تفريغ خطبة :رمضان .. وأنين التائبين
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُه، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَلَّا إِلهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آَلِهِ وَسَلَّم.
أَمَّا بَعْدُ:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران:102].
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عليكمْ رَقِيبًا﴾ [النساء:1].
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ [الأحزاب:70].
فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللهِ، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آَلِهِ وَسَلَّمَ، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.
أَمَّا بَعْدُ:
فنعوذُ باللَّهِ –تباركَ وتعالَى- من رُؤيَةِ النَّفسِ ومن رُؤيَةِ الخَلقِ، فإنَّ مَن رَأَى نَفْسَهُ تكبَّرَ، والمُتَكبِّرُ أحمقٌ، لأنهُ ما تكبَّرَ أحدٌ بشيءٍ إلا وأُوتِيَ غيرُهُ أكثرَ منهُ، فعلى أيِّ شيءٍ يتكبَّر؟
ونعوذُ باللَّهِ –تباركَ وتعالى- من رؤيةِ الخَلْقِ، فإنَّ مَن رَأَى الخَلْقَ راءَاهُم، ومَن رَاءَى الخَلْقَ فقد عَبَدَهُم وإنْ كان لا يَدرِي.
كان طَلْحَةُ ابنُ مُصَرِّفٍ إمامًا وشيْخًا للمسلمينَ، وكان مُقْرِئَ أهلِ الكوفةِ، غيرَ مُدَافَعٍ، فلمَّا كثُرَ الخلْقُ عليهِ ومَالُوا إليهِ.
احْتَالَ بحِيلةٍ، فسَعَى إلى الأَعْمَشِ، فقرأَ عليهِ، فانصَرَفَ النَّاسُ عنهُ إلى الأَعْمَشِ.
وهكذا تكونُ معاملةُ الحقِّ، لمَّا كَثُرَ النَّاسُ عليهِ، ومالُوا إليهِ، سَعَى هو إلى الأَعْمَشِ، ليَقرأَ عليهِ وليُظهِرَ أنَّ هناكَ مَن هو خيرٌ منهُ؛ حتى يميلَ النَّاسُ إليهِ، فمالُوا إلى الأَعْمَشِ وتركوهُ؛ وهكذا مُعاملةُ الحقِّ ينبغي أنْ تكونَ.
إنَّ اللّهَ –تباركَ وتعالى- جعلَ الأعمالَ الظَّاهرةَ مبنيةً على رصيدٍ في القلبِ، فأمَّا الرَّصيدُ الباطنُ الذي ترتكِزُ عليهِ الأخلاقُ، وتَصْدُرُ منهُ الصِّفاتُ، فهو المعنِيُّ بنَظَرِ الحقِّ إليهِ، وأمَّا ما يكونُ ظاهرًا مِن أمورِ الخلقِ فمهما عظُمَ وكَثُرَ فإنَّ اللَّهَ –جلَّ وعلا- لا يَنظُرُ إليهِ.
ففي «صحيحِ مسلمٍ» –عليهِ الرحمةُ- عن أبي هريرةَ قال: قالَ رسولُ اللَّهِ -صلَّى اللَّهُ عليهِ و علَى آلهِ وسلَّمَ- : «إنَّ اللَّهَ لا يَنظُرُ إلى أجسامِكُم ولا إلى صُوَرِكُم وإنَّما يَنظُرُ إلى قلُوبِكُم وأعمالِكُم».
فجَعَلَ اللَّهُ -تباركَ وتعالى- محلَّ نَظَرِهِ إلى الخَلقِ محلَّ نيَّاتِهم، والعبدُ حينئذٍ مُطالَبٌ بأمرَينِ، لأنَّهُ مسئولٌ عنهما معًا، مُطَالَبٌ بتصحيحِ نيَّتِهِ وإحسَانِ عَمَلِهِ؛ لأنَّهُ مسئُولٌ عن نِيَّتِهِ وقلبِهِ، كما أنه مسئُولٌ عن عملِهِ، وهذا الأمرُ أمرٌ كبيرٌ جدًّا في دينِ الإسلامِ العظيمِ، لأنَّ الأخلاقَ النَّبِيلَةَ، ولأنَّ الصِفاتِ، الجمِيلَةِ، ولأنَّ الشِّيَاتِ الحسنةِ، كلُّ ذلك لا يَصدُرُ إلاَّ من رصيدٍ في النَّفسِ، ولا يَرتَكِزُ إلاَّ على أساسٍ في القلبِ، ومهما جاءَ مِن نُبْلٍ ظاهرٍ، وحُسْنٍ باهرٍ، ولا رصيدَ له في القلبِ،؛ فلا قيمةَ لهُ؛ وإنما هو زَيْفٌ كزُخرُفٍ على قبرٍ.
والدليلُ على أنَّ ذلك معتبرٌ أصلًا، ومعتبرٌ أساسًا في دينِ اللَّهِ –جلَّ وعلا- أنَّ اللَّهَ -سبحانهُ- جعلَ ما يَتَقرَّبُ بهِ المتقربونَ؛ نَحْرًا وعَقْرًا وأُضحِيَاتٍ، يُقدِّمونَها قُرُبَاتٍ إلى اللَّهِ–جلَّ وعلا-، جَعلَ اللّهُ–تباركَ وتعالى- ذلك كلَّهُ، غيرَ واصلٍ إليهِ ولا مُعتَبَرٍ لديِهِ، إلا على أساسٍ مَكِينٍ من رصيدٍ في القلبِ وكَنزٍ في الفُؤادِ؛ ﴿لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَٰكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَىٰ مِنْكُمْ﴾.
فالذي يَصِلُ إليهِ حقًّا، تَقوَى القلوبِ، و الأعمالُ الظاهرةُ إنما هي علاماتٌ وأماراتٌ على ما وراءَ ذلك من تقوى القلوبِ، فهي بُرهانٌ ودليلٌ، ولكنَّها إنْ قامت وَحْدَهَا، فهي زَيفٌ وَوَشيٌ وزُخرُفٌ، ولا قيمةَ لها ولا حقيقةَ.
والدليلُ على ذلك؛ أنَّ الرسولَ -صلَّى اللَّهُ عليهِ و على آلهِ وسلَّمَ- كما في الحديثِ الذي صحَّ عنه؛ أخرجَهُ النَّسائِيُّ عن أبي ذَرٍّ، وكذا أخرجَهُ في سُننِهِ عن أبي هريرةَ عن الرسولِ-صلَّى اللَّهُ عليهِ و على آلهِ وسلَّمَ- قالَ: «سَبَقَ دِرهمٌ مِئَةَ ألفِ درهمًا، رجلٌ ليس عندَهُ إلا دِرهَمَانِ تَصَدَّقَ بأحدِهِمَا، ورجلٌ عندهُ مالٌ كثيرٌ، فأخذَ من عُرْضِ مالِهِ مئةَ ألفٍ فتَصدَّق بها».
والرَّكِيزةُ التي يَرتَكِزُ عليها الإنفاقُ والتَّصدُّقُ في هذه الحالةِ، جلِيَّةٌ واضحةٌ، لا تحتاجُ إلى تَجْلِيَةٍ ولا إِيضاحٍ؛ فهذا شَحِيحٌ صَحيحٌ يَخشَى الفقرَ ويَأمُلُ الغِنى، ورأسُ مالِهِ معدودٌ معدودٌ، ومع ذلك يحملُ على رأسِ المالِ فيَستَأصِلُ نِصْفَهُ ظاهرًا صدقةً تقعُ في يدِ اللَّهِ –جلَّ وعلا-، رجلٌ ليس لهُ إلا درهمَانِ، فتَصدَّقَ بأحدِهِما.
ورَجُلٌ عندهُ مالٌ كثيرٌ، فأخذَ من عُرضِ مالِهِ، من ناحِيَةٍ من نَوَاحِيهِ وهي كثيرةٌ مُتكاثِرةٌ مئةَ ألفٍ فتصدَّقَ بها، سَبَقَ درهمٌ مئةَ ألفِ درهمًا؛ ما الذي جعل الدِّرهمَ الفذَّ المُفرَد فائزًا وسابقًا؟
رصيدٌ هنالِكَ في القلبِ خَالطَهُ، وحصيلةٌ هنالك في القلبِ مازَجَتهُ حتى صارَ شيئًا مذكورًا لا يقِفُ أمامَهُ أضعافُ أضعافُ أضعافِهِ، حتى ولو بَلَغَت ذلك العددَ المذكورَ.
والرسولُ -صلَّى اللّهُ عليهِ وعلى آلهِ وسلَّمَ- يُركِّزُ على هذا الأمرِ تركيزًا شديدًا ويُخبِرُ عن طريقةِ معاملةِ الرَّبِّ للخَلْقِ وعن طريقةِ نَظَرِ اللَّهِ –تباركَ وتعالى- في أحوالِهِم وفي قلوبِهِم وفي أعمالِهِم وأجسادِهِم وفي صورهِمِ، فيجعلُ النبيُّ -صلَّى اللَّهُ عليهِ و علَى آلهِ وسلَّمَ- ذلك بيِّنًا، إنَّ اللَّهَ لا ينظرُ إلى أجسادِكُم، بِبِنيَةٍ صحيحةٍ أو عَلِيلَةٍ، بِبِنيَةٍ مُتمَاسِكَةٍ أو مُتهالِكةٍ، بقائِمٍ أو مُقعَدٍ، بزَاحِفٍ أو رَاقِدٍ.
إنَّ اللهَ لا ينظُرُ إلى أجسامِكُم ولا إلى صُوَرِكُم، حُلوةٍ أو قَبِيحةٍ، رَدِيئَةٍ أو مَلِيحةٍ، مَقبُولةٍ أو مُستَهْجَنَةٍ.
فكلُّ ذلك لا اعتبارَ لهُ عندهُ، بل لا يَنظُرُ إليهِ، وهو شيءٌ غيرُ مذكُورٍ، ولا قيمةَ لهُ ولا خَطَرَ عند ربِّنا –جلَّ وعلا-، ولكنْ يَنظُرُ إلى قلُوبِكُم وأعمالِكُم، التي تَصْدُرُ عن تَقوَى القلوبِ.
والنبيُّ -صلَّى اللَّهُ عليهِ و على آلهِ وسلَّمَ- كما في «الصَّحِيحَينِ» عن أبِي هُريرةَ –رِضوانُ اللَّهِ عليهِ- جاءهُ رجلٌ فقالَ: إنِّي مَجْهُودٌ، فبعثَ النَّبيُّ -صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ- إلى أبيَاتِ أزوَاجِه جُمَعْ، فما من واحدةٍ إلا أجابَتْ، لا والذي بعَثَكَ بالحق ما عندي إلا الماءَ.
فقال النبيُّ -صلَّى اللَّهُ عليهِ و علَى آلهِ وسلَّمَ-: «من يُضَيِّفُ ضَيْفَ رسولِ اللَّهِ -صلَّى اللَّهُ عليهِ وعلَى آلهِ وسلَّمَ-؟»
فقالَ رجلٌ من الأنصارِ هُنالِكَ: أنا يا رسولَ اللَّهِ.
وفي روايةِ مسلمٍ «أنَّ النبيَّ -صلَّى اللَّهُ عليهِ و علَى آلهِ وسلَّمَ- جعلَ تَرغِيبـًا قائِمًا،
فقال: «من يُضَيِّفُ ضَيْفَ رسولِ اللَّهِ، يرحمُهُ اللَّهُ».
فقالَ: أنا يا رسولَ اللَّهِ، وأخذَ الرَّجلُ بيدِ الرَّجلِ، فمضى بهِ راشِدًا، فدخلَ على امرأَتِهِ.
فقالَ: هل عِندَكِ مِن شيء؟
لقد أَمْسَى -رضوانُ اللَّهِ عليهِ- في عَرَضِ الدُّنيا وفي متاعِها أغنَى من رسولِ اللَّهِ -صلَّى اللَّهُ عليهِ و علَى آلهِ وسلَّمَ- بتسعةِ أبياتٍ ما فيها إلا الماءَ، وهذا رجُلٌ من الصَّحابةِ من الأنصارِ، ليس من ذوي الثراءِ ولا الغِنى، أمسى اليومَ يُضَيِّفُ ضيفَ رسولِ اللَّهِ -صلَّى اللَّهُ عليهِ و على آلهِ وسلَّمَ- وفي العَرَضِ كان زائدًا، ولا يزدادُ أحدٌ في عَرَضٍ ولا بالعَرَضِ شيئًا.
فدخلَ على امرأتِهِ، فقال: هل عِندَكِ من شيء؟
فإنَّ حَفْصَةَ، وعائِشةَ، وزينبَ، وجُوَيْرِيَةَ، والبَقِيَّةُ منَ الصالِحاتِ ليس عِندَهُنَّ الليلةَ من شيء، والنبيُّ -صلَّى اللَّهُ عليهِ و على آلهِ وسلَّمَ- عسى أنْ يَبِيتَ الليلةَ طَاوِيًا، فلا ينزل جَوْفَهُ إلا الماءَ، وما مِن شيءٍ يُقيتُ ذاتَ كَبِدٍ رَطْبَةٍ يدخلُ جوفَهُ الليلةَ.
فقالت المرأةُ: واللَّهِ ما عندي إلا قوتُ صِبيانِي.
قال: إذن؛ هيِّئِي طعامَكِ، وأَصْبِحِي سِراجَكِ، ونَوِّمِي صِبيانَكِ؛ حتى إذا ما رأى الضَّيفُ أنَّا نأكُلُ، قُومِي إلى المِصباحِ كأنَّكِ تُصلحِينَهُ ثم أطفئِيهِ، ثم افتَعِلي هيئةَ الآكِلِ النَّهِمِ، يُسابِقُ مَن بين يَديهِ إلى الطَّعامِ مُسابقةً لا يكادُ يظفَرُ معها الآكلُ ضِدَّهُ بشيءٍ في تلك المعركةِ، فأمَّا المرأةُ فَعَلَّلتْ صغيرًا، ونَوَّمَتْ صبِيَّــًا، وهَدْهَدَت مَرِيضــًا، وأخذت على صَدْرِها صغيرًا تُعلِّلهُ بعَذْبِ الكلامِ وحُلوِ الأناشيدِ، حتى ينامَ نومًا قريرًا، فلمَّا نوَّمَت الصِّبيانَ، أصبَحتْ -أي: أوقَدَت المِصباحَ السِّراجَ- وقد هيَّأت الطَّعامَ، وقُرِّب الطعامُ لضيفِ رسولِ اللَّهِ -صلَّى اللَّهُ عليهِ و على آلهِ وسلّمَ-، ثم قامت إلى المِصباحِ فأطفأتهُ وجَلَسَا معــًا -وذلك قبلَ نزولِ الحجابِ- يَفتعِلانِ أكلاً ويصطَنِعانِ نَهَمًا، وما بِهِما من رَابَةٍ إلا في إكرامِ ضيفِ رسولِ اللَّهِ -صلَّى اللَّهُ عليهِ و على آلهِ وسلَّم- حتى شَبِعَ الرَّجُلُ، وفاتَ قُوتُ الصِّبيانِ، ومَضَى الليلُ طاويًا وِشَاحُهُ الأسودَ مُصبِحــًا عن صبحٍ مُنيرٍ.
