((صَلَاةُ الْعِيدِ وَتَحْرِيرُ مَسْأَلَةِ أَدَائِهَا فِي الْبُيُوتِ))
لِلشَّيْخِ الدُّكْتُور: سُلَيْمَان الرِّحِيلِي -حَفِظَهُ اللهُ-.
خَطِيبُ مَسْجِدِ قُبَاء بِالْمَدِينَةِ النَّبَوِيَّةِ
أُسْتَاذُ كُرْسِيِّ الْفَتْوَى بِالْجَامِعَةِ الْإِسْلَامِيَّةِ
وَالْمُدَرِّسُ بِالْمَسْجِدِ النَّبَوِيِّ الشَّرِيفِ
وَمِمَّا شُرِعَ لَنَا -وَهُوَ مِنْ شُكْرِنَا لِرَبِّنَا عَلَى هَذِهِ النِّعْمَةِ الْعُظْمَى- صَلَاةُ الْعِيدِ، فَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يُعَظِّمُهَاـ وَيَحُثُّ عَلَى حُضُورِهَا حَضًّا شَدِيدًا.
تَقُولُ أُمُّ عَطِيَّةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا-: ((كُنَّا نُؤْمَرُ فَنَخْرُجُ لِلْعِيدِ؛ حَتَّى نُخْرِجَ الْبِكْرَ مِنْ خِدْرِهَا وَحَتَّى نُخْرِجَ الْحِيَّضَ فَيَكُنَّ خَلْفَ النَّاسِ يُكَبِّرْنَ بِتَكْبِيرِهِمْ، وَيَدْعُونَ بِدُعَائِهِمْ؛ رَجَاءَ بَرَكَةِ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَطُهْرَتِهِ)).
فَكَانَ النَّبِيُّ ﷺ يَأْمُرُ بِإِخْرَاجِ حَتَّى الْحُيَّضَ وَيَعْتَزِلْنَ الْمُصَلَّى؛ بَلْ لِعَظِيمِ الْبَرَكَةِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ النَّبِيُّ ﷺ عِنْدَمَا قَالَتْ لَهُ امْرَأَةٌ: ((يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّ إِحْدَانَا لَا يَكُونُ لَهَا جِلْبَابٌ)).
فَقَالَ ﷺ: ((لِتُلْبِسْهَا أُخْتُهَا مِنْ جِلْبَابِهَا))؛ يَعْنِي: مَا عِنْدَهَا غِطَاءٌ تَتَغَطَّى بِهِ، فَقَالَ ﷺ: ((لِتُلْبِسْهَا أُخْتُهَا مِنْ جِلْبَابِهَا))، وَتَخْرُجُ الْمَرْأَةُ بِجِلْبَابٍ وَاحِدٍ مِنْ تَأْكِيدِ حُضُورِ هَذِهِ الصَّلَاةِ.
طَيِّب.. هَذَا الْعَامُ فِيهِ حَظْرٌ؛ إِمَّا حَظْرٌ كُلِّيٌّ -كَمَا عِنْدَنَا نَحْنُ هُنَا-، وَإِمَّا حَظْرٌ لِلتَّجَمُّعَاتِ حَتَّى فِي الدُّوَلِ فِي كَثِيرٍ مِنْ دُوَلِ الْمُسْلِمِينَ الَّتِي فِيهَا يَعْنِي -مَثَلًا- مِنَ السَّاعَةِ الْخَامِسَةِ صَبَاحًا إِلَى الثَّامِنَةِ مَسَاءً، أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ سَمَاحٌ؛ فَإِنَّ التَّجَمُّعَاتِ مَحْظُورَةٌ؛ مَاذَا نَفْعَلُ بِصَلَاةِ الْعِيدِ؟!!
