((الحلقة الثانية من برنامج: الرد
على الملحدين))
((أعلام الإلحاد والقواسم المشتركة بينهم))
وعند هَؤُلَاءِ الملاحدة أن الحاجات هي التي تحدد الأفكار، وليست الأفكار هي
التي تحدد الحاجات.
و((نظرياتُ مَارْكِسْ)) فِي الاقتصاد والتفسير
المادي للتاريخ، و((نظريةُ فْرُويِدْ)) وهي ((نظريةٌ جنسيةٌ مَحْضَةٌ)) فِي علم النفس، و((نظرية دَارْوِنْ)) فِي أصل الأنواع، و((نظريةُ دُورْكَهَايِمْ)) فِي علم الاجتماع من أهمِّ أُسس
الْإِلْحَاد فِي العالم، وجميع هذه النظريات هي مما أثبت الْعُلَماءُ أَنَّهُا حَدْسٌ
وخيالاتٌ، وأوهامٌ شخصيةٌ، ولا صلةَ لها بالْعِلْم.
ما هي القواسم المشترَكَة بين الملاحدة العرب؟
القواسم المشتركة بين الملاحدة العرب هي:
*إنكارهم للغيب جملة وتفصيلًا، وقَصْرُهُم الإيمان بحدودِ الملموسِ والمحسوسِ
فقط، دون ما غاب عَن العين، أو ما يمكن إدراكه بالحس.
*ومن القواسم المشتركة بينهم: استهزاؤهم بالشعائر الدينية جميعها، ووَصْفُهم للمتمسكين
بالشعائر الدينية بالرجعيين والمتخلفين، ومحاربة أي دعوة تدعو إِلَى التدين، أو صَبْغِ
الحياةِ بمَظَاهِرِ الدين.
*ومن القواسم بينهم: مَيْلُهُمْ نَحْوَ احتقار العرب، وهي الشعوبية التي
مرَّ ذكرها، وكان عليها أوائل الدعاة إِلَى الْإِلْحَاد فِي العالم العربي والإسلامي،
فهم يميلون نحو احتقار العرب، واحتقار عاداتهم وسلوكهم، ويمدحون الشعوبية والباطنية؛
بل منهم دعاة للصهيونية، كما كَانَ ((القصيمي))؛ فإنه
كَانَ داعية من دعاة الصهيونية.
*وكذَلِكَ هم يدعون للتغريب؛ لِأَنَّهُم إِذَا احتقروا الجنس العربي، واحتقروا
العروبة؛ يريدون بذَلِكَ احتقار الدين، وإذا احتقروا اللغة العربية؛ فأي شيء يُقَدِّرُون؟!!
هم يَدْعُون للتغريب، والالتحاق بالغرب، والأخذ بجميعِ ثقافاتِهم وأمورِهم الحياتية،
والتَّعَلُّم منهم ومِن سلوكياتهم، حتى إنَّ مِن غُلاة الدَّاعين إِلَى ذَلِكَ: وهو
((طه حسين)) كما فِي ((مستقبل
الثقافة فِي مصر))، وهو الآن يُعاد طَبْعُهُ، ويُنشر نَشْرًا مُوَسَّعًا،
والرجلُ يُقرِّر فِيه أَنَّهُ ينبغي علينا من أجل أنْ نلحق بالرَّكْبِ العالَمِيِّ
فِي التقدم والتِّقْنِيَةِ: أن نتخلى عَنْ كل ما نحن عليه، وأن نأخذ بما هم عليه فِي
كل مجالات الحياة، حتى تكونَ فضلاتنا كفضلاتهم.
*وهم يَشُنُّونَ الحرب الشرسة على الأخلاق والعادات الحميدة.
*ويَدَّعُون أَنَّهُ لا يوجد شيء ثابت مطلقًا، فكل الأمور نسبية!!
الدين نسبي! يتغير ويتطور! ويرتقي الناس فِيه!
والشرف كذَلِكَ نسبي!
فما كَانَ يقاتل المرء عَنْه ودونه فِي القديم صار شيئًا مبذولًا، لا تهتز شَعْرَةٌ
فِي مَفْرِقِ أحدٍ إذا ما اعْتُدِيَ على عِرْضِه، وإذا ما دُنِّسَ فِرَاشُه، فذَلِكَ
عَنْده من الأمور العادية!!
