تفريغ خطبة الرد على شبهات أنصار بيت
المقدس
خطبة الجمعة
28 من المحرم 1436هـ الموافق 21-11-2014م
إنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ
وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّه مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ
أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا
هَادِيَ لَهُ؛ وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ
لَهُ؛ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ؛ أَمَّا بَعْدُ:
فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّـهِ، وَخَيْرَ
الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّـهُ عَلَيْهِ وعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ،
وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَة، وَكُلَّ بِدْعَةٍ
ضَلَالَة، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ. أَمَّا بَعْدُ:
فقد بيَّنَ
النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم كثيرًا منْ صفات الخوارج، حتى لا يشتبه أمرهم على
من أراد الحق وهُدي إلى صراطٍ مستقيم.
ومِن أبرزِ
صفاتِهم أنَّهم جُهَّال, سُفهاء, أحِدَّاءُ, أشداء، يقتلون أهلَ الإيمان ويدَعون
أهلَ الأوثان.
روى البخاري
بسنده عن علي رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال (سَيَخْرُجُ قَوْمٌ فِي آخِرِ الزَّمَانِ أَحْدَاثُ الْأَسْنَانِ
- يعني صغار السن - سُفَهَاءُ الْأَحْلَامِ -
أي العقول - يَقُولُونَ مِنْ خَيْرِ قَوْلِ الْبَرِيَّةِ
لَا يُجَاوِزُ إِيمَانُهُمْ حَنَاجِرَهُمْ يَمْرُقُونَ مِنْ الدِّينِ كَمَا
يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنْ الرَّمِيَّةِ، فَأَيْنَمَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاقْتُلُوهُمْ
فَإِنَّ فى قَتْلَهُمْ أَجْرًا لِمَنْ قَتَلَهُمْ
).
وفي روايةِ أبي
ذرٍ رضي الله تعالى عنه عند مسلمٍ رحمهُ الله (أنَّهم
يخرجون منْ الدين كما يخرج السهم من الرميَّة ثم لا يعودون فيه).
ودلت الروايات
الصحيحة على أنهم ضِعافٌ في فقه دين الله عزَّ وجل، ففي رواية سهل بن حنيف عند
مسلم (يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ بِأَلْسِنَتِهِمْ لا
يَعْدُو تَرَاقِيَهُمْ)، وفي حديث عليّ - رضي الله عنه - عند البخاري (أنهم لَا يُجَاوِزُ إِيمَانُهُمْ حَنَاجِرَهُمْ)، وفي
حديث أبي ذرٍ رضي الله عنه عند مسلم (أنهم يَخرجونَ من
الدِّينِ كَمَا يخرجُ السَّهمُ من الرَّمِيَّةِ . ثُمَّ لا يَعودونَ فيه يقرءون القرآن لا يجاوز
تراقيهم)، وفي رواية (حلوقُهم) وفي رواية (حناجرهم)
وفي السُنَّةِ
لابن أبي عاصم من رواية عليّ رضي الله عنه (يرَون أنه -يريد
القرآن- يرَون أنه لهم وهو عليهم).
وفي روايةٍ
لمسلم (يحسبون أنه لهم وهو عليهم)
وفي رواية عن
ابن عباس رضي الله عنهما وهي في الشريعة للآجريّ (يؤمنون
بمُحْكَمِه ويَضلِّون عند متشابهه، وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم
يقولون آمنَّا به).
وفي السُنِّة
لابن أبي عاصم من حديثِ أبي زيدٍ الأنصاري رضي الله عنه (يدْعون
إلى كتاب الله وليسوا من اللهِ في شيء)
وعند أبي داوود
من روايةِ أبي سعيدٍ وأنسٍ رضي الله عنهما (أنهم يدْعون
إلى كتاب الله وليسوا منه في شيء)
والخوارج هم
كلابُ النار، وهم شرُّ الخلق والخليقة، كما في حديثِ أبي ذرٍ رضي الله عنه عند
مسلم.
وفي السُنَّةِ
للخلَّال أن أحمد بن حنبل رحمه الله قال : "الخوارج
قومُ سوء، لا أعلمُ في الأرض شرًا منهم".
وكان الإمام
أحمد رحمه الله تعالي يقول عن الخوارج : "هم
مارقةٌ مرقوا من الدين" رواه الخلَّال.
فكان الإمامُ
أحمد رحمه الله تعالى يتوقفُ عند لفظ الحديث،(يمرقون من
الدين كما يمرق السهم من الرمِيَّة).
وقد روى عليٌّ
رضي الله عنه كما أخرج ذلك مسلم في صحيحهِ (أنهم -
يعني الخوارجَ - يسفكونَ الدمَ الحرام وذلك على أنفسِهم
بالانتحار وعلى غيرهم بالاعتداءِ عليهم بالقتل).
وأما سفاهةُ
العقول, وغِلَظُ الأكباد, وقسوةُ القلوب فهي أبرزُ ما دَلَّ عليه ما بثوه مما
ذكروا أنهم صنعوه في "كرْمِ القواديس".
وكلُّ من نظر
بعينِ الإنصافِ إلى ما فعلوه علِمَ أنَّ أيَّ عصابةٍ محترفةٍ للإجرامِ كانت تصنع
مثلَه وما فوقه، في قومٍ أُخِذوا على غِرَّة، وعلى حينِ غفلة، وإلَّا فماذا لو أن
الضباط والجنود كانوا متأهبين للقاءِ أولئك المهاجمين؟
من سفاهةِ
الخوارج أنهم يُسَمُّون الأشياءَ بغير اسمها، فالعيثُ في الأرضِ فسادًا, وسفكُ
الدمِ الحرام, وقتلُ الأبرياء بغير حق, وقطعُ الطرق, وتخريبُ المنشآت, واستنزاف
ثروات المسلمين, وغير ذلك هو مما يسمونه جهادًا في سبيل الله، وهذه السبيلُ هي
سبيلُ الشيطان في الحقيقة، فإنَّ تغيير الأسماءِ على هذا النحو وتسميةُ ما حرَّم
الله بأسماءٍ حسنة من حِيلِ الشيطان الرجيم, فقد أغوى الشيطانُ آدمَ وزوجه، وزعم
لهما أنَّ الشجرة المحرمة هي شجرة الخلد، وسمى ما حرَّم الله باسمٍ تهفو إليه
النفس، وتجنْحُ إليه القلوب .... قال (قَالَ يَا آَدَمُ
هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى) فكذلك
هؤلاء الخوارج.
الخوارج سفهاءُ
الأحلام, ضِعاف الفِهُوم, يقرءون القرآن لا يجاوزُ حناجرَهم, يحسبون أنه لهم وهو
عليهم، فهم جُهَّالٌ بدينِ الله عزَّ وجل ...
وقد روى أبو
داودَ في سننه من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال (خَرَجْنَا فِي سَفَرٍ، فَأَصَابَ رَجُلًا مِنَّا حَجَرٌ
فَشَجَّهُ فِي رَأْسِهِ، ثم احْتَلَمَ، فَسَأَلَ أَصْحَابَهُ فقال: هَلْ تَجِدُونَ
لِي رُخْصَةً فِي التَّيَمُّمِ؟ قَالُوا : مَا نَجِدُ لَكَ رُخْصَةً وَأَنْتَ
تَقْدِرُ عَلَى الْمَاءِ . فَاغْتَسَلَ فَمَاتَ. قال جابرٌ رضي الله عنه : فَلَمَّا
قَدِمْنَا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُخْبِرَ بِذَلِكَ
، فقَالَ : قَتَلُوهُ قَتَلَهُمُ اللَّهُ ، أَلا سَأَلُوا إِذْ لَمْ يَعْلَمُوا ،
فإِنَّمَا شِفَاءُ الْعِيِّ السُّؤَالُ) الحديث أخرجه أيضًا البيهقي
والدارقطني. وهذا القدرُ من الحديث من رواية جابرٍ رحمه الله حسَّنه الألباني كما
في صحيح سنن أبي داود.
