تفريغ مقطع : يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور
إنَّ النبيَّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قد بَلَّغَنَا فيما أَمَرَهُ
ربُّهُ أنْ يَبَلَّغَنَا إياه من كلامِ ربِّنا العظيم: {قُلْ
لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى
لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ*وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ
مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ}
[النور: 30-31].
وتأمل في هذا النَّظْمِ القرآني البديع، الذي لا أفصحَ منه ولا أبلغَ منه
هو كلامُ رب العالمين
{قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ
يَغُضُّوا من أَبْصَارِهِمْ}، ثم{وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ }،
ولم يقل: (وَيَحْفَظُوا من فُرُوجَهُمْ)، ولم يقل في الأولى: (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ
يَغُضُّوا أَبْصَارِهِمْ) قولًا واحدًا؛ لأن ذلك غير مُستطاع، ولأنَّ المرءَ إذا
أتى بذلك تحقيقًا؛ فعليه أنْ يُغْمَضَ عينيه، وأنْ يسيرَ في الحياةِ يحتاج إلى
قائدٍ يتوكأ عليه، ولذلك قال ربُّنا -جلَّت قدرته-: {قُلْ
لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا من أَبْصَارِهِمْ}، يعني: إذا أتت نظرةُ الفجأة
فاصرف بصرك -ولكنها جاءت-: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا
من أَبْصَارِهِمْ}، وهذا واجبٌ وفرض.
{وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ }، قولًا واحدًا؛ فهذا ليس فيه شيءٌ من تبعيض،
ولا شيءٌ من شيء، وإنما هو كلٌّ يٌؤتى به كلًّا من غيرِ تفريط.
{وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ}، ثم {إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ
بِمَا يَصْنَعُونَ}، يعلمُ خائنةَ الأعينِ وما تُخفي الصدور.
أخرجَ أبو حاتم عن ابنِ عبَّاسِ –رضي الله تبارك وتعالى عنهما- في قوله تعالى: {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ}: ((يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ، قال: هُوَ الرَّجُلُ يَدْخُلُ
الْبَيْتَ فِيهِ الْمَرْأَةُ الْحَسْنَاءُ تكونُ أَوْ تَمُرُّ، فينظرُ إليها خِلْسَة،
فإذا نظرَ إليه مَن كان حاضرًا؛ غَضَّ بصرَهُ، فإذا غفلوا عنه؛ نظرَ إليها، وودَّ
واللهِ لَوِ اطَّلَعَ عَلَى فَرْجِهَا وَزَنَى بها)). كلامه
{يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ}: أي ما انطوت عليه الصدور من شهوةٍ خَفيَّةٍ،
تريدُ لو تُحقِّقها بشِقِّ النَّفْسِ، وأنْ تقعَ عليها.
{يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ
إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ}: خبيرٌ مُطَّلِعٌ على قلوبِكم، هو بصيرُ بكم، سميعٌ لنجواكم
وما أسررتم، وما انطوت عليه هواجسُ ضمائرِكم، {إِنَّ اللَّهَ
خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ}.
وأَمَرَ المؤمناتِ بذلك؛ أنْ يغضضنَ من أبصارِهنَّ، وأنْ يحفظنَ فروجهنَّ؛
بل ذَكَرَ النبيُّ الكريم –صلى الله عليه وعلى آله وسلم- أنَّ المرأةَ إذا استعطرت –أي، مسَّت عِطرًا- وخَرَجَت، فكلُّ عينٍ تنظرُ
إليه زانية؛ والمرأةُ إذا مَسَّت طِيبًا فلا يَحِلُّ لها أنْ تذهبَ إلى المسجدِ؛
بل هي مأمورةٌ بمغادرةِ المسجدِ كأنها قد أَحْدَثَت؛ لأنها أحدثت بل أحدثت؛ يقول
النبيُّ –صلى الله عليه وسلم-: ((فَهِيَ
زَانِيَةٌ، وكُلُّ عَيْنٍ تنظر إليها زَانِيَةٌ))،
((الْعَيْنَانِ تَزْنِيَانِ وَزِنَاهُمَا النَّظَرُ، وَالْأُذُنَانِ
تَزْنِيَانِ وَزِنَاهُمَا الاسْتِماعُ، وَاللِّسَانُ يَزْنِي وَزِنَاهُ الْكَلامُ،
وَالْيَدُ تَزْنِي وَزِنَاهَا الْبَطْشُ، وَالرِّجْلُ تَزْنِي وَزِنَاهَا الْمَشْيُ،
وَالْقَلْبُ يَتَمَنَّى وَيتشَهَّى، وَالْفَرْجُ يُصَدِّقُ ذَلِكَ، أَوْ يُكَذِّبُهُ))، فجعله زنا كما ترى، فَفِرَّ منه فِراركَ من
الأسد وإلا تورطتَ تورطًا، وكذلك قال الشاعر الحكيم:
نظرةٌ فابتسامةٌ فَسَلامُ ... فكلامٌ فموعِدٌ فلقاءُ
انتهى البيت!! لأنَّ الوزنَ لا يحتملُ أكثرَ من ذلك، والقافيةُ إنما أتت
باللقاءِ هكذا، وبعد اللقاءِ أَطْلِق العنانَ للخيالِ يسرحُ في مهاوي الرزيلة
كيفما شاء.
نظرةٌ فابتسامةٌ فَسَلامُ ... فكلامٌ فموعِدٌ فلقاءُ
وماذا بعدُ؟!! ليس بعدُ إلا الخَنَا، وإلا الفُحْش.
دينُ الطهارة، دينُ العِفَّة؛ وأما هذا الذي يحدثُ بين المسلمين، فهو والله
مُعَجِّلٌ بالسقوطِ في الهاويةِ.
التعليقات
مقاطع قد تعجبك