*فهَؤُلَاءِ شَنُّوا الحرب الشرسة على العاداتِ والأخلاقِ الحميدة، وادَّعَوْا
أَنَّهُ لا يوجد شيءٌ ثابتٌ مطلقًا، وأن الحياة والأخلاق والعادات فِي تطورٍ مستمر،
وأن الثبات على الشيء إنما هو مِنْ شَأْنِ الغَوْغَائِيِّينَ والمُتَخِّلِفِينَ والرَّجْعِيِّين.
*فعندهم أنَّ الأخلاق تتطور وترتقي، وكذَلِكَ الأديان تتطور وترتقي، وبالتالي؛
المُثُلُ والقِيَمُ تتطور وترتقي، فما كَانَ يتمسك به الناس قديمًا ينبغي أن يُهْجَرَ!
ينبغي أنْ يُطَلَّقَ البَتَّةَ، وأَلَّا يَلْتَفِتَ الناسُ إِلَيْهِ!!
*ويعظمون المادة والطبيعة، ويعظمون جميع العلوم الطبيعية، ويجعلون ذَلِكَ أساس
كل الحضارات، بافتعال الصراع المزعوم بين الدين والْعِلْم المادي التطبيقي.
ومعلوم أن ذَلِكَ إنما كَانَ فِي الغرب لَمَّا تَحَجَّرَتِ الْكَنيسةُ علي معتقداتها
البالية، وحاربت الْعِلْمَ التطبيقيَّ الماديَّ بحقائقه الثابتة، فلما وقع الصدام بين
الْعِلْم والدين بِسَبَب تَعَنُّتِ وجهلِ الْكَنيسة الغربية؛ تم الفصل بين الدين والْعِلْم.
هذا وقع فِي الغرب.
ثم أرادوا أن يمدُّوا ذَيْلَ ذَلِكَ علي المجتمعات الإسلامية، فَتَسَلَّلُوا
لَمَّا ذهبت البِعْثَاتُ إلي تلك الديار من أجل أن تنقل لا العاداتِ ولا الأخلاقَ ولا
التقاليدَ، وإنما من أجل أنْ تنقلَ ما وصلوا إِلَيْهِ من التقدم التقني، ومن الْعِلْم
المادي، فما عادوا إلا بنقلِ العاداتِ والتقاليد، كما فعل ((الطَّهْطَاوِيُّ)) وغيرُه، عَنْدما كَانَ شيخًا مرافقًا للبِعثة من أجل
أنْ يَؤمَّهُمْ فِي الصلاة، وأنْ يُفْتِيَهُمْ فِي ديار الغُرْبَةِ فِيما يَعْرِضُ
لهم من مسائل الدين.
فلما رَأَى المَسَارِحَ الفَرَنْسِيَّةَ، وأَبَصَرَتْ عَيْنَاهُ النساءَ الفرنسياتِ،
وقد تَهَتَّكْنَ وَتَبَذَّلْنَ وَتَعَرَّيْنَ، وكان الرجل من الجنوب فِي مصر، والمرأة
فِيه فِي غاية المحافظة، فلما انتقل هذه النقلةَ؛ عاد مَبْهُورًا بالذي رآه، يدعو إِلَيْهِ،
فكتب فِي ذَلِكَ كتابًا سماه ب((تلخيصِ الإِبْرِيزِ فِي
أحوالِ أو فِي شُئُونِ باريس))، أو كما سماه.
و((التَّنْوِيرِيُّونَ)) الآنَ فِي هذا
العصر يبعثون هذه الكتب من كهوفها وقبورها، ويريدون أن يقرأها الناشئة من المسلمين،
لَمَّا وَجَدُوا أنَّ الناشئة من المسلمين قد أقبلوا فِي الجملة على معرفة الدين، وعلى
التمسك بالتعاليم، فجاءهم الشيطان بهذه الأفكار الشيطانية، من أجل أن يَحْرِفُوا الناس
عما وصلوا إِلَيْهِ من الْحَقِّ.
الْمُلْحِدُونَ الماديون فِي الدول الإسلامية
والعربية؛ مِنَ القَوَاسم المشترَكَة بينهم:
*أَنَّهُم يمنعون من محاربة الاحتلال، يَقِفُونَ دائمًا ضد مقاومة الاحتلال.