(قَتَلُوهُ قَتَلَهُمُ اللَّهُ ، هلَّا سَأَلُوا إِذْ لَمْ
يَعْلَمُوا ، فإِنَّمَا شِفَاءُ الْعِيِّ السُّؤَالُ) الشَجَّة : هي الجراحةُ التي تحدث في الرأس والوجه خاصة
؛ واحتلمَ : أصابته جنابةٌ فخاف أنْ يغتسل فيضرَّه؛
فقال لمن معه هل تعلمون حكمًا سهلًا يبيحُ لي التيممَ مع وجود الماءِ مع ما بي من
الجرح.
فقالوا لا نعلم
لك رخصةً، معتقدين أنَّ عدم وجود الماءِ في قوله تعالى (فَلَمْ
تَجِدُوا مَاءً) على حقيقته، ولم يعلموا أن العاجزَ عن استعمال الماء لمرض
أو نحوه يُعدُّ فاقدًا له حكما.
قتلوه :
أسندَ القتلَ إليهم لأنهم كَلَّفوه باستعمالِ الماء مع إصابته، فكان سببًا لِمَوْتِه.
قتلهم
الله
: زجرًا لهم وتنفيرًا من فعلهم، وليس قصدًا للحقيقة.
ألا - حرف
تحضيض - سَأَلُوا إِذْ لَمْ يَعْلَمُوا ، فإِنَّمَا
شِفَاءُ الْعِيِّ السُّؤَالُ.
والعيُّ: التحيُّر في الكلام وعدم الضبط، والمراد ها هنا
الجهل. والمعنى أن الجهل داءٌ وشفاؤه السؤال والتعلم.
وفي رواية ابن
عباسٍ رضي الله عنهما قال (أصَابَ رجلًا جُرحٌ في عهدِ
رسولِ الله صلى الله عليه وسلم ثم احتلم، فأُمِرَ بالاغتسال فاغتسل فمات، فبلغ ذلك
رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، فقال : قتلوه قتلهم الله، ألم يكنْ شفاءُ العيِّ
السؤال) وهذا أيضًا حديثٌ حسن.
فجعلَ النبي صلى
الله عليه وآله وسلم الجهلَ داء، وجعل دواءَه سؤالَ العلماء. كما أخبرَ صلى الله
عليه وآله وسلم في حديثه الآخر الذي أخرجه البخاريُّ في أول كتاب الطبِّ من صحيحه
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال، (قال رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم ما أنزل الله داءًا إلا أنزل له شفاءَ) وقد جعل النبي صلى
الله عليه وسلم الجهل داءَ، وجعل شفاءه السؤال.
والله سبحانه
أخبر عن القرآن أنه شفاء. فقال تعالى (وَنُنَزِّلُ مِنَ
الْقُرْآَنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ) [الإسراء/82] ولكنَّ الخوارجَ لا يفقهونه كما قرَّر ذلك
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولا يعرفون مرامِيَه ولا يدركون مقاصده، فقد
استحكم إذًا داءُ الجهلِ منهم، والله المستعان.
ومما لا يفهمه
الخوارج المارقون أنَّ معرفةَ سبب التصنيف مما يُعينُ على فهمِ كلام العلماء، لذلك
لا يراعي الخوارج السياق التاريخيَ لكلام العلماء, وفتاوي العلماء، ولا يفرِّقون
بين واقعة العين التي لا يتعدى حكمها حدثَها، والحكم العام الذي يشمل جميع أفراده
ويتنزَّل على مثيله إذا توفرت الشروط وانتفت الموانع.
وقد بَيَّنَ
ذلك الشيخ عبدالله العنقري رحمه الله تعالى في رسالته "النصيحة" وهي في الدرر السَنِية، قال رحمه الله
تعالى : "وقد بَلَغَنا أن الذي أشكل عليكم أنَّ
مجردَ مخالطةِ الكفار ومعاملتهم بمصالحةٍ ونحوها، وقدومهم على ولي الأمر لأجلِ ذلك
أنها هي موالاةُ المشركين المَنهيُّ عنها في الآيات والأحاديث؛ ورُبما فهمتم ذلك
من الدلائل التي صنف الشيخ سليمان ابن عبد الله ابن الشيخ ـ ومن (سبيل النجاة)
للشيخ حمد بن عَتيق".
وقد ذكر خوارج
كرْم القواديس كلامًا للشيخ أحمد شاكر، فهِموا منه نحوًا من فهمِ الذين ذكرهم
الشيخ العنقري في مقال "بيانٌ إلى الأمة المصرية
خاصة وإلى الأمم العربية والإسلامية عامة" من كتاب (كلمة الحق).
قال الشيخ أحمد
شاكر ـ رحمه الله ـ وهو القَدْرُ الذي ذكره خوارج كرْم القواديس فيما بثُّوه
وأذاعوه، قال الشيخ شاكر : " أما التعاون مع الإنجليز
بأي نوعٍ من أنواعِ التعاون قلَّ أو كثُر, فهو الرِدَّة الجامحة, والكُفرُ الصُّراح,
لا يقبل فيه اعتذار, ولا ينفع معه تأول, ولا ينجي من حكمه عصبية حمقاء, ولا سياسة
خرقاء, ولا مجاملة, هي النفاق, سواءٌ أكان ذلك من الأفراد أو الحكومات أو الزعماء؛
كلُّهم في الكُفر والرِدَّة سواء" إلى هنا انتهى نقل خوارجِ كرْم
القواديس. ولم يذكر الخوارج بقية كلامِ الشيخ شاكر رحمه الله تعالى وهو : " إلاَّ من جهِل وأخطأ, ثم استدرك أمره فتاب واتخذ سبيلَ
المؤمنين, فأولئك عسى الله أن يتوبَ عليهم, إن أخلصوا من قلوبِهم لله لا للسياسةِ
ولا للناس".
قال الشيخ
عبدالله العنقري ـ رحمه الله ـ في كشف هذه الشبهة " نُبَيِّنُ
لكم سببَ تصنيفِ الدلائل، فإنَّ الشيخ سليمان صنَّفها لما هَجَمَتْ العساكر
التركية على نجدٍ في وقته، وأرادوا اجتثاث الدين من أصله، وساعدهم جماعةٌ من أهل
نجد من البادية والحاضرة وأحبُّوا ظهورَهم" فهذا سبب تصنيف الدلائل
للشيخ سليمان، فلا ينبغي أن يُنزع هذا الكتاب من سياقهِ التاريخي .
وكذلك سبب
تصنيف الشيخ حمد بن عتيق (سبيل النجاة) " هو لمَّا
هجمت العساكر التركية على بلادِ المسلمين وساعدهم من ساعدهم حتى استولوا على كثيرٍ
من بلاد نجد. قال : فمعرفة سببِ التصنيف مما يُعِينُ على فَهمِ كلام العلماء
" فإنه بحمد الله ظاهرُ المعنى، فإنَّ المراد به موافقة الكفار على كُفرهم
وإظهارُ مودتهم ومعاونتهم على المسلمين، وتحسينُ أفعالهم وإظهار الطاعة والانقياد
لهم على كُفرهم .
والإمامُ وفقه
الله لم يقع في شيءٍ مما ذُكر، فإنَّه إمامُ المسلمين، والناظر في مصالحهم ولابد
له من التحفظٍ على رعاياه وولايته من الدول الأجانب.