أَقُولُ: بَحَثْتُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ، وَقَرَأْتُ فِي كُتُبِ الْفُقَهَاءِ، وَرَاجَعْتُ كَلَامَ عُلَمَائِنَا قَدِيمًا وَحَدِيثًا، وَوَجَدْتُ أَنَّ جُمْهُورَ الْفُقَهَاءِ يَرَوْنَ: أَنَّ صَلَاةَ الْعِيدِ تُصَلَّى فِي الْبُيُوتِ لِمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يُصَلِّيَهَا فِي الْمُصَلَّى؛ سَوَاءٌ فَاتَتْهُ الصَّلَاةُ -ذَهَبَ إِلَيْهَا فَفَاتَتْهُ-، أَوْ مَنَعَهُ مِنْ ذَلِكَ مَانِعٌ؛ كَمَرَضٍ مَا اسْتَطَاعَ أَنْ يَخْرُجَ، أَوِ امْرَأَةٌ مَا وَجَدَتْ لِبَاسًا تَخْرُجُ بِهِ، أَوْ سَجِينٌ مَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَذْهَبَ.
نَصَّ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ: الْمَالِكِيَّةُ، وَالشَّافِعِيَّةُ، وَالْحَنَابِلَةُ عَلَى أَنَّهُمْ يُصَلُّونَ فِي بُيُوتِهِمْ، وَمَنْ يَقُولُ: إِنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ إِنَّمَا هِيَ لِمَنْ فَاتَتْهُ صَلَاةُ الْعِيدِ مَعَ الْإِمَامِ؛ فَإِنَّا نَقُولُ: إِنَّ كَلَامَ الْفُقَهَاءِ جِنْسٌ فِي صَلَاةِ الْعِيدِ فِي الْبُيُوتِ، فَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ صَلَاةَ الْعِيدِ تُصَلَّى فِي الْبُيُوتِ، وَأَنَّهُ لَا حَرَجَ فِي صَلَاتِهَا فِي الْبُيُوتِ؛ وَبِالتَّالِي مَنْ صَلَّاهَا فِي بَيْتِهِ فَقَدْ أَدَّاهَا، وَيُرْجَى أَنْ يَنَالَ بَرَكَتَهَا.
ثُمَّ إِنَّ آثَارَ بَعْضِ الصَّحَابَةِ.. نَصَّ جَمْعٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّهَا أَدَاءٌ، وَلَيْسَتْ قَضَاءً؛ كَأَثَرِ أَنَسٍ الَّذِي سَيَأْتِي -إِنْ شَاءَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ-.
وَاحْتَجَّ الْجُمْهُورُ بِأَنَّهَا صَلَاةٌ لَيْسَتْ مَفْرُوضَةً فَرْضَ عَيْنٍ، طَبْعًا الْحَنَابِلَةُ يَرَوْنَ أَنَّهَا مَفْرُوضَةٌ فَرْضَ كِفَايَةٍ، وَالْبَقِيَّةُ يَرَوْنَ أَنَّهَا سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ، وَيَقُولُونَ: هِيَ صَلَاةٌ مِنْ جِنْسِ النَّوَافِلِ، فَتُؤَدَّى فِي الْبُيُوتِ؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ فِي السُّنَّةِ أَنَّ النَّافِلَةَ تُؤَدَّى فِي الْبَيْتِ، فَيَجُوزُ أَدَاؤُهَا فِي الْبَيْتِ.
الْحَنَفِيَّةُ قَالُوا: لَا تُصَلَّى صَلَاةُ الْعِيدِ إِلَّا فِي الْمُصَلَّى، وَمَنْ لَمْ يُصَلِّهَا فِي الْمُصَلَّى؛ يُصَلِّي صَلَاةَ الضُّحَى، أَمَّا الْعِيدُ؛ فَلَا تُصَلَّى فِي الْبُيُوتِ، وَشَيْخُنَا الشَّيْخُ ابْنُ عُثَيْمِينَ أَفْتَى بِهَذَا؛ أَنَّ صَلَاةَ الْعِيدِ لَا تُقْضَى، تُصَلَّى فِي الْمُصَلَّى، وَحُجَّتُهُمْ أَنَّ صَلَاةَ الْعِيدِ إِنَّمَا جَاءَتْ فِي الْمُصَلَّى، فَلَا تُصَلَّى إِلَّا فِي الْمُصَلَّى.
