((شَعْبَانُ وَحَصَادُ الْعَامِ))
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُه، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَلَّا إِلهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ﷺ.
أَمَّا بَعْدُ:
فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللهِ، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ ﷺ، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.
أَمَّا بَعْدُ:
((مِنْ فَضَائِلِ شَهْرِ شَعْبَانَ))
فَقَدْ أَخْرَجَ النَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُ، عَنِ الحِبِّ بْنِ الْحِبِّ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَعَنْ أَبِيهِ وَعَنْ أُمِّهِ أُمِّ أَيْمَنَ حَاضِنَةِ رَسُولِ اللهِ ﷺ، وَأَيْمَنُ هُوَ أَخُو أُسَامَةَ لِأُمِّهِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَعَنْ أُمِّهِ وَعَنْ أَبِيهِ-.
قَالَ: «قُلْتُ لِلنَّبِيِّ ﷺ: مَا لِي أَرَاكَ تَصُومُ فِي شَهْرِ شَعْبَانَ مَا لَا تَصُومُ فِي غَيْرِهِ مِنَ الشُّهُورِ -يَعْنِي خَلَا رَمَضَانَ-؟!!
فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «هَذَا شَهْرٌ يَغْفُلُ عَنْهُ أَكْثَرُ النَّاسِ بَيْنَ رَجَبٍ وَرَمَضَانَ, تُرْفَعُ فِيهِ الْأَعْمَالُ إِلَى اللهِ -جَلَّ وَعَلَا-؛ فَأَنَا أُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي فِيهِ وَأَنَا صَائِمٌ».
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ ثَابِتٌ يُوَضِّحُ فِيهِ النَّبِيُّ ﷺ أَنَّ الْأَعْمَالَ تُرْفَعُ الرَّفْعَ السَّنَوِيَّ.
تُرْفَعُ الْأَعْمَالُ رَفْعًا يَوْمِيًّا كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ؛ إِذْ يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مَلَائِكَةٌ كَمَا أَخْبَرَ الرَّسُولُ ﷺ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ وَفِي صَلَاةِ الْعَصْرِ.
تُرْفَعُ الْأَعْمَالُ إِلَى اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ هَكَذَا يَوْمِيًّا, ثُمَّ ((تُعْرَضُ عَلَى اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ -كَمَا فِي حَدِيثِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ أَنَّهَا تُعْرَضُ عَلَى اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ-, وَيَغْفِرُ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ إِلَّا لِمُشْرِكٍ، وَرَجُلٍ كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ، فَيَقُولُ اللهُ -جَلَّ وَعَلَا-: أَجِّلَا هَذَيْنِ -أَنْظِرَا هَذَيْنِ- حَتَّى يَصْطَلِحَا)).
فَهَذَا عَرْضٌ أُسْبُوعِيٌّ فِي كُلِّ يَوْمِ اثْنَيْن وَخَمِيس.
ثُمَّ يَأْتِي الْعَرْضُ السَّنَوِيُّ عَلَى رَبِّ الْعِزَّةِ بِأَعْمَالِ خَلْقِهِ -جَلَّ وَعَلَا- فِي شَهْرِ شَعْبَانَ كَمَا أَخْبَرَ خَلِيلُ الرَّحْمَنِ مُحَمَّدٌ ﷺ: ((هَذَا شَهْرٌ يَغْفُلُ عَنْهُ أَكْثَرُ النَّاسِ))؛ إِذْ إنَّهُ يَقَعُ بَيْنَ رَجَبٍ -وَهُوَ شَهْرٌ مِنَ الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ, وَالْعَرَبُ كَانَتْ -حَتَّى فِي جَاهِلِيَّتِهَا- تُقَدِّسُ وَتَحْتَرِمُ الْأَشْهُرَ الحُرُمَ؛ فَكَيْفَ وَاللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ نَصَّ عَلَى أَنَّهَا حُرُمٌ بِحُرْمَةِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ إِلَى أَنْ يَرِثَ اللهُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا؟!!
فَالْعَرَبُ كَانَتْ تُقَدِّسُهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ, وَالْمُسْلِمُونَ أَشَدُّ مَعْرِفَةً لِقَدْرِ الْأَشْهُرِ الحُرُمِ فِي هَذَا الْإِسْلَامِ الْعَظِيمِ, فَالنَّاسُ يَعْرِفُونَ قَدْرَ شَهْرِ رَجَبٍ.
وَأَمَّا شَهْرُ رَمَضَانَ؛ فَإِنَّهُ شَهْرُ الْقُرْآنِ, وَشَهْرُ الْقِيَامِ وَالذِّكْرِ, وَشَهْرُ الصِّيَامِ, وَهُوَ شَهْرٌ مَعْلُومُ الْفَضِيلَةِ عِنْدَ النَّاسِ كَافَّةً.
وَأَمَّا هَذَا الشَّهْرُ شَهْرُ شَعْبَانَ؛ وَمَا سُمِّيَ شَعْبَانَ إِلَّا لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَتَشَعَّبُونَ فِيهِ فِي أَمْرِ الْغَزْوِ؛ إِذْ يَخْرُجُونَ مِنَ الشَّهْرِ الحَرَامِ مُتَعَطِّشِينَ إِلَى سَفْكِ الدِّمَاءِ، كَمَا كَانَ الشَّأْنُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ؛ فَسُمِّيَ شَعْبَانَ لِهَذَا الْأَمْرِ الَّذِي مَرَّ ذِكْرُهُ.
فَيَقُولُ نَبِيُّنَا ﷺ: إِنَّ هَذَا الشَّهْرَ يَقَعُ بَيْنَ شَهْرَيْنِ مَعْلُومَيِ الْقَدْرِ, مَعْرُوفَيِ الْفَضْلِ عِنْدَ النَّاسِ كَافَّةً؛ وَعَلَيْهِ فَيَغْفُلُ عَنْهُ أَكْثَرُ النَّاسِ, ثُمَّ إِنَّهُ تُعْرَضُ فِيهِ الْأَعْمَالُ وَتُرْفَعُ, وَأَنَا أُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ. هَذَا كَلَامُهُ ﷺ.