والمشايخُ
رحمهم الله كالشيخ سليمان بن عبد الله والشيخ عبد اللطيف والشيخ حمد بن عتيق إذا
ذكروا موالاةَ المشركين فسَّروها بالموافقةِ والنصرة والمعاونةِ والرضا بأفعالهم
فأنتم وفقكم الله راجعوا كلامَهم تجدوا ذلك كما ذكرنا.
قال الشيخ حمدُ
بن عتيق فيما نقله عن الشيخ سليمانَ بن عبدالله آل الشيخ رحمهم الله تعالى " وكذلك قولُه صلى الله عليه وسلم في الحديثِ الذي رواه أبو
داود (منْ جامعَ المشرك وسكنَ معه فإنه مثلُه)
هذا على ظاهره، وهو أن الذي يدِّعي الإسلام يكون مع
المشركين في الاجتماعِ والنصرةِ والمنزل بحيث يعدُّه المشركون منهم فهو كافرٌ
مثلهم وإنْ ادَّعى الإسلام، إلا أن يكون يُظهر دينه ولا يتولى المشركين"
انتهى كلامه.
قال الشيخ عبد
الله رحمه الله فانظر - وفقك الله - إلى قوله في هذه العبارة "وكَونُ المشركين يعدونه منهم" يتبين لك أن هذا
هو الذي أوجب كُفرَه، وأما مجرد الاجتماع معهم في المنزل فإن ذلك بدون إظهارِ
الدين معصية.
وقال ابنُ كثيرٍ
في تفسير قوله تعالى (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا
تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ) [النساء/144] "يعني معهم في الحقيقة يوالونهم ويُسِّرون إليهم بالمودة،
ويقولون لهم إذا خلَوا بهم (إنَّا معكم)".
ونصُ عبارةِ
ابن كثيرٍ في تفسيره للآية المذكورة هو " ينهى
اللهُ تعالى عباده المؤمنين عن اتخاذ الكافرين أولياء من دون المؤمنين يعني مصاحبتَهم
ومصادقتَهم ومناصحَتهم وإسرارِ المودة إليهم وإفشاء أحوال المؤمنين الباطنةَ إليهم".
كما قال تعالى (لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ
دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ
إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ) [آل عمران/28]. أي يحذركم عقوبته في ارتكابكم نهيَه.
ولهذا قال هاهنا (أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ
عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا مُبِينًا) [النساء/144].
أي حجة عليكم في عقوبته إياكم ؟
فهذا يقول
الشيخ عبد الله رحمه الله تعالى في كشفِ هذه الشبهة "فهذا هو الذي أوجب كُفرَهم، لا مجرد المخالطة", يقول "فأنتم
وفقكم الله الواجب عليكم التَبَّصُر وأخذُ العلم عن أهله، وأما أخذكم العلم من
مجرد أفهامِكم أو من الكتب فهذا غير نافع، ولأنَّ العلم لا يُتلقى إلا من مظانه
وأهلهِ" قال تعالي (فَاسْأَلُوا أَهْلَ
الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) [النحل/43]. وقال تعالى (وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ
مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ ) [النساء/83]،
إلى آخر رسالته رحمه الله تعالى.
فهذه الشبهة
التي أتى بها هؤلاءِ الخوارج وأرادوا بها أنْ يُزلزلوا اعتقادَ أهل السنة، بل
اعتقاد المسلمين فيما هو مستقرٌ من صحيح الدين بمثلِ هذا الكلام الذي قالهُ الشيخُ
شاكر رحمهُ اللهُ تعالى، هذا الكلام وهذه الشبهة مردودٌ عليها بمثل ما ذَكَر الشيخ
العنقريُّ رحمهُ الله تعالى.
وللخوارج ولعٌ
ظاهرٌ ببعضِ كلامِ الشيخِ شاكر رحمهُ الله تعالى في بعض حواشي عمدةِ التفسير وفي غيرِ ذلك من كُتبه، ويدَّعون أنَّ
الشيخ يقول بالتكفير العام، وأنَّ تغيير الواقع المخالفِ يكون طفرةً من غير دعوةٍ
ولا تريُّث؛ والشيخ شاكر رحمه الله بريءٌ من هذا كلِّه، وقد قال في رسالته (الكتابُ والسُنَّة يجب أن يكونا مصدر القوانين في مصر)
قال ـ وتأمل في قولهِ جيدًا لتعلم التدليس الذي يقوم به خوارج هذا العصر عندما يُقبُلون
على كلام أهل العلم، فلا هم بالذين يفهمونه، ولا هم بالذين يأتون به في سياقاته،
وإنما يقعون ـ كما قال الأول ـ كما يقعُ الذبابُ على العَقِير.
يقول الشيخ
شاكر " لست رجلًا خياليا، ولست داعيًا إلى ثورةٍ
جامحة على القوانين وأنا أعتقد أن ضرر العنف الآن أكثر من نفعه"!
هذا كلام الشيخ
شاكر الذي أتَوا به من أَجْلِ أن يُبرِّروا فعلتهم بتكفيرِ الجيش المصري بجنوده
وضباطه بكل من فيه، وبكل من قال فيه كلمةً صالحة، أو دعا له دعوةً صالحة، أو آزره
ووازره ... إلى غير ذلك مما هو معلوم.
يقول الشيخ
شاكر رحمه الله تعالى : "لست رجلًا خياليا، ولست
داعيًا إلى ثورة جامحة على القوانين, وأنا أعتقد أن ضررَ العنف الآن أكثرُ من نفعه،
إنما قُمتُ فيكم أدعوكم إلى العمل الهادئ المنتج بسُنَّة التدرج الطبيعي حتى نصل
إلى ما نريد, من جعل قوانيننا من شريعتنا، وأنا أعرف أن هذا لا يُوصل إليه في يومٍ
ولا يومين, ولا في عامٍ ولا عامين، وأريد أولًا أنْ أقولَ كلمةً ترفع شبهةً عن
دعوتنا ... فإني عُرِفتُ بين إخواني ومعارفي بالدفاعِ عن العلماءِ عامة، وعن
القضاءِ الشرعي خاصة، فقد يبدو لبعض الناس أنْ يؤوِّل دعوتي إلى نحوٍ من هذا القصد؛
كلاَّ فإنَّ الأمر أخطر من ذلك، ومقصدنا أَسْمَى من أنْ نجعله تنازعًا بين
طائفتين، أو تناحرًا بين فريقين؛ إنَّمَا نريد رفع ما ضُرب على المسلمين من ذُل،
وما لقيت شريعتهم من إهانة، بوضعِ هذه القوانين الأجنبية".
ثم نادى الشيخ
شاكر كما في الرسالة التي أنقل هذا منها ، قال : "يا
رجالَ القانونِ في مصر" ـ وشرعَ في بيان ما يجب عمله فقال ـ " فالخطةُ العمليةُ فيما أرى أن تُختار لجنةٌ قويةٌ من أساطين
رجال القانون "
ـ الذين يأخذون كلام الشيخ يُنزِّلونه على كل رجالِ القانون ويقولون كَفَرَةٌ
مرتدون، وإذًا فكيف يستسيغ الشيخ شاكر ـ رحمه الله تعالى ـ لو كان هذا مقصده أن
يجعلهم في لجنةٍ من أَجْلِ تقنين الشريعة والإتيان بها بديلًا للقانون الوضعي، وهم
عنده كما يَدَّعِي خوارج العصر من الكَفَرَة المرتدين .