وسعى الرَّجُلُ إلى البشيرِ النذيرِ -صلَّى اللَّهُ عليه و على آلهِ وسلَّمَ- فلمَّا رآهُ مُقْبِلًا ضَحِكَ، وقال: «يا فلان لقد ضَحِكَ اللَّهُ من فِعالِكُمَا الليلةَ وفي روايةٍ لقد عجِبَ اللَّهُ من فِعَالِكُما الليلةَ -يَعنِيهِ وامرأتَهُ-، وأنزَلَ اللَّهُ –ربُّ العالمينَ- قولَهُ ﴿وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ [الحشر: 9]».
في أيِّ شيءٍ نَزَلَت هذه الآيةُ الكريمةُ ويُؤثرونَ على أنفسِهم ولو كان بهم خَصَاصَةٌ، في لُقَيمَاتٍ في إدَامٍ غيرِ مذكورٍ ظاهرًا ولكنَّهُ عند الله مُعْتَبَرٌ جِدًّا، في شيءٍ يسير لا يُؤبَهُ له، لا يُقِيتُ إلا جائعــًا على تِلَالٍ، ويَظلُّ بقِيَّةَ الليلِ ربما طاويًا على جوعٍ وظمأ.
ولكن هنالِكَ رصيدٌ في داخلِ النَّفسِ في باطنِ القلبِ تتحركُ على قاعِدتِهِ الأعمالُ، وحينئذٍ على هذا الرَّصيدِ يتمُ اعتبارُ القيمةِ، وإلا فَكَم من بانٍ على شَفَا جُرُفٍ هارٍ يكادُ أنْ ينهارَ بهِ في نارِ جهنَّمَ, وكم من بانٍ صَرْحًا على رمالٍ.
وكم من بانٍ بنَسيجِ أحلامٍ قصورًا شامخاتٍ على زُبَدِ البِحارِ وعلى أمواجِهَا؛
فلا استقرار ولا قرارَ، وأمَّا هذا فيَبنِي على أصلٍ متينٍ، ويَصدُرُ من فطرةٍ مستقيمةٍ.
وهذا أصلُ الأُصُولِ في دينِ الإسلامِ العظيمِ، لأنَّ اللَّهَ –جَلَّت قُدرتُهُ- لا ينظرُ إلى الأجسادِ و الصِّور، فمِن مُستَملَحٍ ومُستَقبَحٍ، كلُّ ذلك بمَبعَدَةٍ، ومن حلوٍ ومكروهٍ، كلُّ ذلك بمَبعَدَةٍ، ومن مَقبُولٍ ومردُودٍ، كلُّ ذلك بمَبعَدَةٍ، ولكن من كان مَخمُومَ القلبِ، طَيِّبَ النَّفسِ، مَن كان مُرتاحَ الضَّميرِ، هادئَ الفؤادِ، من كان مُقبِلًا على اللَّهِ –جلَّ وعلا- بالصِّدقِ، لا بالخَديعةِ، ولا بالخيانةِ، مَن كان مُقْبِلًا على اللَّهِ –جل وعلا- لا يَغُشُّ المسلمينَ، ولا يَخدعُ المؤمنينَ، ولا يحاولُ أنْ يصرفَ الدينَ عن ظاهرِ الدينِ، إلى أمرٍ يُشَوِّهُ حقيقةَ الدينِ، بعد تشويهِ ظاهرِ الدينِ.
مَن كان ذلك كذلك عنده، فهو الحَقِيقُ بأنْيكونَ صادرًا بحقٍّ عن فطرةٍ مستقيمةٍ، برصيدٍ زاخرٍ في قلبٍ مطمئنٍ بالإيمانِ؛ وكذا ينبغي أن يكونَ العملُ، وإلَّا فلا.
الرَّسولُ -صلّى اللّهُ عليهِ و علَى آلهِ وسلَّمَ- فَرَضَ صدقةَ الفِطرِ من رمضانَ وسُمِّيَت فِطرَةٌ، فكأنَّها عائِدةٌ لأنَّها على أصلِ الرُّؤوسِ فكأنَّها عائدةٌ إلى الفِطرَةِ، وهذا قولٌ وإنْ كانَ مَرجُوحــًا جاء بهِ ابنُ قُتَيْبَةَ –رحمةُ اللّهِ عليهِ-: «فإنَّما سُمِّيَتْ صدقةَ الفِطرِ لإفطارِ النَّاسِ من رمضان».
وفي «الصحيحينِ» عن ابنِ عمرَ-رضي اللهُ عنهما- قال: «فَرضَ رسُولُ اللّهِ -صلّى اللّهُ عليهِ و على آلهِ وسلَّمَ- صَدَقَةَ الفِطرِ من رمضان»، فالذي فرَضَها هو الَّرسولُ -صلّى اللّه عليه و على آلهِ وسلَّم- بأمرٍ من اللّهِ، فرض رسولُ اللّهِ -صلّى اللّهُ عليهِ وسلَّم- صدقةَ الفِطرِ من رمضانَ على المسلمينَ، على كلَّ ذكرٍ وأنثى وحُرٍّ وعبدٍ وصغيرٍ وكبيرٍ.
بيَّنَ لنا نبيُّنا -صلّى اللّهُ عليهِ و علَى آلهِ وسلَّم- ما يَنبَغِي أن يكونَ و إنَّما هو صاعٌ من تمرٍ أو صاعٌ من شعيرٍ، إنَّما هو صاعٌ من تمرٍ أو صاعٌ من شعيرٍ، ولِمَ؟
يقول: ابنُ عباسٍ –رضي اللَّهُ عنهما- في الحديثِ الذي صحَّ عند ابنِ ماجةَ وغيرِهِ يقول: «فَرَضَ رسولُ اللَّهِ -صلّى اللَّهُ عليهِ و علَى آلهِ وسلَّمَ- صدقةَ الفِطرِ طُهرَةً للصَائِمِ من اللَّغوِ والرَّفَثِ وطُعمةً للمساكينِ».
إنَّهُ مُجتمعٌ فاضلٌ مُتَطَهرٌ، إنَّهُ مجتمعٌ يبحثُ عن كمالٍ منشودٍ يَسعَى إليهِ سَعيًا سَريعًا حَثِيثًا، إنه مجتمعٌ يَتَطهَّرُ أبناؤهُ مما قد يُصِيبُهم ولابُدَّ أن يُصيبَهُم من غُبَارِ سيئاتٍ لا يَنجُو منها إلاَّ المعصومَ -صلَّى اللَّهُ عليهِ و علَى آلهِ وسلَّمَ-، طُهرةً للصائمِ، من اللغوِ والرَّفَثِ، مما كان هُنالِكَ، مما اعتادهُ الناسُ في حياتِهم، فأتَوا بهِ على سَجِيَّاتِهم حينًا، ومُتعمِّدِينَ في أكثرِ الأحايِيِنِ.
مع أنَّ المدرسةَ العَمَليةَ، قد قَضت، بأن يكونَ الصَّخَبُ مَنفيًا، فهل عسى أن يكونَ الصَّخبُ مَنفيًا في بقيَّةِ العامِ؟ لأنه لا صَخَبَ مع الصيامِ، ولذلك ينبغي عندما يتعودُ المرءُ ذلك ثلاثينَ يومًا، أنْ يظلَّ كذلك بذَخِيرةٍ رُبَّما تتناقصُ حتى إذا ما شارفت النِّهايةَ بالفناءِ، جاء الشهرُ مرةً أخرى لتعلوَ الحَصِيلةُ إلى الذِّروةِ.
ثم ما يزالُ المرءُ سائرٌ بمنحنًى كمنحنى الجَيْبِ، يعلو وينزل، ثم يعلو وينزلُ، وكذلك الإيمانُ في القلوبِ، يزدادُ بزيادةِ الأعمالِ الصالحةِ، ويَقلُّ بقِلِّتِها، و بالأعمالِ الطالحةِ، كما هو المُعتَقَدُ المُعتمَدُ عند أهلِ السُّنةِ، أن الإيمانَ يَزيدُ ويَنقصُ، فكذلك الشأنُ هاهُنا.
فرضَها الرسولُ -صلَّى اللَّهُ عليهِ و على آله وسلَّمَ- على المسلمينَ للفطرِ من رمضانَ، فهذا سبَبُها؛ وأما السببُ الذي فصَّلَهُ فهو: أن يكونَ ذلك طُهرةً للصائمِ من اللغوِ والرَّفَثِ، أليسَ يَخرجُ مغفورًا له؟
أليس يخرجُ من ذنوبِهِ كيومَ ولدتهُ أمُّهُ؟
كذلك يظنُّ الناسُ؛ وا حسرتاهُ وليس كذلك في حقيقةِ الأمرِ، لأن النبيَّ -صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ- قال: «من صامَ رمضانَ إيمانًا واحتسابًا، غُفِرَ له ما تقدمَ من ذَنبهِ، ومن قامَ رمضانَ إيمانًا واحتسابًا، غُفِرَ له ما تقدم من ذنبهِ، ومن قامَ ليلةَ القدرِ إيمانًا واحتسابًا غُفِرَ له ما تَقدمَ من ذنبهِ»، كلُّ ذلك يكونُ؛ ولكن إيمانًا واحتسابًا.
فهاتانِ عقَبَتانِ، ثم عقبةٌ أخرى هي مغروسَةٌ في أصل التَّصورِ المُنحرف، هي منبثةٌ في تضاعيفِ مُخٍّ لا يريدُ أن يُنصِفَ ولا يعتدلَ، نعم لأن الناسَ يظنُّونَ أنهم لو أحسنوا في رمضانَ، فقد فَنِيَت كبائِرُهُم، وهم عليها مُقيمونَ، وليس كذلك الأمرُ، ولا ينبغي أن يكونَ كذلك أبدًا.
وإنما يقولُ النبيُّ -صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ- «الصلواتُ الخمسُ، والجُمُعةُ إلى الجُمُعةِ، ورمضانُ إلى رمضانَ؛ مُكفِراتٌ لما بينهم ما اجتُنِبَت الكبائِر».
وإذن؛ فما معنى قول النبيِّ -صلَّى اللَّهُ عليهِ و علَى آلهِ وسلَّمَ-:«مَن قامَ رمضانَ، من صامَ رمضانَ، من قام ليلةَ القدرِ إيمانًا، واحتسابًا؛ غُفِرَ لهُ ما تقدمَ من ذنبهِ»، بشرطِ أن يكونَ مُجتنِبًا للكبائِرِ، وإذن؛ فَغُفرانِ الذنوبِ الواقعِ بالصيامِ والقيامِ وقيامِ ليلةِ القدرِ، إنما يكونُ لمن اجتنب الكبائرَ، أو يكونُ لما دون الكبائرِ.
فقولان: فلا يَتَأَتَّى غُفرانٌ بقيامٍ، ولا صيامٍ إلَّا لمن اجتنبَ الكبائرَ أصلًا؛ وأمَّا إذا ما ظلَّ عليها مُقيمًا، ولها مواقعًا، فهيهاتَ! فهذا قولٌ.
وأما القولُ الثاني: فإن التَّكفِيرَ الذي وعَدَ بهِ الرسولُ -صلَّى اللَّهُ عليهِ و على آلهِ وسلَّمَ- بالصيامِ والقيامِ، إنما يقعُ على ما دونَ الكبائرِ.
والكبائرُ ظاهرةٌ وباطنةٌ؛ وهي: كلُّ ما استَوجَبَ في الدينا حَدًّا، أو استلزمَ في الآخرةِ عقابًا بوعيدٍ، أو كلُّ ما زيَّلَ اللَّهُ أو نبيُّهُ الكريمُ -صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ- ذكرَهُ بوعيدٍ شديدٍ، بمِثْلِ النارِ وما أشبهَ؛ فإنَّ ذلك يكونُ من الكبائِرِ عند جمهورِ العلماءِ –عليهم الرحمة-، وكلُّ ذلك ظاهرٌ وباطنٌ، وما أكثرَ الذي ينغَّلُ هنالك؛ يَنطوِي عليهِ فؤادٌ أُغلِقَ، قد انجَمَعَ على طيَّاتِ كبائرَ لا يَلتفتُ إليها ولا يَعدُّها كبائرَ بحالٍ، وهي من كبائرِ الإثمِ.
وهل رأيتَ الشِّركَ شركًا، إلَّا أنْ يكونَ مُستقِرًّا في القلبِ، يَنسَرِحُ بعدُ على الجوارحِ،
ولذلك يقولُ العلماءُ: إنَّ من الأعمالِ الظاهرةِ ما يدلُّ بذاتِهِ على ما وراءَهُ في القلبِ، فمَن ألقى المصحفَ مَثَلًا، أو دَاسَهُ بقدمَيهِ، فهذا لا يُتوَقَف في الحكمِ عليهِ بالكفرِ؛ لأنه لا يمكن أن يأتي بمثلِ ذلك إلا إذا كان القلبُ قد خلا فصارَ هواءً، ولم يَعُد فيهِ من الإيمانِ شيئًا.
كم من كبائر ظاهرةٍ وباطنةٍ هي مُنسابَةٌ هناك في أصلِ الجسدِ الإنساني، لا يَلتَفت الناسُ إليها، لأنها صارت شيئًا منهم.
