«تفريغ
خطبة وا خوفاه على مصر !!»
الجمعة 20 من
شعبان 1437 هـ الموافق 27/05/2016م
الْخُطْبَةُ الْأُولَى:
إنَّ
الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّـه
مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّـهُ
فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ.
وَأَشْهَدُ
أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّـهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا
عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ -صَلَّى اللَّـهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ.-
أَمَّا
بَعْدُ:
فَإِنَّ
أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّـهِ، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّـهُ عَلَيْهِ
وآلِهِ وَسَلَّمَ-، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ،
وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.
أَمَّا
بَعْدُ:
فقديمًا قيلَ: «الذاكرةُ ملكةٌ مُستبدَّة»، وليس يدري
إلا اللهُ -جلَّ وعلا- لماذا تستدعي الذاكرةُ في هذه الأيام ليلةَ الثاني من يناير
سنةَ اثنيتن وتسعين وأربعمائة وألف، وتستدعي صباحَ ذلك اليوم –صباحَ
الذلِّ في غرناطة.
لماذا تُلِّحُ الذاكرةُ في هذه الأيام على ذِكرى ملوكِ
الطوائف بعَجْزِهم، وخياناتِهم، واستعانتِهم بالكاثوليك في الشَّمال على الممالكِ
المسلمة، وعلى الجيوشِ المسلمة من إخوانِهم.
لماذا تستدعي الذاكرةُ ذِكرى أبي عبد الله الصغير، وهو
آخرُ الملوكِ في الأندلس، وآخرُ الملوكِ في غرناطة، تستدعي الذاكرةُ موقفَهُ وهو
يقتربُ من مقامِ «الملكِ الكاثوليكيِّ الصليبيِّ فرناندوا» الذي كان ينتظرُهُ على
جوادِهِ، وأبو عبد الله الصغير يترجلُ عن جوادِهِ ويسعى إليه ماشيًا على قدميه؛ ليُقَدِّمَ
إليه خاتمَهُ الذهبي الذي يختمُ به المراسيم والقرارات، وليُقَدِّمَ له مفاتيحَ
القلعةِ والقصر وهو يقول: «هذه هي مفاتيحُ الجنَّة»، يُقَدِّمُها لك خويدمُك أبو
عبد الله ثم يمضي إلى مَنْفاه، ثم يُجْهِشُ بالبكاء؛ فيسمعُ قَوْلَ أُمِّهِ الملكة
عائشة تقول له: «ابكِ كالنساء على مُلْكٍ لم تستطع الحفاظَ عليه كالرجال».
الذاكرةُ مَلَكَةٌ مُستبدة، لا يدري إلا اللهُ -جلَّ
وعلا- لماذا تستدعي الذاكرةُ في هذه الأيام ذِكرى الموريسكيين، والموريسكيون:
مفردها موريسكي، والمُورو: هو المُسلمُ بلُغَتِهم ولكنه أُلحِقّ به ما يُصَغِّرُهُ،
فمعناها إذن: المسلمُ الصغير أو المسلمُ الحقير أو المسلمُ الوضيع.
الموريسكيون هؤلاء: هم الذين تَمَّت المعاهدةُ متضمنةً بنودًا تخصُّهم،
هؤلاء مازال ضَغْطُ الصليبيين عليهم بعد الجلاء، حتى صاروا إلى الكاثوليكية ومع
ذلك لم يرحموهم، فعُقِدَت لهم محاكمُ التفتيش، بُدِلَّت المِلَّة، وغُيَّرت
الديانة، وصار المسلمون إلى دينِ الكُفْرِ ومع ذلك كلِّهِ لم يُرحموا.
وفي التاريخ عِبْرَة،
والسعيدُ مَن وُعِظَ بغيرِهِ، وتذكروا من الأندلس الإبادة، هذا إذا جَعَلَ اللهُ -تبارك
وتعالى- للناسِ بَقيَّةً من عقل؛ لأنهم لا يَعصمُهم مِن ذلك كلِّهِ إلا رحمةُ اللهِ
تعالى تشملُهم، وإلا عنايتُهُ تَعمُّهم، يهديهم اللهُ بها إلى سبيلِ الرشاد.
لقد كان يعيشُ في تلك البلاد «طائفةُ المُدَجَّنِين» وهم
الذين أَبْقَوا على بقايا الإسلام في نفوسِهم واحتفظوا ببعضِ تعاليمِهِ وتَسَمَّوا
بأسماءٍ صارت تفارقُ العربيةَ رويدًا رويدًا، يبيعونَ ويشترونَ مِن الكاثوليك حَسَبَ
ما انتهى إلى أيدي الباحثين مِن صكوكِ البيعِ والهِبَة، والتي ما تزال محفوظةً في
بعضِ المكتبات، وفي كثيرٍ مِن الكنائسِ الغربيةِ والكاتدرائيات، وكان هؤلاء المُدَجَّنون
يُضْمرون الإسلام، ولكنْ ليس بالقَدْرِ الذي يجعلُهم يُستشهدون في سبيلِهِ، وكانوا
يَودُّون لو انتهت تلك الحروبُ والمهالكُ والفتن؛ ليُخلِد الجميعُ إلى الراحةِ
والدَّعَةِ.
وكان يعيشُ في تلك البلاد كذلك «طائفةُ التُّجَّار»،
باختلافِ أصنافِهم واختصاصاتِهم، وكانوا يَودُّونَ لتلك الحربِ أنْ تبقى، فهي سِرُّ
قوتِهم وثروتِهم، فمِن خلالِها يبيعونَ ويشترون وتَكْثُرُ أموالُهم، وهم متسامحونَ
متساهلون، ولكنَّهم أكثرُ تَمَسُّكًا مِن الفئةِ الأولى، وهُم إلى الإسلامِ أقربُ
رَغْمَ حِرصِهم على المالِ وجَمْعِهِ.
كما كان يعيشُ في تلك البلاد أصحابُ الحِرَفِ الصغيرة،
وصغارُ الباعةِ والتُّجار، وهؤلاء متمسكونَ بقواعدِ الدين، يحافظونَ على الصلاة،
ويحرصونَ على أحكامِ الإسلامِ، ويُمَثِّلون عددًا كبيرًا وقِطاعًا له أهميته، وكان
هؤلاء الورقةَ الرابحة التي يستخدمُها الملوكُ والحكام عندما يلوِّحُون بورقةِ
الإسلام.
وكذلك كان يعيشُ فيها طبقةٌ رفيعةٌ مِن الفُرسان الذين أتقنوا
فَنَّ الحربِ والقتال، ومَن يُستخدمونَ في مجابهةِ الكاثوليكيين وقِتالِهم، وكان
عددُ هؤلاء يزدادُ مع مَرِّ السنين والأيام، وهؤلاء هُم طبقةُ المجاهدينَ
الصادقين.
وقد كان بين هؤلاء عددٌ ليس بالكثيرِ يحترفُ الحرب،
ويبيعُ فَنَّهُ وقدرتَهُ على القتال لمن يدفعُ أكثر، ومِن بين هذه القِلَّة كانت
البِطانةُ الحقيقيةُ لمَلكٍ يريدُ الاحتفاظَ بعَرْشِهِ بالطريقةِ التي يريد، أو لمُتوثبٍ
لفتنةٍ يرى في نَفْسِهِ كفاءةً وقُدرة لصُنْعِ حربٍ جديدةٍ وعَرْشٍ جديد.
هكذا كان عالَمُ غرناطة في تلك الأيام عَالَمًا غريبًا،
قد اختلطت فيه المفاهيمُ، وامتزجت القِيَمُ غَثُّها وسَمينُها، والكاثوليك يُطْبِقُون
عليه فيخنقونَ أنفاسَهُ، وهو يحاولُ جاهدًا أنْ يَشُقَّ طريقًا إلى الحياة وإلى
التطبيقِ الحقيقيِّ للقرآن، وَرَفْضِ كلِّ الفتاوى الهزيلة المريضة التي غَيَّرَت
الأحكامَ والمبادئَ وَصَنَعَت إسلامًا جديدًا غريبًا في نفوسِ الناس، فقد كان هناك
بجوارِ المجاهدين بالسلاحِ مجاهدونَ آخرونَ يرسمونَ صورةً مُثْلَى نَقيَّةً لِمَا
ينبغي أنْ يكونَ عليه الحال.
وكان يعيشُ في تلك البلادِ الإسلاميةِ آنَذاك قِلَّةٌ
قليلةٌ مِن العلماءِ والأدباءِ؛ قد وَهَبُوا حياتَهُم وأنفسَهم مِنْ أَجْلِ شَرْحِ
القضيةِ الأندلسيةِ لسائرِ أقطارِ المسلمينَ في كلِّ أنحاءِ الأرضِ، فهُم يتجشمونَ
مَئَونةَ السَّفَرِ ونفقتِهِ التي كانت كثيرةً في تلك الأيام لعَمَلِ سفاراتٍ
ناجحة، لعلَّها تجذبُ إلى ذلك البلدِ الذي يُحْتَضَرُ جيوشًا جديدةً؛ يدفعونَ بها
غائلةَ العدوِّ عن ديارِهم المُنْهكة التي أوشكت على السقوط، وقد رَوَت كُتُبُ
التاريخِ أخبارَ هذه الطائفة وَمَشَقَّةَ ما قاموا به من جَهْدٍ في طلبِ النُّصرةِ
والمؤازرة، ورأينَا فَشَلَهُم في كلِّ سفارةٍ وضياعَهم في كلِّ حاضرةٍ من حواضرِ
المسلمين، كان الحكامُ يقولون لهم كلامًا غيرَ مفهوم، ويُقَدِّمُونَ لهم وعودًا
معسولة، وبقيةُ الشَّعْبِ ممن يسمعونَ أخبارَ المأساةِ مِن السُّفراءِ يرفعونَ
أيديَهم بالدُّعاءِ وأصواتَهم بالبُكاء، وكان غايةُ ما يُقَدِّمُونَهُ أنْ يجمعوا
نفقات الرِّحلةِ ليستطيعوا العودةَ إلى ديارِهم ليُدَبِّروا أحوالَهم قبل السقوطِ
المُزْمَعِ أنْ يكون.
