تفريغ مقطع : إنه إمام أهل السنة يا خوارج العصر
نَظَرْنَا إلى حالِ الإمَامِ أحْمَد لَمَّا أَتَى إليه فُقَهَاءُ
بَغْدَاد يُؤامِرُونَهُ عَلَى الخروجِ عَلَى الوَاثِقِ -وَكَانَ يَأتي بِأَعْمَالٍ
كُفْريَّةٍ، يَقْتُلُ العُلَمَاءَ الذينَ يقولونَ: القُرْآنُ كلامُ اللهِ، ورؤيةُ اللهِ
في الآخِرَةِ ثَابِتَةٌ، كانَ يَقْتُلْهُم بِيَدِهِ، كَمَا فَعَلَ مَعَ أَحْمَد بن
نَصْر-، وَيُسْجَنُ مَن يُسْجَنُ حَتَّى يَمُوتَ في سِجْنِهِ كالبُويْطيِّ الإمام -رَحِمَهُ
اللهُ-، وكأبي نُعَيْم -رَحِمَهُ اللهُ-، والإمامُ أَحْمَد مُحَدَّدَةٌ إِقَامَتُهُ،
مَمْنُوعٌ مِن التَّحدِيثِ والتَّعْلِيمِ، وَلَا يَرْقَى مِنْبَرًا وَلَا يَجْلِسُ
في مَسْجِدٍ لتَعْلِيمٍ وَلا في مَكْتَبٍ لتَعليمِ القُرآنِ المَجيدِ أَحَدٌ إِلَّا
مَن قَالَ: القُرآنُ مَخْلُوق وَقَالَ بِقَوْلِ الجَهْمِ بن صَفْوَان!!
هذا ضلالٌ مُبينٌ، يَحْمِلُ الأُمَّةَ عليه بِحَدِّ السَّيْفِ
وَوَقْعِ السَّوْطِ، أَعْظَمُ مَا يَكُونُ الدُّعَاءُ إلى البِدْعَةِ.
فَجَاءَ الفُقَهَاءُ إلى الإمَامِ يُؤامِرُونَهُ في الخروجِ
عَلَى الوَاثِقِ وَقَد أَصَابَ الإمامَ -رَحْمَةُ اللهِ عليْه- مِن الأَذَى مَا أَصَابَهُ،
ضُرِبَ ضَرْبًا؛ قَالَ الطَّبيبُ المُعَالِجُ: رَأيْتُ مَنْ ضُرِبَ أَلْفَ سَوْطٍ فَلَم
أَر أَحَدًا ضُرِبَ كَهَذَا الضَّرْبِ،
وَأُغْشِيَ عَليْهِ، طُرِحَت عليْهِ بَارِيَّةٌ، ثُمَّ دِيسَ
بِالأَقْدَامِ مِن الجُنودِ ذِهَابًا وإيَابًا، وَحُمِلَ إلى سِجْنِهِ وهو صَائِمٌ،
وَأُوذِيَ بَعْدَ ذَلِكَ مَا أُوذِيَ.
وَكانَ المَأمونُ عِنْدَمَا أَرْسَلَ إلى وَالِيهِ عَلَى
بَغْدَاد يَأْمُرُهُ أنْ يُسَيِّرَ إليْهِ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَل -كَمَا في تَارِيخِ
الطَّبريِّ-؛ أَرْسِل إليَّ ذَلِكَ الجَاهِل أَحْمَد بن حَنْبَل.
أُوذِيَ...وَلَم يَنْتَصِر لِنَفْسِهِ، لَم يَقُل لي ثَارٌ
عِنْدَ الدَّوْلَةِ؛ حَبَسَتْنِي وَضَرَبَتْنِي وَمَنَعَتْنِي مِن التَّعليمِ ومِن
التَّحديثِ وَشَوَّهَت صُورَتِي، لَم يَفْعَل؛ لأَنَّهُ كانَ سَويَّ النَّفْسِ، أَمَّا
المُشَوَّهُونَ بَاطِنًا فَهؤلاء قَوْم لا يُلْتَفَت إليْهم... هؤلاء كالذُّبَابِ...
يُصَفُّونَ حِسَابَات!!