يدْعون إِلَى الرضا بالأمر الواقع، وأن هَؤُلَاءِ إنما جاءوا لتنويرنا، وإخراجنا
من الجهالة والمرض والفقر؛ فِينبغي علينا أن نشكرهم !!
كما وقع ذَلِكَ بالنسبة للحملة الفرنسية على مصر، وما زالوا إِلَى يوم الناس
هذا يحتفلون بذكرى الاحتلال الفرنسي لمصرَ على أَنَّهُ بداية التنوير فِي العصر الحاضر،
وفي الواقع المعاصر للأمة المصرية، وكذَلِكَ للشرق بأجمعه!!
وهذا مَحْضُ الوَهْمِ، وإنما جاءت الحملة الفرنسية لِوَأْدِ النهضة الإسلامية
فِي مصر، وكذَلِكَ فِي العالم الإسلامي العربي، وكانت هذه النهضة الإسلامية على وَشْكِ
أنْ تُؤْتِيَ أُكُلَها، وأنْ تقومَ على سوقِها وتستويَ عليه، فجاءت الحملة الفرنسية
من أجل وَأْدِ هذا.
ومن
القواسم المشتركة بين ملاحدة العرب:
*تعاونُهم الوثيق مع الصهيونية والماسونية، ومَدْحُهم اللَّامَحْدُود للصهاينة
واليهود.
هذه سِمَةٌ غالبةٌ على جميع الملاحدة والمرتدين؛ لأنَّ الملحدَ فِي الْحَقّ
مشرك، وقد يُسٍتَغْرَبُ من ذَلِكَ؛ لأن الملاحدة المعاصرين على وجه الخصوص لما أنكروا
وُجُودَ الخَالِقِ الْعَظِيم، فذهبوا إِلَى نظرياتٍ يفسرون فِيها الخلق، وينظرون فِيها
إِلَى سبب الوجود؛ فبعضهم يَقُول: الطبيعة!!
فجعلها إلهًا معبودًا!!
فهذا مشركٌ بالله -جَلَّ وَعَلَا-.
وأما الملحد؛ فهو الَّذِي لا يُثْبِتُ خالقًا فِي الأصل، فينكر وُجُود الله
تَبَارَكَ وَتَعَالَى، وينكر أن يكون سَبَبٌ مَّا قد أدى إِلَى خلق الخلق وإيجاد الوجود.
فأما هَؤُلَاءِ؛ فهَؤُلَاءِ مشركون على هذه الصورة وعلى هذا النحو، وسيأتي بسط
هذا إن شاء الله -جَلَّ وَعَلَا-.
*يَدَّعِي الملاحدة أنَّ الدينَ سببٌ للتناحُرِ ونَشْرِ البغضاء فِي الْأَرْض،
وأنه تسبب فِي إشعال وإذكاء نار الحروب فِي الكثير من بقاع الْأَرْض، وقد حان الوقت
لتركه والتخلِّي عَنْه!!
هَؤُلَاءِ الكَذَبَةُ مِنْ الملاحدةِ الماديين يَقُولون: إنَّ الدين سببٌ للتناحرِ
ونشرِ البغضاء فِي الْأَرْض!!
وهل قامت الحرب العالمية الأولى والحرب العالمية الثانية لأسباب دينية؟!!
ألم تقم الحرب العالمية الأولى، وكذا الحرب الثانية بأسبابٍ علمية؟!
بأسبابٍ تِقْنِيَّةٍ؟!
لم تَقُمْ بأسبابٍ دينية!!
فهَؤُلَاءِ الكذبة يَقُولون: إن الدين هو الَّذِي يؤدي إِلَى نشر التناحر، ونشرِ
البغضاء فِي الْأَرْض، فينبغي أن يُتَخَلَّى عَنْه!!
هذه هي فكرة ((الماسونية)) التي تجمع
تحت لوائِها كلَّ منحرفٍ على ظهرِ الْأَرْضِ؛ مهما كَانَ دينه!!
ويقولون: نحن لا نناقش هذه الأمور، ثم إِذَا ما اسْتَمَرَّ مَرِيرُهُ
مع الماسون؛ صار بعد حينٍ ملحدًا بلا دين؛ لِأَنَّهُ يتخلى مع الوقت بِسَبَب التعايش
السلمي بين هذه الأديان المتضادة والمتباينة، فإنه بعد حينٍ يتخلى عَنْ دينه؛ حتى يصير
ماسونيًا ملحدًا.
