تفريغ مقطع : جانب من حياء الرسول صلى الله عليه وسلم
ففي حديثِ عائشة
عند مسلمٍ –رضي الله تبارك وتعالى عنها- و-رحمه الله- أنَّ النبي –صلى الله
عليه وعلى آله وسلم- لمَّا دخل عليها في ليلتها؛ فكان على فراشهِ، ثم قام؛ فخرجَ
رُويدًا، ثم أجافَ البابَ ثم مضى، فمضت خلفَه -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-، فذهب
إلى البقيعِ –بقيعِ الغرقدِ-، فدعا اللهَ ربَّ العالمين طويلًا يستغفرُ لأهلِ البقيع،
ثم عاد، فعادت قبلَه.
ثم كان ما كان من
القصةِ التي حَكَتْها –رضي الله تبارك
وتعالى عنها-، ثم أخبرها النبيُّ –صلى الله عليه
وعلى آله وسلم- حقيقةَ الخبر.
فكان مما قال –صلى الله
عليه وعلى آله وسلم-: ((إنَّ جبريلَ قد جاءني
فناداني فأخفيتُه منكِ، فأجبتُهُ فأخفيتُه عنكِ، وما كان ليدخلَ عليكِ وقد وضعتِ
عنكِ ثيابكِ)).
فأخبر النبيُّ –صلى الله
عليه وعلى آله وسلم- أنَّ الملائكةَ تستحيي هذا الحياءَ العظيم، وأنَّ جبريلَ وهو
مُقَدَّمُ الملائكةِ ما كان ليدخلَ على النبي –صلى الله
عليه وسلم- وعائشةُ في فراشِها قد وَضَعَت عنها ثيابَها؛ فاستحيا، فنادى النبيَّ –صلى الله
عليه وعلى آله وسلم- نداءً خَفيًّا، فأجابه النبيُّ –صلى الله
عليه وسلم- بمِثْلِ ما ناداهُ به إجابةً خَفيَّة، وكلُّ ذلك لأنَّ النبيَّ –صلى الله
عليه وسلم- كان قد ظنَّ أنها قد نامت، وخشيَ –صلى
اللهُ عليه وسلم- أنْ تستيقظَ فتستوحشَ إذ يخرجُ عنها –صلى الله
عليه وسلم- و-رضي الله عنها-.
فاستحيا جبريلُ
وما كان ليدخلَ عليها وقد وضعت عنها ثيابَها، فالملائكةُ يستحيونَ هذا الحياءَ
العظيم.
والنبيُّ –صلى الله
عليه وعلى آله وسلم- في وصفه في خُلُقِ الحياءِ الذي كان عنده: ((أنه كان أحيَا من العذراءِ في خِدرِها –صلى الله عليه وعلى آله وسلم-)).
ومن ذلك ما روته
عائشةُ أيضًا وهو عند مسلمٍ –رحمهُ الله-:
أنَّ امرأةً جاءت تسألُ النبيَّ –صلى الله عليه
وسلم- كيف تَتطهرُ من حَيْضِها؟.
فأخبرها النبيُّ –صلى الله عليه وسلم- عن كيفيةِ طُهرِها، ثم قال: ((خذي فِرسةً مُمسَّكَةً فتتطهري بها))، أي: خذي
قطعةً من القُرصفِ –من القطن أو من القماشِ- فاجعلي عليها شيئًا من المِسكِ أو مِن الطِّيبِ
ثم تَطَّهري بها.
فقالت: يا رسول الله كيف أتطهرُ بها؟
قال
سفيانُ: فوضعَ يدَهُ على وجههِ –صلى الله عليه وسلم- حياءً، وقال: ((سبحان الله، تطَّهري بها)).
قالت
عائشةُ –رضي الله عنها-: فَعَرفْتُ مرادَه، فأخذتُ بيدها، فقلت لها: تَتَّبعي بها
أثرَ الدَّم.
فاستحيا النبيُّ –صلى الله
عليه وعلى آله وسلم- هذا الحياءَ العظيم، وقد سألتْهُ المرأة: كيف أتطهرُ بها يا
رسول الله؟
قالت
عائشة: تتبعي بها أثرَ الدمِ.
النبيُّ –صلى الله
عليه وعلى آله وسلم- كان بهذا الوصف، وأمهات المؤمنين كُنَّ أيضًا على هذا
الخُلُقِ العظيم، فهذه عائشةُ، وفي روايةٍ أنها أيضًا وقعت لأمِّ سَلَمَةَ –رضي الله
عنهما وعن أمهات المؤمنين-.
وذلك أنَّ أمَّ
سُليمٍ جاءت إلى النبيِّ –صلى الله عليه
وعلى آله وسلم-، فقالت: يا رسول الله، هل على المرأةِ
غُسْلٌ إذا هي احتلمت؟
قال: ((نعم، إذا رأت الماءَ)).
فغطَّت
أمُّ سَلَمَة وجههَا وقالت: يا رسول الله، وهل تحتلمُ المرأة؟
فقال النبيُّ –صلى الله
عليه وسلم-: ((تَرِبَت يَمينُكِ، ففيما يُشبهُها وَلَدُها
إذن؟!))
فاستحيت؛ فوضعت
يديها على وجهِها حياءً، ثم قالت: يا رسول الله،
أوتحتلمُ المرأة؟
فأخبرها –صلى
اللهُ عليه وعلى آله وسلم-.
فالملائكةُ على
هذا الخُلُقِ العظيم، والنبيُّ الكريم، وأمهات المؤمنين، وكذلك كان الصالحون مِن
هذه الأمة وما يزالون على هذا الخُلُقِ العظيم.
التعليقات
مقاطع قد تعجبك