وصارت بعضـًا من دمائِهِم، لحسدٍ وحقدٍ وغِلٍّ وضِغْنٍ وما أشبهَ، من عُجْبٍ وكِبْرٍ، ومن ارتفاعٍ فوق هاماتِ الخلقِ بغيرِ حقٍ، ومن سَعْيٍ للترأُّسِ عليهم بلا صِدقٍ؛ كلُّ ذلك بعضٌ مما يُمكن أن يُحيطَ بالقلبِ من كبائِرِهِ.
فصَامَ ما صَامَ فلم يُغفرُ له من ذلك من شيء، وكذلك ما يكون مِن أَكْلِ أموالِ الناسِ بالباطِلِ، ومن الاستحواذِ على أموالِ الخَلْقِ ومُمتلكاتِهِم، ومِن الولُوغِ في أعراضِهِم، ومن السَّعيِ بين الناسِ بالإفسادِ، ومن التَّهريجِ والتَّهويشِ على خَلْقِ اللَّهِ، لتشويهِ صورةِ الإسلامِ عامدًا، أو غيرَ عامدٍ؛ فكلُّ ذلك من كبائِرِ الإثمِ.
وكلُّ ذلك لا يغفرُهُ صيامٌ ولا قيامٌ، ولو ظلَّ الدَّهرَ صائمًا؛ لأن النبيَّ -صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ- قَيَّدَ ذلك مِن بَعْدِ إطلاقٍ، فقال: «ما اجتُنِبَت الكبائرُ».
«طُهرةٌ للصائِمِ مِن اللغو، والرَّفثِ»؛ من الكلامِ الذي لا لهُ ولا عليهِ؛ من الكلامِ الذي يَخرُجُ عَفْوَ الخاطِرِ، فيَسُدُّ مَسَدَّ ما كان ينبغي أن يُوضَعَ في خِزانةِ النَّفَسِ، الذي ليتَهُ راحَ فارِغًا.
وإنما شُغِلَ ببَعْرةٍ في مكانِ دُرَّةٍ؛ من اللغوِ والرَّفثِ- من الكلامِ القبيحِ، مِن الفُحشِ، من الوقوعِ في أمثالِ تلك الأشياءِ بالتَورِيَةِ والكِنايَةِ؛ ومما تَواضعَ عليهِ الخلقُ كلُهُم إلا من رَحمَ اللَّهُ –ربُّ العالمينَ- وقليلٌ ما هم-.
«طُهرةً للصائِمِ من اللغوِ والرَّفَثِ، وطُعمةً للمساكينِ»؛ لأنه يومُ عيدٍ، وما ينبغي أنْ يكون للمسلمين عيدٌ يتَهَارجُونَ فيه تهَارُجَ الحُمُرِ، وتَنشَقُّ حناجِرُهُم هاتفينَ، لا لشيء، لا لتكبيرٍ ولا شيء.
وإنما يَتحلَّقُونَ في حَلْقاتِ الأقْزَامِ؛ يحيا ويَسقُط، ويَمُوتُ ويَعيشُ؛ لا ينبغي للمسلمينَ أنْ يكونَ لهم عِيدٌ، وهم فِرَقٌ قد تَقَسَّمت بِدَدًا وانقَسَمت فِرَقـًا.
وإنما ينبغي أنْ يكونَ العيدُ عيدًا بحقٍ، ولكن أيُّ عيدٍ؟ إنَّ العيد الحقَّ، هو اليومُ الذي يَخرُجُ المرءُ فيه من هذه الدنيا سالمًا غانمًا؛ والعيدُ الذي هو العيدُ؛ هو الذي يخرج فيهِ المرءُ من رمضانَ مغفورًا له، كما أخبر الرسولُ -صلَّى اللَّهُ عليهِ و علَى آلهِ وسلَّم-.
إنها محنةٌ ظاهرةٌ، قَلَّ من يَلتَفِت إليها، محنةٌ باهرةٌ، محنةٌ قاهرةٌ، تقصمُ الظهورَ، وتَدُقُّ الأعناقَ.
ولكنْ قَلَّ من ينوءُ بها قلبُهُ، وقَلَّ من يُحِسُّ بثِقَلِها كاهُلُه، وكم مَن ينحني لها برقَبَتِهِ من أجل أنْ يكونَ للَّهِ مُخبِتًا ومُتواضِعًا، ألم يَصعَد المِنبرَ -صلَّى اللَّهُ عليهِ و علَى آلهِ وسلَّم-؛ فجاءَ دعاءُ جبريلٍ؛ فأمَّنَ الأمينُ -أمينُ أهلِ الأرضِ والسماءِ- على أمينِ السماءِ جبريلٍ، فأمَّنَ محمدٌ على دعاءِ جبريلٍ؟ أليست محنةٌ؟
وصعد المِنبرَ؛ فقال: «آمين»، فلمَّا نزل فسُئِلَ آمين آمين آمين، ما هذا الذي قلتَهُ وما عهدناكَ له قائلًا؟
فقال: «جاءني جبريلُ فقال: بَعُدَ رَجُلٌ انسلخَ عنه رمضانَ فلم يُغفر له؛ فقلتُ: آمين».
وفي روايةٍ: «رغِمَ أَنْفُ عَبْدٍ انسلخَ عنهُ رمضانَ، فلم يُغفر له؛ فقلتُ: آمين».
وإذن؛ فرمضانُ معتركٌ للعزِّ والذُّلِّ، ومعركةٌ منصوبةٌ هنالك تأتي إليها أفياءُ الناسِ مِن كُلِّ صَوْبٍ، معركةٌ قائمةٌ بسِجَالٍ ونِزالٍ وبقتالٍ وجهادٍ وجِلادٍ.
معركةٌ حقيقيةٌ، ففيها عزيزٌ وذلِيلٌ، وفيها مرفوعٌ ومخفوضٌ وفيها من هو مُقرَّبٌ سعيدٌ، ومَن هو محرومٌ طَرِيدٌ، فيها من كَتَبَ اللَّهُ ربُّ العالمينَ له السعادةَ؛ فكَتَبَ له السعادةَ فلا يَشقَى فيها أبدًا، ومَن خَتَمَ اللَّهُ على قلبِهِ وطَبَعَ عليهِ بالشقاوةِ، فلا يَسعد من بعدِها أبدًا، معركةُ عزٍّ وذُلٍّ، معركةُ كرامةٍ ومذَلَّةٍ كما أخبرَ النبيُّ -صلَّى اللَّهُ عليهِ و علَى آلهِ وسلَّمَ-: بَعُدَ -أي: لُعِنَ-؛ لأن اللَّعْنَ الإبعادُ طَرْدًا مَزْجَرَ الكلبِ.
«بَعُدَ رجلٌ انسَلخَ عنهُ رمضانُ فلم يُغفَر له؛ فقلتُ: آمين». فماذا تنتظر لقبولِ دُعاءٍ بعد هذا الذي كان؟
دعاءٌ يدعو به جبريلُ الأمينُ ويؤَمِّن عليه محمدٌ الأمينُ -صلَّى اللَّهُ عليهِ و علَى آلِهِ وسلَّمَ-؛ فمُبْعَدٌ مطرُود مَن انسلخَ عنه رمضانَ، ولم يُغفر له؛ العيدُ؟!! بأي شيءٍ تفرحونَ؟ وعلى أيِّ شيءٍ تُقْبِلونَ؟! وإلى أي مدىً تظلُّونَ سادرينَ؟! عيدٌ أيُّ عيدٍ؟!
إنَّ العيدَ ليس لمَن لَبِسَ الجديد، وإنما لمن جاءَهُ من ربِّهِ المزيد؛ العيدُ أيُّ عيدٍ؟!
العيدُ الذي تتخالفُ فيه القلوبُ، وتتنازعُ فيهِ الضمائِرُ، والذي فيه يُؤَثِّمُ المسلمُ أخاهُ، ويُخَوِّنُ المسلمُ أخاه، ويحملُ فيهِ المسلمُ على أخيهِ، ولا يَرحَمُ فيه مسلمٌ أخاهُ أبدًا؟ عيدٌ أيُّ عيدٍ؟
إنَّ النبيَّ -صلَّى اللَّهُ عليهِ و علَى آلهِ وسلَّمَ- يقول: «وجاءني جبريلُ فقال: رغِمَ أنفُ عَبْدٍ» «ورَغِمَ أنفُهُ»: كان في الرَّغَامِ مُمَرَّغـًا، أي في التُّرابِ هنالك في مواطنِ الأقدامِ مستَذَلًّا، مُحتَقَرًا، ما يزال مُنَكَّسًا، يمشي مُكِبًّا على يَدَيهِ ووجهِهِ، لا يمشي مستقِيمـًا على حالٍ، وليس له من قصدٍ يؤدي به إلى مآلٍ، مَن يكون ذلك المُراغَمُ، المَرغُومُ، الذي انسلخَ عنه رمضانَ ولم يُغفَر له؟!
يا لَفحَةَ النَّارِ على الكَبِدِ، إنَّ لي كَبِدًا مريضَةً، مَن يَبِيعُنِي بها كَبِدًا ليست بذاتِ قُرُوحٍ؟!
أَبَى الناسُ كلُّ الناسِ أن يَقبلُوها، ومن يَبِيعُ أو مَن يَشتَرِي ذا عِلَّةٍ بصحيحٍ!!
يا وَقْدَةَ النارِ على الكَبِدِ! مازالت العادةُ مُستأثِرةً لطِيَّةِ القلبِ، لا يَخلُصُ مِن أَسْرِها، ولا يَنفَكُّ من قَيْدِها، ما زالت العادةُ العادةُ؛ فأيُّ شيء؛ وإنما هو إِلْفُ العادةِ، وما إمساكٌ عن طعامٍ وشرابٍ.
تَسوِيَةٌ بين المسلمينَ؛ نعم، يا مَعْشَرَ من نظروا إلى الدِّينِ ظاهرًا، ولم يفقهوا في جَوهَرِهِ شيئًا؛ تظنونَ أنَّ الصِّيَامَ لشهرٍ يُوَحِّدُ بين المسلمينَ؟ نعم، عادَ يُوَحِّدُ بينكم، يُوحِدُ بينكم في أمرينِ كبيرينِ؛ يُوحِّدُ بينكم في شَهْوتَي الفرجِ، والبطنِ، هذا هو التوحيدُ؟ فإمساكٌ عن طعامٍ وشرابٍ وشهوةٍ؛ الكلُّ يُمسِكُ، والكلُّ حينما يأتي قَيدٌ بأسرٍ مَفكُوكًا، يَنطَلِقُ ثم هذا هو التوحيدُ؟
التوحيدُ الظاهرُ بين أبدانٍ ظامئةٍ، وبين مَعداتٍ جائعةٍ، وبين نفوسٍ إلى الشهواتِ مُتَحَرِّقةٍ، فأين الإنسانُ؟
أين القلب؟
أين الرُّوحُ؟
أين الضَّمِيرُ؟
بماذا عاد عليها الصِّيامُ؟ كلُّ ذلك بماذا عاد عليها الصيامُ؟ وما الذي أدَّاهُ إليها؟
يخرجُ المرءُ كما دَخَلَ، بل رُبَّما أسوء؛ وهذه الليالِ العَشْرُ تمضي مُضيًّا حَثيثًا، في التَّهريجِ، وفي شَغْلِ المسلمينَ عما يُفيدُ.
وباسْمِ الدِّينِ حينًا، وباسْمِ غيرِ الدِّينِ في أكثر الأحايينِ، أي شيء، وأي تهريجٍ؟ هذه الليالِ العشرُ، ولكن دَعْكَ من هذا فإنه جهادٌ في سبيلِ اللَّهِ!! ويا لهذه الكلمةِ المظلومةِ؛ أي جهادٍ؟
إنَّ الجهادَ هنالك في المُعتَكَفَاتِ، في الخَلوَةِ، لا في الجَلوَةِ، وكلُّ شيءٍ ينبغي أنْ يُؤَجَّلَ إلى حينٍ، مهما كان؛ فكيف إذا لم يكن شيئًا في حقيقةِ الأمرِ، أيُّ شيءٍ؟ أي شيءٍ هوْ؟
لا شيء؛ باطلٌ في باطلٍ.
يقولُ النَّبِيُّ -صلَّى اللَّهُ عليهِ و علَى آلِهِ وسلَّمَ-: «رُبَّ صائِمٍ ليس لهُ
من صِيَامِهِ إلا الجُوعُ والعَطَشَ، ورُبَّ قائِمٍ ليس لهُ من قِيَامِهِ إلا السَّهَر».
ويا لها من كلمةٍ!!
و«مَن لمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ والعَمَلَ بهِ، فليس للَّهِ حاجَةً
في أن يَدَعَ طعامَهُ وشرابَهُ»، إنَّ اللَّهَ -عزَّ وجَلَّ- غَنِيٌّ عن مَعِدةٍ تَتَلَوَّى جُوعًا، ورَبُّكَ -جَلَّ وعلَا- غَنِيٌّ عن عروقٍ قد نَضِبَتْ عَطَشًا، وجَفَّتْ عَطَشًا، ربَّكَ غَنِيٌّ عن ذلك؛ ورَبُّكَ عندهُ المَلائِكَةُ الذين لا يَعلمُ عدَدَهُم إلا هو؛ يقولُ -صلَّى اللَّهُ عليهِ و علَى آلِهِ وسلَّمَ-: «أَطَّتْ السَّمَاءُ وحُقَّ لها أن تَئِطَّ-هو ذلك الذي يَكونُ عِندَما يَجلِسُ الرَّجُلُ البَدِينُ السَّمِينُ على الرَّحْلِ، فيَنْحَنِي تحته انْحِنَاءَةً خَفِيفَةً، أو ذلك الصَّوتُ الذي يَكُونُ عِندَما يقعدُ السَّمِينُ البَدِينُ على ذلك اللَّوحِ، على ذلك الكُرسِيِّ فيُحدِثُ صَرِيرًا ويَئِزُّ أزِيزًا، هو ذلك-».
يَقولُ النَّبيُّ -صلَّى اللَّهُ عليهِ و علَى آلهِ وسلَّمَ-: «أطَّتْ السَّمَاءُ وحُقَّ لها أن تَئِطَّ، ما فيها مَوضِعُ أربَعَ أصَابِعٍ إلا ومَلَكٌ ساجِدٌ واضِعٌ جَبْهَتَهُ للَّهِ رَبِّ العالمينَ».