*اسْتِعْدَادُ النَّبِيِّ ﷺ لِرَمَضَانَ بِكَثْرَةِ الصَّوْمِ فِي شَعْبَانَ:
إِنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ يَسْتَعِدُّ لِلدُّخُولِ عَلَى رَمَضَانَ؛ فَعَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا-قَالَتْ: «مَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ ﷺ يَصُومُ فِي شَهْرٍ قَطُّ خَلَا رَمَضَانَ مَا كَانَ يَصُومُ مِنْ شَعْبَانَ، وَإِنْ كَانَ لَيَصُومُ شَعْبَانَ إِلَّا قَلِيلًا».
وَفِي رِوَايَةٍ: «كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ كُلَّهُ».
فَكَانَ الرَّسُولُ يَأْتِي إِلَى هَذَا الشَّهْرِ، وَهُوَ الَّذِي كَانَ لَا يَتْرُكُ الصِّيَامَ، وَإِنَّمَا كَانَ يَصُومُ حَتَّى يُقَالَ: لَا يُفْطِرُ، وَيُفْطِرُ حَتَّى يُقَالَ: لَا يَصُومُ، يُمَرِّنُ الْأُمَّةَ وَيُعَلِّمُهَا وَيُعَوِّدُهَا عَلَى هَذَا الْإِخْلَاصِ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ؛ لِأَنَّ هَذَا الصِّيَامَ يُنْتِجُ التَّقْوَى، كَمَا أَخْبَرَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ فِي عِلَّةِ فَرْضِ هَذَا الشَّهْرِ عَلَى الْأُمَّةِ؛ {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}، فَتُحَصِّلُونَ التَّقْوَى للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ بِهَذِهِ الْمُرَاقَبَةِ للهِ -جَلَّ وَعَلَا-؛ إِذْ هُوَ سِرٌّ بَيْنَ الْعَبْدِ وَرَبِّهِ.
((مَحَبَّةُ النَّبِيِّ ﷺ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلُهُ وَهُوَ صَائِمٌ))
إِذَا كَانَ عَمَلُ النَّبِيِّ ﷺ هُوَ الْعَمَلُ الَّذِي تَتَشَرَّفُ بِهِ الْإِنْسَانِيَّةُ, وَتَفْخَرُ بِهِ الْبَشَرِيَّةُ, وَالَّذِي لَا تَجِدُ فِيهِ هَنَةً مِنَ الْهَنَاتِ, وَلَا تَجِدُ فِيهِ -حَاشَا للهِ- سَقْطَةً مِنَ السَّقْطَاتِ, وَمَعَ ذَلِكَ يُحِبُّ -مَعَ كَمَالِ تَمَامِ عَمَلِهِ ﷺ- أَنْ يُرْفَعَ هَذَا الْعَمَلُ الْعَظِيمُ إِلَى اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَهُوَ صَائِمٌ ﷺ.
فِي حَالَةٍ مِنْ حَالَاتِ شَرَفِ النَّفْسِ مَعْلَومَةٍ لِكُلِّ مَنْ كَانَ صَائِمًا بِالْحَقِيقَةِ, لِكُلِّ مَنْ صَامَ قَلْبُهُ، وَصَامَتْ جَوَارِحُهُ تَبَعًا، فَصَامَ تَصَوُّرُهُ، وَصَامَ فِكْرُهُ، وَصَامَ يَقِينُهُ عَنِ الْوُقُوعِ فِي كُلِّ مَا يُغْضِبُ اللهَ -جَلَّ وَعَلَا-.
لِكُلِّ مَنْ كَانَ صَائِمًا يَعْلَمُ حَالَةَ شَرَفِ النَّفْسِ الَّتِي تَكُونُ عَلَيْهَا النَّفْسُ، وَشَرَفِ الرُّوحِ عِنْدَمَا تَكُونُ مَوْصُولَةً بِاللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، قَاطِعَةً حَاسِمَةً لِمَادَّةِ اللَّذَّةِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْعُرُوقِ بِالشَّهَوَاتِ؛ لِكَيْ تَصْفُوَ النَّفْسُ مُقْتَرِبَةً مِنْ رَبِّ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتِ.
يُحِبُّ نَبِيُّكُمْ ﷺ -مَعَ كَمَالِ تَمَامِ عَمَلِهِ- أَنْ يُعِرَضَ عَمَلُهُ عَلَى اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَهُوَ صَائِمٌ, فَكَيْفَ بِمَنْ عَمَلُهُ بِجِوَارِ عَمَلِ نَبِيِّهِ ﷺ كَحَبَّةٍ مِنْ رَمْلٍ فِي صَحْرَاءَ مُتَرَامِيَةِ الْأَطْرَافِ لَا يَبْلُغُ الطَّرْفُ مَدَاهَا, وَلَا تَنْتَهِي الْقَدَمُ إِلَى مُنْتَهَاهَا؟!!
فَكَيْفَ بِمَنْ عَمَلُهُ بِجِوَارِ عَمَلِ نَبِيِّهِ ﷺ كَقَطْرَةٍ فِي بَحْرٍ أَوْ أَقَلَّ؟!!
كَيْفَ وَالنِّسْبَةُ هَاهُنَا غَيْرُ مَعْقُولَةٍ وَلَا مَفْهُومَةٍ؟!!
كَيْفَ لَا يُحِبُّ الْمَرْءُ وَلَا يَحْرِصُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُعْرَضَ عَمَلُهُ فِي هَذَا الشَّهْرِ عَلَى اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَهُوَ صَائِمٌ كَمَا كَانَ الشَّأْنُ عِنْدَ نَبِيِّهِ ﷺ؟!!
((أُوصِيكُمْ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ))
عَلَى الْمَرْءِ أَنْ يُصْلِحَ مَا أَفْسَدَهُ, وَعَلَى الْإِنْسَانِ أَنْ يَصِلَ مَا قَطَعَهُ, وَعَلَى الْمَرْءِ أَنْ يَكُونَ مُتَوَقِّيًا حَذِرًا.