يقول رحمه الله
تعالى : " فالخطةُ
العملية فيما أرى أنْ تُختار لجنة قوية من أساطين رجال القانون وعلماءِ الشريعة,
لتضع قواعد التشريع الجديد غير مقيدةٍ برأي ولا مقلدةٍ لمذهب إلا نصوص الكتاب والسُنَّة،
وأمامها أقوال الأئمة وقواعد الأصول وآراء الفقهاء، وتحت أنظارها آراءُ رجال
القانون كلِّهم، ثم تستنبط من الفروع ما تراه صوابا مناسبًا لحال الناس وظروفهم
مما يدخل تحت قواعد الكتاب والسنة ولا يُصادمُ نصا، ولا يُخالفُ شيئا معلومًا من
الدين بالضرورة ".
قال : "وستجدون من يُسْرِ الإسلام ودقائق الشريعة ما يملأ صدوركم
إعجابا وقلوبكم إيمانا، وسترون أن ما تتوهمون من عقبات في سبيل التشريع الإسلامي
قد ذُلَّل ومُهِّد، مما رُفع من قيود التقليد، وستلمسون بأيديكم إعجاز هذا القرآن،
وستؤمنون بمصداق قوله تعالى (لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا) [المائدة/48]؛ وثَمَّ خطوة
أخرى يجب أنْ تخطوها إلى أنْ يُوضع هذا التشريع الإسلامي .. أنْ تُشرِكوا في
لجانكم القانونية كلها رجالًا من علماءِ الشريعة على قدم المساواة معكم، وفي مقدمة
هذه اللجان اللجنة التشريعية ولجنةُ أقلام القضايا حتى لا تصدر قوانين أو فتاوى
تصادم نصوص الدين، أو تُنافي مبادئ الإسلام" إلي آخر ما قال رحمه الله
تعالى.
فما هو قول
الذين يُقوِّلون الشيخ شاكر ما لم يقل ويفترون عليه الأكاذيب؟
وأما تعليقه
على عمدة التفسير ... فالناظرُ إلى تعليق
الشيخ شاكر يلاحظ
أولًا: وقبل كل شيء أن الشيخ يُصحِّح الآثارَ عن
ابن عباس في قوله (كُفر دون كفر) ولا يفعلُ كما
يفعل متمشيخي هذا الزمان الذين يُضَعِّفون ما لا يروق لهم من أحاديث وآثار ثابتة
النسبة لقائليها ثُبوتَ الجبال الرواسي.
ثانيا : لم
يعترض الشيخُ شاكر على تفسير الإمام ابن كثير للآيات، ولا على قوله الذي نقله عن
الطبري وأيَّده قال : رواه ابن جرير، ثم اختار أن الآية المراد بها أهل الكتاب (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ
الْكَافِرُونَ) [المائدة/44] اختار أنَّ
الآية المراد بها أهلُ الكتاب أو من جَحَدَ حُكم الله المُنزَّلَ في الكتاب.
ثالثا : لا
يعترضُ الشيخُ شاكر على من استدَّل بالنصوص على ما تدلُ عليه ... كيف؟ وهو اعتقاده
واعتقاد سلف الأُمة الصالح، بل وعلى ذلك أجمع المُفسرون، ولو كان الشيخ يكتب ما
يكتب للاعتراض على قولِ ابن عباسٍ وحاشاه، لحاول أنْ يَرُدَّ النص على طريقة أهل
الحديث أو على طريقة الأصوليين، ولكن لا اعتراض أصلًا على عبارة (كفر دون كفر)؛ وإذن ... فاعتراض الشيخ شاكر على الذين
يستدلون بالنصوص على غير ما تدل عليه، أو بعبارته هو "مما يلعب به المُضلِّلون في عصرنا هذا، يجعلونها عذرًا أو
إباحةً للقوانين الوثنية الموضوعة" وهذا بَيِنٌ جدًا في الاستحلال ـ
نعوذ بالله من الخذلان.
وكان الواجب عن
هؤلاء أنْ يُأثَموا فاعل ذلك إنْ فعل، وأنْ يُكَفِروه إنْ جَحَد بالشروط والموانع
المعلومة لدى أهل العلم والقضاء كما أجمع على ذلك أهل السنة والجماعة، وكما استشهد
الشيخ شاكر رحمه الله تعالى بكلام أخيه الأستاذ محمود شاكر في الموضع نفسه من
حاشيته على عمدة التفسير.
فهذا هو الشيخ
أحمد شاكر الذي يدعون أنَّه إمامٌ من أئمة التكفيرين في هذا العصر وحاشاه.
تأمل معي في
كلامه هَاهُنا في تأبين حسن صبري باشا بمَحْكَمَة الأزبكية الشرعية، ففي يوم السبت
السادسَ عشر من شهر شوال سنة 1359هـ ألقى فضيلة الأستاذ الشيخ أحمد محمد شاكر قاضي
مَحْكَمَة الأزبكية الشرعية الكلمةَ الآتية بالجلسة تأبينا للمرحوم حسن صبري باشا
رئيس مجلس الوزراء وهو الذي يُناط به أنْ يقوم بتنفيذ القوانين التي صِيغَت، فهذا
هو حارسُ القانون في مصر، وهذا هو الشيخ شاكر يقومُ بتأبينهِ في هذه الكلمة، قال :
"رُوِّعت مصرُ بل رُوِّع العالم أجمع أول أمس بخَطْبٍ
جَلَلٍ لم تعلم له مثيلًا في التاريخ فمات حسن صبري باشا ـ رحمه الله ـ بين يدي مَلِيكِه
قائمًا بخدمة مولاه ـ يعني الملك ـ يُلقى خطاب
العرش في حفلٍ حافل، شَهِدَ مصرعَه شيوخ الأمة وممثلوها وعظماؤها وكبراؤها وممثلوا
أكثر أمم الأرض، والمذياعُ ينشرُ صوتَه في أرجائها، فمات بين سمعِ العالم وبصره،
وفقدت مصر فيه رجلًا نادر المثال بين الرجال، أبرزُ صفاته الصدقُ والإخلاص، وإحسانُ
أداءِ الواجب كاملا، حتى إنه ليصارعُ الموتَ والموتُ يصارعه، ثم هو لا يتخلى عن
أداء ما وُكِلَ إليه حتى يغلبه القَدَرُ والقَدَرُ لا يُغالَب؛ وأروع ما كان في
موقفه وهو يحس الموت ويراه أنه ينسى حرصه على حياته ويذكر أنَّ بيده خطابا كريما
تشرَّف بأخذه من يد مَلِيكِه ومولاه".
هذا كلام الشيخ
شاكر في تأبين رئيس وزراء مصر حسن صبري باشا.
فيحرصُ رئيسُ
الوزراء حسن صبري باشا على أن يبقى الكتاب قائمًا مصونًا لا يسقط بمصرعه، فيعطيه
لرئيس مجلس الشيوخ ليُتم تِلاوته فحفِظ للموقف روعته ورهبته بحضور بديهته وقوة
أعصابه رحمه الله وغفر له.
قال الشيخ شاكر
" وقد أثارَ مُصابنا فيه أحزانًا كنا نجالدها
ونغالبُها، فلقد كان من أحبِّ الناس إلى والدي، وكان أبي من أحبِّ الناس إليه،
فذهبا إلى دار الخلدِ كأنهما على ميعاد ولمَّا يتجاوز ما بينهما السَنَةَ والنصف،
ونسأل الله للراحل الكريم الرحمة والمغفرة، فقد عاش تقيًا نقيًا ومات طيبًا زكيا".
ما يقول
التكفيريون في كلام الشيخ شاكر هذا؟
أهو بِدْعٌ من
القول؟ أم دسَّته الشياطين شياطين الجن عليه في مجمل كلامه؟
وتأمل في مقاله
الذي بعنوان (الإيمان قيدُ الفتك) ، يقول : "
رُوِّع العالم الإسلاميُّ والعالمُ العربي بل كثيرٌ
من الأقطار غيرهما باغتيال الرجل، الرجل بمعنى الكلمة، النقراشي الشهيد - هذا كلامه - النقراشى الشهيد غفر الله له، وألحقه بالصديقين والشهداء
والصالحين" وقد أثنى عليه في
نهاية هذا المقال ثناءًا فوق هذا ...