أهؤلاءِ يأكلُونَ، أو يَشرَبونَ، أو يَتنَاكَحُونَ، أو يَتَنَاسَلُونَ؟
لماذا خَلَقَكَ إذَنْ، ورَكَّبَ فِيكَ الشَّهوَةَ، وجَعَلَكَ على الحَياةِ مُقْبِلًا بلا مُبَررٍ؟!!
فكَم من مُقبلٍ على الحياة بلا مُبَرِّر؟
إي وربِّي ما أكثرَ الذينَ يُقبِلُونَ على الحَياةِ بِلا مُبَرِرٍ، أيُّ حَياةٍ وعلى أيِّ شيءٍ يُقبِلونَ؟
هُم مُقبِلُونَ على الحَياةِ بلا مُبَرِرٍ؛ مَفْهُومَةٌ هي؟
مُقبِلُونَ على الحَياةِ بلا مُبَرِّرٍ، الدَّافِعُ الذي يَئُزُّ القلبَ، والذي يُحرِّكُ الرُّوحَ، والذي ما يَزالُ يَتلظَّى في النَّفْسِ داخلًا حتى يستقيمَ البدنُ على الطَّريقِ ظاهرًا؛ و أيُّ استِقامَةٍ؟
إنَّها الاستِقامَةُ التي لا اعوِجَاجَ فيها، ولا بَعدَها؛ ولكن أين هي؟
يا لله! إنَّ المرءَ ليُعَانِي عَنَاءً لا يُدرِكهُ إلا اللَّهُ -رَبُّ العَالمينَ- لا لأحدٍ، وإنَّما لنَفْسِي؛ أُعانِي لنَفسِي، وأَبْكِي على نَفسِي، وأَئِنُّ على ذَاتِي؛ أيُّ شيءٍ هذا؟ وأيُّ حياةٍ؟
إنَّ أهلَ البِدَعِ قد ماجَتْ بهم الدُّنيا، وتلاطَمَتْ بهم أمْوَاجُهَا في كُلِّ صَوبٍ وفي كُلِّ فجٍ وفي كُلِّ مكانٍ؛ فأين حَقِيقةُ الدِّينِ؟
اللَّهُمَّ رُدَّنَا إلى الإسلامِ ردًّا جَمِيلًا يا ربَ العالمينَ، إنَّك على كُلِّ شيءٍ قَديرٌ؛ أقولُ قَولِي هذا، وأَستَغفِرُ اللَّهَ العَظِيمَ لي ولكم.
((الخطبة الثانية))
الحَمدُ للَّهِ ربِّ العالمِينَ، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللَّهُ وحدَهُ لا شَرِيكَ لهُ، هو يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ، وأشهدُ أنَّ مُحَمَّدًا عبدُهُ ورَسُولُهُ -صلَّى اللَّهُ عليهِ و علَى آلِهِ وسلَّمَ- صلاةً وسَلامًا دائِمَيْنِ مُتَلازِمَيْنِ إلى يومِ الدِّينِ.
أَمكتُوبٌ هوَ قَدَرًا على المَرْءِ أنْ يَظَلَّ ككَلبِ الصَّيْدِ يَتْبَعُ الفَرَاشَ في الحُقُولِ؟
فلا هوَ بالذِي يَهدَأُ فيَرتَاحُ، ولا هُوَ بالذِي يَبْلُغُ مُنَاهُ، وإنْ بَلَغَهُ؛ وأيُّ مُنَىً يُحَصِّلُهَا إنْ بَلَغَ؟
أفي فَرَاشَةٍ متى ما كَانَت هُنالِكَ عند أنْيَابِهِ، انْحَلَّتْ فلَمْ تَعُد شيئًا؟
أمكتوبٌ هو قَدَرًا على المسكينِ أنْ يَظَلَّ هكذا دَائِمًا وأبَدًا مُنطَلِقًا في إِثْرِ شَيءٍ لا يُحَصِّلُهُ؟
بل لا يَفْهَمُهُ، بل لا يَعِيهِ، فضلًا عن أنْ يُدرِكَهُ؟
أهكذا تَنقَضِي رِحلةُ الحَياةِ بَدءًا ومُنتَهىً؟
أهكذا تَضِيعُ السُّنُونُ، وتَنقَضِي الأيَّامُ، وتَنْطَوِي الأحْلامُ؟
أهكذا يَمضِي المرءُ كَلمْعَةِ البَرقِ؛ كَخَطفَةِ البَرقِ كذلكَ الذِي يَكونُ كطَرْفَةِ العَينِ، ثُمَّ لا يَكُونُ؟
أَمَكتُوبٌ هُوَ على المَرءِ قَدَرًا أنْ يَظَلَّ كذلكَ مُتَلَدِدًا؟
إنَّ ذلك لا يُمكِنُ أنْ يَكونَ؛ لأنَّ اللَّهَ -رَبَّ العالمِينَ- إنَّمَا خَلَقَ النَّاسَ لا ليُعَذِّبَهُم، وإنَّمَا ليَرحَمَهُم، وأَرسَلَ إليهِم الرُّسُلَ، وأَنزَلَ عَلَى الرُّسُلِ الكُتُبَ، وبَيَّنَ الحَقَّ من البَاطِلِ، ومَيَّزَ الصَّحِيحَ من الزَّائِفِ، ووَضَّحَ الهِدَايَةَ من الغِوَايَةِ؛ فما العُذرُ، وما التَّعِلَّةُ؟
أَمَكتُوبٌ هو حِينَئِذٍ؟
ويُمكِنُ أن يُقَالَ أنْ يَظلَّ المرءُ مُنطَوِيًا صَدُرُهُ على جُلمُودِ صَخرٍ على قِطعَةٍ من حَجَرٍ، ويَقُولُ قَائِلٌ: يَنبَغِي عَليْنَا إذا ما شَارَفَ الشَّهرُ على الانتِهاءِ، أنْ نُذَكِّرَ النَّاسَ، أنْ يَظلُّوا للقُرآنِ تَالِينَ؛ هل كَانُوا له تَالِينَ في أثْنَاءِ الشَّهرِ حتى يَظَلُّوا؟ وإِنَّمَا يَظَلُّوا هذه تَكونُ لامتِدَادٍ بدَوَامٍ؛ فهل كَانُوا حقًا؟
ويَقُولُ قائِلٌ؛ وَيقولُ قائِلُونَ: يَنبَغِي عَليْنَا أنْ نُذَكِّرَ النَّاسَ بصِيَامِ النَّفْلِ والتَّطَوعِ، الذي يَكونُ في العَامِ من بَعدِ رَمَضَانٍ، وأن يَظَلُّوا على الصِّيَامِ دَائِمِيْنَ، وهل صَامُوا حَقًا؟!
وهل أتى منْهُم صِيَامٌ؟!
إنَّمَا هي طَرْفَةُ عَيْنٍ، ووَمْضَةُ بَرقٍ، ما بَينَ فَجرٍ صَادِقٍ-إنْ صَدَقَ عِندَ أَحَدِ وفَجْرٍ كَاذِبٍ إن كَذبَ على الجَمِيعِ- إلى غُرُوبِ الشَّمسِ، وهذه تُطوى خَبْطًا في الأرض، ووُلُوغًا في الأَعراضِ، وخَبْطًا في أحْوَالِ الدُّنيا بَمَسالِكِها؛ بمَحْمُودَةٍ وغَيرِ مَحْمُودةٍ، بمَقبُولَةٍ ومَردُودَةٍ؛ فإلى أيِّ شيءٍ يَنبَغِي أنْ يُدَلَّ عليهِ النَّاسُ؟ على أيِّ شيءٍ؟
يَنبغِي أن يُدَلَّ النَّاسُ على الأصْلِ، على التَّوبَةِ، أنْ نَتُوبَ، فمَا تُبْنَا بَعدُ، وإنْ كُنَّا صائِمينَ-إلاَّ من رَحِمَ رَبِّي؛ وقَلِيلٌ ما هُم-، لأنَّ الخَيرَ مازَالَ في الأُمَّةِ مَوْصُولًا، وسَيَظَلَّ بأَمْرِ ربِّ العَالَمِينَ؛ ولَكِن جَمْهَرَةٌ غَالِبَةٌ نحن، نَحنُ منْ أمْوَاجِهَا، نَحنُ هَكذا مِنْ زَبَدِهَا، نَحنُ هَكذَا مِنْ قُطْعَانِهَا؛ تَسيرُ سَيْرَ البَشَرِيَّةِ غَيرَ مُلتَفةٍ إلى الأَصْلِ الذي يَنبَغِي أنْتَعُودَ إليهِ، وأنْ تُعَوِّلَ عليهِ بوَقفَةٍ مُستَرِيحَةٍ، بضَمِيرٍ هادِئٍ، بنَفيٍ لجَميعِ ما كانَ مِنْ تَصَوُّراتٍ قَبْلُ، مِنْ أجلِ أنْ يبدَأَ المَرءُ صَفحَةً جَديدةً، لعلَّـها تَكُونُ صَفـحَةً واحِدةً في كتابِ عُمُرٍ قـد طَالَ مَدَاهُ، وتَعَدَّدَتْ صَفَحَـاتُهُ، وأَورَاقُـهُ، ولِمَ لا؟
إنَّ يَهُودِيًّا أتَى النَّبيَّ -صلَّى اللَّهُ علَيهِ و علَى آلِهِ وسلَّمَ- فَشَهِدَ شَهَادَةَ الحَقِّ عِندَهُ، وصَرَخَ الصَّارِخُ، أنْ يا خَيْلَ اللَّهِ اركَبِي، فذَهَبَ إلى المَعرَكَةِ فَمَاتَ، لمْ يَسجُدْ للَّهِ سَجدَةً، فقال النَّبيُّ -صلَّى اللَّهُ علِيهِ و علَى آلِهِ وسلَّمَ-:«قُومُوا علَى شَأنِ أخِيكُم»، فصَارَ أخًا بعَقْدِ قَلبٍ للَّهِ تعالى مَوْصُول، بِلحظَةٍ واحِدَةٍ، فَارِقَهً، كَانَت تَحَولًا جِذرِيًا في حَيَاةٍ، كانت قَبْلُ عَرِيضَةً بآثَامِها، مُمتَدَّةً بِطُولِها في أعْمَاقِ أعْمَاقِ أوْزَارِهَا.
ثُمَّ جَاءَ الانْعِتَاقُ بالوَثْبَةِ المُبَارَكَةِ في لَحظَةٍ واحِدَةٍ؛ «لا إِلهَ إلاَّ اللَّهُ مُحَمَّدٌ رسُولُ اللَّهِ»، وكَانَتْ صَادِقَةً مِنْ قَلبٍ صَادِقٍ؛ إذ إنَّهَا تُرْجِمَتْ ببَذْلِ الرُّوحِ والنَّفسِ لِلّهِ رَبِّ العالمينَ، بغير ما فَارِقٍ زَمَنِيٍّ مُعتَدٍّ بِهِ، رُبَّمَا وكذلِكَ كان؛ لمْ يَغتَسِلْ غُسْلَ الإِسْلامِ، وإِنَّمَا هو الإيمَانُ، ثُمَّ الشَّهَادَةُ في سَبِيلِ اللَّهِ، فيَالهَا مِنْ رَكْضَةٍ مُبَارَكَةٍ، ووَثْبَةٍ فَائِزَةٍ مِنْ عَنَاءِ الدُّنيَا إلى نَعِيمِ الآخِرةِ، مِنْ هذا الفَنَاءِ، الذي هو مَحتُومٌ علَى كُلِّ حَيٍّ في الأَرضِ إلى البَقَاءِ السَّرمَدِ في جِوَارِ رَبٍّ كَرِيمٍ وجِوَارِ نَبيٍّ عظيمٍ -صلَّى اللَّهُ عليهِ و علَى آلهِ وسلَّمَ-.
عبادَ الله؛ إنَّ العملَ مطلوبٌ أصلًا في دينِ اللَّهِ –تبارك وتعالى- وأساسَهُ، وأما الكلامُ فكثيرٌ، إنَّ الكلامَ كثيرٌ، ولا يُعتدُّ مِن الكلامِ إلا بما صَدَّقَهُ العملُ، وإلا فهو وَبَالٌ على المُتكلِّمِ به وعلى السَّامِعِهِ أيضًا؛ لأنَّ السَّامِعَ متى ما عَلِمَ فقد أُلزمَ، والإِلزَامُ حَتْمٌ ووجوبٌ وإذن، فينبَغِي علينا أن نعودَ إلى الأصلِ؛ أنْ نتوبَ والتَّوبةُ أوْبَةٌ، والتَّوبةُ رَجعَةٌ وعودةٌ، وأنْ تكونَ للّهِ خالصةً، فهذا شرطُها الأَولُ أن تكونَ الَّتوبةُ للّهِ-لله –ربِّ العالمِينَ-؛
لأنه المُستَحِقُّ بأنْ يُتَابَ إليهِ، ولأنَّه هو الذي يَتوبُ على التَّائبينَ.
وأنِينُ التَّائِبِينَ أنِينُ المُخطِئِينَ أنينُ المُجتَرِحِينَ للسَّيئاتِ والذُّنوبِ، أحبُّ إلى اللهِ -ربِّ العَالَمِينَ- من زَجَلِ المُسبِّحينَ في أجوافِ اللَّيالي، أنين التائبين أحبُّ إلى اللَّهِ–ربِّ العَالَمِينَ- من زَجَلِ المُسبِّحينَ.
وفي حديثٍ عند عبدِ الرَّزاقِ –رحمةُ اللّهِ عليهِ-«في مُصنَّفِهِ» يَحكِي فيهِ النَّبيُّ -صلّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ- عن أغلَى قَطرَةٍ تكونُ، «وإنَّ قطرةً من دمعٍ لتُطفِئُ بحارًا من نيرانٍ» كما قال النبيُّ العَدْنَانُ -صلّى اللّهُ عليهِ وسلَّمَ-.
ولَكِنْ أينَ هي؟ أفَمَا إذَا عَصَرَ الإِنسَانُ حَجَرًا بَضَّ دَمْعًا؟
أَفَمَا إِذَا سَحَقَ الإِنسَانُ جُلمُودَ صَخْرٍ؛ سَالَ مَاءًا؟ مِنْ أَينَ؟
اللَّهُمَّ ارزُقنَا أَعْيُنًا بَاكِيَةً مِنْ جَلالِ خَشْيَتِكَ يَا ربَّ العَالمِينَ. الإِخْلاصُ للَّهِ -جلَّ وعَلا- والإِقْلاعُ الفَوْرِيُّ عَمَّا هو عليِهِ مِنْ هذهِ الذُّنُوبِ المُلَوِّثَاتِ؛ لأنَّ اللَّهَ -رَبَّ العَالَمِينَ- أَرَادَنَا طَاهِرِينَ، وهو يُحِبُّ المُطَّهِّرِينَ.
