلَّةً فَقَدْ هَلَكَ هَلَاكًا مُبِينًا، وَالزَّلَلُ عِنْدَهُمْ عَلَى قَوَاعِدِهِمُ الْمُحْدَثَةِ، وَفَهْمِهِمُ السَّقِيمِ، وَظَاهِرِيَّتِهِمُ اللُّغَوِيَّةِ الْبَغِيضَةِ، الزَّلَلُ عِنْدَهُمْ: يَتَصَيِّدُونَ كَلِمَةً بَرِيئَةً، وَيَزْعُمُونَ أَنَّهَا تَدُلُّ دَلَالَةً يَقِينِيَّةً عِنْدَهُمْ عَلَى التَّهْوِينِ مَثَلًا مِنْ شَأْنِ التَّوْحِيدِ، وَلَوْ كَانَتْ لَا تَعْنِي مَا فَهِمُوهُ مِنْهَا، وَلَوْ كَانَ قَائِلُهَا قَدْ أَفْنَى زَهْرَةَ عُمُرِهِ فِي تَعَلُّمِ التَّوْحِيدِ وَالدَّعْوَةِ إِلَيْهِ، وَلَكِنْ عَلَى قَاعِدَتِهِمْ -وَهِيَ قَاعِدَةٌ شَيْطَانِيَّةٌ-: صِفْ مُخَالِفَكَ بِأَقْبَحِ مَا يُمْكِنُ أَنْ يُوصَفَ بِهِ، وَكَرِّرْ ذَلِكَ وَرَدِّدْهُ، وَأَكْثَرُ النَّاسِ لَا يُفَكِّرُونَ، وَأَكْثَرُ النَّاسِ لَا يَعْتَبِرُونَ وَلَا يَتَأَمَّلُونَ.
فَيُقَالُ مَثَلًا: فُلَانٌ يُهَوِّنُ مِنْ شَأْنِ التَّوْحِيدِ!! فَمَاذَا بَقِيَ لَهُ؟!!
إِذَا كَانَ يُهَوِّنُ مِنْ شَأْنِ التَّوْحِيدِ فَمَاذَا بَقِيَ لَهُ؟!!
وَلَوْ كَانَ قَدْ أَفْنَى زَهْرَةَ عُمُرِهِ فِي تَعَلُّمِ التَّوْحِيدِ وَالدَّعْوَةِ إِلَيْهِ، لَا يُهِمُّ، الْمُهِمُّ أَنَّهُمْ يَكْذِبُونَ، وَالْقَطِيعُ الَّذِي وَرَاءَهُمْ يُصَدِّقُ مَا يَكْذِبُونَ وَيَأْفِكُونَ.
وَيَأْتُونَ بِأُخْرَى -أَيْ: بِكَلِمَةٍ أُخْرَى- لِتَدُلَّ عَلَى الْقَوْلِ بِحُرِيَّةِ الِاعْتِقَادِ، هَكَذَا؟!! يَأْتُونَ بِالْمُكَفِّرَاتِ لَا يُبَالُونَ، وَبِثَالِثَةٍ تَدُلُّ عَلَى الْجَبْرِ الْخَفِيِّ أَوْ اللَّهْوِ الْخَفِيِّ!! وَبِرَابِعَةٍ وَخَامِسَةٍ وَمِئَة، مَا دَامَ الِافْتِرَاءُ مَوْجُودًا، وَالْبُهْتَانُ مُعَدًّا، وَالْإِفْكُ مَبْذُولًا!!
وَتَأَمَّلْ قَوْلَ الْأَفَّاكِينَ الْبَهَّاتِينَ فِي ادِّعَاءِ تَكْفِيرِ أَبْنَاءِ الْأُمَّةِ بِهَذَا الْقَوْلِ: ((وَفَقَدَ الْأَبْنَاءُ مِنْ خَيْرِ أُمَّةٍ مَا هُمْ بِهِ خَيْرُ أُمَّةٍ، وَهُوَ الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْإِيمَانُ بِاللهِ الْعَظِيمِ)).
أَنْتَ إِذَا سَمِعْتَ هَذَا وَأَنْتَ سَلِيمُ الصَّدْرِ، لَا حِقْدَ عِنْدَكَ، وَلَا مِحْنَةَ تِجَاهَ هَذَا الْكَلَامِ وَلَا مَنْ كَتَبَهُ، تَفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُ تَكْفِيرٌ لِأَبْنَاءِ الْأُمَّةِ؟!!