فهذا هو الشيخ
شاكر ـ رحمه الله تعالى ـ ليس بتكفيري فضلًا عن أن يكون غاليًا في التكفير، فضلًا
عن أن يكون إمامًا من أئمة الغلاة في التكفير-حاشاه- ، وإنَّمَا كان سلفيًا على
الجادة رحمه الله تعالى رحمةً واسعة.
فهذا تدليس
أولئك الخوارج في كرْمِ القواديس الذين يستلِبون بأمثالِ هذه المقتطفات التي نُزِعَت
من سياقاتها يستلِبون بها عقول الضعاف من حدثاء الأسنان سفهاء الأحلام، حتى يصيروا
من غلاةِ الخوارج المُكفرينَ للمسلمين بغير حق، المُعتدين على الأرواحِ والدماءِ
والأموالِ والأعراض، عاملهم الله تعالى بعدله، وطهَّر الله رب العالمين منهم ومن
أمثالهم.
وقد ذَكر خوارج
كرْم القواديس كلامًا لشيخ الإسلام منزوعًا من الفتوى المَاردينية، وهي فتوى بشأن
تتار ماردين.
وخوارجُ العصر
كالجماعةِ الإسلامية, والجهاد, والسلفيةِ الجهادية, وأخيرًا أنصار بيت المقدس,
والدواعش ... كُلُّ هؤلاء يأخذون فتوى تتارِ ماردين ويُنَزِّلونها على الحكام
المسلمين وشعوبهم، ولا يراعون في ذلك السياقَ التاريخي ولا أحوالَ من صدرت الفتوى
بحقهم.
وقد فاءت
الجماعةُ الإسلاميةُ إلى الحق بعد أنْ جَهِلَتُهُ سنينَ عددا، وأقروا بأنهم كانوا
جَهَلةً حُدثاء الأسنان، فلم يفهموا الشرع فهمًا صحيحا.
وفي كتب المُراجعات
لهم كتابٌ برأسه في فتوى شيخِ الإسلام بشأن تتار ماردين، رجعوا فيه إلى الحق، ومن
عَجَبْ أنَّ الخارجي الأحمقَ الجلد عاصم عبد الماجد مِمَنْ قرأ الكتاب وراجعه وأَقَرَّه
كما هو مُثبتٌ في صفحة غلافه.
ولكنه فيما
يبدو قد تراجع عن مراجعاته ، وكُلُّ من خالفَ السُنَّة تناقض، والله المستعان.
وأما خوارج كرْم
القواديس فقد ذكروا كلامَ شيخ الإسلام رحمه الله وهو : (فالله
تعالى أهلكَ الجيش الذي أراد أنْ ينتهك حُرماته
- يعني البيتَ الحرام - أهلك المُكرَهَ فيهم وغيرَ المُكرَه، مع قُدرَتِه على
التمييز بينهم، مع أنَّه يبعثُهم على نياتهم فكيف يجب على المؤمنين المجاهدين أن
يُميِّزوا بين المُكرَهِ وغيره؟ وهم لا يعلمون ذلك؛ بل لو ادَّعى مُدع أنه خرج مُكرها
لم ينفعه ذلك بمجردِ دعواه، كما رُوي أنَّ العباس بن عبد المطلب قال للنبي صلى الله عليه
وآله وسلم لمَّا أَسَرَهُ المسلمون يوم بدر : يا رسول الله إني كنت مُكْرَهَا. فقال
: أمَّا ظاهِرُك فكان علينا، وأمَّا سَرِيرَتُكَ فإلى الله).
في كتاب
المراجعات الذي بحث هذه الفتوى، فقد كانت عمدتهم في الخروج حتى قُتِلَ في مديرية
أمن أسيوط في العام الحادي والثمانين بعد التسعمائة وألف (1981) قُتِلَ ما يقرب من
مائةٍ وخمسةٍ وعشرين (125) من الضباط والجنود والمدنيين، وكان الذي تولَّى كِبْرَهُ
في ذلك (عاصم عبد الماجد) ثم قُبِضَ عليه فجُعل في جِوال (وهو الشوال بلغة العامة)
ثم حُبِسَ فيه ، وكان أحيانًا يُلكَزُ بأطرافِ الأحذية، فيقال له : ما اسمُك ؟؟
فينطق باسمه
وهو اسمٌ أنثوي اختاره لنفسه؛ من أنت ؟؟ يقول : فلانة، ثم يتوسلُ إلى من كان حاضرًا
أنه سيُقِرُّ ويعترف بكل شيء.
لمَّا منَّ
الله عليه وأخرجه بعد ذلك من السجن لم يَرْعَ حُرمة، وعاد إلى ما كان عليه, كذيل
الكلب.
قالوا ـ وهذا
مما قَرَأَهُ ورَاجَعَهُ وأَقَرَّه ـ وردًا على من يتساءل, هل يجوز نقلُ هذه
الفتوى ـ يعني فتوى شيخ الإسلام، وهي التي نَقَلَ خوارجُ كرْمِ القواديس طرفًا
منها قَرَأْتُه عليك ـ ليَستَحِلُّوا بذلك الدماءَ كلها، ويقولون لا نُفرق بين مُكْرَه
وغير مُكْرَه، وردًا على من يتساءل : هل يجوزُ نقلُ هذه الفتوى إلى واقعِ المسلمين
اليوم ليُسَوِّغَ بها قِتالَ حكام المسلمين اليوم ؟ يُمكننا أن نقول ما يأتي :
أولا : إنَّ الأحكام
الشرعية تُبْنَى على عِلَلِها، وأنها تدور مع العلة وجودًا وعدمًا فيما يُسمى
بقاعدة "عموم العلة"؛ فإذا وُجِدَت العِلَّة وُجِدَ الحكم، وإذا انتفت
العِلَّة انتفى الحكم.
ومن المعلوم أنَّ
ربطَ الأحكام بعِلَلِها يؤدي إلى استقامة القياس وضبطِ أحكام الشرع واضطرادِها
واستقرارِ الأوامرِ العامةِ للشارعِ ووضوحها.
ولكي يَصِحَ
بناءُ الحُكْمِ على عِلَّته ودورانهُ معها وجودًا وعدمًا يُشترط في العِلَّةِ ما
يلي :
1.
أنْ تكون العِلَّةُ
مؤثِّرةً في الحُكْم، بمعنى أنْ الحُكْمَ يكون ناشئًا عنها أو أنَّه أثرٌ من
آثارها.
2.
أنْ تكون وصفًا
منضبطا بأنْ يكون الوصف له حقيقة معينة محدودة لا تختلف باختلاف الأشخاص والأحوال،
أو تختلف اختلافًا يسيرًا لا يُأبَهُ به.
3.
أنْ تكون وصفًا
مناسبًا للحكم، أي أنْ تكون مَظِنَّة تحقيق حِكْمَة الحُكْمِ والغرض المقصود من
تشريعه.
4.
وأنْ تكون العِلَّة
وصفًا متعديا، أي لا يكون الوصف مقصورًا على الأصل وإلَّا انتقض القياس، لانتفاء
العِلَّةِ في الفرع، وهذه مسألةٌ من الأهمية في غاية إذ لا يمكنُ نقلُ حُكْمٍ شرعيٍ
من أصلٍ إلى فرع إلَّا إذا وُجِدَت العِلَّة في الفرع كوجودها في الأصل.
5.