طَبْعًا الْجُمْهُورُ أَيْضًا -وَنَسِيتُ أَنْ أَذْكُرَ هَذَا- احْتَجُّوا بِبَعْضِ الْآثَارِ، مِنْهَا: أَثَرُ أَنَسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: ((أَنَّهُ كَانَ يَكُونُ فِي مَنْزِلِهِ بِـ(الزَّوِايَةِ)، فَإِذَا لَمْ يَشْهَدِ الْعِيدَ بِـ(الْبَصْرَةِ)؛ جَمَعَ أَهْلَهُ وَوَلَدَهُ وَمَوَالِيَهُ، ثُمَّ يَأْمُرُ مَوْلَاهُ عَبْدَ اللهِ بْنَ أَبِي عُتْبَةَ، فَيُصَلِّي بِهِمْ رَكْعَتَيْنِ)). رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ.
فَكَانَ أَنَسٌ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- إِذَا كَانَ فِي بَيْتِهِ الْبَعِيدِ فِي (الزَّاوِيَةِ)، وَلَمْ يَشْهَدِ الْعِيدَ فِي (الْبَصْرَةِ)؛ يُصَلِّي الْعِيدَ فِي بَيْتِهِ مَعَ أَهْلِهِ، يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ كَمَا يُصَلِّيهَا الْإِمَامُ؛ وَهَذَا كَمَا قُلْتُ لَكُمْ: بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ يَقُولُونَ أَنَّهُ قَضَاءٌ، وَبَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ قَالُوا: لَا، هُوَ أَدَاءٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَشْهَدِ الْعِيدَ أَصْلًا، وَإِنَّمَا يُؤَدِّيهَا أَدَاءً.
وَشَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ -رَحِمَهُ اللهُ- يَرَى أَنَّ مَنْ كَانَ قَادِرًا عَلَى الْخُرُوجِ إِلَى الْمُصَلَّى؛ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَهَا فِي الْبَيْتِ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ قَادِرًا -كَأَنْ كَانَ مَحْبُوسًا، أَوْ مَرِيضًا، أَوِ امْرَأَةٌ لَا تَسْتَطِيعُ الْخُرُوجَ-؛ فَإِنَّهُ يُصَلِّيهَا أَرْبَعَ رَكْعَاتٍ فِي الْبَيْتِ.
وَالْأَمْرُ وَاسِعٌ..
وَحَالُنَا الْيَوْمَ فِي هَذِهِ الْجَائِحَةِ -جَائِحَةِ كُورُونَا- أَشَدُّ مِنْ حَالِ الْفَوَاتِ، فَهُوَ أَوْلَى بِهَذَا التَّقْرِيرِ، وَلَوْ وُجِدَ هَذَا فِي زَمَنِ الْفُقَهَاءِ؛ فَإِنَّهُ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ أَنَّهُمْ سَيَقُولُونَ فِيهِ أَعْظَمَ مِمَّا قَالُوا فِي مَسْأَلَةِ الْفَوَاتِ، وَيَظْهَرُ لِي أَنَا -وَاللهُ أَعْلَمُ- بِالدِّرَاسَةِ الْعِلْمِيَّةِ الْفِقْهِيَّةِ أَنَّ الْأَمْرَ وَاسِعٌ، فَمَنْ لَمْ يُصَلِّ الْعِيدَ؛ فَلَا حَرَجَ عَلَيْهِ، وَمَنْ صَلَّى الْعِيدَ فِي بَيْتِهِ؛ فَلَا حَرَجَ عَلَيْهِ، وَالْأَمْرُ وَاسِعٌ، وَلِلّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ.