أمَّا أَحْمَد؛ فَقَالَ للفُقَهَاءِ: ((لا؛ اتَّقُوا اللهَ، إِنَّهَا الفِتْنَةُ)).
قالوا: ((يَا أَبا عَبْد الله وَأَيُّ فِتْنَةٍ هي أَكْبَرُ مِمَّا نَحْنُ فِيه؟
قال:
((الفِتْنَةُ العَامَّةُ، تُقْطَعُ السُّبُلُ، تُهْدَّمُ الدُّورُ، تُنْتَهَكُ الأَعْرَاضُ،
تُسْلَبُ الأَمْوَالُ، تُغَلَّقُ المَسَاجِدُ، يَضِيعُ الدِّينُ، هي الفِتْنَةُ العَامَّةُ))
فَمَا زَالَ يَقُولُ لَهُم: ((اتَّقُوا اللهَ وَاصْبِرُوا يَسْلَم لَكُم دِينُكُم، الصَّبْرُ
عَلَى هَذَا وَيَسْلَمُ لَكَ دِينُكَ خَيْرٌ مِن هَذَا الذي تُرِيد)).
مَا زَالَ بِهِم حَتَّى تَبِعُوا رَأْيَهُ، وَلَم يَلْبَث
الوَاثِقُ إلَّا يَسيرًا حَتَّى مَاتَ، وَجَاءَ اللهُ بِالمُتَوَكِلِ -رَحِمَهُ اللهُ-؛
فَنَصَرَ السُّنَّةَ وَرَفَعَ المِحْنَةَ، وَانْقَمَعَ الجَهميَّةُ والمُعتزلةُ والمُبْتَدِعَةُ
فَدَخَلُوا أَقْمَاعَ السِّمْسمِ، وَأَعَزَّ اللهُ دِينَهُ.
كُنَّا نَقُولُ للنَّاسِ: اتَّقُوا اللهَ، لا تُدْخِلُوا الأُمَّةَ في الفَوْضَى،
لا تُحَرِّكُوا القَاعِدَةَ الشَّعْبيَّةَ، فالنَّاسُ يُعَانُونَ مِن الفَقْرِ والظُّلْمِ
وَالحَاجَةِ، فَلَا تَضَعُوهُم على المِحَكِّ بِقَوْلِكِم: هذا مِن الدِّينِ؛ يَأمُرُ
به الكِتَابُ وَتَأمُرُ به السُّنَّةُ، وَهو فِعْلُ الأَئِمَّةِ!! (وَكَذَبُوا عَلَى
اللهِ وَرَسُولِهِ).
كُنَّا نَقُولُ: لا تُحَرِّكُوا القَاعِدَةَ الشَّعبيةَ وَلَا تُقَلْقلُوهَا،
فَإنَّ العَوامَ إذا خَرَجُوا لا يُمْكِنُ أنْ يَنْقَمِعُوا، اتَّقُوا اللهَ لا تُضَيِّعُوا
الدِّينَ، لا تُضَيِّعُوا الأرْضَ.
واليوم؛ كلٌّ يَطْمَعُ في جُزْءٍ مِنْهَا لِتَكُونَ له دِينًا
وصِرَاطًا غيرَ مُسْتَقِيم،
لَمَّا كُنَّا نقولُ لَهُم ذلك؛ كانوا يقولون: يُدَافِعُ
عَن الظُّلْمِ، يُدَافِعُ عَن الفَسَادِ!!
وَحَاشَا للهِ؛ وَيَعْلَمُ اللهُ الذي رَفَعَ السَّمَاءَ
بِلَا عَمَدٍ مَا بِنَا مِن دِفَاعٍ عَن ظُلْمٍ مَهْمَا صَغُرَ وَلَا عَن فَسَادٍ مَهْمَا
دَقَّ، وَإِنَّمَا هي حَرْبُ الظُّلْمِ وَحَرْبُ الفَسَادِ بِمِنْهَاجِ النُّبوَّةِ
-بِمَنْهَجِ الأنبياء، بِمَنْهَجِ السَّلَفِ، بِقَالَ اللهُ قَالَ رسولُهُ قَالَ الصَّحَابَةُ-،
لا بِالأَهْوَاءِ وَلا بِرِدُودِ الأَفْعَالِ وَلا بتخليصِ الثَّارَات.
التعليقات
مقاطع قد تعجبك