وَاتَّقُوا اللهَ -عِبَادَ اللهَ- فَالتَّقْوَى هِيَ وَصِيَّةُ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لِلْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ: {وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ} [النساء: 131].
والتَّقْوَى: هِيَ أَنْ تَتَّقِيَ اللهَ رَبَّ العَالَمِينَ بِفِعْلِ المَأْمُورِ وَتَرْكِ المَحْظُورِ، فَهَذِهِ تَقْوَى اللهِ.
((حَالُ الْمُسْلِمِ فِي شَهْرِ الْحَصَادِ))
*الِاجْتِهَادُ فِي تَحْقِيقِ التَّوْحِيدِ، وَتَطْهِيرِ الْقَلْبِ وَاللِّسَانِ:
عِبَادَ اللهِ! الَّذِي يُرِيدُ النَّجَاةَ، يُرِيدُ أَنْ يَنْجُوَ مِنَ النَّارِ، وَأَنْ يَسْلَمَ مِنْهَا؛ عَلَيْهِ أَنْ يَلْحَظَ مُعْتَقَدَ الرَّسُولِ ﷺ بِعَيْنِ بَصِيرَتِهِ وَبِعَيْنِ الرِّعَايَةِ وَالِاهْتِمَامِ، وَأَنْ يَعْلَمَ أَنَّ ذَلِكَ هُوَ الَّذِي مِنْ أَجْلِهِ خَلَقَهُ اللهُ.
عَلَى الْمَرْءِ أَنْ يَكُونَ مُجْتَهِدًا فِي الْخَلَاصِ مِنَ الشِّرْكِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا؛ بِتَصْفِيَةِ الْقَلْبِ مِمَّا يَعْلَقُ بِهِ مِنَ الشَّوَائِبِ، وَمَا يَجُرُّ إِلَيْهِ الشِّرْكُ مِنْ تِلْكَ الْمَادَّةِ الْقَذِرَةِ بِالحَمْئَةِ الْمَسْنُونَةِ؛ مِنْ تِلْكَ الشَّحْنَاءِ بِالْبَغْضَاءِ، بِالْغِلِّ، بِالْحَسَدِ.
وَيَا لله! هَلْ تَجِدُ أَحَدًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ نَقِيَّ الْفِطْرَةِ سَوِيَّ الطَّوِيَّةِ يُمْكِنُ أَنْ يَنْطَوِيَ بَاطِنُهُ عَلَى مِثْلِ هَذَا القَذَرِ لِأَحَدٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ؟!!
«وَلَا يُؤمِنُ أَحَدُكُم حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ» كَمَا قَالَ الرَّسُولُ ﷺ, لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُم إِيمَانًا صَحِيحًا كَامِلًا مُعْتَبَرًا فِي مِيزَانِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ مَقْبُولًا عِنْدَ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ، فَكَيْفَ بِتِلْكَ الْمَادَّةِ الْقَذِرَةِ مِنَ الشَّحْنَاءِ, مِنَ الحِقْدِ, مِنَ الْغِلِّ, مِنَ الْحَسَدِ, مِنَ الْبَغْضَاءِ, تَنْطَوِي عَلَيْهَا نَفْسٌ مُشَوَّهَةٌ حَتَّى يَتَشَوَّهَ الظَّاهِرُ تَبَعًا؟!!
كَيْفَ يَصْلُحُ الْقَلْبُ؟
يَصْلُحُ الْقَلْبُ بِالْخُلُوصِ مِنَ الشِّرْكِ، وَالْبِدْعَةِ، وَالْحِقْدِ، وَمَذْمُومِ الْخِصَالِ.. هَذَا صَلَاحُ الْقَلْبِ.
وَالنَّبِيُّ ﷺ رَتَّبَ الْجَزَاءَ عَلَى الشَّرْطِ: «إِذَا صَلَحَتْ؛ صَلَحَ»، «أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً»: قِطْعَةٌ مِنَ اللَّحْمِ بِمِقْدَارِ مَا يُمْضَغُ -صَغِيرَةٌ هِيَ-، «إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ؛ أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ».
هُنَا جَزَاءٌ قَدْ رُتِّبَ عَلَى شَرْطِهِ؛ فَلَا صَلَاحَ إِلَّا بِصَلَاحٍ، لَا صَلَاحَ لِلْجَسَدِ، لَا صَلَاحَ لِلْحَيَاةِ إِلَّا بِصَلَاحِ الْقَلْبِ -كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّـهِ ﷺ-، وَإِذَا فَسَدَ الْقَلْبُ فَسَدَ الْجَسَدُ.. وَفَسَدَتِ الْحَيَاةُ.
كَيْفَ صَلَاحُ الْقَلْبِ -إِذَنْ-؟
بِخُلُوصِهِ مِنَ الشِّرْكِ، وَخُلُوصِهِ مِنَ الْبِدْعَةِ، وَخُلُوصِهِ مِنَ الْحِقْدِ وَمَذْمُومِ الْخِصَالِ.
فِي «صَحِيحِ سُنَنِ ابْنِ مَاجَه»: عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرو -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-: قِيلَ لِلنَّبِيِّ ﷺ: مَنْ أَفْضَلُ النَّاسِ؟
فقال ﷺ: ((كُلُّ مَخْمُومِ الْقَلْبِ صَدُوقِ اللِّسَانِ -كُلُّ مَخْمُومِ الْقَلْبِ صَدُوقِ اللِّسَانِ هَذَا أَفْضَلُ النَّاسِ-)).
فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، صَدُوقُ اللِّسَانِ عَرَفْنَاهُ, فَمَا مَخْمُومُ الْقَلْبِ؟
قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: ((هُوَ التَّقِيُّ النَّقِيُّ الَّذِي لَا إِثْمَ فِيهِ وَلَا بَغْيَ وَلَا غِلَّ فِيهِ وَلَا حَسَدَ» .