طَيِّب.. كَيْفَ يُصَلِّي إِنْ أَرَادَ أَنْ يُصَلِّيَ الْعِيدَ فِي بَيْتِهِ؟
الرَّاجِحُ مِنْ أَقْوَالِ أَهْلِ الْعِلْمِ: أَنَّهُ يُصَلِّيهَا رَكْعَتَيْنِ كَمَا يُصَلِّيهَا الْإِمَامُ فِي الْمُصَلَّى، وَهُوَ أَثَرُ أَنَسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-.
يُصَلِّيهَا رَكْعَتَيْنِ، يُكَبِّرُ سَبْعَ تَكْبِيرَاتٍ فِي الْأُولَى مَعَ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ، وَيَقْرَأُ سُورَةَ (ق) بَعْدَ الْفَاتِحَةِ، ثُمَّ يُكَبِّرُ لِلْقِيَامِ، وَيُكَبِّرُ خَمْسَ تَكْبِيرَاتٍ بَعْدَهَا، ثُمَّ يَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ وَسُورَةَ: {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ}، وَإِنْ شَاءَ قَرَأَ فِي الْأُولَى {سُورَةَ سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} -سُورَةَ الْأَعْلَى-، وَفِي الثَّانِيَةِ سُورَةَ الْغَاشِيَةِ: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ} ثُمَّ يُسَلِّمْ.
عَرَفْنَا الْآنَ كَيْفِيَّةَ الصَّلَاةِ -عَلَى الرَّاجِحِ مِنْ أَقْوَالِ أَهْلِ الْعِلْمِ- فِي الْبَيْتِ.
طَيِّب.. هَلْ لَهُ خُطْبَةٌ؟
أَمَّا الْمُنْفَرِدُ الَّذِي يُصَلِّيهَا لِوَحْدِهِ؛ فَإِنَّهُ لَا خُطْبَةَ لَهُ، هَذَا نَصُّ الْعُلَمَاءِ، أَمَّا مَنْ يُصَلِّيهَا جَمَاعَةً؛ فَالَّذِي وَقَفْتُ عَلَيْهِ أَنَّ أَكْثَرَ الْفُقَهَاءِ الَّذِينَ يَرَوْنَ أَنَّهَا تُصَلَّى فِي الْبُيُوتِ يَقُولُونَ: لَا يَخْطُبُ لَهَا بِالْإِطْلَاقِ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ، وَبَحَثْتُ وَوَجَدْتُ أَنَّ بَعْضَ الشَّافِعِيَّةِ نَصُّوا عَلَى أَنَّ مَنْ قَضَاهَا جَمَاعَةً؛ يُسَنُّ لَهُ أَنْ يَخْطُبَ لَهَا.. بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ نَصُّوا عَلَى أَنَّ مَنْ قَضَاهَا جَمَاعَةً –أَيْ: فِي بَيْتِهِ-؛ يُسَنُّ لَهُ أَنْ يَخْطُبَ لَهَا.
إِذَنْ؛ أَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ الَّذِينَ قَالُوا تُصَلَّى فِي الْبُيُوتِ قَالُوا: بِلَا خُطْبَةٍ، بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ قَالُوا: إِذَا صَلَّاهَا جَمَاعَةً؛ يُسَنُّ أَنْ يَخْطُبَ لَهَا.