ولعلَّ مَن جاوزَ هذا هو «السلطانُ المملوكيُّ المصري
جان بلاط»، الذي خافه فرناندوا فأرسل له سفارةَ تهدئة وردَّ عليه السلطانُ بسفارةٍ
أُخرَى تُهدده، ثم نسي كلُّ واحدٍ منهما ما كان وانشغلَ بما هو فيه.
كان ما تبقى من عالَمِ الإسلامِ في الغرب يوشك على
السقوطِ ثم سقطت غرناطة.
قال الرُندِيُّ يرثي الأندلس:
لكل شيءٍ إذا ما تم نقصانُ فلا يُغرُّ بطيبِ العَيْشِ إنسانُ
فجائعُ الدهر أنواعٌ مُنوَّعةٌ وللزمانِ مسرَّاتٌ وأحزانُ
وللحوادث سُلوانٌ يُهوِّنُها وما لِمَا حَلَّ بالإسلامِ سُلوانُ
دَهَى الجزيرةَ أمرٌ لا عزاءَ له هَوَى له أُحدٌ وانهدْ ثهلانُ
فاسأل بلنسيةً ما بال مَرسِية وأينَ شاطبةٌ أمْ أينَ جَيَّانُ
وأين قُرطبةُ دارُ العلوم فكم من عالمٍ قد سَمَا فيها له شانُ
وأين حِمصٌ وما تحويه من نُزَهٍ ونهرُهُا العَذبُ فيَّاضٌ وملآنُ
قواعدٌ كنَّ أركانَ البلاد فما عسى البقاءُ إذا لم تَبْقَ أركانُ
تبكي الحنيفيةُ البيضاءُ من أسفٍ كما
بكى لفراقِ الإْلفِ هيمانُ
على ديارٍ من الإسلامِ خاليةٍ قد أَقْفَرَت ولها بالكُفْرِ عُمرانُ
حيث المساجد قد صارت كنائسَ ما فيهنَّ إلا نواقيسٌ وصُلبانُ
حتى المحاريبُ تبكي وهي جامدةٌ حتى المنابرُ ترثي وهي عيدانُ
أعندكم نبأٌ عن أهلِ أندلسٍ فقد سَرَى بحديثِ القومِ رُكبانُ؟
كم يستغيثُ بنا المستضعفون وهُم أَسْرَى وَقَتْلَى فَمَا يَهْتَزُّ إنسانُ؟
ماذا التقاُطعُ في الإسلام بينكمُ
وأنتمُ يا عبادَ الله أخدانُ؟
فوا
حسرتاه و وا خوفاه على غرناطةَ الحديثة سَلَّمَها اللهُ.
إنَّ
مِن أسبابِ الخلافِ تَرْك شيءٍ مِن التَّمَسُكِ بالإسلامِ، قالَ ربُّنا -جَلَّ
وعلا-: ﴿وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا
إِنَّا نَصَارَىٰ أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا
بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ﴾
[المائدة: 14]
قال
شيخُ الإسلامِ –رحمه
الله-:
«فأخبرَ
أنَّ نسيانَهم حظًّا مما ذُكِّرُوا به هو تَرْكُ العملِ ببعضِ ما أُمِرُوا به، كان
سببًا لإغراءِ العداوةِ والبغضاءِ بينهم، وهكذا هو الواقعُ في أهلِ مِلَّتِنَا مِثْلَمَا
نَجِدُهُ بين الطوائفِ المُتنازعةِ في أصولِ دينِها وكثيرٍ مِن فُروعِهِ مِن أهلِ الأصولِ
والفروعِ».
وقال
أيضًا:
«أنَّ
سببَ الاجتماعِ والألفةِ جَمْعُ الدينِ والعملِ به كلِّهِ، وهو عبادةُ اللهِ وحده لا
شريك له، كما أَمَرَ به باطنًا، وظاهرًا.
وسببُ
الفُرقة: تَرْكُ حَظٍّ مما أُمِرَ العبدُ بِه، والبغيُ
بينهم.
ونتيجةُ الجماعة:
رحمةُ الله ورضوانُهُ وصلواتُهُ، وسعادةُ الدنيا والآخرة، وبياضُ الوجوه.
ونتيجةُ
الفُرْقة: عذابُ الله ولعنتُهُ، وسوادُ الوجوه، وبراءةُ
الرسول -صلى الله عليه وسلم- منهم».
وقال
أيضًا –رحمه
الله-:
«فمتى
تَرَكَ الناسُ بعضَ ما أَمَرَهَم اللهُ به؛ وَقَعَت بينهم العداوةُ والبغضاء وإذا تَفَرَّقَ
القومُ؛ فَسَدُوا وهَلَكوا، وإذا اجتمعوا صَلحوا ومَلَكوا، فإنَّ الجماعةَ رحمةٌ والفُرْقةُ
عذاب».
وقال
ابنُ عقيل الحنبلي في «الواضحِ في أصول
الفقه» وهو يتحدثُ عن الخصومةِ والجدالِ وعمَّا يحدثُ بسببِهما: «إذا نَفَرَت
النفوسُ؛ عَميت القلوبُ وجَمُدَت الخواطرُ وانسدت أبوابُ الفوائد».
وقد
بيَّن رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-في سُنَّتِهِ أنَّ تَرْكَ بعضِ الأمورِ التي
يتساهلُ كثيرٌ من المسلمين بها تُؤثِّرُ على أخوَّةِ المسلمين ووحدتِهم، فعن أبي مسعود
-رضي الله عنه-قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-«استووا ولا تختلفوا، فتختلف
قلوبُكم».
أخرجهُ
مُسلم.
وعن
النعمان بن بشير -رضي الله عنهما-، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- «لَتُسَوُّنَّ
صُفُوفَكُمْ أَوْ لَيُخَالِفَنَّ اللَّهُ بَيْنَ وُجُوهِكُمْ». متفق
عليه.
قال
النووي عند شرحه لهذا الحديث:
«معناه:
يُوقِعُ بينكم العداوةَ والبغضاءَ واختلافَ القلوبِ، كما يُقال: تَغيَّرَ وجهُ فلان
عليَّ، أي ظهرَ لي مِن وجهِهِ كراهةٌ لي، وتَغَيَّرَ قلبُهُ عليَّ؛ لأنَّ مخالفتَهم
في الصفوفِ مخالفةٌ في ظواهرِهِم واختلافُ الظواهرِ سببٌ لاختلافِ البواطن».
وعن
أبي هريرة -رضي الله عنه-قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:
«لا
يزالُ الدينُ ظاهرًا ما عَجَّلَ الناسُ الفِطْرَ لأنَّ اليهودَ والنصارى يُؤخِّرُونَ».
رواه أبو داوود.
وجاء
عن سهل بن سعدٍ -رضي الله عنه- بلفظٍ: «لَا يَزَالُ النَّاسُ بِخَيْرٍ مَا عَجَّلُوا
الْفِطْرَ». متفق عليه.
قال
شيخ الإسلام:
«وهذا
نصٌّ في أنَّ ظهورَ الدينِ الحاصل بتعجيلِ الفِطرِ هو لأجلِ مخالفةِ أهلِ الكتاب، وإذا
كانت مخالفتُهم سببًا لظهورِ الدينِ فإنَّما المقصودُ بإرسالِ الرُّسُلِ أنْ يظهرَ
دينُ اللهِ على الدينِ كلِّهِ، فتكونُ نَفْسُ مخالفتِهم مِن أكبرِ مقاصدِ البعثة».
أخرج
الأمامُ أحمد وأبو داوود بإسنادٍ صحيح عن ثوبان -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله
-صلى الله عليه وسلم-: «يُوشِكُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمُ الأُمَمُ كَمَا
تَدَاعَى الأَكَلَةُ إلَى قَصْعَتِهَا».
وقد
وَقَعَ ما أَخبرَ به رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-.
وَلَستُ أمَلُّ مِن تَذكيرِ إِخوانِنا
وَبَنِي وَطنِنا علَى اختِلافِ وِجهَاتِهِم وعلَى تنَافُرِ اتجاهَاتِهِم، بَل علَى
اختلِافِ الدِّينِ عِندَهُم، الكُلُّ مُستَهدفٌ وَالكلُّ مَطلوبٌ.