فَأَفْضَلُ الْأَعْمَالِ عِنْدَ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَأَفْضَلُ الْخَلْقِ عِنْدَ اللهِ -جَلَّ وَعَلَا- سَلَامَةُ الصَّدْرِ وَمَنْ كَانَ عَنِ الْغِلِّ وَالْحَسَدِ مُنَزَّهًا, وَمِنْ ذَلِكَ مُبَرَّاً.
*عَلَى الْمُسْلِمِ أَنْ يَحْرِصَ عَلَى تَطْهِيرِ اللِّسَانِ مِنْ آفَاتِهِ:
قَالَ النَّوَوِيُّ -رَحِمَهُ اللهُ-: ((اعْلَمْ أَنَّهُ يَنْبَغِي لِكُلِّ مُكَلَّفٍ أَنْ يَحْفَظَ لِسَانَهُ عَنْ جَمِيعِ الْكَلَامِ؛ إِلَّا كَلَامًا ظَهَرَتْ فِيهِ الْمَصْلَحَةُ، وَمَتَى اسْتَوَى الْكَلَامُ وَتَرْكُهُ فِي الْمَصْلَحَةِ؛ فَالسُّنَّةُ الْإِمْسَاكُ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَنْجَرُّ الْكَلَامُ الْمُبَاحُ إِلَى حَرَامٍ أَوْ مَكْرُوهٍ، وَذَلِكَ كَثِيرٌ فِي الْعَادَةِ، وَالسَّلَامَةُ لَا يَعْدِلُهَا شَيْءٌ)).
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: ((مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا، أَوْ لِيَصْمُتْ)). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَهَذَا الْحَدِيثُ صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ يَنْبَغِي أَلَّا يُتَكَلَّمَ إِلَّا إِذَا كَانَ الْكَلَامُ خَيْرًا، وَهُوَ الَّذِي ظَهَرَتْ مَصْلَحَتُهُ، وَمَتَى شَكَّ فِي ظُهُورِ الْمَصْلَحَةِ؛ فَلَا يَتَكَلَّمُ.
عِبَادَ اللهِ! لَمَّا كَانَتِ التَّخْلِيَةُ مُقَدَّمَةً عَلَى التَّحْلِيَةِ؛ فَلْنُرَكِّزْ عَلَى أَمْرَيْنِ، أَمَّا أَحَدُهُمَا؛ فَتَخْلِيَةٌ، وَأَمَّا الْآخَرُ؛ فَتَحْلِيَةٌ.
*فَأَمَّا التَّخْلِيَةُ: تَطْهِيرُ اللِّسَانِ مِنْ آفَاتِهِ:
فَقَدْ رَهَّبَ النَّبِيُّ ﷺ مِنَ الْغِيبَةِ وَالْفُحْشِ، وَقَوْلِ الزُّورِ وَالْكَذِبِ.
وَاللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ قَدْ بَيَّنَ لَنَا أَنَّ الْإِنْسَانَ إِذَا اغْتَابَ أَخَاهُ؛ فَكَأَنَّمَا أَكَلَ لَحْمَهُ مَيْتًا، وَهُوَ أَمْرٌ تَكْرَهُهُ الطِّبَاعُ، وَتَنْفِرُ مِنْهُ النُّفُوسُ؛ وَلَكِنْ هَكَذَا هُوَ فِي قُبْحِهِ، هَكَذَا هُوَ فِي شَنَاعَتِهِ.
عِنْدَ مُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ: «كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ؛ دَمُهُ وَعِرْضُهُ، وَمَالُهُ».
وَعَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «الرِّبَا اثْنَانِ وَسَبْعُونَ بَابًا، أَدْنَاهَا مِثْلُ إِتْيَانِ الرَّجُلِ أُمَّهُ، وَإِنَّ أَرْبَى الرِّبَا: اسْتِطَالَةُ الرَّجُلِ فِي عِرْضِ أَخِيهِ».
فَأَقلُّ دَرَجَةٍ فِي الرِّبَا هِيَ أَعْلَى دَرَجَةٍ فِي الزِّنَا، وَأَعْلَى دَرَجَةٍ فِي الرِّبَا الَّذِي أَقَلُّ دَرَجَةٍ مِنْهُ كَأَعْلَى دَرَجَةٍ فِي الزِّنَا؛ أَكْبَرُ دَرَجَةٍ فِي الرِّبَا: عِرْضُ الْمُسْلِمِ.
وَعَنْ أَنَسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «لَمَّا عُرِجَ بِي؛ مَرَرْتُ بِقَوْمٍ لَهُمْ أَظْفَارٌ مِنْ نُحَاسٍ يَخْمِشُونَ وُجُوهَهُمْ وَصُدُورَهُمْ، فَقُلْتُ: مَنْ هَؤُلَاءِ يَا جِبْرِيلُ؟».
قَالَ: «هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ لُحُومَ النَّاسِ، وَيَقَعُونَ فِي أَعْرَاضِهِمْ».
فَالنَّبِيُّ ﷺ يُحَذِّرُ مِنْ أَكْلِ لُحُومِ النَّاسِ، وَمِنَ الْوُقُوعِ فِي أَعْرَاضِهِمْ، فَتَخْلِيَةُ اللِّسَانِ مِنْ آفَاتِهِ مِنْ أَهَمِّ مَا يَنْبَغِي أَنْ يُدَرِّبَ الْمَرْءُ نَفْسَهُ عَلَيْهِ فِي هَذَا الشَّهْرِ، وَأَنْ يُمْسِكَ لِسَانَهُ إِلَّا عَنْ خَيْرٍ؛ لِأَنَّ الْمَرْءَ قَدْ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِأَعْمَالٍ صَالِحَاتٍ، فَيَأْخُذُ هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، حَتَّى إِذَا فَنِيَتْ؛ أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِهِمْ؛ فَطُرِحَ عَلَيْهِ، ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ.