إِذَنْ؛ مَاذَا نَقُولُ؟
مَنْ صَلَّاهَا مُنْفَرِدًا؛ فَإِنَّهُ لَا يَخْطُبُ لَهَا، وَمَنْ صَلَّاهَا جَمَاعَةً بِأَهْلِهِ؛ فَبَعْضُ الْفُقَهَاءِ.. بَلْ أَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ يَقُولُونَ: لَا يَخْطُبُ لَهَا، وَبَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ قَالُوا: يُسَنُّ أَنْ يَخْطُبَ لَهَا، وَالْأَمْرُ وَاسِعٌ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ اجْتِهَادِيَّةٌ، وَأَثَرُ أَنَسٍ مُحْتَمِلٌ، لَيْسَ نَصًّا؛ وَإِنْ كُنْتُ أَمِيلُ إِلَى أَنَّهُ لَا يَخْطُبُ لَهَا، عَلَى أَنَّهُ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ الِاجْتِهَادِيَّةِ الْمَحْضَةِ يَنْبَغِي أَنْ تُرَاعَى الْفَتْوَى الْعَامَّةُ فِي الْبَلَدِ، أَوِ الْفَتْوَى الرَّسْمِيَّةُ، وَلَا يَنْبَغِي لِطُلَّابِ الْعِلْمِ أَنْ يُظْهِرُوا خِلَافَ الْفَتْوَى الْعَامَّةِ، أَوِ الْفَتْوَى الرَّسْمِيَّةِ؛ لِأَنَّ هَذَا يُؤَدِّي إِلَى تَشْوِيشِ الْعَامَّةِ، وَيُؤَدِّي إِلَى الِاخْتِلَافِ الْمَذْمُومِ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْحَالِ.
إِذَنْ؛ فِي الْمَسَائِلِ الِاجْتِهَادِيَّةِ الْمَحْضَةِ تُرَاعَى الْفَتْوَى الْعَامَّةُ وَالْفَتْوَى الرَّسْمِيَّةُ فِي الْبَلَدِ، وَلَا يَنْبَغِي لِطُلَّابِ الْعِلْمِ أَنْ يُظْهِرُوا الْخِلَافَ إِلَّا إِذَا أُظْهِرَ الْخِلَافُ وَنُشِرَ، وَأَصْبَحَ يُشَوِّشُ عَلَى النَّاسِ، فَيَقُومُ طَالِبُ الْعِلْمِ بِعَرْضِ الْمَسْأَلَةِ، وَيُبَيِّنُ أَنَّ الْخِلَافَ قَدِيمٌ، وَيُرَجِّحُ وَيُرْشِدُ إِلَى أَنَّ الْأَمْرَ وَاسِعٌ، وَأَنَّ اجْتِمَاعَ الْكَلِمَةِ عَلَى الْفَتْوَى الْعَامَّةِ أَوِ الْفَتْوَى الرَّسْمِيَّةِ خَيْرٌ، فَمَثَلًا: إِذَا صَدَرَتِ الْفَتْوَى بِأَنَّ صَلَاةَ الْعِيدِ تُصَلَّى فِي الْبُيُوتِ.. إِذَا صَدَرَتِ الْفَتْوَى الرَّسْمِيَّةُ مِنَ اللِّجَانِ مِنَ الْمُفْتِي الْعَامِّ: أَنَّ صَلَاةَ الْعِيدِ تُصَلَّى فِي الْبُيُوتِ؛ فَلَا يَنْبَغِي إِظْهَارُ الْقَوْلِ بِالْمَنْعِ، وَإِذَا صَدَرَتِ الْفَتْوَى الرَّسْمِيَّةُ أَوِ الْعَامَّةُ فِي الْبَلَدِ بِأَنَّهَا تُصَلَّى بِغَيْرِ خُطْبَةٍ؛ فَلَا يَنْبَغِي إِظْهَارُ الْقَوْلِ بِالْخُطْبَةِ؛ حَتَّى لَا نُشَوِّشَ عَلَى الْعَامَّةِ، وَحَتَّى تَجْتَمِعَ الْكَلِمَةُ؛ أَمَّا عَمَلُ الْإِنْسَانِ بِنَفْسِهِ مِنْ دَاخِلِ بَيْتِهِ مِنْ غَيْرِ ظُهُورٍ أَمَامَ النَّاسِ؛ فَهَذَا شَيْءٌ آخَرُ يَرْجِعُ إِلَى مَا يَرَاهُ.