أن تكون العِلَّةُ
من الأوصاف التي لم يُلْغِ الشارع اعتبارها، لأنَّ هناك أوصافًا لو اُستعملت كعِلَّةٍ
لصادمت الأدلة الصحيحة، فألغى الشارع اعتبارها عِلَّة لأحكامها، كمن يرى أنَّ
اشتراك الذكر والأنثى في البِنُوة يصلحُ كعِلَّةٍ لتساويهما في الميراث لأنَّ
الشارع ألغى اعتبار هذا الوصف.
ثانيا : إنَّ
الأوصاف التي بنى عليها ابنُ تيمية رحمه الله فتواه بوجوب قتال التتار والتي يمكنُ
اعتبارها عِلَّةً لفتواه؛ يُشترط أنْ توجد في حُكُومَاتِ المسلمين اليوم لكي يصح مِنَّا
أو من غيرنا نقلُ هذه الفتوى إلى واقع المسلمين اليوم.
وبنظرةٍ فاحصة
لأحوال أغلبِ حُكُومَاتِ المسلمين في عصرنا هذا, نجد هذه الأوصاف التي ذكرها ابنُ
تيمية رحمه الله عن التتار والتي بَنَى عليها فتواه لا توجدُ ولا يُوجدُ أكثرُها
في حُكُومَاتِ المسلمين اليوم، إنما كانت فتوى التتار من فتاوى الحال التي لا يَصِح
تعميمها إلَّا على واقع يماثلها تماما.
وأمَّا أنْ نَنْقُلَ
الفتوى إلى واقع المسلمين اليوم لوجود بعض هذه الأوصاف فإنَّ ذلك سيكون من الخطأ
المبين والزَلَّلِ الواضح العظيم لأنَّه سيكون نقلًا للفتوى أو للحُكْمِ بجزءِ العِلَّة
وهذا غيرُ جائز. فإنَّ شيخ الإسلامَ لمَّا نظر في أحوالِ التتار وأحوالِ المسلمين
كذلك وَجَدَ في التتارِ قوةً غير إسلامية, وإنْ أسْلَمَ بعضُهم، ووَجَدَ المماليك
وهم حُكَّامُ مِصرَ والشام وقتها وجدهم يَحْكُمونَ ببعضِ الشريعةِ فقط، وكانت مظالِمُهم
كثيرة، واختلافاتُهم يَعلمُ بها القاصي والداني, وتصارُعهم لأجلِ الوصولِ إلى الحُكْمِ
معلومٌ معروف؛ إلَّا أنَّ الواقع كان يشهد أنَّه لم يكن في العالم الإسلامي قوة ٌ تصلحُ
لمواجهة التتارِ غيرهم, حيث كانوا أهلَ القوةِ والشوكةِ والقٌدرَة في ذلك الوقت.
ولقد بَيَّنَ
ابن تيمية رحمه الله حالَ المسلمينَ وقتها في سائرِ الأمْصَار, وبَيَّنَ عجزَهم عن
واجب الدفاعِ عن الإسلام وأهله، كما أنَّ العلماء من أمثال ابن تيمية رحمه الله
وأتباعهم كانوا غير قادرينَ على القيام بهذا الدور، ومن ثَمَّ آزرَ ابن تيمية
وغيره من العلماء كابن القيمِ آزروا حُكَامَ مصر والشام في ذلك الوقت، واعْتبَرَهُم
ومَنْ معهم مِنْ الجُندِ مِنْ أقربِ الناس إلى الطائفةِ المنصورة التي شملتها
أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم.
لأنَّ القياسَ
الصحيحَ للمصلحة كان يقضي أنَّ نُصرَة هؤلاء الحُكَّامِ ـ يعني المماليك ـ على
الأقل ستُبقِي على ما هو موجودٌ في حيزِ الواقع, ومعمولٌ به بالفعل من شريعةِ الله
جلَّ وعلا؛ وأنَّ القولَ بأنَّه لنْ يدفعَ عَنْ الإسلامِ إلَّا مَنْ عَمِلَ بكلِّ
الشرع, وامتنعَ عن كُلِّ المظالم كان سيُضَيَّعُ ما هو موجودٌ مِنْ الشريعةِ وأحْكَامِها،
وأفعالُ التتارِ في كلِّ البلدان التي دخلوها كانت تَشْهَدُ بذلك.
ويَشْهَدُ
الواقع أنَّ المماليك الذين آزرهم وناصَرهم، بل وقَاتَلَ تحت رايتهم التتارَ حتى هَزَمَهُم
اللهُ عزَّ وجل ـ أنَّ أولئكَ المماليك الذين ناصرهم ابن تيمية وغيرهُ مِنْ
العلماء مِنْ قبل كالعز بن عبدالسلام لمَّا ناصر قُطِزَ في حربه للتتار, هؤلاء
كانوا أقربَ إلى بعض الحُكَّامِ اليوم ـ يعني المماليك ـ كانوا أقربَ إلى بعض الحُكَّامِ
اليوم في حُكْمِهم ببعض الشريعةِ دون بعض, وفي وجود قصورٍ أو تقصيرٍ تجاه الإسلام
وأحْكَامِه، ومع ذلك اعتبرهم ابن تيمية رحمه الله مقاتِلين عن الإسلام، وحامِلينَ
لرايته ومدافِعينَ عن حِياضه، ومن ثَمَّ فإنَّ قِتَالَ حُكَّامِ اليوم بفتوى ابن
تيمية سيكون تنزيلًا للحُكمِ الشرعيِّ على غير واقعهِ الصحيح، أو نقلًا للفتوى من
واقعٍ له مواصفات معينة إلى واقعٍ آخر لا يَمُتُّ بصلة للواقع الذي أطلقت فيه
الفتوى.
إنَّ التاريخَ
يَشهَد أنَّ المماليكَ لمْ يكن لهم من عذرٍ واضحٍ يحول بينهم وبين تطبيق الشريعة الإسلامية
كاملةً في زمانهم، ولم تكن لديهم مبرراتٌ مُعتبرة لنقصان حُكْمِهِم بكامل الشريعة,
وتطبيقهم لها في كل مناحي الحياة، ولم تكن هناك قوىً كبرى في الأرض تحملهم على تركِ
الاحتكام لشريعةِ الله في كل صغيرةٍ وكبيرة، فقد كانوا سادةً في بلادهم، وكانَ لهم
الملك والسلطان دون منازعٍ من قوىً أجنبيةٍ خارجية أو قوىً محليةٍ داخلية.
ورغم كل ذلك
كان المماليكُ مُقصرين جدًا في العمل ببعض الشريعةِ الإسلامية، ورغم ذلك كلِه قَاسَ
ابن تيمية قياسًا عظيمًا يُحْسَبُ له لا عليه, حينما نَصَرهُم وأيدَّهُم في مواجهة
التتار ودعا الأُمةَ كلها إلى نُصرتهم، وقد كان له سلفُ في ذلك أَلَا وهو العزُ بن
عبدالسلام الذي حَشَدَ الأُمة كلها خلف سلطانِ مصر والشام سيف الدين قطز الذي حقق
أولى الانتصاراتِ وأشهرَها على التتارِ في عين جالوت.
فما يقولُ
خوارجُ العصر؛ هذا شيخُ الإسلام يؤيِّدُ حُكَامًا لم يكونوا يُطَبِقونَ الشريعةَ
تطبيقًا كاملا، بل كانوا يتَصَارعون على المُلْكِ بالدسَائسِ والمُؤامَرات، بل هو
معلومُ أنَّه لم يَدْعُ يومًا مِنْ الدهر إلى الخروج على بيبرس الجاشنكير، وهذا
كانَ تلميذًا لنصرٍ المنبجي، وكان حلوليًا اتحاديا، وقد نصحهُ شيخ الإسلام في
رسالةٍ معروفة، وقد أُدخِلَ السِجْنَ بأمْرِ بيبرس هذا؛ وهو سِوى بيبرس البندقداري
الذي خَلَفَ قُطُز في حُكْمِ مصرَ والشام, وكانَ معه في حربه على التتار، وأمَّا
هذا الخبيث فكانَ باطنيًا اتحاديًا تابعًا لشيخهِ نصرٍ المنبجي، ومع ذلك فإنَّ شيخَ
الإسلام لمْ يخرُج عليه.