وَلَيْسَتِ الْغِيبَةُ أَنْ تَذْكُرَ أَخَاكَ بِمَا لَيْسَ فِيهِ؛ هَذَا بُهْتَانٌ، وَأَمَّا الْغِيبَةُ؛ فَأَنْ تَذْكُرَ أَخَاكَ بِمَا هُوَ فِيهِ مِمَّا يَكْرَهُهُ..
نَسْأَلُ اللهَ أَنْ يُطَهِّرَ أَلْسِنَتَنَا مِنَ الغِيبَةِ وَالبُهْتَانِ، وَأَعْيُنَنَا وَسَمْعَنَا مِنَ الخِيَانَةِ، وَجَوَارِحَنَا مِنَ الظُّلْمِ.
فَنُطَهِّرُ اللِّسَانَ مِنْ آفَاتِهِ، هَذِهِ التَّخْلِيَةُ، وَالتَّخْلِيَةُ مُقَدَّمَةٌ عَلَى التَّحْلِيَةِ.
أَلَا تَرَى إِنَّكَ إِنْ تَلَوْتَ الْقُرْآنَ، وَذَكَرْتَ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ، وَسَبَّحْتَهُ؛ وَهَذِهِ تَحْلِيَةٌ تَأْتِي بِهَا بِاللِّسَانِ، وَلَمْ تُخَلِّ اللِّسَانَ مِنْ آفَاتِهِ، بَدَّدَ عَلَيْكَ اللِّسَانُ بِآفَاتِهِ مَا حَصَّلْتَهُ مِنْ حَسَنَاتٍ؟!!
فَالتَّخْلِيَةُ مُقَدَّمَةٌ عَلَى التَّحْلِيَةِ.
رَسُولُ اللهِ ﷺ الَّذِي بَعَثَهُ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ؛ لِيُتَمِّمَ مَكَارِمَ الْأَخْلَاقِ؛ يُرْسِي قَوَاعِدَهَا، وَيُرْسِي أُصُولَهَا، وَيَدْعُو إِلَيْهَا، وَأَقَامَ عَلَيْهَا بُنْيَانًا تَبَدَّى فِي الْجِيلِ الْمِثَالِيِّ الْأَوَّلِ -فِي أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ، فِي الْقَرْنِ الْأَوَّلِ الْمُفَضَّلِ، ثُمَّ مَا زَالَتِ الْأُمُورُ تَنْقُصُ بَعْدُ، كَمَا قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: ((لَا يَأْتِي عَلَى النَّاسِ عَامٌ إِلَّا وَالَّذِي بَعْدَهُ شَرٌّ مِنْهُ)).
فَيَنْبَغِي عَلَى الْمُسْلِمِ أَنْ يَتَّقِيَ اللهَ رَبَّهُ، وَأَنْ يَجْتَهِدَ فِي الْحِفَاظِ عَلَى مَنْطِقِهِ، وَأَنْ يُرَاقِبَ مُرَاقَبَةً تَامَّةً -كَمَا لَوْ كَانَ يُرَاقِبُ عَدُوًّا لَدُودًا يَسْعَى فِي هَلَاكِهِ، أَنْ يُرَاقِبَ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ- لِسَانَهُ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا كَلِمَةٌ خَرَجَتْ مِنْهُ فَأَوْرَدَتْهُ الْمَهَالِكَ؛ ((وَإِنَّ العَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ، لَا يُلْقِي لَهَا بَالًا، يَهْوِي بِهَا فِي جَهَنَّمَ».
((وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَتَكَلَّمَ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللهِ يَكْتُبُ اللهُ عَلَيْهِ بِهَا سَخَطَهُ إِلَى يَوْمِ يَلْقَاهُ)).
عِبَادَ اللهِ! أَمْسِكُوا أَلْسِنَتَكُمْ -يَرْحَمُكُمُ اللهُ- !!
كُفُّوا أَلْسِنَتَكُمْ!!
لَا تَتَكَلَّمُوا إِلَّا فِيمَا تُحْسِنُونَ!!
((مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَومِ الْآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ)).
فَنَسْأَلُ اللهَ أَنْ يُسَدِّدَ أَلْسِنَتَنَا، وَأَنْ يُطَهِّرَهَا مِنْ كُلِّ مَا يُغْضِبُهُ، وَمِنْ كُلِّ مَا يَسُوءُ، وَأَنْ يُحْسِنَ خِتَامَنَا أَجْمَعِينَ.
وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّد وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ.
الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشْهَدُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ هُوَ يَتَوَلَّى الصَالِحِينَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ﷺ, صَلَاةً وَسَلَامًا دَائِمَيْنِ مُتَلَازِمَيْنِ إِلَى يَومِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ:
((رِحْلَةُ الْعَوْدَةِ تَبْدَأُ بِالتَّوْبَةِ الصَّادِقَةِ))
فَإِنَّ مِنْ أَعْظَمِ نِعَمِ اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-: أَنْ فَتَحَ بَابَ التَّوْبَةِ، وَجَعَلَهُ فَجْرًا تَبْدَأُ مَعَهُ رِحْلَةُ الْعَوْدَةِ بِقُلُوبٍ مُنْكَسِرَةٍ، وَدُمُوعٍ مُنْسَكِبَةٍ، وَجِبَاهٍ خَاضِعَةٍ.
قَالَ اللهُ -جَلَّ وَعَلَا-: {نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الحجر: 50].
وَقَالَ -جَلَّ وَعَلَا-: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} [البقرة: 222].
وَقَالَ -جَلَّ وَعَلَا- حَاثًّا عَلَى التَّوْبَةِ وَالرُّجُوعِ وَالْأَوْبَةِ: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [النور: 31].
وَصَحَّ عَنْ رَسُولِ اللهِ ﷺ -كَمَا رَوَى ذَلِكَ مُسْلِمٌ فِي «صَحِيحِهِ»- أَنَّهُ قَالَ: «إِنَّ اللهَ يَبْسُطُ يَدَهُ بِاللَّيْلِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ النَّهَارِ، وَيَبْسُطُ يَدَهُ بِالنَّهَارِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيْلِ، حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا».
