تفريغ مقطع : ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن
ضربَ اللهُ ربُّ
العالمين لنا الأمثال بأطهرِ القلوبِ على الأرضِ بعد الأنبياءِ والمرسلين.
*فقال
ربُّنا -جلَّت قدرتُهُ- في كتابهِ العظيم: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ
مِن وَرَاءِ حِجَابٍ ۚ
ذَٰلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} [الأحزاب: 53].
والضمير
هاهنا: يعود إلى
الأصحابِ –أصحابِ النبيِّ الكريم –صلى اللهُ عليه
وسلم- وإلى أُمهاتِ المؤمنين، وإذا سألتم يا أصحابَ مُحمد، {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ} أي: سألتم أمهاتِ المؤمنين {مَتَاعًا} فيما يكونُ مِن أواني الدنيا التي تُستعملُ في
حاجاتِها.
{وَإِذَا
سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ}: مِن غيرِ رؤية، وإنما هو سؤالٌ هكذا على صَوتٍ يُسمع وإجابةٍ تأتي بلا
مزيد، {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ} يا أصحابَ
مُحمد؛ إذا سألتم أمهات المؤمنين؛ إذا سألتم أزواجَ مُحمدٍ الأمين –صلى الله
عليه وسلم- و-رضي الله عنهن-، {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا}:
وهو الشيءُ من أواني الدنيا وما يُستعملُ فيها، {فَاسْأَلُوهُنَّ
مِن وَرَاءِ حِجَابٍ}، ثم أتى التعليل {ذَٰلِكُمْ}:
يعني ذالكم السؤال ُعلى ذلك النحو المذكور؛ بالسؤالِ صوتًا من غيرِ رؤيةٍ ولا
دخول، {أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ} يا أصحابَ مُحمد، {وَقُلُوبِهِنَّ} يا أزواجَ النبيِّ الأمين.
فهذه أطهرُ
القلوبِ طُرًّا؛ ومع ذلك أمرَ اللهُ ربُّ العالمين عند السؤالِ بهذا الاحترازِ المتين؛
لأنهن قدوة وأسوة لسائرِ النساء، وكذلك أصحابُ النبيِّ –صلى الله
عليه وسلم- قدوةٌ وأسوةٌ لسائرِ الرجال من أمةِ مُحمدٍ –صلى الله
عليه وعلى آله وسلم-.
فإذا كان الله
ربُّ العالمين قد أمرَ بهذا أصحابَ النبيِّ –صلى الله
عليه وسلم- وأُمهاتِ المؤمنين، فكيف بالرجالِ في الأمةِ بعد الأصحاب؟
وكيف بالنساءِ في
الأمةِ بعد أمهاتِ المؤمنين؟
وعقلُ الواحدِ
مِن المتأخرينَ وإيمانُه وثباتُهُ ويقينُهُ بالنسبةِ إلى أصحاب النبي الأمين –صلى الله
عليه وسلم-، وعقلُ الواحدةِ من النسوةِ من المتأخراتِ والمُتقدَّماتِ بالنسبةِ إلى
عقلِ أمهاتِ المؤمنين وإيمانِ أمهاتِ المؤمنين وثباتِ أمهاتِ المؤمنين؛ كتَفلةٍ في
بحر، كحبَّةِ رملٍ في فلاة، ومع ذلك يقول الله: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ
مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ ۚ ذَٰلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} [الأحزاب: 53].
فهذا هذا، فكيف
يكونُ الجوابُ حتى لو كان مِن أمهات المؤمنين –رضي الله
عنهن-؟
يقولُ
ربُّنا –جلَّت قدرته- في حقهنَّ –رضي الله عنهن-: {يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاءِ ۚ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي
فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَّعْرُوفًا} [الأحزاب: 32].
فأخبر اللهُ ربُّ
العالمين نساءَ النبي الأمين –صلى الله عليه
وسلم- أنهنَّ لسنَ كأحدٍ من النساء إنْ اتقينَ اللهَ –تبارك
وتعالى-، فمَقامُهنَّ لا يُمكنُ أنْ يُسامى فضلًا عن أنْ يُسامتَ، فضلًا عن أن
يلحقَ بهن أحدٌ من نساءِ الأمة، فهو مقامٌ عالٍ جدًا لا يرتقي إليه واحدةٌ من
نساءِ الأمةِ بعد أمهاتِ المؤمنين –رضي الله عنهن-.
{فَلَا
تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ}: باللينِ
فيه وترقيقِ النَّبْرةِ، فنهى اللهُ ربُّ العالمين عن الخضوعِ بالقول؛ فيطمع الذي
في قلبهِ مرض، كيف يعرفُ الرجلُ أنَّ في قلبهِ مرضًا؟
فإنْ وجدَ عند
سماعِ النَّغْمةِ التي تلينُ به المرأة وتُرَقِّقَها شيئًا من الشهوةِ الخفيَّةِ يتحركُ
في قلبِهِ؛ ففي قلبِهِ مرض، فالفرارَ الفرار، وإلا تورط تَورُّطًا.
التعليقات
مقاطع قد تعجبك