انتشر الْإِلْحَادُ أَوَّلًا فِي أُورُوبَّا، وكانت له أَسْبَابُه التي سيأتي
بسطها إن شاء الله جَلَّ وَعَلَا.
انتقل بعد ذَلِكَ الْإِلْحَادُ إِلَى أمريكا، ومن أُورُوبَّا وأمريكا إِلَى
سائرِ بقاع العالم.
عندما حَكَمَت ((الشيوعيةُ)) فِيما كَانَ
يُعْرَفُ ب((الاتحادِ السُّوفْيِيتِيِّ)) قبل
انْهِيَارِهِ وتَفَكُّكِهِ؛ فَرَضَتِ الْإِلْحَادَ فرضًا على شعوبه، وأَنْشَأَتْ له
مَدَارِسَ وَجَمْعِيَّاتٍ.
كَانُوا يحاربون الدين الإسلامي خاصة؛ فإنَّ الدول التي وقعت تحت الحكم الشيوعي
كَانَ أفرادُها يُؤْمَرُون؛ بل يُجْبَرُونَ على تغييرِ أسمائهم، وكان الواحد منهم إِذَا
ضُبِطَ تاليًا لآية من كتاب الله -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-؛ أُعْدِمَ بِأَبْشَعِ صُوَرِ
الإِعدامِ.
وكان التفتيش لا يَفْتُرُ أبدًا عَن النظر إِلَى ما عَنْد المسلمين فِي بيوتهم؛
لأن هذه الدول كَانَت دولًا إسلامية، فلما جاءت الشيوعية على يَدَيْ ماركِسْ ومَنْ
تَبِعَهُ، ثم انتشرت بعد ذَلِكَ؛ احْتَلَّت الدُّوَلَ الإسلاميةَ التي تُجَاوِرُ روسيا
الشيوعيةَ، وهي دُوَلٌ إسلاميةٌ، وأهلُها كَانُوا من المسلمين، وكان لهم مَوَاقِفُ
صِدْقٍ فِي نُصْرَةِ دينِ ربِّ العالمين، فَبَسَطُوا النُّفُوذَ عليهم، واحْتَلُّوا
ديارَهم، وأَدْخَلُوهَا فِيما سُمِّيَ بالاتحادِ السُّوفْيِيتِيِّ الشُّيُوعِيِّ، وفَرَضُوا
الشيوعيةَ عليهم فرضًا، فنقلوهم من الإسلام إِلَى الشيوعية!!
هذه نَقْلَةٌ لا تَقْبَلُها الطبيعةُ البَشَرِيَّةُ.
أَمِنَ الإسلامِ، مِنَ الْحَقِّ إِلَى سواءِ الباطل؟!!
ففَرَضُوا عليهم ذَلِكَ، فكَانُوا فِي جملتهم فِي البداية يقاوِمون بعضَ المقاومةِ
السَّلْبِيَّةِ، يُعَلِّمُونَ أبناءَهم فِي الخَفَاءِ ما تَيَسَّرَ مما يعرفونه من
دين الله، وربما كَانَ الواحد منهم مالكًا لنسخةٍ من القرآنِ الْعَظِيمِ فَيُخْفِيهَا،
بحيث إِذَا وَجَدَ غَفْلَةً من السُّلُطَاتِ؛ اِنْتَحَى ناحيةً فِي خَفَاءٍ مِنْ أَجْلِ
أَنْ يَتْلُوَ آيةً مِنْ آياتِ اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-.
إذا ضُبِطَ عَنْده ورقةٌ من المصحفِ أُعْدِمَ؛ بل وَأُعْدِمَ أهلُه، حتى أجبروهم
على تغيير أسمائهم؛ حتى تصير كأسماءِ أُولَئِكَ القوم، فلما جاء هذا الاتحاد بهذا البلاء؛
أُنْشِأَتْ للإِلْحَاد وللشيوعية فِي تلك الدولِ الإسلاميةِ مدارسُ وجمعياتٌ.