فاللَّهُ رَبُّ العَالمِينَ لا يَقْبَلُ المُدَنَّسِينَ ولا المُتَدَنِّسينَ ولا المُدَنِّسـِينَ؛ كلُّ ذلك مـردودٌ عنـدَ ربِّ العَـالَمِينَ، وعـلى المَـرءِ أن يَندَمَ، وأن يَبكِي على مـا أجْـرَمَ.
وخُذْها إليكَ نَصِيحةً؛ ائتِ بورقةٍ بيضاءَ أو إنْ شِئتَ فَسَوداءَ طَوْرًا وبيضاءَ طَوْرًا آخر أو إنْ شِئتَ فأتِ بورقَتينِ بسَوداءَ وبَيضاءَ، فأمَّا السَّوداءُ فاجعلها لحسنَاتِكَ واكتُبْ عليْها بالبَيَاضِ رقُومًا، وأمَّا البَيْضَاءُ فخُطَّ فيها سَوادَ سيئاتِكَ، واجلِسْ وحْدَكَ بَيْنَكَ وبين ربِّكَ واستَعرِض حياتَكَ مُنذُ راهَقْتَ الحُلُمَ، مُنذُ شَرَعَ القَلَمُ يكتُبُ عَليكَ ما هُنالِكَ من المَأثَمِ والمَغرَمِ، وما أنتَ بهِ مُكَلَّفٌ، وما قد اجْتَرَحْتَهُ، وما أتيتَ بهِ أيْضًا من إحسانٍ.
اقْعُد هنالك في خَلوَةٍ لا جَلوَةَ فيها إلا لقلبٍ على عطاءِ وعطفِ ربٍّ وأَقْبِل عليهِ مُنِيبًا خَاشعًا مُتَبَتِّلًا وسبِّحْ مَعِي ربًّا ودُودًا -سُبحان ربيَ الوَدُودُ-، وأَقبِل عليهِ وتأمَّل في الماضِي البَغِيضِ، ماضٍ بغيضٍ!! أتَحسبُ أنَّ ما اجْتَرَحتَ قد ذهب هباءً وأنَّه ليس عليكَ مَستُورًا وأنَّك لستَ عنهُ مسئولًا؟ هَيهاتَ! ﴿إنَّا كنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُم تَعْمَلُونَ﴾
نُسخةً كأنَّما قد طُبِعتْ طَبْعًا؛ من أعمالٍ مُرهِقاتٍ لكَاهِلِ الطَّاعةِ، بل هي داقَّةٌ لعُنُقِها وقاسمةٌ لظهرِها، وكلُّ ذلك يأتي، وآخذٌ كتَابَهُ بيمِينهِ يقولُ: ﴿هاؤُمُ اقرأوا كِتَابِيَهْ﴾ بِفرحةٍ، تَمتَدُّ هكذا إلى أبْعَدِ ما يكونُ في المَوقِفِ بُعدًا: ﴿هاؤُمُ اقرأوا كِتَابِيَهْ﴾ وتأتي هاءُ السَّكْتِ هَهُنا «كِتَابِيَه» هكذا فيُبْدأ بها وهي من أقْصَى الحَلْقِ ويُنتَهِى بها وهي في أقصَاهُ:﴿هاؤُمُ اقرأوا كِتَابِيَهْ﴾.
وأمَّا الآخرُ فآخذٌ بشِمالهِ من وراءِ ظهرِهِ:﴿ياليتَنِي لم أُوْتَ كِتَابِيَهْ﴾ خَطْفًا ﴿يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ *وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ﴾[الحاقة: 26] بِنَدَمٍ باهِظٍ للحِسِّ والقَلبِ والفُؤَادِ؛ وأين هو النَّدمُ؟ نَدَمٌ ببُكاءٍ وأين البُكاءُ؟
يا لحَسْرةَ القَلبِ الذي صَارَ صَخْرًا ويَا حَسْرةَ الكَبِدِ التي عادَتْ حَجَرًا.
اللّهُمَّ اكْشِفْ الحِجَابَ وارفَع الحُجُبَ وأَزِل الغِشَاوَةَ عن أعيُنِنَا يا ربَّ العَالَمِينَ.
النَّبيُّ -صلَّى اللَّهُ علَيهِ و علَى آلِهِ وسلَّمَ- يَقولُ: «النَّدَمُ تَوبَة»، ولكنْ أين هو؟
والمَرءُ يَعُدُّ سَيئاتِهِ حسناتٍ، ويجعلُ تَهْرِيجَهُ وتَهوِيشَهُ جِهادًا في سبيلِ اللّهِ، أيُّ خَلْقٍ وأيُّ قلبٍ لمَوَازِينِ دينٍ، هو مُعتَدِلُ المَوَازِينِ، قائِمٌ على الجَادَّةِ لا يَريم، فأيُّ عبَثٍ وأيُّ لَعِبٍ وأيُّ طُغيَانٍ في أمرٍ لا يَنبَغِي أنْ يُمَسَّ في دينِ اللَّهِ ربِّ العالمينَ؟
ولكنْ النَّدمُ توبةً؛ فاللّهُمَّ مُنَّ بها يا رب العَالَمِينَ، فالإِقلاعُ عن الذَّنبِ والنَّدمُ، والعَزْمُ بالجَزْمِ على ألَّا يَعُودَ المَرءُ إلى ذلك أبدًا، لا أنْ يكونَ على نِيَّةٍ مشْلُولَةٍ مفْكُوكَةِ الأَعضاءِ مُغمِضًا، فكأنه يُغضِي حينًا ليَستجدَّ له عَزمٌ على مُعاوَدةِ الذُّنُوبِ؛ فأيُّ عَزمٍ هذا؟ هو عزمٌ مَحْلُولٌ، فيا اللَّه أين العَزمُ وأين نَجِدُه؟ فاللّهَ مُنَّ بهِ يا ربَّ العَالَمِينَ، وأن تقع في هذه البَحْبُوحةِ في النَّفَسِ الخَارجِ الدَّاخلِ في هذه الحركةِ قبل يُشَلَّ اللِّسانُ وتَتَوقَّفُ الأَعضاءُ قبلَ أن يَعودَ المَرءُ إلى التُّرابِ، نعم؛ ينبغي أن تَأتِي التَّوبةُ في وقتِها المضرُوبِ.
فأمَّا على المُستوى الإنسَاني فقبل أن تبلُغَ الرُّوحُ الحُلْقُومَ.
وأنت ههُنا لم تَبلُغْ رُوحُكَ حُلْقُومَها ولم تَصِلْ بعدُ إلى ذِرْوَتِها فبَابُ التَّوبَةِ ما زالَ مَفتُوحًة، وأمَّا في عُمُومِ الجِنسِ الإِنسَانِيِّ، فحتى تَطلُعَ الشَّمسُ من مَغرِبِها، وقبلَ ذلكَ البابُ مَفتوحٌ، والأمرُ من الرَّبِّ نازلٌ بخيرٍ، ولا يَنزِلُ منهُ إلا الخَيرَ.
اللَّهُمَّ يَا ربَّ العَالَمِينَ، يا أَكْرَمَ الأَكْرمِينَ، يا أَرحَمَ الرَّاحمِينَ، يا ذَا القُوَّةِ المَتِينَ، تُبْ علينا توبةً نَصوحَا، اللّهُمَّ تُبْ علينا توبَةً نَصوحَا، اللهمّ تُبْ علينا توبَةً نَصُوحَا، اللَّهُمَّ تُبْ علينا لنتوب، تُبْ علينا لنتوبُ، تبْ علينا لنتوبُ، اللهمّ تبْ علينا لنتوبُ، تُبْ علينا لنتوبُ، اللهمَ تُبْ علينا لنتوب، اللّهُمَّ تبْ علينا، تُبْ علينا، تُبْ علينا، اللَّهمَّ اغفر لنا وارحمنا، اغفر لنا وارحمنا، اغفر لنا ما قدَّمنا، وما أخَّرنا، وما أسرَرنا، وما أعلنَّا، وما أنت أعلمُ بهِ منَّا.
اللَّهمَّ اغفر لنا ما قدَّمنا وما أخَّرنا، وما أسرَرنا وما أعلنا وما أنتَ أعلمُ به منَّا، أنت المُقدِّمُ وأنت الُمؤَخِّرُ، لا إله إلا أنت، اللَّهمَّ اغفر لنا وارحمنا، اغفر لنا وارحمنا اغفر لنا وارحمنا.
اللَّهمَّ لا تجعل لنا في يومِنا هذا، في ساعتِنا هذه في مكانِنَا هذا؛ اللَّهمَّ لا تجعل فينا يا رب العالمين شقِيًّا إلا أسعدتَهُ، ولا مَطرُودًا إلا قرَّبتَهُ، ولا مَحرُومًا إلا أعطيتَهُ، ولا تجعل فينا ياربَّالعَالَمِينَ مُسِيئًا، إلا أحسنتَ إليهِ بإحسانِ عملهِ إليكَ، اللَّهمَّ خُذْ بأيدِينا إليكَ، خُذْ بأيدِينا إليكَ، وأَقْبِلْ بقلُوبِنا عليكَ، اللّهُمَّ لا تُذِقنَا طَعمَ أنْفُسِنا، لا تُذِقْنَا طَعمَ أنْفُسِنا.
اللّهُمَّ أحْسِنْ إلينا وأَقبِل علينَا، أحسِنْ إلينَا، وأَقبِلْ علينَا، اللَّهمَّ أحْيِنَا مسلمينَ، وتَوَفَّنا مُؤمنينَ، وألحِقْنَا بالصَّالِحِينَ، اللَّهمَّ اغفِر لنا ما قد فَاتَ، اللّهُمَّ اغفِر لنا ما قد فَاتَ، اغفِر لنا كما قد سَتَرتَ علينا.
اللّهُمَّ إنّك أَكرَمُ بنا إذْ سَتَرتَ علينا ذُنُوبَنا، أنْ تُؤاخذَنا بها يومَ العَرضِ عليكَ، اللّهُمَّ بَدِّلها حسناتٍ، بَدِّلْ سَيِّئاتِنا حسناتٍ، خُذْ بأَيدِينَا إليكَ، خُذْ بأيدِينَا إليكَ، أَقْبِل بقلُوبِنا عليكَ، أَقْبِل بقلوبِنا عليكَ.
نَعوذُ بكَ من زَوالِ نِعمَتِكَ، نَعوذُ بكَ من زَوالِ نِعمَتِكَ، نَعوذُ بكَ من زَوالِ نِعمتِكَ، نعوذ بكَ من زَوالِ نِعمَتِكَ، نعوذُ بكَ من تَحَوُّلِ عَافيتِكَ، نَعوذُ بكَ من تَحَوُّلِ عَافيتِكَ، نَعوذُ بكَ من فُجاءَةِ نِقْمَتِكَ. نَعوذُ بكَ من فُجَاءَةِ نِقْمَتِكَ، ونَعوذُ بكَ من جَميعِ سَخَطِكَ.
نعوذُ بكَ من جَميعِ سَخَطِكَ، نَعوذُ بكَ من جميعِ سَخَطِكَ.
اللَّهُمَّ أجِرنَا من النَّارِ، أجِرنَا من النَّارِ، أجِرنَا من النَّارِ، أجِرنَا من النَّارِ، أجِرنَا من النَّارِ، اللّهُمَّ أجرْنا من النَّارِ، أجرْنا من النَّارِ، يا عزيزُ يا غفَّارُ، اللهم أجرْنا من النَّارِ، أجرْنا من النَّارِ، أجرْنا من النَّارِ، اكتُب لنا البَراءَةَ من النَّارِ، اكتُب لنا البَراءَةَ من النَّارِ، اعتِقْ رقابَنا من النَّارِ، اجعَلنَا من المَقبُولينَ، اجعلنا من المَرحُومِينَ، اجعلنا ممن غَفرتَ لهم يا رَبَّ العَالَمِينَ.
اللَّهُمَّ أحسِنْ إلينَا، وأَقبِلْ علينَا، اللّهُمَّ أحسِنْ إلينَا، وأقبِلْ علينَا، اجعَل جَمعَنَا هذا جَمعًا مرحُومًا، واجعَل تَفرُّقَنَا من بعدِهِ تفرُّقًا معصُومًا، ولا تجعَلْ فينا ولا حَولَنَا ولا بينَنَا شقِيًا ولا مَطرُودًا ولا مَحرُومًا، اللّهُمَّ استُر عَوْرات المُسلمينَ استُر عَوْرات المُسلمينَ، وآمِن رَوعَات المُسلمينَ، آمِن رَوعَات المُسلمينَ.
احفَظ أعْراض المُسلمينَ، وصُن فُروج المُسلمينَ، واحقن دماء المسلمين، اللهم صُن على المسلمين ديارَهُم، وأموَالهُم، وأَوطَانَهُم. اللّهُمَّ رُد كيدَ الكافرينَ في نحُورِهِم.
اللّهُمَّ طهِّر أرضَ الإِسلامِ من الكُفرِ والكافرينَ، ومن المُعتدينَ الغَاصِبِينَ، ومن الشِّركِ والمُشركينَ، ومن النِّفاقِ والمنَافقِينَ، اللّهُمَّ اعْلِ رَايةَ المُسلمينَ، ونَكِّس رَايَات الكَافرينَ. نَكِّسْ رَايَات الكَافرينَ، اللَّهُمَّ أحسِن لنَا الخِتَامَ، أحسِن لنَا الخِتَامَ، أحسِن لنَا الخِتَامَ، واجعل خيرَ أيَّامِنَا يومًا نَلقاكَ فيهِ، اجعل خيرَ أيَّامِنَا يومًا نُعرضُ عليكَ فيهِ، اللَّهُمَّ لا تُنَاقِشنَا حِسَابَنا، اللّهُمَّ ولا تُناقِشنَا حِسَابَنا، وأدخِلنَا الجَنّةَ بغيرِ حسابٍ ولا سَابِقَةِ عذابٍ.