لَكِنْ عِنْدَ هَذِهِ الْفِرْقَةِ الضَّالَّةِ وَالْجَمَاعَةِ الزَّائِغَةِ هُوَ تَكْفِيرٌ لِأَبْنَاءِ الْأُمَّةِ، فَنَفْيُ الْإِيمَانِ عِنْدَهُمْ نَفْيٌّ لِحَقِيقَةِ الْإِيمَانِ قَوْلًا وَاحِدًا!!
وَيُقَالُ لَهُمْ، فَأَيْنَ قَوْلُ رَسُولِ اللهِ ﷺ: ((وَاللهِ لَا يُؤْمِنُ، وَاللهِ لَا يُؤْمِنُ، وَاللهِ لَا يُؤْمِنُ الَّذِي لَا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ))؟
وَأَيْنَ قَوْلُهُ ﷺ: ((لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ))؟ إِلَى نَظَائِرَ كَثِيرَةٍ فِيهَا نَفْيُ الْإِيمَانِ عَمَّنْ وَقَعَ فِي بَعْضِ الذُّنُوبِ، أَوْ لَمْ يَسْتَكْمِلْ بَعْضَ الْفَضَائِلِ، كَمَا فِي قَوْلِهِ ﷺ: ((لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ)).
لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ سِوَى الْوَعِيدِيَّةُ مِنَ الْخَوَارِجِ إِنَّهُ نَفْيٌ لِحَقِيقَةِ الْإِيمَانِ مِمَّا يَعْنِي الْكُفْرَ.
وَأَوْلَى بِالْحَدَّادِيَّةِ أَنْ يَكُونُوا خَوَارِجَ، فَهَا هُمْ تَتَبَيَّنُ قُطْبِيَّتُهُمْ يَوْمًا بَعْدَ يَوْمٍ.
بَلَاءٌ تُعَانِي مِنْهُ الْأُمَّةُ، تُنْفَقُ فِيهِ -أَيْ فِي هَذَا الْبُهْتَانِ وَالْإِفْكِ- الْأَوْقَاتُ، وَالْأُمَّةُ تَحْتَاجُ مِنْ أَبْنَائِهَا الثَّانِيَةَ الْوَاحِدَةَ، بَلْ تَحْتَاجُ الْفِيمْتُو ثَانِيَة.
الْأُمَّةُ تَحْتَاجُ كُلَّ وَقْتٍ؛ لِأَنَّهَا تُعَانِي مَا تُعَانِي مِنَ الْمُغَامَرَاتِ وَالْفِتَنِ وَالدَّسَائِسِ، تَحْتَاجُ تَبْصِيرَ أَبْنَائِهَا بِدِينِ رَبِّهَا -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-، بِتَوْحِيدِهِ سُبْحَانَهُ، وَبِوُجُوبِ اتِّبَاعِ نَبِيِّهِ ﷺ، وَتَعْلِيمِ أَبْنَاءِ الْأُمَّةِ عَقِيدَةَ السَّلَفِ؛ حَتَّى لَا يُحْدِثُوا الْفَوْضَى.
وَحَتَّى لَا يَكُونُوا سَبَبًا لِضَيَاعِ بَلَدِهِمْ، وَهُوَ بَلَدٌ إِسْلَامِيٌّ، يُرْفَعُ فِيهِ الْأَذَانُ، وَتُقَامُ فِيهِ الْجُمَعُ وَالْجَمَاعَاتُ، وَيَأْمَنُ فِيهِ النَّاسُ عَلَى دِمَائِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ وَأَعْرَاضِهِمْ.
وَحَتَّى لَا يَكُونَ أَبْنَاءُ الْأُمَّةِ سَبَبًا يَسْتَخْدِمُهُ أَعْدَاءُ الْأُمَّةِ مِنْ أَجْلِ انْهِيَارِ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَتَقْوِيضِ أَرْكَانِ الْوَطَنِ، بَدَلًا مِنْ أَنْ يَكُونَ الْأَبْنَاءُ كَذَلِكَ، وَلَنْ يَكُونُونَ حَتَّى يُعَلَّمُونَ، وَحَتَّى يُدْعَوْا إِلَيْهِ، وَحَتَّى يَعْرِفُوهُ مَعْرِفَةً صَحِيحَةً، وَذَلِكَ بِبَذْلِ الْمَجْهُودِ وَإِنْفَاقِ الْأَوْقَاتِ فِي تَعْلِيمِهِمْ وَتَرْبِيَتِهِمْ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ الْأَصِيلِ مِنْ دِينِ اللهِ -جَلَّ وَعَلَا-، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أُصُولِهِ وَأُسُسِهِ وَأَرْكَانِهِ.
