الذَّبحُ لَا يَكُونُ إِلَّا للَّهِ, كَمْ مِن ذَابحٍ لِغَيرِ اللَّه؟!
الاستِغَاثَةُ فِيمَا لَا يَقدِرُ عَلَيهِ إِلَّا اللَّه لَا تَكُونُ إِلَّا
بِاللَّهِ, كَمْ مِن مُستَغِيثٍ بِغَيرِ اللَّهِ فِيمَا لَا يَقدِرُ عَلَيهِ إِلَّا
اللَّه؛ مِن جَلبِ النَّفعِ وَدَفعِ الضُّرِّ وَتَكثِيرِ المَالِ وَالوَلَدِ وَغَيرِ
ذَلِكَ مِمَّا لَا يَقدِرُ عَلَيهِ إِلَّا اللَّه؟!
وَصَرفُ ذَلِكَ نَقضٌ لِـ (لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ), إِلَى غَيرِ ذَلِكَ
مِن أَنوَاعِ العِبَادَات!!
الخَوفُ لَا يَكُونُ إِلَّا مِنَ اللَّه, خَوفُ الاعتِقَاد, الخَوفُ الجِبِلِّيُّ
يُسَامِحُ فِيهِ رَبُّنَا وَلَا يُؤاخِذُ عَلَيهِ –جَلَّ وَعَلَا-.
الإِنسَانُ يَخَافُ مِنَ السَّبُعِ, وَيَخَافُ مِن الحَيَّةِ, وَيَخَافُ مِنَ
العَقرَبِ, يَخَافُ مِنَ النَّارِ وَيَفِرُّ مِن ذَلِكَ كُلِّهِ وَلَا حَرَجَ عَلَيهِ,
وَلَا يُنَاقِضُ هَذَا أَنَّهُ يَبنَغِي أَلَّا يُخَافَ إِلَّا مِنَ اللَّهِ؛ فَهَذَا
خَوفٌ جِبِلِّيٌّ, وَقَد وَقَعَ مِنَ الكَلِيمِ –عَلَيهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- لمَّا أَلقَى عَصَاهُ فَأَحَالهَا اللَّهُ
رَبُّ العَالمِينَ ثُعبَانًا قَد وَقَفَ عَلَى ذَنَبِهِ يَرُوحُ وَيَجِيءُ {فَلَمَّا
رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّىٰ مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ} [النمل:
10].
يَا مُوسَىٰ أَقبِل وَلَا تَخَفْ إِنِّه لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ؛
هَذَا خَوفٌ جِبِلِّيٌّ لَا حَرَجَ عَلَيهِ, فَلَمَّا أُمِرَ بِالإِقبَالِ أَقبَلَ
بِقُوَّةِ الخَوفِ مِنَ اللَّهِ رَبِّ العَالمِينَ وَحدَهُ.
كَمْ مِن خَائفٍ مِن غَيرِ اللَّهِ مَا لَا يَخَافُ اللَّهَ مِثلَهُ؟!
يَقَعُ عَلَى الفَاحِشَةَ لَا يُبَالِي, فَإِذَا مَرَّ بِمَكذُوبٍ يَعتَقِدُ
فِيهِ الوَلَايَة وَالكَشفَ؛ خَافَ أَنْ يَسلُكَ السَّبِيلَ الَّتِي يَكُونُ عَلَيهَا!!
وَيَقُولُ: لِأَنَّهُ يَعلَمُ مَا فَعَلتُ بِالأَمسِ, وَيَكشِفُ حَالِي!! فَيُجَانِبُ
الطَّرِيقَ, يَخَافُهُ!!
كَمْ مِن حَالِفٍ بِغَيرِ اللَّهِ مُتَهَجِّمًا؟!