اللهمّ أدخلنا الجنة بغير حساب ولا سابقة عذاب، يا كَريمُ يا وَهّابُ، اللَّهُمَّ صُنْ وطنَنَا وجَميعَ أوطانِ المُسلمينَ من مُضِلَّاتِ الفتنِ ما ظَهَرَ منها وما بَطَنَ، اللّهُمَّ ألِّفْ بين قلوبِ المُسلمينَ، حُكَّامًا ومحكُومينَ، واجمع الجَميعَ على طاعتِكَ يا أرحمَ الرَّاحمينَ.
اللّهُمَّ إنّا نسألُكَ واقيةً كواقية الوَليدِ إذ لا يدَ له تَدفَعْ ولا سِنَّ له تَقطَع، نسألُكَ واقِيَةً كوَاقِيَةِ الوَلِيدِ، احرُسْنا من بينِ أيدِينَا ومن خلفِنَا وعن أيمَانِنَا وعن شَمَائِلِنا ومن فوقِنا.
ونعوذُ بعظَمتِكَ أن نُغْتَال من تحتِنا.
اللّهُمَّ إنّا نعوذُ بك من الهَمِّ والحَزَنِ ومن العجزِ والكسلِ، ومن الجُبْنِ والبُخلِ ومن غَلَبَةِ الدَّينِ وقَهْرِ الرِّجالِ، ومن غلبة الدَّيْنِ وقهرِ الرِّجالِ. نعوذ بك من غلبة الدَّيْنِ وقهر الرِّجالِ، اللهمَّ إنا نعوذ بك من الهم والحزن ومن العجز والكسل ومن الجبن والبخل ومن غلبة الدَّيْنِ وقهر الرِّجالِ، نعوذ بك من غلبة الدَّيْنِ وقهر الرِّجالِ.
اللّهُمَّ اجعَلنَا يا ربَّ العَالَمِينَ من المَقبُولينَ، اجعَلنَا من المَقبُولينَ، وأغنِنَا بالافتِقَارِ إليكَ ولا تُفْقِرْنَا بالاستِغنَاءِ عنْكَ، اللّهُمَّ أغْنِنَا بالافتِقَارِ إليكَ ولا تُفْقِرْنا بالاستِغنَاءِ عنكَ، أخرِجْنَا من ذُلِّ المَعصِيَةِ إلى عِزِّ الطَّاعةِ، أخرِجْنَا من ذُلِّ المَعصِيَةِ إلى عِزِّ الطَّاعةِ، اللّهُمَّ هؤلاءِ عَبِيدُكَ وأنتَ سَيِّدُهُم ومَالِكُهُم ورَبُّهُم وإلهُهُم ومَعبُودُهُم الحَقْ، قد رَفَعُوا إليكَ أكُفَّ الضَّرَاعَةِ؛ فاللّهُمَّ لا تَرُدَّها صفرًا خائِبَةً، لا تَرُدَّها صفرًا خائبةً، لا تَرُدَّها صفرًا خائِبَةً.
إنْ رَدَدتَّنا فمن يَقْبَلُنا، إنْ رَدَدتَّنا فمن يَقبَلُنَا، إنْ ردَدتَّنا فمن يَقبَلُنا، إن رَدَدتَّنا فمن يَقبَلُنا، إنْ رَدَدتَّنا فمن يَقبَلُنا، إنْ ردَدتَّنا فمن يَقبَلُنا، بِضَاعةٌ كاسِدَةٌ فمن يَقبَلُنا، إن ردَدتَّنا فمن يَقبَلُنا.
إنْ ردَدتَّنا فمن يَقبَلُنا، إنْ رَدَدتَّنا فمن يَقبَلُنا، وإلى من نَتَوَجَّهُ بَعدَكَ يا اللَّهُ.
اللّهُمَّ لا تَرُدَّنا خَائِبِينَ، لا تَرُدَّنا خَائِبِينَ.
اللّهُمَّ ليِّنْ قلُوبَنَا، ليِّنْ قلُوبَنَا، ليِّنْ قلُوبَنَا، ليِّنْ قلُوبَنَا، أذِبْ في طَاعَتِكَ شحُومَنَا.
أذِبْ في طَاعَتِكَ شحُومَنَا، اللّهُمَّ ثَقِّلْ موَازِينَنَا، واجعَلنَا لك شكَّارِينَ، لك رهَّابِينَ، لك طَائِعينَ، لك مُنِيبِينَ، لك مُخْبتِنَ، عليكَ مُقبِلِينَ عن سِواكَ مُدْبرِينَ، أَحسِنْ لنا الخِتَامَ، أَحسِنْ لنا الخِتَامَ، نسأَلُكَ الثَّبَاتَ عند المَمَاتِ، نَسأَلُكَ الثَّباتَ عند المَمَاتِ، ونعوذُ بك أنْ يَتَخَبَطنا الشَّيطَانُ عند المَوتِ، نعوذُ بك أنْ يَتَلَعَّبَ بنا الشَّيطَانُ عند المَوتِ، ونعوذُ بك أنْ يَتَلَعَّبَ بنا الشَّيطَانُ عند المَوتِ، اللّهُمَّ ارزُقنَا الثَّبَاتَ عند المَمَاتِ، ارزُقنَا الثَّباتَ عندَ المَمَاتِ، ارزُقنَا الثَّباتَ عند المَمَاتِ، اللَّهُمَّ إنْ أرَدتَّ بالنَّاسِ فتنَةً فاقبِضنَا إليكَ غيرَ فَاتِنِينَ ولا مَفتُونِينَ، ولا مُغَيِّريْنَ ولا مُبَدِّلِينَ ولا خَزَايَا ولا مخذُولينَ ولا نَادِمِينَ، ثَبِّتنَا بالقَولِ الثَّابِتِ في الحيَاةِ الدُّنيَا وفي الآخِرَةِ واجعَل آخِرَ كلامِنا من الدُّنيَا لا إلهَ إلاَّ اللّهُ، محمدٌ رسول الله -
يقولُ النَّبِيُّ -صلَّى اللَّهُ عليهِ و علَى آلِهِ وسلَّمَ-: «رُبَّ صائِمٍ ليس لهُ من صِيَامِهِ إلا الجُوعُ والعَطَشَ، ورُبَّ قائِمٍ ليس لهُ من قِيَامِهِ إلا السَّهَر».
ويا لها من كلمةٍ!!
و«مَن لمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ والعَمَلَ بهِ، فليس للَّهِ حاجَةً
في أن يَدَعَ طعامَهُ وشرابَهُ»، إنَّ اللَّهَ -عزَّ وجَلَّ- غَنِيٌّ عن مَعِدةٍ تَتَلَوَّى جُوعًا، ورَبُّكَ -جَلَّ وعلَا- غَنِيٌّ عن عروقٍ قد نَضِبَتْ عَطَشًا، وجَفَّتْ عَطَشًا، ربَّكَ غَنِيٌّ عن ذلك؛ ورَبُّكَ عندهُ المَلائِكَةُ الذين لا يَعلمُ عدَدَهُم إلا هو؛ يقولُ -صلَّى اللَّهُ عليهِ و علَى آلِهِ وسلَّمَ-: «أَطَّتْ السَّمَاءُ وحُقَّ لها أن تَئِطَّ-هو ذلك الذي يَكونُ عِندَما يَجلِسُ الرَّجُلُ البَدِينُ السَّمِينُ على الرَّحْلِ، فيَنْحَنِي تحته انْحِنَاءَةً خَفِيفَةً، أو ذلك الصَّوتُ الذي يَكُونُ عِندَما يقعدُ السَّمِينُ البَدِينُ على ذلك اللَّوحِ، على ذلك الكُرسِيِّ فيُحدِثُ صَرِيرًا ويَئِزُّ أزِيزًا، هو ذلك-».
يَقولُ النَّبيُّ -صلَّى اللَّهُ عليهِ و علَى آلهِ وسلَّمَ-: «أطَّتْ السَّمَاءُ وحُقَّ لها أن تَئِطَّ، ما فيها مَوضِعُ أربَعَ أصَابِعٍ إلا ومَلَكٌ ساجِدٌ واضِعٌ جَبْهَتَهُ للَّهِ رَبِّ العالمينَ».
أهؤلاءِ يأكلُونَ، أو يَشرَبونَ، أو يَتنَاكَحُونَ، أو يَتَنَاسَلُونَ؟
لماذا خَلَقَكَ إذَنْ، ورَكَّبَ فِيكَ الشَّهوَةَ، وجَعَلَكَ على الحَياةِ مُقْبِلًا بلا مُبَررٍ؟!!
فكَم من مُقبلٍ على الحياة بلا مُبَرِّر؟
إي وربِّي ما أكثرَ الذينَ يُقبِلُونَ على الحَياةِ بِلا مُبَرِرٍ، أيُّ حَياةٍ وعلى أيِّ شيءٍ يُقبِلونَ؟
هُم مُقبِلُونَ على الحَياةِ بلا مُبَرِرٍ؛ مَفْهُومَةٌ هي؟
مُقبِلُونَ على الحَياةِ بلا مُبَرِّرٍ، الدَّافِعُ الذي يَئُزُّ القلبَ، والذي يُحرِّكُ الرُّوحَ، والذي ما يَزالُ يَتلظَّى في النَّفْسِ داخلًا حتى يستقيمَ البدنُ على الطَّريقِ ظاهرًا؛ و أيُّ استِقامَةٍ؟
إنَّها الاستِقامَةُ التي لا اعوِجَاجَ فيها، ولا بَعدَها؛ ولكن أين هي؟
يا لله! إنَّ المرءَ ليُعَانِي عَنَاءً لا يُدرِكهُ إلا اللَّهُ -رَبُّ العَالمينَ- لا لأحدٍ، وإنَّما لنَفْسِي؛ أُعانِي لنَفسِي، وأَبْكِي على نَفسِي، وأَئِنُّ على ذَاتِي؛ أيُّ شيءٍ هذا؟ وأيُّ حياةٍ؟
إنَّ أهلَ البِدَعِ قد ماجَتْ بهم الدُّنيا، وتلاطَمَتْ بهم أمْوَاجُهَا في كُلِّ صَوبٍ وفي كُلِّ فجٍ وفي كُلِّ مكانٍ؛ فأين حَقِيقةُ الدِّينِ؟
اللَّهُمَّ رُدَّنَا إلى الإسلامِ ردًّا جَمِيلًا يا ربَ العالمينَ، إنَّك على كُلِّ شيءٍ قَديرٌ؛ أقولُ قَولِي هذا، وأَستَغفِرُ اللَّهَ العَظِيمَ لي ولكم.
((الخطبة الثانية))
الحَمدُ للَّهِ ربِّ العالمِينَ، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللَّهُ وحدَهُ لا شَرِيكَ لهُ، هو يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ، وأشهدُ أنَّ مُحَمَّدًا عبدُهُ ورَسُولُهُ -صلَّى اللَّهُ عليهِ و علَى آلِهِ وسلَّمَ- صلاةً وسَلامًا دائِمَيْنِ مُتَلازِمَيْنِ إلى يومِ الدِّينِ.
أَمكتُوبٌ هوَ قَدَرًا على المَرْءِ أنْ يَظَلَّ ككَلبِ الصَّيْدِ يَتْبَعُ الفَرَاشَ في الحُقُولِ؟
فلا هوَ بالذِي يَهدَأُ فيَرتَاحُ، ولا هُوَ بالذِي يَبْلُغُ مُنَاهُ، وإنْ بَلَغَهُ؛ وأيُّ مُنَىً يُحَصِّلُهَا إنْ بَلَغَ؟
أفي فَرَاشَةٍ متى ما كَانَت هُنالِكَ عند أنْيَابِهِ، انْحَلَّتْ فلَمْ تَعُد شيئًا؟
أمكتوبٌ هو قَدَرًا على المسكينِ أنْ يَظَلَّ هكذا دَائِمًا وأبَدًا مُنطَلِقًا في إِثْرِ شَيءٍ لا يُحَصِّلُهُ؟
بل لا يَفْهَمُهُ، بل لا يَعِيهِ، فضلًا عن أنْ يُدرِكَهُ؟
أهكذا تَنقَضِي رِحلةُ الحَياةِ بَدءًا ومُنتَهىً؟
أهكذا تَضِيعُ السُّنُونُ، وتَنقَضِي الأيَّامُ، وتَنْطَوِي الأحْلامُ؟
أهكذا يَمضِي المرءُ كَلمْعَةِ البَرقِ؛ كَخَطفَةِ البَرقِ كذلكَ الذِي يَكونُ كطَرْفَةِ العَينِ، ثُمَّ لا يَكُونُ؟
أَمَكتُوبٌ هُوَ على المَرءِ قَدَرًا أنْ يَظَلَّ كذلكَ مُتَلَدِدًا؟
إنَّ ذلك لا يُمكِنُ أنْ يَكونَ؛ لأنَّ اللَّهَ -رَبَّ العالمِينَ- إنَّمَا خَلَقَ النَّاسَ لا ليُعَذِّبَهُم، وإنَّمَا ليَرحَمَهُم، وأَرسَلَ إليهِم الرُّسُلَ، وأَنزَلَ عَلَى الرُّسُلِ الكُتُبَ، وبَيَّنَ الحَقَّ من البَاطِلِ، ومَيَّزَ الصَّحِيحَ من الزَّائِفِ، ووَضَّحَ الهِدَايَةَ من الغِوَايَةِ؛ فما العُذرُ، وما التَّعِلَّةُ؟
أَمَكتُوبٌ هو حِينَئِذٍ؟
ويُمكِنُ أن يُقَالَ أنْ يَظلَّ المرءُ مُنطَوِيًا صَدُرُهُ على جُلمُودِ صَخرٍ على قِطعَةٍ من حَجَرٍ، ويَقُولُ قَائِلٌ: يَنبَغِي عَليْنَا إذا ما شَارَفَ الشَّهرُ على الانتِهاءِ، أنْ نُذَكِّرَ النَّاسَ، أنْ يَظلُّوا للقُرآنِ تَالِينَ؛ هل كَانُوا له تَالِينَ في أثْنَاءِ الشَّهرِ حتى يَظَلُّوا؟ وإِنَّمَا يَظَلُّوا هذه تَكونُ لامتِدَادٍ بدَوَامٍ؛ فهل كَانُوا حقًا؟
ويَقُولُ قائِلٌ؛ وَيقولُ قائِلُونَ: يَنبَغِي عَليْنَا أنْ نُذَكِّرَ النَّاسَ بصِيَامِ النَّفْلِ والتَّطَوعِ، الذي يَكونُ في العَامِ من بَعدِ رَمَضَانٍ، وأن يَظَلُّوا على الصِّيَامِ دَائِمِيْنَ، وهل صَامُوا حَقًا؟!