فِي «سِفرِ
إشعياءَ» فِي «الأَصحَاحِ التاسِعَ عَشَر»:
«وَحْيٌ مِنْ جِهَةِ مِصْرَ: هُوَ ذَا الرَّبُّ
رَاكِبٌ عَلَى سَحَابَةٍ سَرِيعَةٍ وَقَادِمٌ إِلَى مِصْرَ، فَتَرْتَجِفُ أَوْثَانُ
مِصْرَ مِنْ وَجْهِهِ، وَيَذُوبُ قَلْبُ مِصْرَ دَاخِلَهَا, وَأُهَيِّجُ مِصْرِيِّينَ
عَلَى مِصْرِيِّينَ، فَيُحَارِبُونَ كُلُّ وَاحِدٍ أَخَاهُ وَكُلُّ وَاحِدٍ صَاحِبَهُ:
مَدِينَةٌ مَدِينَةً، وَمَمْلَكَةٌ مَمْلَكَةً, وَتُهْرَاقُ رُوحُ مِصْرَ دَاخِلَهَا،
وَأُفْنِي مَشُورَتَهَا...».
يَقصِدُ:
أنَّهُ لن يُسمَع لِصوتِ العُقلاءِ مِن أبنَاءِ الشعبِ؛ حتَّى لَا يُفسِدوا
عَليهِم مُخطَّطاتِهِم.
«وَأُفْنِي مَشُورَتَهَا، فَيَسْأَلُونَ الأَوْثَانَ
وَالْعَازِفِينَ وَأَصْحَابَ التَّوَابعِ وَالْعَرَّافِينَ, وَتُنَشَّفُ الْمِيَاهُ
مِنَ الْبَحْرِ».
المَقصُودُ هُنَا:
تَجفِيفُ مِياهِ نَهرِ النِّيل؛ لِأنَّهُم قَدِيمًا كَانوا يُطلِقُونَ علَى نَهرِ
النِّيل البَحر, وَمَازَال بَعضُ أَهلِ الجَنوبِ يَفعَلُون.
قال:
«وَتُنَشَّفُ الْمِيَاهُ مِنَ الْبَحْرِ، وَيَجِفُّ النَّهْرُ وَيَيْبَسُ،
وَتُنْتِنُ الأَنْهَارُ».
إِشَارَةٌ إِلَى؛ المُحاوَلاتِ
اليَهودِيَّة الدَّائبَةِ لِتجفِيفِ مَنَابِعِ النِّيل, التِي فِي أثيوبيَا عَن
طريقِ الاتِّفاقِيَّات.
«وَيَجِفُّ النَّهْرُ وَيَيْبَسُ،
وَتُنْتِنُ التُّرَعُ وَالأَنْهَارُ وَتَضعُفُ, وَتَجِفُّ سَوَاقِي مِصْرَ، وَيَتْلَفُ
الْقَصَبُ وَالأَسَلُ, وَالرِّيَاضُ عَلَى النِّيلِ عَلَى حَافَةِ النِّيلِ، وَكُلُّ
مَزْرَعَةٍ عَلَى النِّيلِ تَيْبَسُ وَتَتَبَدَّدُ وَلاَ تَكُونُ,
وَالصَّيَّادُونَ يَئِنُّونَ، وَكُلُّ الَّذِينَ يُلْقُونَ شِصًّا فِي النِّيلِ يَنُوحُونَ,
وَالَّذِينَ يَبْسُطُونَ شَبَكَةً عَلَى وَجْهِ الْمِيَاهِ يَحْزَنُونَ.
وَيَخْزَى الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الْكَتَّانَ
الْمُمَشَّطَ، وَالَّذِينَ يَحِيكُونَ الأَنْسِجَةَ الْبَيْضَاءَ, وَتَكُونُ عُمُدُهَا
مَسْحُوقَةً، وَكُلُّ الْعَامِلِينَ بِالأُجْرَةِ مُكْتَئِبِي النَّفْسِ, مَزَجَ الرَّبُّ
فِي وَسَطِهَا –أَيْ:
فِي وَسَطِ مِصرَ حَفِظَهَا اللهُ تَعَالَى- رُوحَ غَيٍّ، فَأَضَلُّوا مِصْرَ فِي كُلِّ
عَمَلِهَا، كَتَرَنُّحِ السَّكْرَانِ فِي قَيْئِهِ».
إِنْ
تَعجَب فَاعجَب مِن غَفلَتِنَا, لَا تَعجَب مِن مَكرِ القَوم!!
إِنْ
تَعجَب فَاعجَب مِن غَفلَتِنَا إِذْ هَذا الكَلامُ نَسمَعُهُ, وَهُوَ بَينَ
أَيدِينَا نَقرَؤه, ثُمَّ لَا يُؤثِّر فِينَا عَمَلًا, وَلَا يُحرِّك فِينَا
فِكرًا, بَلْ نَمُرُّ عَلَيهِ مَرَّ الكِرَامِ عَلَى اللَّغوِ!!
وَمَا
هُوَ عِندَ القَومِ بِاللَّغوِ, هُوَ وَحيٌ مُوحَى, وَكَلامٌ مُقدَّسٌ, وَوَعدٌ
مَوعُودٌ, وَلَابُدَّ مِن تَحقِيقِهِ وَإِنجَازِهِ فِي هَذا الوُجودِ, وَهُم
يَعمَلُونَ لَهُ مُنذُ كَانَ بَينَ أَيدِيهِم مُفتَرًى, وَتَحتَ أَعيُنِهِم
مُختَلَقًا, يَعمَلُونَ لَهُ بَصَبرٍ دَءُوب, وَبِهِمَّةٍ لَا تَكِلّ, وَبِمَكرٍ
زَائدٍ عَنِ الحَدِّ.
فَإِن
تَعجَب فَلَا تَعجَب مِن مَكرِ هَؤلَاءِ, وَإِنَّمَا أَعجَب إِنْ عَجِبتَ مِن غَفلَتِنَا
نَحنُ, مِن ضِيقِ عَطَنِنَا, مِن ضِيقِ أُفُقِنَا, مِن ضِيقِ طَرِيقِنَا وَقَد
وَسَّعَ اللهُ عَلَينَا!!
إِنْ
تَعجَب فَاعجَب مِن قَومٍ نِيَامٍ لَا يَنتَبِهُونَ, فِي سُبَاتِ لَا
يَستَيقِظُون, وَفِي بُلَهنِيَةٍ لَا يَنتَبِهُون!!
إِنْ
تَعجَب فَاعجَب مِن أَقوَامٍ تَرعَى النِّيرَانُ فِي ثِيَابِهِم, لَا؛ بَلْ فِي
أَطرَافِهِم, فِي أَجسَادِهِم ثُمَّ لَا يُفِيقُونَ مِن سَكرَتِهِم, وَلَا
يَنتَبِهُونَ مِمَّا هُم فِيهِ تَائهُون, وَلَا يَأتَلِفُونَ وَلَا يَتَّحِدونَ
وَلَا عَلَى الحَقِّ يَجتَمِعُون!!
بَدَّدَت
ثَارَاتِهِم أَهوَاؤهُم, وَصَارُوا فِي كُلِّ وِجهَةٍ يَتَعَادُونَ
وَيَتَنَاحَرُونَ؛ لِأنَّ أَعداءَهُم رَبَّوْا شَبَابَهُم عَلَى أَعيُنِهِم
بِنِفَايَاتِ القُرُونِ وَالقُرُون, فَصَارُوا يَعمَلُونَ عَلَى مَا عِندَهُم مِن
ذَلِكَ المَخزُون, وَهُوَ مِن أَسَاطِيرِ القُرونِ الغَابِرَةِ, وَمِن وَحيِ
الشَّيَاطِينِ المُعَاصِرَةِ, وَهُم يَأتُونَ بِهَذَا كُلِّه لِكَي يُحَقِّقُوا
النُّبوءة «مَزَجَ الرَّبُّ فِي وَسَطِهَا –أَيْ:
فِي وَسَطِ مِصرَ- رُوحَ غَيٍّ».
يُشِيرُ
إِلَى؛ التَّهيِيجِ الذِي يَحدُث فِي الشَّوَارِع بَينَ النَّاس, ثُمَّ يُؤدِّي
بَعدَ ذَلكَ إِلَى التَّصعِيدِ وَالفَوضَى.
«مَزَجَ
الرَّبُّ فِي وَسَطِهَا -أَيْ: فِي وَسَطِ مِصرَ -حَفِظَهَا اللهُ- رُوحَ غَيٍّ»؛
تَخَالَفَ بِهَا النَّاسُ وَتَدَابَرُوا، لَا تَجِدُ اثنَينِ عَلَى قَلبِ رَجُلٍ
وَاحدٍ؛ لِأَنَّهُم شَغَلُوهُم بَالمَذاهِبِ تَتَعَاقَب حَتَّى وَصَلُوا بِهِم
إِلَى الهَزلِ مَحضًا, وَالهَدَرِ صِرفًا وَبَحتًا, وَقَومِي يُحسِنُونَ
التَّقلِيد لَا كَمَا تُحسِنُ القُرُود –مَعَاذَ
اللهِ- بَلْ أَعظَمَ وَأَجَلَّ!!