حاولت ((الشيوعيةُ)) نَشْرَ الْإِلْحَادِ فِي
شَتَّى أنحاءِ العالَمِ عَنْ طريق أحزابها، وسقوطُ الشيوعيةِ فِي الوقت الحاضر يُنْبِأُ
عَنْ قُرْبِ سقوط الْإِلْحَاد بإذن الله -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- فِي العالم كلِّه؛
لأن الْإِلْحَاد لم يَجِدْ على مَدَارِ تاريخِ البَشَرِ فِي الْأَرْض سُلْطَةً تَنْشُرُهُ
بالسيفِ، تَفْرِضُهُ بالقوةِ، بالقوةِ الْمُفْرِطَةِ، مع ما الناسُ عليه مِن الضَّعْفِ
والْمَسْكَنَةِ.
لم يَحْدُثْ ذَلِكَ فِي تاريخِ البَشَرِ إلا فِي هذا العصرِ لَمَّا نَشَأَ الاتحادُ
السُّوفْيِيتِيُّ، ونَشَرَ الْإِلْحَادَ فِي الدول التي احتلها بالسيف وبالسلاح؛ ولَكِنَّ
كثيرًا من المسلمين بعد أنْ سَقَطَ وانْهَارَ عَادُوا إِلَى دين الله رب العالمين،
وأكثرُهم يَتَلَمَّسُ طريقَ الْحَقِّ، وهم مَعْذُورُونَ فِي الجملةِ فِي بعض الأمور؛
لِأَنَّهُم خَرَجُوا مِنْ هذا التَّهَرُّءِ الأخلاقيِّ؛ بل مِنَ الِانْعِدَامِ الأخلاقيِّ
إِلَى دينِ اللهِ ربِّ العالمين.
مِن الجهلِ الْمَحْضِ بِدِينِ اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- وتَجْهِيلِ الخلقِ
به، إِلَى مُحَاوَلَةِ معرفةِ الدينِ والتوحيدِ.
ومسؤوليةُ المسلمينَ فِي العالَمِ قائمةٌ على كَوَاهِلِهِمْ مِنْ أَجْلِ تَعْلِيمِهِمْ
دينَ اللهِ ربِّ العالمين، ونَشْرِ التوحيدِ والسنةِ بينَهم.
يوجد الآن فِي الهند جمعيةٌ تُسَمَّى ب((جمعيةِ
النَّشْرِ الْإِلْحَاديةِ))، وهذه الجمعياتُ حديثةُ التكوينِ، وتُرَكِّزُ
نشاطَها فِي المناطِقِ الإسلاميةِ، ويَرَأْسُهَا ((جُوزِيفْ
إِيدْيَامَارْ))، وكان نصرانيًا من خطباء التنصير، ومعلمًا فِي إحدى مدارس
الأَحَد، وعضوًا فِي ((اللجنة المركزية للحزب الشيوعي)):
أَلَّفَ سنة ثلاث وخمسين وتسعمائة وألف ((1953)) كتابًا يُدْعَى: ((إنما عيسى بَشَر)).
غضبت الَكِنيسة وطردته، فتزوج بامرأة هُنْدُوكِيَّة، وبدأ نشاطه الْإِلْحَادي،
وأصدر مجلةً إِلْحَاديةً باسم: ((اِسْكِرَا))،
أى: شَرَارةِ النار، ولَمَّا توقفت عَمِلَ مُرَاسِلًا بمجلة ((كِيرَالَا شْبِيتْمْ))، أي: صوتِ كِيرَالَا الأسبوعي،
وقد نال ((جائزةَ الْإِلْحَادِ العالميةَ))!!
الإِلْحَادُ صارت له جوائزُ عالميةٌ!!
نال جائزةَ الْإِلْحَادِ العالميةَ سنة ثمان وسبعين وتسعمائة وألف ((1978))،
ويُعْتَبَرُ أولَ مَن نالها من آسيا.
فيتضح مما سبق: أنَّ الْإِلْحَاد مذهب فلسفي يقوم على إنكار وُجُود
الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، ويذهب إِلَى أن الكون بلا خالق.
مذهب فلسفي عَنْد الملاحدة من المفكرين والفلاسفة والأدباء وغيرهم.
وأما الملاحدة من العوام والجهلاء الَّذِينَ يَتْبَعُونهم؛ فإِلْحَادهم ليس
إِلْحَادًا فلسفيًا، إنما هو إِلْحَادُ بَطْنٍ وَفَرْجٍ؛ من أجل تحصيل اللذات، ومن
أجل تحصيل الملذَّات.