وهل أتى منْهُم صِيَامٌ؟!
إنَّمَا هي طَرْفَةُ عَيْنٍ، ووَمْضَةُ بَرقٍ، ما بَينَ فَجرٍ صَادِقٍ-إنْ صَدَقَ عِندَ أَحَدِ وفَجْرٍ كَاذِبٍ إن كَذبَ على الجَمِيعِ- إلى غُرُوبِ الشَّمسِ، وهذه تُطوى خَبْطًا في الأرض، ووُلُوغًا في الأَعراضِ، وخَبْطًا في أحْوَالِ الدُّنيا بَمَسالِكِها؛ بمَحْمُودَةٍ وغَيرِ مَحْمُودةٍ، بمَقبُولَةٍ ومَردُودَةٍ؛ فإلى أيِّ شيءٍ يَنبَغِي أنْ يُدَلَّ عليهِ النَّاسُ؟ على أيِّ شيءٍ؟
يَنبغِي أن يُدَلَّ النَّاسُ على الأصْلِ، على التَّوبَةِ، أنْ نَتُوبَ، فمَا تُبْنَا بَعدُ، وإنْ كُنَّا صائِمينَ-إلاَّ من رَحِمَ رَبِّي؛ وقَلِيلٌ ما هُم-، لأنَّ الخَيرَ مازَالَ في الأُمَّةِ مَوْصُولًا، وسَيَظَلَّ بأَمْرِ ربِّ العَالَمِينَ؛ ولَكِن جَمْهَرَةٌ غَالِبَةٌ نحن، نَحنُ منْ أمْوَاجِهَا، نَحنُ هَكذا مِنْ زَبَدِهَا، نَحنُ هَكذَا مِنْ قُطْعَانِهَا؛ تَسيرُ سَيْرَ البَشَرِيَّةِ غَيرَ مُلتَفةٍ إلى الأَصْلِ الذي يَنبَغِي أنْتَعُودَ إليهِ، وأنْ تُعَوِّلَ عليهِ بوَقفَةٍ مُستَرِيحَةٍ، بضَمِيرٍ هادِئٍ، بنَفيٍ لجَميعِ ما كانَ مِنْ تَصَوُّراتٍ قَبْلُ، مِنْ أجلِ أنْ يبدَأَ المَرءُ صَفحَةً جَديدةً، لعلَّـها تَكُونُ صَفـحَةً واحِدةً في كتابِ عُمُرٍ قـد طَالَ مَدَاهُ، وتَعَدَّدَتْ صَفَحَـاتُهُ، وأَورَاقُـهُ، ولِمَ لا؟
إنَّ يَهُودِيًّا أتَى النَّبيَّ -صلَّى اللَّهُ علَيهِ و علَى آلِهِ وسلَّمَ- فَشَهِدَ شَهَادَةَ الحَقِّ عِندَهُ، وصَرَخَ الصَّارِخُ، أنْ يا خَيْلَ اللَّهِ اركَبِي، فذَهَبَ إلى المَعرَكَةِ فَمَاتَ، لمْ يَسجُدْ للَّهِ سَجدَةً، فقال النَّبيُّ -صلَّى اللَّهُ علِيهِ و علَى آلِهِ وسلَّمَ-:«قُومُوا علَى شَأنِ أخِيكُم»، فصَارَ أخًا بعَقْدِ قَلبٍ للَّهِ تعالى مَوْصُول، بِلحظَةٍ واحِدَةٍ، فَارِقَهً، كَانَت تَحَولًا جِذرِيًا في حَيَاةٍ، كانت قَبْلُ عَرِيضَةً بآثَامِها، مُمتَدَّةً بِطُولِها في أعْمَاقِ أعْمَاقِ أوْزَارِهَا.
ثُمَّ جَاءَ الانْعِتَاقُ بالوَثْبَةِ المُبَارَكَةِ في لَحظَةٍ واحِدَةٍ؛ «لا إِلهَ إلاَّ اللَّهُ مُحَمَّدٌ رسُولُ اللَّهِ»، وكَانَتْ صَادِقَةً مِنْ قَلبٍ صَادِقٍ؛ إذ إنَّهَا تُرْجِمَتْ ببَذْلِ الرُّوحِ والنَّفسِ لِلّهِ رَبِّ العالمينَ، بغير ما فَارِقٍ زَمَنِيٍّ مُعتَدٍّ بِهِ، رُبَّمَا وكذلِكَ كان؛ لمْ يَغتَسِلْ غُسْلَ الإِسْلامِ، وإِنَّمَا هو الإيمَانُ، ثُمَّ الشَّهَادَةُ في سَبِيلِ اللَّهِ، فيَالهَا مِنْ رَكْضَةٍ مُبَارَكَةٍ، ووَثْبَةٍ فَائِزَةٍ مِنْ عَنَاءِ الدُّنيَا إلى نَعِيمِ الآخِرةِ، مِنْ هذا الفَنَاءِ، الذي هو مَحتُومٌ علَى كُلِّ حَيٍّ في الأَرضِ إلى البَقَاءِ السَّرمَدِ في جِوَارِ رَبٍّ كَرِيمٍ وجِوَارِ نَبيٍّ عظيمٍ -صلَّى اللَّهُ عليهِ و علَى آلهِ وسلَّمَ-.
عبادَ الله؛ إنَّ العملَ مطلوبٌ أصلًا في دينِ اللَّهِ –تبارك وتعالى- وأساسَهُ، وأما الكلامُ فكثيرٌ، إنَّ الكلامَ كثيرٌ، ولا يُعتدُّ مِن الكلامِ إلا بما صَدَّقَهُ العملُ، وإلا فهو وَبَالٌ على المُتكلِّمِ به وعلى السَّامِعِهِ أيضًا؛ لأنَّ السَّامِعَ متى ما عَلِمَ فقد أُلزمَ، والإِلزَامُ حَتْمٌ ووجوبٌ وإذن، فينبَغِي علينا أن نعودَ إلى الأصلِ؛ أنْ نتوبَ والتَّوبةُ أوْبَةٌ، والتَّوبةُ رَجعَةٌ وعودةٌ، وأنْ تكونَ للّهِ خالصةً، فهذا شرطُها الأَولُ أن تكونَ الَّتوبةُ للّهِ-لله –ربِّ العالمِينَ-؛
لأنه المُستَحِقُّ بأنْ يُتَابَ إليهِ، ولأنَّه هو الذي يَتوبُ على التَّائبينَ.
وأنِينُ التَّائِبِينَ أنِينُ المُخطِئِينَ أنينُ المُجتَرِحِينَ للسَّيئاتِ والذُّنوبِ، أحبُّ إلى اللهِ -ربِّ العَالَمِينَ- من زَجَلِ المُسبِّحينَ في أجوافِ اللَّيالي، أنين التائبين أحبُّ إلى اللَّهِ–ربِّ العَالَمِينَ- من زَجَلِ المُسبِّحينَ.
وفي حديثٍ عند عبدِ الرَّزاقِ –رحمةُ اللّهِ عليهِ-«في مُصنَّفِهِ» يَحكِي فيهِ النَّبيُّ -صلّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ- عن أغلَى قَطرَةٍ تكونُ، «وإنَّ قطرةً من دمعٍ لتُطفِئُ بحارًا من نيرانٍ» كما قال النبيُّ العَدْنَانُ -صلّى اللّهُ عليهِ وسلَّمَ-.
ولَكِنْ أينَ هي؟ أفَمَا إذَا عَصَرَ الإِنسَانُ حَجَرًا بَضَّ دَمْعًا؟
أَفَمَا إِذَا سَحَقَ الإِنسَانُ جُلمُودَ صَخْرٍ؛ سَالَ مَاءًا؟ مِنْ أَينَ؟
اللَّهُمَّ ارزُقنَا أَعْيُنًا بَاكِيَةً مِنْ جَلالِ خَشْيَتِكَ يَا ربَّ العَالمِينَ. الإِخْلاصُ للَّهِ -جلَّ وعَلا- والإِقْلاعُ الفَوْرِيُّ عَمَّا هو عليِهِ مِنْ هذهِ الذُّنُوبِ المُلَوِّثَاتِ؛ لأنَّ اللَّهَ -رَبَّ العَالَمِينَ- أَرَادَنَا طَاهِرِينَ، وهو يُحِبُّ المُطَّهِّرِينَ.
فاللَّهُ رَبُّ العَالمِينَ لا يَقْبَلُ المُدَنَّسِينَ ولا المُتَدَنِّسينَ ولا المُدَنِّسـِينَ؛ كلُّ ذلك مـردودٌ عنـدَ ربِّ العَـالَمِينَ، وعـلى المَـرءِ أن يَندَمَ، وأن يَبكِي على مـا أجْـرَمَ.
وخُذْها إليكَ نَصِيحةً؛ ائتِ بورقةٍ بيضاءَ أو إنْ شِئتَ فَسَوداءَ طَوْرًا وبيضاءَ طَوْرًا آخر أو إنْ شِئتَ فأتِ بورقَتينِ بسَوداءَ وبَيضاءَ، فأمَّا السَّوداءُ فاجعلها لحسنَاتِكَ واكتُبْ عليْها بالبَيَاضِ رقُومًا، وأمَّا البَيْضَاءُ فخُطَّ فيها سَوادَ سيئاتِكَ، واجلِسْ وحْدَكَ بَيْنَكَ وبين ربِّكَ واستَعرِض حياتَكَ مُنذُ راهَقْتَ الحُلُمَ، مُنذُ شَرَعَ القَلَمُ يكتُبُ عَليكَ ما هُنالِكَ من المَأثَمِ والمَغرَمِ، وما أنتَ بهِ مُكَلَّفٌ، وما قد اجْتَرَحْتَهُ، وما أتيتَ بهِ أيْضًا من إحسانٍ.
اقْعُد هنالك في خَلوَةٍ لا جَلوَةَ فيها إلا لقلبٍ على عطاءِ وعطفِ ربٍّ وأَقْبِل عليهِ مُنِيبًا خَاشعًا مُتَبَتِّلًا وسبِّحْ مَعِي ربًّا ودُودًا -سُبحان ربيَ الوَدُودُ-، وأَقبِل عليهِ وتأمَّل في الماضِي البَغِيضِ، ماضٍ بغيضٍ!! أتَحسبُ أنَّ ما اجْتَرَحتَ قد ذهب هباءً وأنَّه ليس عليكَ مَستُورًا وأنَّك لستَ عنهُ مسئولًا؟ هَيهاتَ! ﴿إنَّا كنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُم تَعْمَلُونَ﴾
نُسخةً كأنَّما قد طُبِعتْ طَبْعًا؛ من أعمالٍ مُرهِقاتٍ لكَاهِلِ الطَّاعةِ، بل هي داقَّةٌ لعُنُقِها وقاسمةٌ لظهرِها، وكلُّ ذلك يأتي، وآخذٌ كتَابَهُ بيمِينهِ يقولُ: ﴿هاؤُمُ اقرأوا كِتَابِيَهْ﴾ بِفرحةٍ، تَمتَدُّ هكذا إلى أبْعَدِ ما يكونُ في المَوقِفِ بُعدًا: ﴿هاؤُمُ اقرأوا كِتَابِيَهْ﴾ وتأتي هاءُ السَّكْتِ هَهُنا «كِتَابِيَه» هكذا فيُبْدأ بها وهي من أقْصَى الحَلْقِ ويُنتَهِى بها وهي في أقصَاهُ:﴿هاؤُمُ اقرأوا كِتَابِيَهْ﴾.
وأمَّا الآخرُ فآخذٌ بشِمالهِ من وراءِ ظهرِهِ:﴿ياليتَنِي لم أُوْتَ كِتَابِيَهْ﴾ خَطْفًا ﴿يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ *وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ﴾[الحاقة: 26] بِنَدَمٍ باهِظٍ للحِسِّ والقَلبِ والفُؤَادِ؛ وأين هو النَّدمُ؟ نَدَمٌ ببُكاءٍ وأين البُكاءُ؟
يا لحَسْرةَ القَلبِ الذي صَارَ صَخْرًا ويَا حَسْرةَ الكَبِدِ التي عادَتْ حَجَرًا.
اللّهُمَّ اكْشِفْ الحِجَابَ وارفَع الحُجُبَ وأَزِل الغِشَاوَةَ عن أعيُنِنَا يا ربَّ العَالَمِينَ.
النَّبيُّ -صلَّى اللَّهُ علَيهِ و علَى آلِهِ وسلَّمَ- يَقولُ: «النَّدَمُ تَوبَة»، ولكنْ أين هو؟
والمَرءُ يَعُدُّ سَيئاتِهِ حسناتٍ، ويجعلُ تَهْرِيجَهُ وتَهوِيشَهُ جِهادًا في سبيلِ اللّهِ، أيُّ خَلْقٍ وأيُّ قلبٍ لمَوَازِينِ دينٍ، هو مُعتَدِلُ المَوَازِينِ، قائِمٌ على الجَادَّةِ لا يَريم، فأيُّ عبَثٍ وأيُّ لَعِبٍ وأيُّ طُغيَانٍ في أمرٍ لا يَنبَغِي أنْ يُمَسَّ في دينِ اللَّهِ ربِّ العالمينَ؟
ولكنْ النَّدمُ توبةً؛ فاللّهُمَّ مُنَّ بها يا رب العَالَمِينَ، فالإِقلاعُ عن الذَّنبِ والنَّدمُ، والعَزْمُ بالجَزْمِ على ألَّا يَعُودَ المَرءُ إلى ذلك أبدًا، لا أنْ يكونَ على نِيَّةٍ مشْلُولَةٍ مفْكُوكَةِ الأَعضاءِ مُغمِضًا، فكأنه يُغضِي حينًا ليَستجدَّ له عَزمٌ على مُعاوَدةِ الذُّنُوبِ؛ فأيُّ عَزمٍ هذا؟ هو عزمٌ مَحْلُولٌ، فيا اللَّه أين العَزمُ وأين نَجِدُه؟ فاللّهَ مُنَّ بهِ يا ربَّ العَالَمِينَ، وأن تقع في هذه البَحْبُوحةِ في النَّفَسِ الخَارجِ الدَّاخلِ في هذه الحركةِ قبل يُشَلَّ اللِّسانُ وتَتَوقَّفُ الأَعضاءُ قبلَ أن يَعودَ المَرءُ إلى التُّرابِ، نعم؛ ينبغي أن تَأتِي التَّوبةُ في وقتِها المضرُوبِ.