ما تقولون في
الإمام أحمد؟؟ وهو إمامُ أهلُ السُنَّة رحمه لله رحمةً واسعة؛ لمَّا جاءَ الفقهاءُ
ليؤامِرُوه ويشاوِرُوه مِنْ أَجْلِ أنْ يخرجَ على الواثِق، وكانَ شديدًا على أهلِ
السُنَّة، غالٍ فى القولِ بخلقِ القرآن، قَتَلَ العلماءَ بيده مِنْ أجْلِ أنَّهم
لمْ يقولوا بهذه البِدْعَة ومعلومٌ أنَّ القولَ بخلقِ القرآنِ كُفْر، ولكنَّ
الإمامَ أحمد لم يُكَفِّر أولئك الجهمية ولا دَعَا إلى الخروج عليهم، فلمَّا قال
له الفقهاء يا إمام جِئنا نشاورك في الخروج عليه.
قال : لا تفعلوا، ثُمَّ أخذَ يُصَوِّبُ فيهم ويُصَعِّد
ويقول الفِتنةَ الفِتنة ـ أي احذروا الفِتنة احذروا الفِتنة ـ ؛ قالوا : وأيُّ فِتنةٍ هي أكبرُ مِمَّا نحن فيه، لقد
مُنِع أهلُ السُنَّة مِنْ اعتلاءِ المنابر، ومِنْ روايةِ الحديث، ومُنِعوا مِنْ
التدريس، بل أكثَرُهم قد حُدِدَت إقامَتُهم ـ ومِنهم الإمامُ أحمد ـ وقُطِعَت
أرزاقُهم ورواتِبُهم، بعضُهم سُجِنْ وبعضُهم قُتِلْ، وبعضُهم عُذِّبَ وضُرِب, كما
ضُرِبَ الإمامُ أحمد بين يَدَيْ المُعتَصِم، وطُرِحَت عليه سَجَادةٌ، طُرِحَ عليه
بِساطٌ, ثُمَّ أُمِرَ الجُند بأنْ يدوسوه ذهابًا وإيابًا, ثم أُلقِي في السِجن, ثم
حُدِدَت إقامَتُه، وهو يقول : لا تَخرجوا عليه, وهو يقولُ ببِدْعَةٍ غليظة، بأكبَرِ
بِدَعْ الجهمية ـ يقولُ بخلقِ القرآن, وعدم رؤيةِ الله تبارك وتعالى في الآخرة.
وقَتَلَ على
ذلك أحمد بن نصر وهو في رُتْبَةِ البخاري رحمهما الله تعالى.
ما يقولُ خوارجُ
العصر في شيخ الإسلام ابن تيمية الذي كانَ تحت إمْرَةِ أولئك المماليك وهم لا يُطَبِّقون
الشريعةَ كُلَّها وليس عندهم عُذر؟
وأمَّا في هذا
العصر, فالقوى المحلية مِنْ داخليةٍ مجرمة, وكذا القوى الخارجية مِنْ الصهيونيةِ
والصليبيةِ والماسونيةِ وغيرها مِنْ قوى الشيطانِ والشر؛ كلُ أولئك يقفون أمَامَ
سيلِ الإسلام الهادِرِ بما استطاعوا وما وَجَدوا، والقومُ يا صاحبي ضعافٌ لا
يمتلكون أنْ يقاومِوا تِلك القوى العُظمي كما يقولون!! ولا أنْ يقفِوا في وجوهِهم،
فماذا يصنعون؟
ساعِدوهم، علِموا
الناس، بَيِّنُوا لهم الدين، ادعُوهم إلى الله، لا تُنَفِّروا المسلمينَ قبل غير
المسلمينَ من دين رب العالمين.
إنَّ الذي يذبحُ
الناس هم الخوارج، لما فَرُّوا إلى النهروان وأخذوا عبدَ اللهِ بن خَبَّاب فذبحوه،
وأخذوا امرأته فبقروا بطنَها, واستخرجوا جَنِينَها مِنْ رَحِمها وكانت حاملًا مُتما
فذبحوه!!
الَّذين يذبحونَ
اليوم مِنْ المجرمين الذين يَدَّعُونَ أنَّهم صَارَ لهم أميرٌ للمؤمنين، بل هو
أميرُ المجرمين، أميرُ المخبرين, ليسَ بأميرِ للمؤمنين، يذبحونَ الناس, فِعْلَ
الخوارج المجرمينَ المتقدمين, فيُنَفِّرونَ الناسَ مِنْ الدين، يُنَفِّرونَ
المسلمينَ مِنْ دينِ ربِ العالمين، حتى ليقولَ قائلٌ مِنْ المسلمينَ : لو كانَ هذا
هو دينُ اللهِ عزَّ وجل فإنَّه كافرُ به، فهو كافرٌ بدينِ الخوارج, كافرٌ بدينِ
الإخوان، ولعلكم رأيتُم ذلك وسمعتموه !!!
أسأل الله أن
يُحْسِنَ ختامنا أجمعين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تَبِعَهُم
بإحسانٍ إلى يوم الدين.
الخطبة الثانية
الحمدُ لله رب
العالمين, وأشهدُ أنْ لا إله إلَّا اللهُ وحده لا شريك له, هو يتولى الصالحين،
وأشهدُ أنَّ محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم صلاةً وسلامًا دائمين
متلازمين إلى يوم الدين؛ أما بعدُ :-
فشأنُ هؤلاءِ
الخوارج مع علمائنا أنهم يُنَفِّرونَ الناس منهم، لقد صَارَ شيخُ الإسلام ولحِقَهُ
في هذا العصر الشيخُ أحمد شاكر، صارَ شيخُ الإسلام ومنْ سارَ على نَهجِهِ مِنْ
الأخذِ بالكتاب والسُنَّةِ بفهم الصحابة ومَنْ تبِعَهم بإحسان، إرهابيًا في نظرِ
كثيرٍ من الناس.
ولكنْ تأمَّل
في كلامِ شيخ الإسلام رحمه الله تعالى وهو يقولُ لأُمَرَاءِ الجَهْمِّية وقُضَاتِهم
(ولهذا كنتُ أقولُ للجهميةِ من الحلولِيةِ والنفاة,
الذين نفوا أنَّ الله تعالى فوقَ العرش، لمَّا وقعت مِحنَتهم, أقولُ لهم : أنا لو
وافَقتُكم كنتُ كافرًا، لأنَّي أعْلَمُ أنَّ قولُكم كُفْر, وأنتم عندي لا تَكْفُرون
لأنَّكُم جُهَّال)؛ وكانَ هذا خطابًا لعُلمَائِهم وقُضَاتِهم وشُيوخِهم وأُمَراءِهم.
وقالَ رحمهُ
الله (هذا مع أني دائمًا ومن جالسني يعلمُ ذلك مِنِّي,
أني مِنْ أعظَمُ الناسِ نهيًا عن أنْ يُنْسَبَ مُعَينٌ إلى تكفِيرٍ أو تفسيقٍ أو
معصية, إلَّا إذا عُلِمَ أنَّه قد قامَت عليه الحُجَّة الرسالِية, التي مَنْ خَالفَها
كانَ كَافِرًا تارة، وفاسقًا أخرى، وعاصيًا أخرى؛ وإني أٌقَرِرُ أنَّ الله قد غَفَرَ
لهذه الأُمة خطأها وذلك يَعُم الخطأ في المسائلِ الخبريةِ والقولية والمسائلِ العمَلِية).