كَمْ مِن حَالِفٍ بِغَيرِ اللَّهِ رَبِّ العَالمِينَ, وَيَخشَى أَنْ يَحلِفَ
بِاللَّهِ رَبِّ العَالمِينَ, وَلَكِنَّهُ إِذَا قِيلَ لَهُ: فَلْتَحلِف بِاللَّهِ
–جَلَّ وَعَلَا- مَضَى وَلَمْ
يَتَلَجْلَجْ!!
فَإِذَا قِيلَ لَهُ: فَلْتَحلِف بِالوَالِي الفُلَانِيِّ –مِمَّنَ يَعتَقِدُ فِيهِم- وَقَد صَارَ جِيفَةً فِي قَبرِهِ,
وَرِمَّةً فِي رَمسِهِ...
وَحَرَّمَ اللَّهُ عَلَى الأَرضِ أَنْ تَأكُلَ أَجسَادَ الأَنبِيَاء, وَأَمَّا
مَن دُونَهُم فَمَا كَانَ مِن ذَلِكَ مِن شَيءٍ فَأَمرُهُ إِلَى اللَّهِ وَلَا دَلَالَةَ
لَهُ عَلَى شَيءٍ.
بَلْ إِنَّ مِنَ الكَرَامَةَ لَهُ أَنْ تَأكُلَهُ الأَرضُ كَمَا تَأكُلُ الأَجسَاد؛
إِلَّا الأَنبِيَاء.
يَخَافُ مِنهُ مَا لَا يَخَافُ مِنَ اللَّهِ؟! فَإِذَا حُلِّفَ مَضَى لَا يَتَلَجْلَجُ
حَالِفًا بِاللَّهِ رَبِّ العَالمِينَ كَاذِبًا!!
فَإِذَا قِيلَ لَهُ: فَلْتَحلِف بِفُلَانٍ؛ ارتَعَدَت فَرائسُهُ وَخَارَت قُوَاهُ
وَأَحْجَمَ وَأَبَى!!
يَخَافُه مَا لَا يَخَافُ اللَّه؟ وَيَرهَبُهُ مَا لَا يَرهَبُ اللَّهَ مِثلَهُ؟!
فَهَذَا مَعنَى (لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ), إِذَا عَرَفتَ هَذَا فَاعرِف أَنَّ
المُتَأخِّرِينَ مَا وَقَعُوا فِيهِ مِنَ الشِّركِ هُوَ أَغلَظُ مِمَّا وَقَعَ فِيهِ
المُتَقَدِّمُونَ وَأَثقَلُ وَأَفظَعُ!!
إِذَا عَرَفتَ هَذَا كُلَّهُ؛ فَعُدْ إِلَى أَوائلِهِ, وَاعرِف لِمَا خَلَقَكَ
اللَّه, وَحَرِّر العِبَادَةَ خَالِصَةً للَّهِ, وَقُمْ عَلَى ذَلِكَ بِحَقِّهِ للَّهِ,
وَادعُوا إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ؛ حَتَّى يَأخُذَ اللَّهُ رَبُّ العَالمِينَ
بِأَيدِينَا, وَحَتَّى يُخرِجَنَا اللَّهُ رَبُّ العَالمِينَ مِمَّا نَحنُ فِيهِ.
لِأَنَّ الأَمنَ لَا يَنزِلُ حَالًّا عَلَى قَلبٍ وَبِهِ وَعَلَى مُجتَمَعٍ
وَبِهِ؛ إِلَّا مَعَ التَّوحِيد.
وَلَا تَحسَبَنَّ مَا المُشرِكِونَ فِيهِ مِن نِعمَةٍ ظَاهِرَةٍ, وَرَغَدٍ بَاهِرٍ,
وَعَطَاءٍ يَتَرادَف, لَا تَحسَبَنَّ هَذَا شَيئًا, فَلَوْ خَبَرتَهُم لَعَرَفتَ حَالَهُم,
وَلَعَلِمتَ أَنَّ الوَاحِدَ مِنهُم لَا يَأمَنُ فِي حِينٍ وَلَا حَالٍ عَلَى عِرضٍ
وَلَا مَالٍ...