«مَزَجَ
الرَّبُّ فِي وَسَطِهَا رُوحَ غَيٍّ, فَأَضَلُّوا مِصْرَ فِي كُلِّ عَمَلِهَا، كَتَرَنُّحِ
السَّكْرَانِ فِي قَيْئِهِ, فَلاَ يَكُونُ لِمِصْرَ عَمَلٌ يَعْمَلُهُ رَأْسٌ أَوْ
ذَنَبٌ، نَخْلَةٌ أَوْ أَسَلَةٌ، فِي ذلِكَ الْيَوْمِ تَكُونُ مِصْرُ كَالنِّسَاءِ،
فَتَرْتَعِدُ وَتَرْجُفُ مِنْ هَزَّةِ يَدِ رَبِّ الْجُنُودِ الَّتِي يَهُزُّهَا عَلَيْهَا».
وَرَبُّ
الجُنُود: هُوَ رَبُّهُم الذِي اختَرَعُوهُ,
القَاسِي العَنِيد، الَّذِي هُوَ كَمَصَّاصِ الدِّمَاء, صَنَعُوهُ مِن خَيَالهِم
وَخَيَالُهُم دَمَوِيٌّ, مِن أَسَاطِيرِهِم، وَأَسَاطِيرُهُم شَيطَانِيَّة,
فَاتَّخَذُوا لَهُم رَبًّا يَعبُدُونَهُ -(يَهوَه) هُوَ رَبُّ الجُنُود-,
يَتَوَعَّدُ مِصرَ فِي الأَسفَارِ تَوَعُّدًا عَجِيبًا علَى لِسَانِ أَنبِيَائِهِ
المُدَّعِين!!
هَذَا
«إِرمِيَا» يَقُولُ:
«تَصْعَدُ
مِصْرُ كَالنِّيلِ، وَكَأَنْهَارٍ تَتَلاَطَمُ أَمْوَاهُهَا, فَيَقُولُ: أَصْعَدُ وَأُغَطِّي
الأَرْضَ, أُهْلِكُ الْمَدِينَةَ وَالسَّاكِنِينَ فِيهَا، اصْعَدِي أَيَّتُهَا الْخَيْلُ،
وَهِيجِي أَيَّتُهَا الْمَرْكَبَاتُ، فَهذَا الْيَوْمُ لِلسَّيِّدِ رَبِّ الْجُنُودِ,
يَوْمُ نَقْمَةٍ لِلانْتِقَامِ مِنْ مُبْغِضِيهِ، فَيَأْكُلُ السَّيْفُ وَيَشْبَعُ
وَيَرْتَوِي مِنْ دَمِهِمْ –أَيْ:
مِن دَمِ المِصرِيِّين-، أُهْلِكُ الْمَدِينَةَ وَالسَّاكِنِينَ فِيهَا»!!
لَعَلَّهُ
نَسِيَ أَنْ يَقُولَ, وَلَعَلَّهُ غَيَّبَه: بِأَيدِي أَبنَائهَا؛ يُحرِقُونَهَا,
يُدَمِّرُونَهَا, يُرِيقُونَ دِمَاءَ إِخوانِهِم, وَيُشعِلُونَ الحَرائقَ فِي
كُلِّ مَكَانٍ, يُبَدِّدُونَ طَاقَاتِهِم, وَيُخَرِّبُونَ علَى أَنفُسِهِم
ثَروَاتِهِم!!
وَأُهَيِّجُ
مِصْرِيِّينَ عَلَى مِصْرِيِّينَ، حَتَّى يَكُونُ الأَخُ يَقتُلُ أَخَاهُ,
وَحَتَّى يَسبِي الأَخُ أَخَاهُ!!
يَتَقَاتَلُونَ
مَدِينَةً مَدِينَة، يَتَقَاتَلُونَ قَريَةً قَريَة؛ فِي كُلِّ شَارِعٍ وَفِي
كُلِّ زُقَاقٍ, يُرِيقُ دَمَ المِصرِيينَ!!
«يَأْكُلُ
السَّيْفُ وَيَشْبَعُ وَيَرْتَوِي مِنْ دَمِهِمْ» أَيْ: مِن دَمِ المِصرِيينَ!!
يَقُولُ:
«هَذَا الْيَوْمُ لِلسَّيِّدِ رَبِّ الْجُنُودِ, هُوَ يَوْمُ نَقْمَةٍ لِلانْتِقَامِ
مِنْ مُبْغِضِيهِ، فَيَأْكُلُ السَّيْفُ وَيَشْبَعُ وَيَرْتَوِي مِنْ دَمِهِمْ,
اصْعَدِي إِلَى جِلْعَادَ وَخُذِي بَلَسَانًا يَا عَذْرَاءَ بِنْتَ مِصْرَ, بَاطِلًا
تُكَثِّرِينَ الْعَقَاقِيرَ, لاَ رِفَادَةَ لَكِ, قَدْ سَمِعَتِ الأُمَمُ بِخِزْيِكِ،
وَقَدْ مَلأَ الأَرْضَ عَوِيلُكِ!!»
يَتَوَعَّدُونَ
شَرَفَكُم, وَيَتَرَبَّصُونَ بِأَعرَاضِكُم, حَتَّى لَا يَبقَى فِي مِصرَ عَذَراءُ
وَاحِدَة!!
هَذَا
وَحيٌ مُوحًى كَمَا يَعتَقِدُون!! هَذِهِ هِيَ النُّبُوءةُ!!
هَذَا
مَا يَسعُونَ إِلَيهِ سَعيًا حَثِيثًا لَا تَوَانِيَ فِيهِ, وَلَا نُقُوصَ عَنهُ!!
إِنَّ
العَذَارَى مِن بَنَاتِكُم, وَأَخَوَاتِكُم, وَبَنَاتِ بَنِي دِينِكُم, وَبَنَاتِ
بَنِي وَطَنِكُم, يُهَدَّدْنَ هَذَا التَّهدِيدَ؛ وَلَا تَبقَى فِي مِصرَ عَذرَاءُ
وَاحِدَة!!
هِيَ
الفَوضَى الَّتِي قَالَتهَا (كُونْدُو) الحَيزَبُون مِن قَبلُ, وَلَم يَقِف
عِندَهَا قَومِي!!
وَيحَهُم,
لِمَ لَمْ يَقِفُوا عِندَهَا؟!
يَظُنُّونَ
هَؤلَاءِ عَابِثِين؟! يَظُنُّونَهُم لَاهِينَ لَاعِبِين؟!!
إِنَّ
المَكرَ إِنَّمَا يُكَادُ كَيدًا فِي الكُهُوفِ التَّورَاتِيَّةِ المُظلِمَةِ مِن
بَنِي صُهيُونَ وَمِنَ الصَّلِيبِيِّينَ, وَيَخرُجُ مِن تِلكَ الكُهُوفِ
المُظلِمَةِ مَصكُوكًا مِن أَجلِ أَنْ يَكُونَ تَحتَ أَعيُنِكُم مَنشُورًا, ثُمَّ
لِيُنَفَّذَ وَيُطَبَّقَ تَحتَ أَعيُنِكُم, وَبِأَيدِيكُم أَنتُم!!
وَيحَكُم
أَلَمْ تَسمَعُوهَا قَبلُ وَهِيَ تَتَكَلَّمُ عَن مَشرُوعِهَا؟!
وَهُوَ
مَشرُوعُ الغَربُ الصَّلِيبيُّ, يُحَرِّكُهُ المَشرُوعُ الصُّهيُونِي, كُلُّ
ذَلِكَ مِن أَجلِ إِنشَاءِ الهَيكَلِ الثَّالِث؛ لِأَنَّهُ لَا يَأتِي مَسيحُهُم
إِلَّا بِبِنَاءِ هَيكَلِهِم تَحتَ أَنقَاضِ المَسجِدِ الأَقصَى الَّذِي لَابُدَّ
عِندَهُم مِن إِزَالَتِهِ.
مَدِينَةُ
الرَّبِّ لَابُدَّ أَنْ تَتَحَرَّرَ مِن أَعدَائِهِ -يَعنِي: مِنَ المُسلِمِينَ-,
فَلَا يَبقَى فِيهَا إِلَّا أَبنَاءُ يَعقُوب, إِلَّا بَنُو إِسرَائيل؛ لِأَجلِ
بِنَاءِ الهَيكَلِ الثَّالِثِ, تَضَافَرُوا عَلَى العَقِيدَةِ بِهِ لِقُدُومِ
مَسِيحِهِم!!
تَدرِي
مَن هُوَ؟! هُوَ المَسِيحُ الدَّجَالُ!!
فَهُم
لِهَذا الاعتِقَادِ يَعمَلُونَ, وَلَيسَ هَذَا الَّذِي أَقُولُ خَيَالًا وَلَا مِن
وَحْيِ الظُّنُون, اقرَؤوا «النُّبُوءة وَالسِّيَاسَة» لِـ (جِرِيس هَالَسِل),
اقرَؤوا عَن «المُحَافِظِينَ الجُدُد», اقرَؤوا عَن «الصُّهيُونِيَّة
المَسِيحِيَّة», اقرَؤوا عَن «المَسِيحِ اليَّهُودِي», لمَاذَا لَا تَقرَؤون؟!
لمَاذَا
لَا تَقرَؤون؟! وَلِمَاذَا إِذَا قَرَأَ بَعضُكُم لَا يَفهَمُون؟!
وَلمَاذَا
إذَا فَهِمُوا لَا يَعمَلُون؟!
وَيحَكُم...
هُوَ وُجُودِكُم وَمَصِيرُكُم!!