قالَ رحمهُ
الله (وليسَ لأحدٍ أنْ يُكفِّرَ أحدًا مِنْ المسلمينَ
وإنْ أخطأَ وغَلِط، حتى تُقامَ عليه الحُجَّة وتُبَيَّنَ له المُحَجَّة، ومَنْ ثبتَ
إسلامُه بيقين لمْ يَزُلْ ذلكَ عنه بالشَّكْ، بل لا يَزُول عنه إلا بعد إقامة الحُجَّة
وإزالة الشُبهَة...) إلى كلامٍ كثير لهذا الإمامِ العظيمِ الركينِ المتين؛ شيخُ
الإسلامِ رحمهُ الله رحمةً واسعة, أبعَدُ الناسِ عن التكفيرِ بغيرِ حق يقول : "إنَّ أهلَ السُنَّة يعرفونَ الحقَ ويرحمونَ الخلق"
وكذلك كانَ رحمهُ الله تعالى رحمةً واسعة، فيأتي هؤلاءِ في هذا العصر, وهم سفهاءُ
الأحلام, حدثاءُ الأسنان, يُفتِيهم شياطِينُهم مِنْ الإنسِ والجن، يأتي هؤلاءِ مِنْ
أجل أنْ يُظهِروا أئمتنا بهذا المَظْهَرِ الَّذي لا يقبلهُ أحد, وهم مِنْ ذلك براء
رحمهم الله تعالى.
وأمَّا ما يُدْعَى
إليه مِنْ الثورةِ المُسلحة في الثامن والعشرين من نوفمبر (28/11) فهو مِنْ ابتِدَاعِ
الخوارج الإخوانيين والسلفيين، مع ما يُدْعَى بالحركاتِ الثورية, وما أشبهَ مِنْ
المُنخنقةِ والمُوقوذةِ والمُترديةِ والنَطِيحة, وما أكلَ السبعُ، وخُطَتُهم في ذلك
اليوم هي :-
يقومُ التنظيمُ
الدولي للإخوان بحملةٍ إعلاميةٍ كبرى لتصويرِ الحدثِ كأنَّهُ ثورةٌ شعبيةٌ سلميةٌ
ضِدَ نِظام الحُكْم، تقومُ تجمعاتٌ إخوانية ومعها بعضُ العناصرِ السلفية بالتحرك مِنْ
بعضِ المساجدِ الكبرى وتحديدًا داخل المناطقِ الشعبية، ولذلك تم اختيارُ يوم
الجمعة بقصدِ الحشدِ مِنْ الجماعاتِ الإرهابية, ودفعِ جماهيرِ المصلينَ إلى
المشاركة معهم والمُضِي بهم في مسيرات داخل المناطق الشعبية التي لهم فيها زَخَمْ.
وتبدأ العناصرُ
المجرمةُ المسلحة في ارتكابِ أحداثِ عُنف, والادِعَاءِ أنَّ النظام ورجالِه هم
الذين ارتكبوا هذه الأفعَال.
تقومُ مجموعاتُ
مِنْ قناصةِ الإخوان بقتل بعض السلفيين والمواطنين وإلصاق الاتهام بالحكومة
والشرطة والجيش, وتصوير هذه المشاهد وبثها على الفور إلى قناة الجزيرة ومواقع
التواصل الاجتماعي, بهدف إثارةِ الجماهيرِ وتحريضها ومِنْ أجلِ الوقيعةِ بين
السلفيينَ ونظامِ الحكم؛ يتمُ الزحفِ إلى الميادين الهامة ومن بينها ميدان رابعة,
مع حشد الأطفال والنساء في ثلاثة ميادين رئيسة بهدف تصوير الحدث على أنَّه ثورةٌ إسلاميةٌ
مسلحة غرضُها استعادةُ الشرعية.
استئجارُ
المئاتِ مِنْ الإخِوة البلطجيةِ بأموالٍ سخية, تُدفع لهم للمشاركةِ للقيامِ بأعمالِ
العنف وحمايةِ العناصر التكفيرية خاصةً في الأماكن الشعبية.
التنسيقُ مع
العديد مِنْ المنظماتِ الإقليمية والدولية العاملةِ في مجالِ حقوقِ الإنسان لإصدار
بيانات إدانةٍ ضد الحكومة، والزَّعْمِ بأنَّها ارتكبت مجازرَ ضد المتظاهرين السِلميين،
وإعدادِ حملة دولية لتشويه سُمْعَةِ الجيش المصري وتحميله مسئوليةَ ما سيحدث.
قيامُ عناصرَ
إخوانية بارتداءِ ملابسِ الجيش والشرطة, وارتكابِ أعمالِ عنفٍ في مناطق متعددة حتى
يبدوَ الأمرُ وكأنه تعمدٌ مِنْ الدولةِ لقَتْلِ المواطنين مع تصوير ذلك وبثِّه إلى
الجزيرة وغيرها.
رفعُ المصاحف
مع تعمدِ إهانتها وتمزيقها أو رميِها على الأرض، كما تَدَّعِي الجبهة السلفية أنها
ستخرج ويخرج المنتمون إليها, يحملون المصاحف في الأيدي والسلاح تحت الثياب، فإذا أُهِينَت
المصاحفُ مِنْ هؤلاء زعموا أنَّ الجيش والشرطة قد أهانوا كتابَ الله جلَّ وعلا،
وهو ما يُحَضِّرُ له بعضُ عناصرِ الإخوان التي سترتدي ملابس عسكرية؛ وهذه تريدُ أنْ
تُحدثَ انشقاقًا في صفوفِ الجيش والشرطة, رفضًا لتمزيقِ المصاحف, ورفضًا للعنفِ
وإراقةِ الدماء, فيؤدي هذا إلى حدوثِ ارتباك داخل تلك المؤسسات.
إنَّ البلاءَ
الذي يضربُ مصر مِنْ هؤلاء الخونة يستدعِي الوَعيَ بمخططاتِهم، والمعرفةَ لمَكْرِهم
مع أخذ الأمور بجدٍ ويقظة واهتمام وحذر، وليعلم الناسُ كل الناس أنَّ هذا البلاءَ
لا يُرفعُ إلَّا بالتوبةِ إلى الله, والإنابةِ إليه, وتركِ الذنوب والمخالفات,
والفزعِ إلى ربِّ الأرضِ والسماوات، ليبقى هذا البلدُ الطيبُ نقيًا مِنْ هذا الرِجْسِ
النجس، وليعودَ إلى أهلِه أمْنُهم، وإقبَالُهم على أعمالِهم، واهتمامهم بالصالِح
من شئونهم.
وليعلمَ الناسُ
كلُّ الناسِ أنَّ التكفيرَ لا يُحَاربُ بالإباحية، وأنَّ التطرفَ لا يُقابَلُ
بتطرفٍ مضاد، وأنَّ التشددَ لا يُواجهُ بالتسيُّبِ، وكلا طرفي قصدِ الأمورِ ذميمُ،
وخيرُ الأمورِ أوساطُها.
إنَّ أهلَ هذا
البلدِ الطيب, ينبغي ألَّا يَضيعوا في هذا التِيه، ويجبُ ألَّا يتبعثروا في الشِعاب،
ولكن يجبُ أنْ يعودوا إلى صحيحِ الدين, وحقيقة ِالإسلام، وفي ذلك النجاةُ من كلِّ
هلَكَة والفوزُ بكلِ مَغْنَم.
والله المستعان
وعليه التكلان، وهو حسبنا ونعم الوكيل، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله
وأصحابه أجمعين.