وَهُم أَكثَرُ أَهلِ الأَرضِ تَسجِيلًا لجَرَائمِ الاغتِصَاب لِلأَعرَاضِ وَالأَجسَادِ
وَالأَموَالِ, وَهُم أَكثَرُ أَهلِ الأَرضِ إِرَاقَةً لِلدِّمَاءِ, وَهُم أَكثَرُ أَهلِ
الأَرضِ قَلَقًا وَاضطِرَابًا, وَيَحتَاجُونَ إِلَى الأَطِبَّاءِ النَّفسِيِّين مَا
لَا تَحتَاجُهُ أُمَّةٌ تَحتَ أَدِيمِ السَّمَاءِ؛ لِأَنَّ التَّوحِيدَ غَابَ عَنهُم,
وَلِأَنَّ الكُفرَ عَشَّشَ فِي دِيَارِهِم وَقُلُوبِهِم وَخَيَّمَ عَلَى أَوطَانِهِم,
فَهُم فِي أَسوَءِ حَالٍ.
وَمَا هُم فِيهِ إِنَّمَا هُوَ استِدراج وَاللَّهُ رَبُّ العَالمِينَ أَخبَرَنَا
بِذَلِكَ فِي كِتَابِهِ العَظِيمِ {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُم
بِظُلْمٍ أُولَٰئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ} [الأنعام : 82].
قَالَ الصَّحَابَةُ –رِضوَانُ
اللَّهِ عَلَيهِم- وَالحَدِيثُ فِي ((الصَّحِيحَين)): يَا رَسُولَ اللَّهِ؛ وَأَيُّنَا
لَم يَظلِمْ نَفسَهُ؟!
ظَنُّوا أَنَّ الظُّلمَ المَذكُورَ فِي الآيَةِ هُوَ الظُّلمُ العَامُّ, فَبَيَّنَ
لَهُم النَّبِيُّ –صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-
المَعنَى...
فَقَالَ: ((لَيسَ ذَلِكَ, أَوَلَمْ تَسمَعُوا وَصِيَّةَ لُقمَانَ لِابنِهِ
{يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ}؟)).
{الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ –أَيْ: بِشِركٍ- أُولَٰئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ}
[الأنعام : 82].
أَمرَان: أَمنٌ وَأَمَانٌ, وَهِدَايَةٌ وَاهتِدَاءٌ وَاطمِئنَانٌ, وَذَلِكَ
عَلَى قَدرِ الإِيمَانِ الذِي لَا يُخَالِطُهُ شِركٌ بِحَالٍ.
فَعَلَى قَدرِ الإِيمَانِ الذِي لَا يُمَازِجُهُ الشِّركُ يَكُونُ الأَمنُ وَيَكُونُ
الأَمَانُ, وَيَكُونُ الهُدُوءُ وَالاطمِئنَانُ, وَيَكُونُ الرَّغَدُ وَالعَطَاءُ مِنَ
الرَّحِيمِ الرَّحمَنِ, وَتَكُونُ الهِدَايَةُ وَالغُفرَانُ.
الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ –أَيْ: بِشِركٍ- أُولَٰئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ –دُنيَا وَآخِرَة- وَهُم مُّهْتَدُونَ –دُنيَا وَآخِرَة-.
فَلَا يَصلُحُ حَالُ مُجتَمَعٍ إِلَّا مَعَ صَلَاحِ العَقِيدَة, وَمَعرِفَةِ
الهَدَفِ الذِي لِأَجلِهِ خَلَقَ اللَّهُ الخَلقَ...
اعرِفْه, حَقِّقه, دُمْ عَلَيهِ, ادْعُ إِلَيهِ, جَاهِد دُونَهُ, مُت فِي سَبِيلِ
إِرضَاءِ رَبِّكَ قَائمًا عَلَيهِ, وَاللَّهُ يَرعَاكَ وَيَتَوَلَّاكَ وَيُسَدِّدُ
خُطَاكَ, وَصَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ –صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ-.