وَهَذَا نَبِيُّ الرَّحْمَةِ، قَدْ غَفَرَ اللهُ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ، وَمَعَ ذَلِكَ فَهُوَ يَقُولُ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ! تُوبُوا إِلَى اللهِ؛ فَإِنِّي أَتُوبُ إِلَيْهِ فِي الْيَوْمِ مِئَةَ مَرَّة». رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
فَانْظُرْ وَتَأَمَّلْ فِي فَضْلِ اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ- عَلَى التَّائِبِ الْعَائِدِ، فَإِنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: «التَّائِبُ مِنَ الذَّنْبِ كَمَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ». أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَه، وَحَسَّنَهُ الْأَلْبَانِيُّ.
وَلَا يَأْخُذْكَ الْهَوَى وَمُلْهِيَاتُ النَّفْسِ؛ فَإِنَّ الرَّسُولَ ﷺ قَالَ: «كُلُّ أُمَّتِي يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ إِلَّا مَنْ أَبَى».
قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ! وَمَنْ يَأْبَى؟
قَالَ: «مَنْ أَطَاعَنِي دَخَلَ الجَنَّةَ، وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ أَبَى». أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ.
فَهَذَا الْحَدِيثُ بِشَارَةٌ لِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ بِالْجَنَّةِ؛ إِلَّا صِنْفًا مِنْهُمْ لَا يُرِيدُونَ دُخُولَهَا، لَا زُهْدًا فِيهَا؛ وَلَكِنْ جَهْلًا بِالطَّرِيقِ الْمُوصِلَةِ إِلَيْهَا، وَتَرَاخِيًا وَتَكَاسُلًا عَنْ دُخُولِهَا، وَتَفْضِيلًا لِهَذِهِ الْمُتَعِ الدُّنْيَوِيَّةِ الزَّائِلَةِ عَلَى تِلْكَ النِّعَمِ الْخَالِدَةِ الْبَاقِيَةِ.
جِدَّ فِي التَّوْبَةِ، وَسَارِعْ إِلَيْهَا، فَلَيْسَ لِلْعَبْدِ مُسْتَرَاحٌ إِلَّا تَحْتَ شَجَرَةِ طُوبَى، وَلَا لِلْمُحِبِّ قَرَارٌ إِلَّا يَوْمَ الْمَزِيدِ.
فَسَارِعْ إِلَى التَّوْبَةِ، وَهُبَّ مِنَ الْغَفْلَةِ، وَاعْلَمْ أَنَّ خَيْرَ أَيَّامِكَ يَوْمُ الْعَوْدَةِ إِلَى اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ-، فَاصْدُقْ فِي ذَلِكَ الْمَسِيرِ، وَلْيَهْنِكَ حَدِيثُ الرَّسُولِ ﷺ: «لَلَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ حِينَ يَتُوبُ إِلَيْهِ مِنْ أَحَدِكُمْ كَانَ عَلَى رَاحِلَتِهِ بِأَرْضِ فَلَاةٍ، فَانْفَلَتَتْ مِنْهُ -أَيْ رَاحِلَتُهُ-، وَعَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ، فَأَيِسَ مِنْهَا، فَأَتَى شَجَرَةً، فَاضْطَجَعَ فِي ظِلِّهَا، وقَدْ أَيِسَ مِنْ رَاحِلَتِهِ.
فَبَيْنَما هُوَ كَذَلِكَ؛ إِذْ هُوَ بِهَا قَائِمَةً عِنْدَهُ، فَأَخَذَ بِخِطَامِهَا، ثُمَّ قَالَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ: اللهُمَّ أَنْتَ عَبْدِي وَأَنَا رَبُّكَ، أَخْطَأَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ». رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ -رَحِمَهُ اللهُ-: «إنَّ قَوْمًا أَلْهَتْهُمْ أَمَانِيُّ الْمَغْفِرَةِ، حَتَّى خَرَجُوا مِنْ الدُّنْيَا بِغَيْرِ تَوْبَةٍ، يَقُولُ أَحَدُهُمْ: إِنِّي أُحْسِنُ الظَّنَّ بِرَبِّي، وَكَذَبَ!! لَوْ أَحْسَنَ الظَّنَّ لَأَحْسَنَ الْعَمَلَ».
وَقَالَ -رَحِمَهُ اللهُ-: «إِنَّ الْمُؤْمِنَ قَوَّامٌ عَلَى نَفْسِهِ، يُحَاسِبُ نَفْسَهُ لِلَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ-، وَإِنَّمَا خَفَّ الْحِسَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى قَوْمٍ حَاسَبُوا أَنْفُسَهُمْ فِي الدُّنْيَا، وَإِنَّمَا شَقَّ الْحِسَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى قَوْمٍ أَخَذُوا هَذَا الْأَمْرَ مِنْ غَيْرِ مُحَاسَبَةٍ.
إِنَّ الْمُؤْمِنَ يَفْجَؤُهُ الشَّيْءُ يُعْجِبُهُ فَيَقُول: وَاللهِ إِنِّي لَأَشْتَهِيكَ، وَإِنَّكَ لَمِنْ حَاجَتِي؛ وَلَكِنْ وَاللَّهِ مَا مِنْ صِلَةٍ إِلَيْكَ، هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ، حِيلَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ، وَيُفْرِطُ مِنْهُ الشَّيْءُ، فَيَرْجِعُ إِلَى نَفْسِهِ فَيَقُولُ: مَا أَرَدْتُ إِلَى هَذَا، مَا لِي وَلِهَذَا؟ وَاللَّهِ لَا أَعُودُ لِهَذَا أَبَدًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ.