مِن
أَجلِ تَحقِيقِ مُعتَقَدِهِم لَابُدَّ مِن تَقسِيمِ المَنطِقَةِ إِلَى دُوَيلَاتٍ
طَائفِيَّةٍ مُتنَازِعَةٍ, مُتَناحِرَةٍ, مُتَقَاتِلَةٍ, مُتَبَدِّدَةٍ,
مُتَنَاثِرَةٍ, مُتَبَعثِرَةٍ!! وَهُوَ الَّذِي عُرِفَ بمَشرُوعِ (كُوندُو).
قَالَت:
«لَابُدَّ مِن أَجلِ الوُصولِ إِلَيهِ مِن إِحدَاثِ الفَوضَى الخَلَّاقَة»
مَا
الفَوضَى الخَلَّاقَةُ هَذِهِ؟
هِيَ
تَفكِيكُ المُجتَمَعِ المِصرِيِّ، ثُمَّ إِعَادَةِ تَركِيبِهِ علَى الأَجِندَةِ
الصُّهيُوصَلِيبِيَّةِ.
الفَوضَى
الخَلَّاقَةُ: هِيَ تَفكِيكُ المُجتَمَعِ المِصرِيِّ،
ثُمَّ إِعَادَةِ تَركِيبِهِ علَى الأَجِندَةِ الصُّهيُوصَلِيبِيَّةِ، هذه هي
الفَوضَى الخَلَّاقة.
الفَوضَى الخَلَّاقَةُ:
تَفكِيكُ المُجتَمَعِ المِصرِيِّ, وَقِسْ عَلَيهِ كُلَّ مُجتَمَعٍ يُفَكَّكُ, يَكُونُ
دَاخِلًا فِي أَرضِ المِيعَادِ؛ مِن أَجلِ إِنشَاءِ مَا يُسَمَّى بِالشَّرقِ الأَوسَطِ
الجَدِيدِ!!
هَذِهِ الحُدُود وَهَذِهِ المَعَالِم... هَذِهِ الأَعرَافِ...
هَذِهِ الأَديَانِ لَابُدَّ أَنْ تُغَيَّرَ!!
وَلَابُدَّ
أَنْ يَكُونَ هَذا الشَّرقُ قَطعَةً مِنَ الغَربِ بِمَبَاذِلِهِ, بِإِلحَادِهِ وَكُفرِهِ,
بِشَهَوَاتِهِ وَنَزَوَاتِهِ، بِطُغيَانِهِ وَفُجُورِهِ, وَلَكِنْ بِمُستَوًى أَقَل،
إِذْ هُمْ لَا يَرْقُونَ إِلَى هَذَا المُستَوَى الأَعلَى.
هَؤلَاءِ الأُمَمِيُّونَ –الجُويِيم-
أَقَلُ مِنَ الحَيوانَاتِ عِندَ السَّادَةِ مِن أَبنَاءِ الرَّبِّ الإِلَهِ رَبِّ
الجُنُود -كَمَا يَزعُمُونَ-, فَالأُمَمِيُّونَ عِندَهُم أَقَلُّ مِنَ الخَنَازِيرِ!!
فِي «التَّلمُودِ»:
«إِنْ استَطَعتَ أَنْ تَقتُلَ أُمَمِيًّا مِن مُسلِمٍ أَوْ نَصرَانِي بَحَيثُ لَا
يَرَاكَ أَحَد فَافعَل، فَإِنَّمَا تَتَقَرَّبُ بِدَمِهِ إِلَى الرَّبِّ الإِلَهِ
رَبِّ الجُنُودِ»!!
كَذَا
تَعَالِيمُهُم، وَضَعَهَا حَاخَامَاتُهُم فِي كُتُبِهِم الَّتِي يُقَدِّسُونَهَا وَبِهَا
يَعتَقِدُونَ وَإِلَيهَا يَفِيئُونَ!!
تَأَمَّل
فِي «سِفرِ حِزقِيَال»:
«وَتَكُونُ
أَرْضُ مِصْرَ مُقْفِرَةً وَخَرِبَةً، فَيَعْلَمُونَ أَنِّي أَنَا الرَّبُّ، لأَنَّهُ
قَالَ: النَّهْرُ لِي وَأَنَا عَمِلْتُهُ, لِذلِكَ هاأَنَذَا عَلَيْكِ وَعَلَى أَنْهَارِكِ،
وَأَجْعَلُ أَرْضَ مِصْرَ خِرَبًا خَرِبَةً مُقْفِرَةً، مِنْ مَجْدَلَ إِلَى أَسْوَانَ،
إِلَى تُخْمِ كُوشَ, لاَ تَمُرُّ فِيهَا رِجْلُ إِنْسَانٍ، وَلاَ تَمُرُّ فِيهَا رِجْلُ
بَهِيمَةٍ، وَلاَ تُسْكَنُ أَرْبَعِينَ سَنَةً.
وَأَجْعَلُ
أَرْضَ مِصْرَ مُقْفِرَةً فِي وَسْطِ الأَرَاضِي الْمُقْفِرَةِ، وَأَجْعَلُ
مُدُنَهَا فِي وَسْطِ الْمُدُنِ الْخَرِبَةِ تَكُونُ مُقْفِرَةً أَرْبَعِينَ سَنَةً,
وَأُشَتِّتُ الْمِصْرِيِّينَ بَيْنَ الأُمَمِ، وَأُبَدِّدُهُمْ فِي الأَرَاضِي؛
لأَنَّهُ هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ: عِنْدَ نَهَايَةِ أَرْبَعِينَ سَنَةً أَجْمَعُ
الْمِصْرِيِّينَ مِنَ الشُّعُوبِ الَّذِينَ تَشَتَّتُوا بَيْنَهُمْ, وَأَرُدُّ سَبْيَ
مِصْرَ، وَأُرْجِعُهُمْ إِلَى أَرْضِ فَتْرُوسَ، إِلَى أَرْضِ مِيلَادِهِمْ، وَيَكُونُونَ
هُنَاكَ مَمْلَكَةً حَقِيرَةً, تَكُونُ أَحْقَرَ الْمَمَالِكِ فَلاَ تَرْتَفِعُ بَعْدُ
عَلَى الأُمَمِ، وَأُقَلِّلُهُمْ لِكَيْ لَا يَتَسَلَّطُوا عَلَى الأُمَمِ!!»
هَذَا
يَعتَبِرُونَهُ وَحيًا أَوحَاهُ الرَّبُّ رَبُّ الجُنُودِ إِلَى أَنبِيَائِهِم,
هُم يَعتَقِدُونَهُ وَيَسعَونَ إِلَى تَنفِيذِهِ لِكَي يَكُونَ وَاقِعًا علَى
الأَرضِ, وَالصُّهيُونِيَّةِ المَسِيحِيَّةِ مِن أَدَواتِ تَحقِيقِ هَذَا الوَعدِ
المَوعُود.
فَإِنَّهُ
صَارَ مِنَ النَّصَارَى مِنَ الصَّلِيبِيِّينَ مَنْ يَعتَقِدُ هَذِهِ الأُمُور,
وَيَسعَى جَاهِدًا مِن أَجلِ تَحقِيقِهَا علَى الأَرضِ, مِنهُم (أُوبَامَا)
وَمِنهُم مَنْ كَانَ قَبلَهُ (بُوش الابن), لَقَد كَانَ مِنَ المُحَافِظِينَ
الجُدُد, وَكَانَ مُتَعَصِّبًا غَايَةَ التَّعَصُّب, وَمَا أَتَى بِهِ مِن تَدمِيرٍ
لِأَفغَانِستَان وَلِلعِرَاقِ, وَمَا زَرَعَهُ مِنَ الفِتَنِ, وَمَا أَوقَعَهُ
بِدِيَارِ المُسلِمِينَ مِنَ المِحَنِ، كُلُّ ذَلِكَ كَانَ عَن عَقِيدَة؛ لِأنَّهُ
قَالَ: «هِيَ حَربٌ صَلِيبِيَّةٌ», وَادَّعَى أَنَّ المَسِيحَ يَأتِي إِلَيهِ
لِيُرشِدَهُ وَلِيَدُلَّهُ عَلَى مَا يَعمَلُهُ!!
أَمَّا
أَنتُم.. فَأَينَ أَنتُم؟!!
لَا
تُرِيدُونَ أَنْ تَعرِفُوا مَا يُرَادُ بِكُم وَمَا يُدَبَّرُ لَكُم, لَا أَقُولُ
بِلَيلٍ؛ بَلْ عَلَى قَارِعَةِ الطَّرِيق!!
قَالَ:
«عَبَثًا تَصنَعِينَ يَا بِنتَ مِصر»
يُرِيدُ
مَا يُصِيبُ المِصرِيَّاتِ مِنَ العُقْمِ؛ وَلَعَلَّهُم بَلَغُوا مِن ذَلِكَ
مَبلَغَه, وَهُم جَادُّونَ فِي تَحدِيدِ نَسْلِهَا!!
قَالَ:
«وَيَعْلَمُ كُلُّ سُكَّانِ مِصْرَ أَنِّي أَنَا الرَّبُّ، مِنْ أَجْلِ كَوْنِهِمْ
عُكَّازَ قَصَبٍ لِبَيْتِ إِسْرَائِيلَ, عِنْدَ مَسْكِهِمْ بِكَ بِالْكَفِّ انْكَسَرْتَ,
وَمَزَّقْتَ لَهُمْ كُلَّ كَتِفٍ، وَلَمَّا تَوَكَّئوا عَلَيْكَ انْكَسَرْتَ, وَقَلْقَلْتَ
كُلَّ مُتُونِهِمْ»
مَاذَا
يُرِيدُونَ؟ وَمَتَى تَستَيقِظُونَ؟!