عِنْدَنَا –مَثَلًا- فِي السُّعُودِيَّةِ عَلَى حَسَبِ مَا اطَّلَعْتُ عَلَيْهِ وَبَحَثْتُ؛ أَكْثَرُ دُوَلِ الْعَالَمِ الْإِسْلَامِي صَدَرَتْ فِيهَا فَتْوَى رَسْمِيَّةٌ بِأَنَّ صَلَاةَ الْعِيدِ تُصَلَّى فِي الْبُيُوتِ بِدُونِ خُطْبَةٍ، سَمَاحَةُ شَيْخِنَا الْعَلَّامَةِ الشَّيْخِ عَبْدِ الْعَزِيزِ آلِ الشَّيْخِ مُفْتِي عَامّ الْمَمْلَكَةِ أَفْتَى بِأَنَّ: ((صَلَاةَ الْعِيدِ تُصَلَّى فِي الْبُيُوتِ بِدُونِ خُطْبَةٍ))؛ فَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الْفَتْوَى هِيَ الْمُظْهَرَةَ، وَأَنْ تَجْتَمِعَ عَلَيْهَا الْكَلِمَةُ، وَلَوْ فَرَضْنَا أَنَّ الْمُسْلِمَ فِي بَلَدٍ صَدَرَتِ الْفَتْوَى الرَّسْمِيَّةُ بِأَنَّهُ تُصَلَّى صَلَاةُ الْعِيدِ فِي الْبَيْتِ مَعَ الْخُطْبَةِ؛ فَلَا بَأْسَ، الْأَمْرُ وَاسِعٌ.
طَيِّب.. إِذَا قَالَ شَخْصٌ: أَنَا فِي بَلَدٍ مَا فِيهِ فَتْوَى رَسْمِيَّةٌ؛ مِثْلُ الْأَقَلِّيَّاتِ الْمُسْلِمَةِ، أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ؛ مَاذَا أَفْعَلُ؟
أَنَا أَقُولُ لَكَ: إِذَا صَلَّيْتَهَا مُنْفَرِدًا فَلَا خُطْبَةَ، وَإِذَا صَلَّيْتَهَا جَمَاعَةً مَعَ أَهْلِكَ؛ فَالْأَمْرُ وَاسِعٌ، إِنْ شئْتَ صَلَّيْتَ وَخَطَبْتَ، وَإِنْ شِئْتَ صَلَّيْتَ وَلَمْ تَخْطُبْ.
فَإِنْ قُلْتَ لِي: مَا نَصِيحَتُكَ؟
قُلْتُ: أَنْ تَكْتَفِيَ بِالصَّلَاةِ؛ لِأَنَّ هَذَا هُوَ ظَاهِرُ أَثَرِ أَنَسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-؛ وَإِنْ كَانَ مُحْتَمِلًا.
يَنْبَغِي لِطُلَّابِ الْعِلْمِ أَنْ يَكُونَ عِنْدَهُمْ فِقْهٌ، وَمِنْ أَعْظَمِ مَقَاصِدِ الشَّرِيعَةِ: اجْتِمَاعُ الْكَلِمَةِ، وَعَدَمُ التَّفَرُّقِ، وَعَدَمُ التَّشْوِيشِ عَلَى الْعَامَّةِ، فَلَا يَنْبَغِي إِظْهَارُ الْخِلَافِ، أَوْ مَا يُشَوِّشُ عَلَى الْعَامَّةِ فِي الْفَتْوَى؛ إِلَّا إِذَا تَعَيَّنَ ذَلِكَ، مَعَ الرِّفْقِ وَالْبَيَانِ الْعِلْمِيِّ، أَمَّا فِي الْمَسَائِلِ الِاجْتِهَادِيَّةِ الْمَحْضَةِ؛ فَلَا يَنْبَغِي إِظْهَارُ خِلَافِ الْفَتْوَى الْعَامَّةِ وَالرَّسْمِيَّةِ فِي الْبَلَدِ؛ حَتَّى تَجْتَمِعَ الْكَلِمَةُ.