يُعَدُّ أتباعُ ((العقلانيةِ)) المؤسسينَ
الْحَقيقيينَ للإِلْحَاد الَّذِي يُنْكِرُ الحياةَ الآخرة، ويرى أنَّ المادة أزلية
أبدية، وأنه لا يوجد شيء اسمه: ((معجزاتُ الأنبياء))؛
فذَلِكَ مما لا يقبله الْعِلْمُ فِي زعم الْمُلْحِدِينَ الَّذِينَ لا يعترفون أَيْضًا
بِأَيَّةِ مفاهيمَ أخلاقيةٍ؛ لأن الَّذِي يُؤَسِّسُ المفاهيمَ الأخلاقيةَ هو الدينُ،
هو الوحيُ، فإذا أنكروه، وإذا أنكروا وُجُود الخَالِق الْعَظِيم، وأنكروا الرسالة والوحي،
وأنكروا البعث والجزاء؛ فلا شك أَنَّهُم ينكرون الأخلاق، وتصير الحياة مادية محضة؛
حتى إن الإنسان لَيَتَسَفَّلُ حتى يكون أقل من البهائم.
لا يعترفون بقيم الْحَقّ والعدل، ولا بفكرة الروح؛ ولذا فإن التاريخ عَنْد الْمُلْحِدِينَ -كما مرَّ- هو صورةٌ للجرائم والحماقات وخَيْبَة
الأمل!!
وقصة التاريخ عَنْدهم لا تعني شيئًا، والإنسان مجرد مادة تُطَبَّقُ عليه القوانينُ
الطبيعيةُ كافةً.
وكلُّ ذَلِكَ مما ينبغي أن يَحْذَرَهُ الشابُّ المسلمُ عَنْدما يُطَالِعُ أو
يَسْمَعُ أفكارَ هذا المذهبِ الخبيثِ، وهو الآن -كما مَرَّ- يَجِدُ مُؤَسَّسَاتٍ تدعو
إِلَيْهِ، ومَجَلَّاتٍ وجَمْعِيَّاتٍ، وجوائزَ لِلْحَضِّ عليه والترغيبِ فِيه.
وهو يُزَيِّنُ للشباب المسلم؛ بل للمسلمين فِي كل مكان؛ من أجل أن يَتَهَافَتُوا
عليه تهَافُتَ الفَرَاشِ على النار، وقد وَصَلُوا من ذَلِكَ إِلَى درجةٍ مَّا، حتى
ظَهَرَ فِي مصرَ فِي هذه الآَوِنَةِ مِنَ الملاحدةِ مَنْ يَخْرُجُ لِلْمُنَاظَرَةِ
على شاشاتِ التِّلْفَازِ، فَيُنَاظِرُ عَنْ مَذْهَبِهِ الْإِلْحَاديِّ، وهذه مِنْ أَعْظَمِ
الدعوةِ إِلَى الْإِلْحَادِ بينَ المسلمينَ وفي المجتمعِ المسلم.
وأيضًا ظهر من الملاحدة فِي مصر مَنْ طَالَبَ اللجنةَ التي كَانَت تُعِدُّ مشروعَ
الدُّستورِ المصري؛ مَنْ طَالَبَ اللجنةَ بإقرار حقوق الملاحدة فِي الدستور المصري
الجديد، وذهب بعضهم للاجتماع برئيس تلك اللجنة من أجل أن يُبَيِّنَ له ما هم عليه،
ومن أجل أن يعرضَ عليه وعلى اللجنة تبعًا مَطَالِبَ الملاحدةِ فِي مصر!!
ولا شك أن الَّذِي يظهر من هذا إنما هو قمة جبل الثلج، وجبلُ الثلج -كما هو
معلوم- لا يَظْهَرُ منه إلا قِمَّتُهُ، وهي بالنسبة إِلَى قاعدة جبل الجليد الَّذِي
يكون مَطْمُورًا أو مَغْمُورًا تحت سطح الماء؛ هذه القمةُ لا شيءَ بالنسبةِ لِبَقِيَّةِ
جبلِ الجليدِ.
فالذي يظهر الآن إنما هو قمة جبل الجليد فِي هذا الْإِلْحَاد المعاصر، وما خفي
كَانَ أعظم، والله المستعان وعليه التكلان.
وصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ
أَجْمَعِينَ.