هَذَا
لَيسَ بِكَلامٍ غَبَرَ علَى القُرُونِ, وَإِنَّمَا هُوَ كَلَامٌ يُفعَّلُ تَمَامًا
كَالمُعَادَلَاتِ الَّتِي علَى أَسَاسِهَا يُنتِجُونَ الوَقُودَ النَّوَوِيَّ فِي
مُفَاعِلَاتِهِم, هُوَ هَذَا الَّذِي يَصنَعُون، هذا كَهَذَا سَوَاءً بِسَوَاءٍ,
بَلْ إِنَّ مَا يَصنَعُونَ مِمَّا يَصنَعُوهُ مِن أَجلِ تَحقِيقِ هَذَا الوَعدِ
المَكتُوبِ أَجَلُّ وَأَعظَمُ, وَلَكِنَّ قَومِي لَا يَعلَمُون, فَمَاذَا نَصنَع؟!
قَالَ
«حِزقِيَالُ» فِي «الأَصحَاحِ
الثَّلَاثِين»:
«هكَذَا
قَالَ الرَّبُّ: وَيَسْقُطُ عَاضِدُوا مِصْرَ...»
يَعنِي:
الَّذِينَ يُؤازِرُونَهَا وَيُعَاضِدُونَهَا, وَيَقِفُونَ مَعَهَا
يُسَانِدُونَهَا, يَسقُطُون!!
«هكَذَا
قَالَ الرَّبُّ: وَيَسْقُطُ عَاضِدُوا مِصْرَ، وَتَنْحَطُّ كِبْرِيَاءُ عِزَّتِهَا,
مِنْ مَجْدَلَ إِلَى أَسْوَانَ يَسْقُطُونَ فِيهَا بِالسَّيْفِ، يَقُولُ الرَّبُّ
السَّيِّدُ: فَتُقْفِرُ فِي وَسْطِ الأَرَاضِي الْمُقْفِرَةِ، وَتَكُونُ مُدُنُهَا
فِي وَسْطِ الْمُدُنِ الْخَرِبَةِ, فَيَعْلَمُونَ أَنِّي أَنَا الرَّبُّ عِنْدَ إِضْرَامِي
نَارًا فِي مِصْرَ، وَيُكْسَرُ جَمِيعُ أَعْوَانِهَا» وَكَذِلَكَ يَصنَعُون!!
يَقُولُ
«يُوإِيل»:
«مِصْرُ
تَصِيرُ خَرَابًا، وَأَدُومُ تَصِيرُ قَفْرًا خَرِبًا، مِنْ أَجْلِ ظُلْمِهِمْ لِبَنِي
يَهُوذَا»
لَمْ
يَنسَوْا مَا كَانَ مِن استِعبَادِ فَرعَونَ وَقَومِهِ لِأَسلَافِهِم, يَقُولُونَ
فِي كِتَابِهِم الَّذِي ائتَفَكُوهُ: «مِنْ أَجْلِ ظُلْمِهِمْ لِبَنِي يَهُوذَا»
كَمَا
أَنَّ المُعَاصِرِينَ مِنهُم أَيضًا لَمْ يَنسَوُا مَا كَانَ في يَومَ قُرَيظَةَ
جَزَاءَ خِيَانَتِهِم, وَإِنَّمَا هُوَ عُرفٌ مَعمُولٌ بِهِ وَكَانَ شَرعًا
مُنَزَّلًا, وَصَارَ عِندَ الكَافِرِينَ أَنفُسِهِم عُرْفًا عَسكَرِيًا قَانُونِيًّا
مَعمُولًا بِهِ؛ وَهُوَ جَزَاءُ الخِيَانَةِ القَتل, جَزَاءُ الخِيَانَةِ القَتلُ.
أَيَخُونُ إِنسَانٌ بِلَادَه!
إِنْ خَانَ مَعْنَى أَنْ يَكُونَ فَكَيفَ يُمكِنُ أَنْ يَكُون؟!
إِذَنْ لَا يَكُون!!
فَلَمَّا خَانُوا رَسُولَ اللهِ ﷺ وَظَاهَرُوا عَلَيهِ
حَاصَرَهُم, وَنَزَلُوا علَى حُكمِ سَعدِ بنِ مُعَاذٍ –رَضِيَ
اللهُ عَنهُ-, وَقُتِلَ مُقَاتِلَتُهُم وَسُبِيَت ذَرَارِيُّهُم مِمَّا لَم يُنبِت
وَنِسَاؤهُم.
فَمَازَالُوا إِلَى يَومِ النَّاسِ هَذَا -كَذَلِكَ
يَقُولُونَ هَذَا- قَالُوهَا عِندَ مَا سَمَّوْهُ بِـ (حَائطِ المَبكَى) وَهُوَ
(حَائطُ البُرَاق), يَتَرَاقَصُونَ هُنَالِكَ كَالقِرَدَةِ: يَا لَثَارَاتِ
قُرَيظَة, يَا لَثَارَاتِ خَيبَر!!
وَكَمَا فِي نَشِيدِهِم فِي حَرَكَةِ (كَاخ)؛ وَهِيَ
يَهُودِيَّةٌ صُهيُونِيَّةٌ مُتَطَرِّفَةٌ إِرهَابِيَّةٌ, وَكُلُّهُم يَا صَاحِبِي
مُتَطَرِّفُونَ إِرهَابِيُّونَ!!
يَقُولُ نَشِيدُهُم:
مُحَمَّد مَات... خَلَّف بَنَات... مُوسَى مَات...
خَلَّف زَلَمَات -جَمعُ زَلَمَة, وَالزَّلَمَةُ: الرَّجُلُ-.
فَهَل خَلَّفَ مُحَمَّدٌ بَنَاتٍ حَقًّا؟! أَجِيبُوا
أَنتُم!!
«مِصْرُ
تَصِيرُ خَرَابًا، وَأَدُومُ تَصِيرُ قَفْرًا خَرِبًا، مِنْ أَجْلِ ظُلْمِهِمْ لِبَنِي
يَهُوذَا, الَّذِينَ سَفَكُوا دَمًا بَرِيئًا فِي أَرْضِهِمْ»
عِبَادَ
اللهِ؛ مَا عِندَ اللهِ لَا يُنَالُ إِلَّا بِطَاعَتِهِ, وَمَا أَصَابَ الوَاحِدَ
مِنَّا مِن شَيءٍ يَسُوؤُهُ إِلَّا بِذَنبٍ، مَا وَقَعَ بَلَاءٌ إِلَّا بِذَنبٍ,
وَمَا رُفِعَ إِلَّا بِتَوبَةٍ, تُوبُوا إِلَى اللهِ وَارجِعُوا إِلَيهِ.
أَيَّتُهَا
الأُمَّةُ المِصرِيَّة... أَيُّهَا الشَّعبُ المِصرِيُّ البَاسِلُ النَّبِيلُ...
أَيُّهَا
الشَّعبُ المُسلِمُ العَرِيقُ فِي إِسلَامِهِ, يَا مَن تَمتَدُّ جُذُورُكَ إِلَى
عَهدِ أَصحَابِ نَبِيِّكَ ﷺ فِي دِينِ الإِسلَامِ الحَنِيفِ، يَا
مَن دَافَعتَ عَن عَقِيدَةِ التَّوحِيدِ, وَتَكَسَّرَت علَى صَخرَاتِ حُصُونِكَ
وَقَاعِدَةِ دِفَاعِكَ وَجِهَادِكَ مَوجَاتُ التَّتَرِ الغَاصِبِينَ
الهَمَجِيِّينَ, وَمَوجَاتُ الصَّلِيبِيِّينَ المُتَقَدِّمِينَ الحَاقِدِينَ، وَاليَومُ
تَتَكَسَّرُ علَى صَخرَةِ إِيمَانِكَ بِرَبِّك, وَتَوحِيدِكَ إِيَّاهُ,
وَاتِّبَاعِكَ لِنَبِيِّكَ جَمِيعُ مَوجَاتِ البَّاغِينَ مِنَ المُعَاصِرِينَ,
الَّذِينَ استَلَبُوا فِكرَ طَائفَةٍ مِن أَبنَائك, فَمَا صَارُوا يَمُتُّونَ
إِلَى الأُمَّةِ الَّتِي لَا عِزَّ لَهُم إِلَّا بِالانتِمَاءِ إِلَيهَا، الَّذِينَ
صَارُوا كَالنَّبْتِ الطَّافِي تَعلُو بِهِ مَوجَة وَتَسفُلُ بِهِ أُخرَىَ, وَلَا
يُبَالِي بِجِوَارِ جِيفَةٍ رَسَا أَمْ بِجِوَارِ زَهرَاتٍ نَضِرَاتٍ!!
أَيُّهَا
الشَّعبُ المِصرِيُّ البَاسِلُ النَّبِيلُ؛ لَا تَستَفِزَّنَّكَ الخُطُوب, كُنْ
عَاقِلًا كَالعَهدِ بِك, ثَابِتًا كَشَأنِكَ دَوَامًا, مُثَبَّتًا كَمَا فَعَلَ
اللهُ تَعَالَى بِأَسلَافِكَ, عَلَى اللهِ تَوَكَّل, وَبِدِينِهِ تَمَسَّك,
وَرَسُولَهُ فَاتَّبِع, وَاللهُ يَرعَاكَ وَمِن مَكَائِدِ الأَعدَاءِ فِي
الدَّاخِلِ وَالخَارِجِ يَحمِيكَ وَيَرعَاكَ, وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَدِير, وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ, وَعَلَى آلِهِ
وَمَن تَبِعَهُم بِإحسَانٍ إِلَى يَومِ الدِّين.
الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ،
وَأَشْهَدُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ هُوَ يَتَوَلَّى
الصَالِحِينَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ﷺ صَلَاةً وَسَلَامًا
دَائِمَيْنِ مُتَلَازِمَيْنِ إِلَى يَومِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعدُ:
فإنَّ ما وَقَعَ ويقعُ في العالِمِ العربيِّ الإسلاميِّ
يستدعي لا محالةَ أقوالًا قد عُرِضَت، عميَ عنها مَن عَمِيَ، وتنبهَ لها مَن تنبَهَ
ولم يستطع أنْ يفعلَ شيء، الذي حدثَ ويحدثُ في ليبيا وفي اليمن وفي سوريا وفي
العراق وفي بعضِ دولِ الخليج، وما يُتوقعُ أنْ يحدثَ بعد كلِّ ذلك يُذَكِّرُنا بما
أُعلنَ عنه قبلُ في «وثيقة برنارد لويس» المستشرق اليهودي الأمريكي التي أقرَّها «الكونجرس»
في جلسةٍ سريةٍ عام ثلاثةٍ وثمانينَ وتسعمائةٍ وألف، وتمَّ إدراجُها في ملفاتِ
السياسةِ الأمريكية الإستراتيجية، وهذه الوثيقة تتحدثُ عن تقسيمِ العالَمِ
الإسلاميِّ العربي إلى أربعٍ وثلاثين دويلة، وهي جزءٌ من خريطةِ الشرقِ الأوسطِ
الجديد التي تَعْقُبُ الفوضى الخلَّاقة، التي أعلنت مُخططها وزيرةُ الخارجية
الأمريكية «كونداليزا رايس».
والتقسيمُ في تلك الوثيقةِ بعالَمِنا الإسلامي كالتالي:
مصر: تُقسَّمُ إلى أربعِ دويلات:
*سيناءُ وشرقُ الدلتا دويلةٌ.
*ودولةٌ نصرانيةٌ عاصمتُها الإسكندرية وتمتدُّ من جنوبِ
بني سويف، وتتسعُ غربًا لتضمَّ الفيوم، وتمتدُّ في خطٍّ صحراويٍّ عَبْرَ وادي
النطرون، وتضمُّ المنطقة الساحلية حتى مرسى مطروح.
*ودولةُ النوبةِ مع شمالِ السودانِ حتى جنوبِ قنا حتى
البحرِ الأحمر.
*ومصرُ الإسلامية وهي الأقاليمُ المتبقية وعاصمتُها
القاهرة.
هذا ما يُرادُ بمِصر –حفظها
اللهُ تعالى-.
فهل انتبهَ أبنائُها؟!!
السودان: يُقسَّمُ إلى أربعِ دويلات:
*الجزءُ الشماليُّ الممتدُّ لإقليم النوبة إلى الجزءِ
النوبيِّ الجنوبيِّ من مصر.
*ودويلةُ الشمالِ السودانيِّ الإسلاميِّ.
*ودويلةُ الجنوبِ السودانيِّ النصرانيِّ.
*ودويلةُ دارفور.
المغرب والجزائرُ وتونس وليبيا: يتم تفكيكها بزيادةِ
ثلاث دولٍ أخرى هي:
*دولة البربر.
*ودويلةُ البوليساريو.
*ودولةُ غربِ ليبيا.
*شِبْهُ الجزيرةِ العربية:
تُلْغَى الكويت وقطر والبحرين وسلطنةُ عمان واليمن
والإمارات؛ ليجدَّ:
*دولةُ الأحساءِ الشيعية التي تضمُّ الكويت والإمارات
وقطر وعمان والبحرين.
*دويلةُ نجدٍ السُّنيَّة.
*ودويلةُ الحجاز السُّنيَّة.
*اليمنُ الشمالي.
*واليمنُ الجنوبي.
العراق: يُقسَّمُ إلى ثلاثِ دويلات:
*دويلةٌ شيعيةٌ حول البصرة في الجنوب.
*ودويلةٌ سُنيَّةٌ في الوسطِ حول بغداد.
*ودويلةٌ كُرديةٌ في الشمالِ والشمالِ الشرقي حول
الموصل.
ولقد انقسمت العراقُ فِعْليًا، الدولةُ الكُردية عاصمتها
الآن «أربيل»، وهي تبعثُ الممثلين لها من القناصلِ في عواصمِ الدول ومنها القاهرة،
فقد وقعَ بعضُ هذا والباقي على الطريق.
سوريا: التي تسعَّرت فيها الاضطرابات بالفوضى الخلَّاقة
تُقسَّمُ إلى أربعِ دويلات:
*دويلةٌ علويةٌ شيعية.
*دويلتانِ سُنيَّتان.
*ودويلةٌ دُرْزية.
وأمَّا لبنان وما بقيَ من ذلك الفُتاتِ المُتناثرِ مِن
العالَمِ الإسلامي:
فيُقسَّمُ إلى ثمانية كانتونات.
وكلُّ هذه الدويلات والكيانات ليست لها قيمةٌ فِعلية؛
لأنها ستكونُ مشغولةً بحربِ بعضِها بعضًا، وفي التقاتُلِ والتناحرِ فيما بينها؛
لأنها مُقسَّمةٌ على خلفيةٍ عقديةٍ أيديولوجية، فما تزالُ تلك الدويلات تتناحرُ
فيما بينها وتتهارش؛ لكي تظلَّ لقمةً سائغة لاحتلالٍ مباشرٍ وغير مباشر؛ ولكي
تعمَى عن التنميةِ والتَّرَقِّي في سوقِ الإنتاج لتظلَّ سوقًا رائجًا لبضائعِ
السيد الأبيضِ في الشمال.
هذا المخطط مخططٌ مُعلن؛ معتمدٌ في السياسةِ الأمريكية،
وقد صاروا لا يُخفونَ شيئًا، لأنَّ الهمجَ الهامجَ من المسلمين في أقطارِ الإسلامِ
وحواضرِ الدولِ الإسلامية لم يَعُد يلتفتُ إلى مِثْلِ هذه الأمور، هو مشغولٌ بغيرِ
ذلك.
وهؤلاء يتوصلون إلى أغراضِهم عَبرَ حربِ المجتمعات أو
الجيلِ الرابعِ مِن الحروب؛ وهو: «الحربُ بالإكراه؛ لإفشالِ الدولة, وزعزعةِ استقرارِها, ثم
بفَرْضِ واقعٍ جديدٍ يراعي مصالح العدو».
الجيل الرابع من الحروب يهدفُ إلى تفتيتِ مؤسساتِ الدولةِ
الأساسية، والعملِ على انهيارِها أمنيًا واقتصاديًا، وتفكيكِ وحدةِ شعبِها من خلالِ
الإنهاك, والتآكلِ البطيء للدولة، وفَرْضِ واقعٍ جديد على الأرض؛ لخدمةِ مصالحِ العدو،
وتحقيقِ أهداف الحروبِ التقليديةِ من الجيل الأول والثاني والثالث, بتكلفةٍ أقل؛ مِن
بشريةٍ وماديةٍ إلى غير ذلك.
كما تستهدفُ حروبُ الجيلِ الرابع أيضًا: تجنُّب مشكلات ما بعد الحرب؛ كالروحِ العدائية ضد الدولةِ
المعتدية.
وما سبق يأتي في إطار تحقيق هدفين رئيسين هما: الدولة الفاشلة, ثم الإكراه على تنفيذ إرادة العدو.
وذلك تأكيدًا لمقولة «مانوارينج الشهيرة» في محاضرته:
«إذا فَعَلْتَ هذا بطريقةٍ جيدة, لمدةٍ كافية, وببطءٍ مدروس؛
فسيستيقظ عدوك ميتًا».
لا يتكلفون شيئًا؛ بأيديكم أنتم في حربِ المجتمعات: «وأُهيج
مصريين على مصريين حتى يقتلَ الأخُ أخاه، وحتى يسبيَ الأخُ أخاه»، بأيديِكم، لا
يتكلفونَ من أجلِ ذلك شيئًا قط؛ لا مِن ماديٍّ ولا مِن معنويٍّ.
«إذا فعلتَ هذا بطريقةٍ جيدة, لمدةٍ كافية, وببطءٍ مدروس؛
فسيستيقظُ عدوُّك ميتًا».
ومن أبرز سماتِ الجيلِ الرابعِ من الحروب: أنها ليست نمطية كحروبِ الأجيالِ السابقة، تعتمدُ على التقدم
التقنيِّ، ولا تُستخدمُ فيها الأسلحةُ التقليدية، بل الذهنيةُ من القوى الذكية؛
لإحداثِ الوقيعة بين الناس في المجتمعاتِ حتى تتحاربَ المجتمعاتُ بينها، «وأُهيِّجُ
مصريين على مصريين»؛ أُهيِّجُ الشعبَ على الشرطة، وأُهيِّجُ الشرطةَ على الشعب، وأُهيِّجُ
الشرطةَ على الجيش، وأُهيجُ المسلمينَ على النصارى، وأُهيِّجُ النصارى على
المسلمين، هكذا؛ «وأهيِّجُ مصريين على مصريين».