هَذَا مَا ظَهَرَ لِي -وَاللهُ أَعْلَمُ- فِي بَحْثِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الْعَظِيمَةِ الَّتِي كَثُرَ كَلَامُ النَّاسِ فِيهَا، وَكَثُرَ سُؤَالُ النَّاسِ عَنْهَا فِي صَلَاةِ الْعِيدِ هَذَا الْعَامَ فِي ظِلِّ جَائِحَةِ كُورُونَا.
هَذَا مَا أَرَدْتُ بَيَانَهُ، وَأُشِيرُ إِلَى شَيْءٍ، وَهُوَ أَنَّهُ يُسَنُّ لِلْمُسْلِمِ -وَلَوْ هذا الْعَامَ- بَعْدَ أَنْ يُصَلِّيَ الْفَجْرَ أَنْ يَأْكُلَ رُطَبًا؛ لِإِظْهَارِ الْفِطْرِ؛ لِأَنَّ الصَّوْمَ فِي يَوْمِ الْعِيدِ حَرَامٌ، فَقَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ الْعِيدَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يُصَلِّيَ، أَوْ بَعْدَ صَلَاةِ الْفَجْرِ يَأْكُلُ رُطَبًا، ثُمَّ السُّنَّةُ تَأْخِيرُ صَلَاةِ عِيدِ الْفِطْرِ، وَوَقْتُهَا يَبْدَأُ مِنَ ارْتِفَاعِ الشَّمْسِ قَيْدَ رُمْحٍ –أَيْ: بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ بِثُلُثِ سَاعَةٍ تَقْرِيبًا- إِلَى الزَّوَالِ، لَكَ أَنْ تُصَلِّيَهَا بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ بِثُلُثِ سَاعَةٍ، بِنِصْفِ سَاعَةٍ، بِسَاعَةٍ، بِسَاعَتَيْنِ، بِثَلَاثِ سَاعَاتٍ إِلَى مَا قَبْلَ الزَّوَالِ، يَنْتَهِي وَقْتُهَا بِالزَّوَالِ.
طَيِّب.. هُنَا مَسْأَلَةٌ جَاءَتْ فِي ذِهْنِي الْآنَ، قُلْنَا: إِنَّ آخِرَ وَقْتٍ لِإِخْرَاجِ زَكَاةِ الْفِطْرِ قَبْلَ صَلَاةِ الْعِيدِ، إِذَا كُنْتُ فِي بَلَدٍ لَا يُصَلُّونَ صَلَاةَ الْعِيدِ هَذِهِ السَّنَةَ، وَأَنَا لَنْ أُصَلِّيَ صَلَاةَ الْعِيدِ؛ مَتَى يَنْتَهِي وَقْتُ إِخْرَاجِ زَكَاةِ الْفِطْرِ؟
يَنْتَهِي إِلَى أَنْ يَبْقَى مَا يَكْفِي لِلصَّلَاةِ قَبْلَ الزَّوَالِ؛ لِأَنَّ الْوَقْتَ وَقْتُ صَلَاةِ الْعِيدِ -واضح-، إِذَا كَانَ هُنَاكَ صَلَاةٌ؛ يَجِبُ أَنْ تُخْرَجَ قَبْلَ الصَّلَاةِ، إِذَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ صَلَاةٌ؛ فَإِنَّهَا تُخْرَجُ، يَجُوزُ إِخْرَاجُهَا إِلَى أَنْ يَبْقَى مَا بَيْنَ وَقْتِ إِخْرَاجِهَا وَالزَّوَالِ مَا يَكْفِي لِصَلَاةِ الْعِيدِ.
كَذَلِكَ يُسْتَحَبُّ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَغْتَسِلَ بَعْدَ الْفَجْرِ؛ وَلَوْ كَانَ سَيَبْقَى فِي بَيْتِهِ، فَيُسْتَحَبُّ لَهُ ذَلِكَ.