هَذَا كُلُّهُ يَحْتَاجُ إِنْفَاقَ الْأَعْمَارِ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْغَايَةِ الشَّرِيفَةِ، وَلَكِنْ يَأْتِي مِثْلُ هَؤُلَاءِ، لَا هَمَّ لَهُمْ إِلَّا أَنْ يَتَكَلَّمُوا فِي كَذَا، وَأَنْ يَقْتَطِعُوا كَلِمَةَ كَذَا!! بَلَاءٌ عَظِيمٌ أَصَابَ أَبْنَاءَ هَذِهِ الْأُمَّةِ، وَأَصَابَ هَذِهِ الْأُمَّةِ فِي حَبَّةِ قَلْبِهَا.
هَؤُلَاءِ لَا يَدَعُونَ شَيْئًا إِلَّا وَيُسَفِّهُونَهُ، وَيَتَكَلَّمُونَ فِيهِ، وَيُحَقِّرُونَهُ، مَرَّةً يَرْمُونَ بِالتَّكْفِيرِ، وَمَرَّةً يَرْمُونَ بِالرِّدَّةِ، وَمَرَّةً يَرْمُونَ بِالتَّبْدِيعِ، لَيْسَ لَهُمْ مِنْ هَمٍّ إِلَّا هَذَا، هُمْ وَحْدَهُمْ عَلَى الصَّوَابِ، هُمْ وَحْدَهُمْ يَحْتَقِرُونَ الصَّوَابَ!!
هَذَا لَا يَكُونُ وَلَنْ يَكُونَ.
وَلَيْسَ هَؤُلَاءِ بِالْفِرْقَةِ النَّاجِيَةِ؛ لِأَنَّ هَذَا الَّذِي يَفْعَلُونَهُ لَيْسَ بِصَنِيعِ الْفِرْقَةِ النَّاجِيَةِ، الْفِرْقَةُ النَّاجِيَةُ مَنْ كَانَ عَلَى مِثْلِ مَا كَانَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ ﷺ وَكَانَ عَلَيْهِ أَصْحَابُهُ، وَأَمَّا الْبَهْتُ وَالْإِفْكُ، وَأَمَّا الْبُهْتَانُ وَالْكَيْدُ وَالْمَكْرُ، وَأَمَّا الدَّسَائِسُ وَالْمُؤَامَرَاتُ، فَهَذَا مِنْ فِعْلِ شَيَاطِينِ الْإِنْسِ، وَمِنْ فِعْلِ الْمُنَافِقِينَ وَمِنْ خِصَالِهِمْ.
وَنَسْأَلُ اللهَ -جَلَّتْ قُدْرَتُهُ وَتَقَدَّسَتْ أَسْمَاؤُهُ- إِذَا كَانَ هَؤُلَاءِ يَبْغُونَ بِذَلِكَ وَيَنْوُونَهُ وَيُرِيدُونَهُ فِي قُلُوبِهِمْ وَأَرْوَاحِهِمْ وَقُلُوبِهِمْ، يُرِيدُونَ بِذَلِكَ وَيَنْوُونَ بِهِ وَجْهَهُ وَصَالِحَ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَصَالِحَ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَغْفِرَ لِي وَلَهُمْ.
وَإِذَا كَانُوا لَا يُرِيدُونَ ذَلِكَ وَلَا يَبْغُونَهُ، وَإِنَّمَا هُوَ حَظُّ الْأَنْفُسِ، وَإِنَّمَا هُوَ الْكَيْدُ وَالْمَكْرُ وَالدَّسُّ وَالتَّآمُرُ، فَأَسْأَلُ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ أَنْ يَكْشِفَ سَتْرَهُمْ وَأَنْ يَفْضَحَ أَمْرَهُمْ، وَأَنْ يُخَالِفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ، وَأَنْ يُرِي الْعَالَمِينَ فِيهِمْ آيَةً، وَأَنْ يَكُفَّ بَأْسَهُمْ وَشَرَّهُمْ عَنِ الْمُسْلِمِينَ فِي مَشَارِقِ الْأَرْضِ وَمَغَارِبِهَا، وَأَلَّا يُخْدَعَ بِهِمْ أَحَدٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ.
وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ.