الزَّواج مِن أَعظَمِ
نِعَمِ اللهِ –تَبارَك وَتعَالَى-
علَى العَبدِ, وَإِذَا حَصَّلَ المَرءُ فِي بَيتِهِ امرَأةً صَالِحَةً, مُؤمِنةً, تَقِيَّةً,
نَقِيَّةً, هُذِّبَت, وَنُقِّيَت, وَرُبِّيَت علَى المَبادِئ وَالأَخلَاقِ وَالأُسُسِ
الإِسلامِيَّة, تُحَافِظُ علَى عِرضِها, وَتُحافِظُ علَى كَرامَتِها, وَتُحافِظُ علَى
دِينِهَا, إِذَا اقتَنَى مِثل هَذِهِ الجَوهَرةَ فِي بَيتهِ فَهَذا غَايةُ المُنَى.
إِذَا استَطَاعَ
الإِنسَانُ أَنْ يَحرِصَ علَى مَا يَتعَلَّقُ بالدِّينِ وَحْدَه, وَإِنْ كَانَت المَرأَةُ
شَوْهَاءَ, عَرجَاءَ, شَلَّاءَ, فَإِنَّ هَذا مَا يُحبُّهُ اللهُ –تَبَارَك وَتعَالَى-
لَهُ.
فَكَيفَ إِذَا
اجتَمَعَ فِي المَرأَةِ الخِصالُ التِي تُنْكَحُ المَرأَةُ لِأجلِهَا شَرفًا وَمَالًا
وَحَسَبًا وَدِيَانَةً وَخُلُقًا؟
كَيفَ إِذَا كَانَ
ذَلِكَ كَذَلِك؟ فَهَذا غَايةُ المُنَى.
فَعَلى الإِنسَانِ
أَنْ يَجتَهِدَ فِي أَنْ يَشكُرَ نِعمَةَ اللهِ -تبَارَك وَتعَالَى- عَلَيهِ, إِذَا
أَنعَمَ اللهُ –عزَّ وَجَلَّ-
علَى العَبدِ بالزَّواجِ, فَيَنبَغِي عَلَيهِ أَنْ يَعلَمَ نِعمَةَ اللهِ عَلَيهِ؛
لِأنَّ الزَّواجَ لَيسَ قَضاءًا لِلشَّهوةِ وَحْدَهَا, وَإِنَّمَا هُوَ لِأغراضٍ سِوَى
ذَلِك هِيَ أَكبَرُ مِنهَا.
الإِنسَانُ يُحَصِّلُ
بذَلِك العِفَّةَ وَالعَفَافَ لِنَفسِهِ وَمَنْ تَحْتَهُ مِن بَنَاتِ المُسلِمِين,
وَأَيضًا يَبتَغِي الوَلَدَ الصَّالِح, يَكُونُ قُرَّةَ عَينٍ لَهُ فِي هَذِه الحَياة,
وَزُخْرًا لَه بَعدَ المَمَات, ثمَّ يَكُونُ لَهُ يَومَ القِيَامَةِ رَفْعًا فِي الدَّرَجَاتِ؛
لِأنَّ الإنَسانَ يَتحَصَّلُ علَى ثَوابِ وَلَدِهِ مِنْ غَيرِ أَنْ يَنقُصَ مِن ثَوابِ
الوَلَدِ شَيء, لِأنَّ الوَلَدَ مِنْ كَسْبِ أَبِيهِ.
الوَلدُ مِن كَسبِ
أَبِيهِ, فَمَهْمَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِك, فَإِذَا رَبَّاهُ فأَحْسَنَ تَربِيَتَهُ,
كَانَ امتِدَادًا لَهُ فِي الحَيَاةِ بَعدَ أَنْ يُفَارِقَ الحَيَاة.
تَحصِيلُ الذُّرِّيَةِ
الصَّالِحةِ المُؤمِنةِ المُوَحِّدَة, يَقُومُ عَلَيهَا بِأمْرِ اللهِ -جَلَّ وَعَلَا-
يَأمُرُهَا وَيَنْهَاهَا, وَيَدعوُ اللهَ -تَبَارَك وَتَعَالَى- لَه, وَيَصبُر عَلَيهِ
فِي مُجتَمَعٍ يَضطَّربُ بِالفِتَنِ اضطِرَابَ البَحرِ بأَمْوَاجِهِ؛ لِأنَّهُ لَيسَ
شَرطًا أَنْ يَكُونَ المَرءُ صَالحًا وَأَنْ يَكُونَ وَلَدُهُ صَالحًا, فنُوحٌ -وَهُوَ
مِنْ أُولِي العَزمِ مِنَ الرُّسُل, وَهُوَ أَوَّلُ رَسُولٍ إِلَى أَهلِ الأَرض- كَانَ
وَلَدُهُ كَافِرًا, ودَعَاهُ نُوحٌ إِلَى الدُّخولِ فِي الدِّينِ, وَإِلَى اللِّيَاذِ
بِاللهِ رَبِّ العَالمِين؛ فَأَبَى إِلَّا أَنْ يَعتَصِمَ بالجَبَلِ فَأَغْرَقَهُ اللهُ
-تَبَارَك وَتعَالَى- وَأَغرَقَ الجَبَلَ مَعَهُ.
فَاللهُ رَبُّ
العَالمِينَ لَمْ يَجعَل ذَلِكَ ضَربَةَ لَازِم, وَلَكِن لَا بُدَّ مِنَ النِّيَةِ
الصَّالِحَة, وَاللهُ –عَزَّ وَجَلَّ-
يُعطِي العَبدَ عَلَى قَدْرِ نِيَّتِهِ, فَإِذَا استَقَامَت نِيَّتُهُ مَعَ اللهِ رَبِّ
العَالمِين؛ فنِيَّتُهُ خَيرٌ مِن عَمَلِه؛ لِأَنَّ الإِنسَانَ رُبَّمَا نَوَى النِّيَّةَ
الصَّالحَةَ وَعَجَزَ عَن العَمَل, فَيَكُونُ لَهُ ثَوابُ العَامِلِ بالعَمَلِ نَفسِهِ
مِن غَيرِ أَنْ يَعمَلَه, يَذهَبُ بِالثَّوابِ بِالنِّيَّةِ الصَّالحَة.
بل نِيَّةُ المَرءِ
خَيرٌ مِن عَمَلِه مِنْ وَجهٍ آخَر؛ لِأنَّهُ إِذَا نَوَى ذَلِك وَلَم يُحَصِّلهُ عَجْزًا
عَنهُ مَع تَمَامِ تَوَفُّر النِّيَّةِ فِي التَّوَجُّهِ إِلَيه, فَإِنَّهُ لَا يُدَاخِلُهُ
عُجْبٌ, فَإِنَّهُ لَا يُعجَبُ بِالعَمَلِ, وَلَا يَتَكبَّرُ علَى خَلقِ اللهِ رَبِّ
العَالمِين, وَذَلِكَ مُحبِطٌ لِلعَمَلِ, وَلِأَنَّ اللهَ –تَبَارَك وَتعَالَى-
لَا يُدْخِل الجَنَّة مَنْ كَانَ فِي قَلبِهِ مِثقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ...
الصَّحَابَةُ –رَضِيَ اللهُ عَنهُم-
قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ؛ إِنَّ أَحَدَنَا يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ ثَوْبُهُ حَسَنًا
وَنَعلُهُ حَسَنًا.
ظَنُّوا أَنَّ
ذَلِكَ مِنَ الكِبْرِ, أَنْ يَكُونَ الإِنسَانُ نَظِيفًا فِي بَدَنِه وَثَوبِهِ, مُراعِيًا
لحَالَتِهِ فِي ظَاهِرهِ مِنْ غَيرِ إِسرَافٍ وَلَا مَخِيلَةٍ, ظَنُّوا ذَلِكَ كِبْرًا...
فَقَالَ: ((إِنَّ
اللهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الجَمَال, الكِبْرُ بَطَرُ الحقِّ...))
يَأتِيكَ صَاحِبُ
الحَقِّ بِحَقِّهِ فَتَرُدَّهُ!! هَذَا كِبْرٌ فِي قَلبِك, اتَّقِ اللهَ فِي نَفسِك.
((لَا يَدخُلُ الجَنَّة
مَنْ كَانَ فِي قَلبِهِ مِثقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ, الكِبْرُ بَطَرُ الحَقِّ وَغَمْطُ
النَّاس))
إِزْدِرَاؤهُم,
وَالنَّظَرُ إِلَيهِم بمُؤَخَّرِ العَينِ كَأَنَّهُم مِنَ الذُّبَابِ, أَوْ كَأَنَّهُم
مِنَ الهَبَاءِ, أَوْ كَأَنَّهُم لَا شَيءٍ!!
مَنْ كَانَ فِي
قَلبِهِ مِنْ هَذِهِ الخِصَالِ شَيء؛ فَفِي قَلبِهِ كِبْر, وَمَنْ كَانَ فِي قَلبِهِ
ذَرَّةٌ مِنْ كِبْر؛ لَمْ يُدْخِلْهُ اللهُ –تَبَارَك وَتعَالَى- الجَنَّة.
فَالإِنسَانُ يَنبَغِي
عَلَيهِ أَنْ يُخَلِّصَ نِيَّتَهُ حَتَّى تَكُونَ للهِ وَحدَه.
أَمرُ الزَّواج
مِنَ الأُمورِ العَظِيمَة التِي ضُبِطَت بِالشَّرِيعَةِ الإِسلَامِيَّة, فِي بَدْئِهَا
إِلَى انتِهَائهَا حَتَّى يُفَارِقَ الإِنسَانُ الحَياة, كُلُّ ذَلِكَ مَحكُومٌ بدِينِ
اللهِ رَبِّ العَالمِين.
فَيَنبَغِي عَلَى
العَبدِ أَنْ يَتَعَلَّمَ دِينَ اللهِ, وَأَلَّا يُقْدِمَ علَى أَمرٍ مِنَ الأُمورِ
حَتَّى يُحِيطَ بِهِ عِلْمًا, لِأَنَّ الإِنسَانَ رُبَّما تَوَرَّطَ فِي أَمرٍ غَيرِ
مَشرُوع, فَيُصِيبُهُ بذلكَ الذِي تَوَرَّطَ فِيهِ مِنَ الأَلَمِ وَالعَذَابِ دُنْيَا
وَآخِرَة مَا هُوَ فِي غِنًى عَنهُ لَوْ أَنَّهُ تَعَلَّم, وَلِأَنَّ الجَاهِلَ مَلعُون.
النَّبِيُّ –صَلَّى اللهُ عَلَيهِ
وُسَلَّمَ- يَقُولُ: ((الدُّنيَا مَلعُونَة, مَلعُونٌ مَا فِيهَا إِلَّا ذِكرَ اللهِ
وَمَا وَالَاهُ, وَعَالِمًا وَمُتعَلِّمًا)).
ذِكرُ اللهِ ومَا
وَالَاه مُسْتَثنًى مِنَ اللَّعنَةِ, وَكَذَلِكَ العَالِم وَالمُتَعَلِّم, الجَاهِلُ
لَا هُوَ عَالِمٌ وَلَا هُوَ مُتعَلِّمٌ, الجَاهِلُ جَاهِل.
إِذَنْ لَمْ يَستَثْنِهِ
النَّبِيُّ –صَلَّى اللهُ عَلَيهِ
وَسَلَّمَ- مِنَ اللَّعنَةِ, الجَاهِلُ مَلعُونٌ بِنَصِّ حَدِيثِ رَسُولِ اللهِ –صَلَّى اللهُ عَلَيهِ
وَآلِهِ وَسَلَّمَ- ((الدُّنيَا مَلعُونَة, مَلعُونٌ مَا فِيهَا إِلَّا ذِكرَ اللهِ
وَمَا وَالَاهُ, وَعَالِمًا وَمُتعَلِّمًا)).
لَيسَ مَعْنَى
ذَلِكَ أَنْ تَكُونَ عَالِمًا بفُروعِ الشَّرِيعَة, أَنْ تَكُونَ مُفتِيًا, لَيْسَ
مَعنَى ذَلِكَ أَنْ تَكُونَ خَطِيبًا أَوْ إِمامًا, وَلَكِن تَعْلَمُ العِلْمَ المَفرُوضَ
عَلَيكَ فَرضَ عَين.
كَيْفَ تُصلِّي؟
كَيفَ تَغتَسِل؟
كَيفَ تَتَوَضَّأ؟
كَيفَ تَتَيَمَّم؟
كَيفَ تُزَكِّي؟
كَيفَ تَصُوم؟
كَيفَ تَحُج؟ كَيفَ
تُعامِلُ بِالدِّرهَمِ وَالدِّينَار؟
كَيفَ تُعامِلُ
أَصحَابَ الحُقوقِ عَلَيك مِنَ الأَبَوَينِ وَالأَهلِ وَالأَولَادِ وَالجِيرانِ وَالأَرحَام
إِلَى غَيرِ ذَلِك مِن أَصنَافِ هَذِهِ المَخلُوقَات؟ حَتَّى مَا يتَعَلَّق بِالحيَوانَاتِ
وَالعَجْمَاوَات.
فَنَسأَلُ اللهَ رَبَّ
العَالمِينَ أَنْ يَجعَلَ هَذَا الزَّواجَ زَوَاجًا مُبَاركًا, إِنَّهُ تَعَالَى عَلَى
كُلِّ شَيءٍ قَدِير, وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ علَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعلَى آلِهِ
وَأصحَابِهِ أَجمَعِين