فأمَّا على المُستوى الإنسَاني فقبل أن تبلُغَ الرُّوحُ الحُلْقُومَ.
وأنت ههُنا لم تَبلُغْ رُوحُكَ حُلْقُومَها ولم تَصِلْ بعدُ إلى ذِرْوَتِها فبَابُ التَّوبَةِ ما زالَ مَفتُوحًة، وأمَّا في عُمُومِ الجِنسِ الإِنسَانِيِّ، فحتى تَطلُعَ الشَّمسُ من مَغرِبِها، وقبلَ ذلكَ البابُ مَفتوحٌ، والأمرُ من الرَّبِّ نازلٌ بخيرٍ، ولا يَنزِلُ منهُ إلا الخَيرَ.
اللَّهُمَّ يَا ربَّ العَالَمِينَ، يا أَكْرَمَ الأَكْرمِينَ، يا أَرحَمَ الرَّاحمِينَ، يا ذَا القُوَّةِ المَتِينَ، تُبْ علينا توبةً نَصوحَا، اللّهُمَّ تُبْ علينا توبَةً نَصوحَا، اللهمّ تُبْ علينا توبَةً نَصُوحَا، اللَّهُمَّ تُبْ علينا لنتوب، تُبْ علينا لنتوبُ، تبْ علينا لنتوبُ، اللهمّ تبْ علينا لنتوبُ، تُبْ علينا لنتوبُ، اللهمَ تُبْ علينا لنتوب، اللّهُمَّ تبْ علينا، تُبْ علينا، تُبْ علينا، اللَّهمَّ اغفر لنا وارحمنا، اغفر لنا وارحمنا، اغفر لنا ما قدَّمنا، وما أخَّرنا، وما أسرَرنا، وما أعلنَّا، وما أنت أعلمُ بهِ منَّا.
اللَّهمَّ اغفر لنا ما قدَّمنا وما أخَّرنا، وما أسرَرنا وما أعلنا وما أنتَ أعلمُ به منَّا، أنت المُقدِّمُ وأنت الُمؤَخِّرُ، لا إله إلا أنت، اللَّهمَّ اغفر لنا وارحمنا، اغفر لنا وارحمنا اغفر لنا وارحمنا.
اللَّهمَّ لا تجعل لنا في يومِنا هذا، في ساعتِنا هذه في مكانِنَا هذا؛ اللَّهمَّ لا تجعل فينا يا رب العالمين شقِيًّا إلا أسعدتَهُ، ولا مَطرُودًا إلا قرَّبتَهُ، ولا مَحرُومًا إلا أعطيتَهُ، ولا تجعل فينا ياربَّالعَالَمِينَ مُسِيئًا، إلا أحسنتَ إليهِ بإحسانِ عملهِ إليكَ، اللَّهمَّ خُذْ بأيدِينا إليكَ، خُذْ بأيدِينا إليكَ، وأَقْبِلْ بقلُوبِنا عليكَ، اللّهُمَّ لا تُذِقنَا طَعمَ أنْفُسِنا، لا تُذِقْنَا طَعمَ أنْفُسِنا.
اللّهُمَّ أحْسِنْ إلينا وأَقبِل علينَا، أحسِنْ إلينَا، وأَقبِلْ علينَا، اللَّهمَّ أحْيِنَا مسلمينَ، وتَوَفَّنا مُؤمنينَ، وألحِقْنَا بالصَّالِحِينَ، اللَّهمَّ اغفِر لنا ما قد فَاتَ، اللّهُمَّ اغفِر لنا ما قد فَاتَ، اغفِر لنا كما قد سَتَرتَ علينا.
اللّهُمَّ إنّك أَكرَمُ بنا إذْ سَتَرتَ علينا ذُنُوبَنا، أنْ تُؤاخذَنا بها يومَ العَرضِ عليكَ، اللّهُمَّ بَدِّلها حسناتٍ، بَدِّلْ سَيِّئاتِنا حسناتٍ، خُذْ بأَيدِينَا إليكَ، خُذْ بأيدِينَا إليكَ، أَقْبِل بقلُوبِنا عليكَ، أَقْبِل بقلوبِنا عليكَ.
نَعوذُ بكَ من زَوالِ نِعمَتِكَ، نَعوذُ بكَ من زَوالِ نِعمَتِكَ، نَعوذُ بكَ من زَوالِ نِعمتِكَ، نعوذ بكَ من زَوالِ نِعمَتِكَ، نعوذُ بكَ من تَحَوُّلِ عَافيتِكَ، نَعوذُ بكَ من تَحَوُّلِ عَافيتِكَ، نَعوذُ بكَ من فُجاءَةِ نِقْمَتِكَ. نَعوذُ بكَ من فُجَاءَةِ نِقْمَتِكَ، ونَعوذُ بكَ من جَميعِ سَخَطِكَ.
نعوذُ بكَ من جَميعِ سَخَطِكَ، نَعوذُ بكَ من جميعِ سَخَطِكَ.
اللَّهُمَّ أجِرنَا من النَّارِ، أجِرنَا من النَّارِ، أجِرنَا من النَّارِ، أجِرنَا من النَّارِ، أجِرنَا من النَّارِ، اللّهُمَّ أجرْنا من النَّارِ، أجرْنا من النَّارِ، يا عزيزُ يا غفَّارُ، اللهم أجرْنا من النَّارِ، أجرْنا من النَّارِ، أجرْنا من النَّارِ، اكتُب لنا البَراءَةَ من النَّارِ، اكتُب لنا البَراءَةَ من النَّارِ، اعتِقْ رقابَنا من النَّارِ، اجعَلنَا من المَقبُولينَ، اجعلنا من المَرحُومِينَ، اجعلنا ممن غَفرتَ لهم يا رَبَّ العَالَمِينَ.
اللَّهُمَّ أحسِنْ إلينَا، وأَقبِلْ علينَا، اللّهُمَّ أحسِنْ إلينَا، وأقبِلْ علينَا، اجعَل جَمعَنَا هذا جَمعًا مرحُومًا، واجعَل تَفرُّقَنَا من بعدِهِ تفرُّقًا معصُومًا، ولا تجعَلْ فينا ولا حَولَنَا ولا بينَنَا شقِيًا ولا مَطرُودًا ولا مَحرُومًا، اللّهُمَّ استُر عَوْرات المُسلمينَ استُر عَوْرات المُسلمينَ، وآمِن رَوعَات المُسلمينَ، آمِن رَوعَات المُسلمينَ.
احفَظ أعْراض المُسلمينَ، وصُن فُروج المُسلمينَ، واحقن دماء المسلمين، اللهم صُن على المسلمين ديارَهُم، وأموَالهُم، وأَوطَانَهُم. اللّهُمَّ رُد كيدَ الكافرينَ في نحُورِهِم.
اللّهُمَّ طهِّر أرضَ الإِسلامِ من الكُفرِ والكافرينَ، ومن المُعتدينَ الغَاصِبِينَ، ومن الشِّركِ والمُشركينَ، ومن النِّفاقِ والمنَافقِينَ، اللّهُمَّ اعْلِ رَايةَ المُسلمينَ، ونَكِّس رَايَات الكَافرينَ. نَكِّسْ رَايَات الكَافرينَ، اللَّهُمَّ أحسِن لنَا الخِتَامَ، أحسِن لنَا الخِتَامَ، أحسِن لنَا الخِتَامَ، واجعل خيرَ أيَّامِنَا يومًا نَلقاكَ فيهِ، اجعل خيرَ أيَّامِنَا يومًا نُعرضُ عليكَ فيهِ، اللَّهُمَّ لا تُنَاقِشنَا حِسَابَنا، اللّهُمَّ ولا تُناقِشنَا حِسَابَنا، وأدخِلنَا الجَنّةَ بغيرِ حسابٍ ولا سَابِقَةِ عذابٍ.
اللهمّ أدخلنا الجنة بغير حساب ولا سابقة عذاب، يا كَريمُ يا وَهّابُ، اللَّهُمَّ صُنْ وطنَنَا وجَميعَ أوطانِ المُسلمينَ من مُضِلَّاتِ الفتنِ ما ظَهَرَ منها وما بَطَنَ، اللّهُمَّ ألِّفْ بين قلوبِ المُسلمينَ، حُكَّامًا ومحكُومينَ، واجمع الجَميعَ على طاعتِكَ يا أرحمَ الرَّاحمينَ.
اللّهُمَّ إنّا نسألُكَ واقيةً كواقية الوَليدِ إذ لا يدَ له تَدفَعْ ولا سِنَّ له تَقطَع، نسألُكَ واقِيَةً كوَاقِيَةِ الوَلِيدِ، احرُسْنا من بينِ أيدِينَا ومن خلفِنَا وعن أيمَانِنَا وعن شَمَائِلِنا ومن فوقِنا.
ونعوذُ بعظَمتِكَ أن نُغْتَال من تحتِنا.
اللّهُمَّ إنّا نعوذُ بك من الهَمِّ والحَزَنِ ومن العجزِ والكسلِ، ومن الجُبْنِ والبُخلِ ومن غَلَبَةِ الدَّينِ وقَهْرِ الرِّجالِ، ومن غلبة الدَّيْنِ وقهرِ الرِّجالِ. نعوذ بك من غلبة الدَّيْنِ وقهر الرِّجالِ، اللهمَّ إنا نعوذ بك من الهم والحزن ومن العجز والكسل ومن الجبن والبخل ومن غلبة الدَّيْنِ وقهر الرِّجالِ، نعوذ بك من غلبة الدَّيْنِ وقهر الرِّجالِ.
اللّهُمَّ اجعَلنَا يا ربَّ العَالَمِينَ من المَقبُولينَ، اجعَلنَا من المَقبُولينَ، وأغنِنَا بالافتِقَارِ إليكَ ولا تُفْقِرْنَا بالاستِغنَاءِ عنْكَ، اللّهُمَّ أغْنِنَا بالافتِقَارِ إليكَ ولا تُفْقِرْنا بالاستِغنَاءِ عنكَ، أخرِجْنَا من ذُلِّ المَعصِيَةِ إلى عِزِّ الطَّاعةِ، أخرِجْنَا من ذُلِّ المَعصِيَةِ إلى عِزِّ الطَّاعةِ، اللّهُمَّ هؤلاءِ عَبِيدُكَ وأنتَ سَيِّدُهُم ومَالِكُهُم ورَبُّهُم وإلهُهُم ومَعبُودُهُم الحَقْ، قد رَفَعُوا إليكَ أكُفَّ الضَّرَاعَةِ؛ فاللّهُمَّ لا تَرُدَّها صفرًا خائِبَةً، لا تَرُدَّها صفرًا خائبةً، لا تَرُدَّها صفرًا خائِبَةً.
إنْ رَدَدتَّنا فمن يَقْبَلُنا، إنْ رَدَدتَّنا فمن يَقبَلُنَا، إنْ ردَدتَّنا فمن يَقبَلُنا، إن رَدَدتَّنا فمن يَقبَلُنا، إنْ رَدَدتَّنا فمن يَقبَلُنا، إنْ ردَدتَّنا فمن يَقبَلُنا، بِضَاعةٌ كاسِدَةٌ فمن يَقبَلُنا، إن ردَدتَّنا فمن يَقبَلُنا.
إنْ ردَدتَّنا فمن يَقبَلُنا، إنْ رَدَدتَّنا فمن يَقبَلُنا، وإلى من نَتَوَجَّهُ بَعدَكَ يا اللَّهُ.
اللّهُمَّ لا تَرُدَّنا خَائِبِينَ، لا تَرُدَّنا خَائِبِينَ.
اللّهُمَّ ليِّنْ قلُوبَنَا، ليِّنْ قلُوبَنَا، ليِّنْ قلُوبَنَا، ليِّنْ قلُوبَنَا، أذِبْ في طَاعَتِكَ شحُومَنَا.
أذِبْ في طَاعَتِكَ شحُومَنَا، اللّهُمَّ ثَقِّلْ موَازِينَنَا، واجعَلنَا لك شكَّارِينَ، لك رهَّابِينَ، لك طَائِعينَ، لك مُنِيبِينَ، لك مُخْبتِنَ، عليكَ مُقبِلِينَ عن سِواكَ مُدْبرِينَ، أَحسِنْ لنا الخِتَامَ، أَحسِنْ لنا الخِتَامَ، نسأَلُكَ الثَّبَاتَ عند المَمَاتِ، نَسأَلُكَ الثَّباتَ عند المَمَاتِ، ونعوذُ بك أنْ يَتَخَبَطنا الشَّيطَانُ عند المَوتِ، نعوذُ بك أنْ يَتَلَعَّبَ بنا الشَّيطَانُ عند المَوتِ، ونعوذُ بك أنْ يَتَلَعَّبَ بنا الشَّيطَانُ عند المَوتِ، اللّهُمَّ ارزُقنَا الثَّبَاتَ عند المَمَاتِ، ارزُقنَا الثَّباتَ عندَ المَمَاتِ، ارزُقنَا الثَّباتَ عند المَمَاتِ، اللَّهُمَّ إنْ أرَدتَّ بالنَّاسِ فتنَةً فاقبِضنَا إليكَ غيرَ فَاتِنِينَ ولا مَفتُونِينَ،
ولا مُغَيِّريْنَ ولا مُبَدِّلِينَ ولا خَزَايَا ولا مخذُولينَ ولا نَادِمِينَ، ثَبِّتنَا بالقَولِ الثَّابِتِ في الحيَاةِ الدُّنيَا وفي الآخِرَةِ واجعَل آخِرَ كلامِنا من الدُّنيَا لا إلهَ إلاَّ اللّهُ، محمدٌ رسول الله -صلى الله عليه وآلهِ وسلم- وأقم الصَّلاة.