إِنَّ الْمُؤْمِنِينَ قَوْمٌ أَوْثَقَهُمُ الْقُرْآنُ، وَحَالَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ هَلَكَتِهِمْ، إِنَّ الْمُؤْمِنَ أَسِيرٌ فِي الدُّنْيَا، يَسْعَى فِي فِكَاكِ رَقَبَتِهِ، لَا يَأْمَنُ شَيْئًا حَتَّى يَلْقَى اللَّهَ -عَزَّ وَجَلَّ-، يَعْلَمُ أَنَّهُ مَأْخُوذٌ عَلَيْهِ فِي سَمْعِهِ وَبَصَرِهِ وَلِسَانِهِ وَجَوَارِحِهِ».
إِنَّ جِهَادَ النَّفْسِ جِهَادٌ طَوِيلٌ، وَطَرِيقٌ مَحْفُوفٌ بِالْمَكَارِهِ، مَذَاقُهُ مُرٌّ، ومَلْمَسُهُ خَشِنٌ؛ فَعَلَيْكَ بِالسَّيْرِ فِي رِكَابِ التَّائِبِينَ، حَتَّى تَحُطَّ رِحَالَكَ فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ.
*سَتَمُوتُ وَحْدَكَ.. وَتَدْخُلُ الْقَبْرَ وَحْدَكَ!!
قَالَ الْحَسَنُ: «ابْنَ آدَمَ؛ إِنَّكَ تَمُوتُ وَحْدَكَ، وَتَدْخُلُ الْقَبْرَ وَحْدَكَ، وَتُبْعَثُ وَحْدَكَ، وَتُحَاسَبُ وَحْدَكَ، إِنَّكَ تَمُوتُ وَحْدَكَ، لَنْ يَمُوتَ أَحَدٌ عَنْكَ، وَتَدْخُلُ الْقَبْرَ وَحْدَكَ، لَنْ يَدْخُلَ الْقَبْرَ أَحَدٌ عَنْكَ، وَتُبْعَثُ وَحْدَكَ، لَنْ يُبْعَثَ أَحَدٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَنْكَ، وَتُحَاسَبُ وَحْدَكَ، لَنْ يُحَاسَبَ أَحَدٌ عَنْكَ».
فَيَنْبَغِي لِكُلِّ ذِي لُبٍّ وَفِطْنَةٍ أَنْ يَحْذَرَ عَوَاقِبَ الْمَعَاصِي؛ فَإِنَّهُ لَيْسَ بَيْنَ الْآدَمِيِّ وَبَيْنَ اللهِ تَعَالَى قَرَابَةٌ وَلَا رَحِمٌ، وَإِنَّمَا هُوَ قَائِمٌ بِالْقِسْطِ، حَاكِمٌ بِالْعَدْلِ، وَإِنْ كَانَ حِلْمُهُ يَسَعُ الذُّنُوبَ؛ إِلَّا أَنَّهُ إِذَا شَاءَ عَفَا، فَعَفَا عَنْ كُلِّ كَثِيفٍ مِنَ الذُّنُوبِ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ وَأَخَذَ بِالْيَسِيرِ؛ فَالْحَذَرَ الْحَذَرَ!!
وَكُلُّنَا أَصْحَابُ ذُنُوبٍ وَخَطَايَا، وَلَيْسَ مِنَّا مَنْ هُوَ مَعْصُومٌ عَنِ الزَّلَلِ وَالْخَطَأِ؛ وَلَكِنَّ خَيْرَنَا مَنْ يُسَارِعُ إِلَى التَّوْبَةِ، وَيُبَادِرُ إِلَى الْعَوْدَةِ، تَحُثُّهُ الْخُطَى، وَتُسْرِعُ بِهِ الدَّمْعَةُ، وَيُعِينُهُ أَهْلُ الْخَيْرِ رُفَقَاءُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، فَإِنَّ مِنْ وَاجِبِ الْأُخُوَّةِ فِي اللهِ: عَدَمَ تَرْكِ الْعَاصِي يَسْتَمِرُّ فِي مَعْصِيَتِهِ؛ بَلْ يُحَاطُ بِإخْوَانِهِ، وَيُذَكَّرُ وَيُنَبَّهُ، وَلَا يُهْمَلُ وَيُتْرَكُ فَيَضِلَّ وَيَشْقَى.
أَرَأَيْتَ إِنْ نَزَلَ بِهِ مَرَضٌ أَوْ شَأْنٌ مِنْ أُمُورِ الدُّنْيَا؛ كَيْفَ تَقِفُ مَعَهُ؟!! وَكَيْفَ تُعِينُهُ؟!!
فَالْآخِرَةُ أَوْلَى وَأَبْقَى».
وَشُرُوطُ التَّوْبَةِ:
الْأَوَّلُ: الْإِخْلَاصُ فِيهَا.
الثَّانِي: الْإِقْلَاعُ عَنِ الذَّنْبِ.
الثَّالِثُ: النَّدَمُ عَلَى مَا فَاتَ.
الرَّابِعُ: الْعَزْمُ عَلَى عَدَمِ الْعَوْدَةِ.
الْخَامِسُ: إِرْجَاعُ الْحُقُوقِ إِلَى أَصْحَابِهَا؛ مِنْ مَالٍ وَغَيْرِهِ.
السَّادِسُ: أَنْ تَقَعَ التَّوْبَةُ فِي وَقْتِ قَبُولِهَا.
حَالُنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا بَيْنَ مُسَوِّفٍ وَمُفَرِّطٍ، حَتَّى يَفْجَأَنَا الْمَوْتُ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ.
فَتَأَمَّلْ فِي حَالِ بَعْضِنَا مِمَّنْ يُؤْثِرُ الظِّلَّ عَلَى الشَّمْسِ، ثُمَّ لَا يُؤْثِرُ الْجَنَّةَ عَلَى النَّارِ!!
تَأَمَّلْ فِي حَالِ بَعْضِنَا؛ بَلْ فِي حَالِنَا، فَكُلُّنَا يُؤْثِرُ الظِّلَّ عَلَى الشَّمْسِ، ثُمَّ لَا يُؤْثِرُ الْجَنَّةَ عَلَى النَّارِ!!
نَسْأَلُ اللهَ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- أَنْ يَتُوبَ عَلَيْنَا أَجْمَعِينَ.