تعمل على تحويلِ الدولِ المستهدفة من حالةِ الدولةِ الثابتةِ
المستقرةِ إلى الدولةِ الهشَّة، وهي تستهدفُ الدولةَ بالكامل, بما فيها من المدنيين،
وتتسمُ أيضًا حروب الجيل الرابع بعدم وضوحِ الخطوط الفاصلة بين الحربِ والسياسة, والعسكريين
والمدنيين.
تعتمدُ حروبُ الجيلِ الرابع على مجموعاتٍ قتاليةٍ صغيرةٍ
في الحجم، وعلى شبكةٍ صغيرةٍ من الاتصالات والدعم المالي.
حروب الجيل الرابع المُثْلى: هي التي تبدأُ ولا يشعرُ بها أحد، وتَستخدمُ القوةَ الذكية
التي تعتمد على التنوعِ الكبير, والاستخدام الذكي للقوة الناعمة, مع القوةِ الصُّلبة,
في تناغمٍ عالٍ, مخططٍ بطول أمدٍ واتساع زمن, حتى تستيقظَ الدولةُ المستَهدَفة في النهاية
وهي ميتة.
هذا المَكرُ المفضوح يعلمُهُ قومي، ويَخبُرُونَ خبره, ويضطلعون
على خبيئتِهِ، ومع ذلك؛ فهم كالذين يسيرونَ وهُم نائمون!!
قال الرئيسُ الروسي: «إنَّ المخابرات المصرية قد تَصَدَّت لانهيارِ الدولةِ
المصرية ولانهيارِ قواعدها».
كانوا فاهمين؛ عالمين بهذا المخطط، ولكنَّ الناسَ لا
يريدونَ أنْ يفهموا، الناس يستعصونَ على الفهم، تخالفوا فيما بينهم، وهذه مرحلةٌ مُتقدمةٌ
من الانهزام في الجيلِ الرابعِ مِن الحروب.
أكبرُ مِن الخطر, أن لا يُحس مَن هو في خطرٍ بحقيقة الخطر؛
لأن الذي يُحِسُّ بالخطر؛ يجتهد في توقِّيه، وفي أخذ الوسائل التي تُنْجيه، وأما الذي
يحيطُ به الخطر من أقطارهِ كلِّها، وهو مع ذلك على يقينٍ من أنه في أمنٍ وأمان، وأنَّ
الأمور كلَّها على ما يُرام، فهذا هو الذي في الخطرِ حقيقة.
ولكنْ ﴿وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ
الْمَاكِرِينَ﴾ [الأنفال: 30].
الجيل الرابع من الحروب: هو الحربُ اللامتماثلة، هو الصراعُ الذي يتميز بعدم المركزية
بين أسسِ أو عناصرِ الدول المُحَارَبِةِ مِن قِبَلِ دولٍ أخرى.
هذه الحروب لا تستهدفُ تحطيمَ القدراتِ العسكرية، وإنما تستهدفُ
نَشْرَ الفتن والقلاقل، تستهدفُ زعزعةَ الاستقرار, وإثارةَ الاقتتال الداخلي، فالحربُ
الجديدة على حَسَبِ تعريف مَن عرَّفها, وحدد معالمها, في «معهد الأمن القومي الإسرائيلي»
هي: «الحربُ بالإكراه, وإفشالُ الدولة, وزعزعةُ استقرارها, ثم فَرْضُ واقعٍ جديد يراعي
المصالح الأمريكية».
وفي تعريفٍ أوضح: «إن الجيل الرابع من الحروب: هو جيلُ تسخيرِ إرادات الغير,
في تنفيذ مخططات العدو».
فوا حرَّ قلباهُ عليكِ يا مصر!!
وما أعظمَ الخوف عليكِ من أبنائكِ قبل أعدائكِ، ومن
خائني حُبكِ الساعين في سقوطِكِ وفنائكِ!!
وا حرَّ قلباهُ عليكِ يا مصر!!
سلمكِ اللهُ تعالى من كلِّ سوء.
ولكنْ ما تقول؟
قومي في غَفْلة، ولا يريدون أنْ ينتبهوا، تُحيطُ بهم
الأخطارُ من كلِّ صَوْب ولا يريدون أنْ يستيقظوا، وإنْ انتبهوا كذَّبوا مَن
نبَّههم وأيقظَهم وادَّعوا عليه الدَّعاوى ورَمَوه بكلِّ عظيمة، لأنَّ حروبَ
الجيلِ الرابع قد بَلَغَت من أبناءِ الشعبِ مَبْلغًا لا يُستهانُ به، ولن يُنجَّيَ
اللهُ –تبارك وتعالى- هذه الأمة إلَّا بالعودةِ إليه، ما عند
الله لا يُنالُ إلَّا بطاعتِهِ.
اِعْصِفي يا رِياحُ مـِنْ حيثـُما شِئْتِ وَعفِّي الطُّلـولَ
والآثــــــــــارا
وانسِفي يا رياحُ غايـةَ هـذا اللَّيْل حتّــى يحــورَ ليـلًا
سِـــــــــرارا
وازْأري يا رياحُ في حَرَمِ الدَّهْـــر زَئِيـــرًا يُزَلْزِلُ
الأَعْمـــــــــــارا
اِعصِفي وانْسِفي كأنَّكِ سُخِّرْتِ خَبـالا يُســـــاوِرُ
الأَســــــــــوارا
اِعْصِفي وازْأري كأنَّكِ غَيْرى قَذَفَتْ حِقْدَهــا شَــــرارًا
ونــــــــارا
اِعْصِفي كالجُنون في عَقْلِ صَبٍّ هَتَكَ الْغَيْظُ عَزْمَــهُ
والوَقـــــــــارا
اِعْصِفي كالشُّكوك في مُهْجَةِ الأَعْمى تَخاطفْنَ حِسَّـهُ
حَيْثُ ســـــــارا
اِعْصِفي كالفناءِ يَنْتَسِفُ الأوكـار نسفـــًا ويَصْـــرَعُ
الأطيـــــــارا
اِعْصِفي كالوفاءِ صادَمهُ الغَدْرُ فأغضــى إِغضـاءةً ثم
ثـــــــــــارا
اِعْصِفي كالضَّلالِ يَسْخَر من هادٍ أذَلَّ القفــار عِلْمــا
وحــــــــــارا
اِعْصِفـي كالأَسَى أفَاقَ مِنَ الصَّبْرِ فلم يستطعْ قـــرارا
وفـــــــــارا
اِعْصِفي وانْسِفي فما أنتِ إّلا نِعْمَةٌ تُنْشِئُ الخَرابَ
اقْتِــــــــــــدارا
عالَمٌ لم يكُنْ ولا السَّاكنوهُ غيرَ أشباح نِقْمةٍ تَتَبـــــــــــــــارى
اِعْصِفي يا رياحُ غَضْبَى بإِعْصارٍ مِنَ المَقْت جاحِمًا
هَــــــــــدَّارا
كيف أبْصَرْتِ ما طوَيْتِ مِنَ الدنيا بليلٍ وما اخْترقْتِ
نَهــــــــارا
اِشْهَدي هلْ رأيتِ عَقْلًا ونُبْلًا أمْ جُنونًا يَؤمُّ
خِزْيًا وعــــــــــارا
وخَفايا مِنَ الخبائثِ تَسْعى وحُقُودًا مِنَ الخَنا تَتَمـــــــــــــــارى
وأساطيرَ حَيَّةً ألْبَسَتْها قَيْنَةُ الدَّهْرِ ثَوْبَها
المُسْتَعـــــــــــــــارا
وأباطيـلَ دَلَّسَتْها أكاذيبُ فأضْحَتْ هُدًى وأمْسَتْ منـــــــــارا
وَمَطـايا تَخوضُ في لُجَجِ الظُّلْمِ بِرَكْبٍ لا يَسْأمون
السِّفـــــــــارا
وأذِلاء يَشْمَخُون منَ الكِبْر وهُمْ في القُيُودِ حَسرى
أُســــــــارى
ودُمًى لمْ تَزَلْ تسيرُ اضطرارًا في غُرُور يَنْفِي المَسِيرَ
اضْطِــــــرارا
وَبَقـايــا فَـرائسٍ لـَمْ تكـَــدْ تنبِضُ حَتّى أحَدَّتِ
الأظْفـــــارا
وَدَنايا تختالُ في زُخْرُف البَطْش تَخالُ الأقدارَ منها
غَيـــــــــارَى
في حَياةٍ مَخْبولةٍ أسْكَرتْها شَهَواتٌ تَبْقى وتُفْني
السُّكــــــــــارى
كلُّ شيءٍ مَسَّتْهُ يَطغى فلا يَزْهَدُ طَبْعـــًا ولا يَعِفُّ
اخْتيـــــــارا
وا خوفاهُ عليكِ يا مصر، حفظكِ الله وسلمكِ من كلِّ سوء،
وهدى أبنائك جميعًا إلى الصراطِ المستقيم، وأَلَّفَ بين قلوبهم وجمعَ بين
أرواحِهم، إنه تعالى على كلِّ شيءٍ قدير.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.