((مُحَاسَبَةُ النَّفْسِ فِي شَهْرِ الْحَصَادِ))
عِبَادَ اللهِ! إِنَّ مُحَاسَبَةَ النَّفْسِ وَاجِبَةٌ، يَجِبُ عَلَيْكَ أَنْ تُحَاسِبَ نَفْسَكَ.
يَنْبَغِي عَلَى الْمَرْءِ أَنْ يَتَأَمَّلَ فِي حَالِ قَلْبِهِ، وَمَا أَنْذَرَ عِلْمَ الْقُلُوبِ! فَإِنَّ النَّاسِ فِي غَفْلَةٍ -إِلَّا مَنْ رَحِمَ اللهُ -جَلَّ وَعَلَا--، فَأَقْبَلَ عَلَى قَلْبِهِ مُفَتِّشًا، وَفِي أَطْوَاءِ ضَمِيرِهِ مُنَقِّبًا؛ لِيَنْظُرَ مَا انْطَوَى عَلَيْهِ قَلْبُهُ، وَمَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ فُؤَادُهُ، وَلِيَتَأَمَّلَ فِي حَالِهِ، أَمُرْضٍ هُوَ لِرَبِّهِ بِفِعَالِهِ وَقَالِهِ، أَمْ هُوَ عَابِدٌ لِهَوَاهُ؟!!
وَقَدْ ذَكَرَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي ((الزُّهْدِ)) ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَنَّهُ قَالَ: ((حَاسِبُوا أَنْفُسَكُمْ قَبْلَ أَنْ تُحَاسَبُوا، وَزِنُوا أَنْفُسَكُمْ قَبْلَ أَنْ تُوزَنُوا، فَإِنَّهُ أَهْوَنُ عَلَيْكُمْ فِي الْحِسَابِ غَدًا؛ أَنْ تُحَاسِبُوا أَنْفُسَكَمُ الْيَوْمَ، وَتَزَيَّنُوا لِلْعَرْضِ الْأَكْبَرِ، يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ)).
وَذَكَرَ -أَيْضًا- عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: ((لَا تَلْقَى الْمُؤْمِنَ إِلَّا يُحَاسِبُ نَفْسَهُ، مَا أَرَدْتُ بِكَلِمَتِي؟ مَا أَرَدْتُ بِأَكْلَتِي؟ مَا أَرَدْتُ بِشَرْبَتِي؟
وَالْفَاجِرُ يَمْضِي قُدُمَا، لَا يُحَاسِبُ نَفْسَهُ)).
لَا تَلْقَى الْمُؤْمِنَ إِلَّا يُحَاسِبُ نَفْسَهُ، وَأَمَّا الْفَاجِرُ فَيَمْضِي قُدُمًا!!
إِنَّ الْإِنْسَانَ إِذَا أَضَاعَ نَفْسَهُ وَظَلَمَهَا؛ ضَيَّعَ حَظَّهَا مِنْ رَبِّهَا.
قَالَ الْحَسَنُ: ((إِنَّ الْعَبْدَ لَا يَزَالُ بِخَيْرٍ، مَا كَانَ لَهُ وَاعِظٌ مِنْ نَفْسِهِ، وَكَانَتِ الْمُحَاسَبَةُ مِنْ هِمَّتِهِ)).
حَاسِبْ نَفْسَكَ، فَمُحَاسَبَةُ النَّفْسِ وَاجِبَةٌ، حَتَّى لَا يَنْدَمَ الْمَرْءُ وَلَاتَ سَاعَةَ مَنْدَمِ!!
((الْعُمُرُ هُوَ رَأْسُ الْمَالِ))
أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ! اسْأَلُوا اللهَ أَنْ يُعِينَكُمْ عَلَى ذِكْرِهِ وَشُكْرِهِ وَحُسْنِ عِبَادَتِهِ، وَأَنْ يُحْسِنَ لَكَ الْمُسْتَقْبَلَ وَالْخِتَامَ.
وَاعْلَمُوا أَنَّ الْغَبْنَ كُلَّ الْغَبْنِ فِي خُسْرَانِ الْعُمُرِ وَالْأَوْقَاتِ، وَأَنَّ كُلَّ وَقْتٍ يَمُرُّ عَلَيْكَ فِي غَيْرِ طَاعَةِ اللهِ فَإِنَّهُ خَسَارَةٌ وَنَدَامَةٌ، فَالرَّابِحُ مَنِ اغْتَنَمَ عُمُرَهُ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ، وَتَزَوَّدْ فِيهِ بِالْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ؛ لِيَسْعَدَ بِهَا فِي الدُّنْيَا وَبَعْدَ الْمَمَاتِ.
وَالْخَاسِرُ مَنْ فَرَّطَ فِي الْأَوْقَاتِ، وَأَهْمَلَهَا وَتَهَاوَنَ بِالْوَاجِبَاتِ الَّتِي أَوْجَبَ اللهُ عَلَيْهِ وَضَيَّعَهَا.
فَاعْرِفُوا -رَحِمَكُمُ اللهُ- قَدْرَ الْأَوْقَاتِ وَاغْتَنِمُوهَا، وَانْظُرُوا إِلَى سُرْعَةِ الْأَيَّامِ وَاللَّيَالِي وَانْقِضَائِهَا فَأَدْرِكُوهَا، تَرَوْا أَنَّ الْأَوْقَاتَ تُطْوَى خَلْفَكُمْ طَيًّا، وَأَنَّ كُلَّ لَحْظَةٍ تُقَرِّبُكُمْ مِنَ الْآخِرَةِ شَيْئًا فَشَيْئًا.
أَسْأَلُ اللهَ -جَلَّتْ قُدْرَتُهُ، وَتَقَدَّسَتْ أَسْمَاؤُهُ- أَنْ يَمُنَّ عَلَيْنَا بِالْيَقَظَةِ بَعْدَ الْغَفْلَةِ، وَأَنْ يَهْدِيَنَا إِلَى الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ.
المصدر: شَعْبَانُ وَحَصَادُ الْعَامِ