((خرافات الشيعة في عاشوراء))
الجمعة 7 من المُحرم 1428هـ الموافق 26-1-2007م -.
الخطبةُ الأولى:
إنَّ الْحَمْدَ للهِ، نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، ومِنْ َسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ له، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إلَهَ إلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ, وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} [آل عمران:102].
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء:1].
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب:70-71].
أَمَّا بَعْدُ:
فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّـهِ، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّـهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ-، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.
أَمَّا بَعْدُ:
فَقَد أَخْرَجَ الطبرانيُّ في ((الأوسط)) وبعضُ مَا أَخْرَجَهُ في ((الصحيح)) كما قال الهيثميُّ ورِجَالُهُ رجالُ الصحيح سوى مُحَمَّد بن بَشَّارٍ -وهو ثِقَةٌ- عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: ((إنَّ مِن أَشْرَاطِ الساعةِ أنْ يَعْلوَ التُّحُوتُ الوُعُولَ)).
أكذلك سَمِعْتَهُ يا عبد الله بن مسعودٍ مِن حِبِّي -صلى الله عليه وسلم-؟
قالَ ابنُ مسعود -رضي الله عنه-: نَعَم وَرَبُّ الكعبة.
قُلْنَا: ما التُّحُوت؟!
قال: فُسُولُ الرِّجَالِ وأصحابُ البيوتِ الغَامِضَةِ يُفَضَّلُونَ على صَالِحِيها.
والوُعُولُ: أَهْلُ البيوتِ الصَّالِحَةِ.
إنَّ مِن أشراطِ السَّاعَةِ أنْ يَعْلو التُّحوت -الأراذلُ الفُسُولُ مِن أهلِ البيوتِ الغامضةِ- يَعْلُونَ الوعولَ مِن أهلِ البيوتِ الصالحة.
فهذا انقلابٌ في المُوازين!
إذا وُسِّدَ الأمرُ إلى غيرِ أهلِهِ فانتظر الساعة.
وذكرَ الخَلَّالُ في ((الأمرِ بالمعروفِ والنَّهي عن المُنْكَرِ)) قال: أخبرنا عُمَرُ بنُ حَفصٍْ بِطرسوس، قال أخبرني أبو عبد الله -يعني: أحمدَ بن حنبل رحمة الله عليه- قال: يَا أبَا حَفْص: يأتي على النَّاسِ زَمَانٌ يكونُ فيه المُؤمنُ بينَ الناسِ كالجِيفَةِ, ويكونُ المُنَافِقُ بحيث يُشَارُ إليه بالأصابعِ.
فقلتُ: يا أبا عبد الله كيف يُشَارُ إلى المُنافقِ بالأصابعِ؟
فقال: إنَّ المُؤمنَ إذا رَأَى ما فيه أمرٌ بالمعروفِ أو نَهْيٌ عَن المُنْكَرِ لَم يصبر حتى يَأْمَرَ ويَنْهَى، وحينئذٍ يُبْغِضُهُ النَّاسُ ويرمُونَهُ بالفضولِ، وأمَّا المُنافقُ إذا رأى أَمْرًا يُؤمَرُ فيه أو يُنْهَى جَعَلَ يَدَهُ على فَمِهِ، فحينئذٍ يقولون: نِعْمَ الرَّجُل لا فِضُولَ فيه.
وهذا أيضًا انقلابٌ في المُوازين!
وَقَد جَاءَ النبيُّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- ليُعيدَ الأَمْرَ إلي نِصَابِهِ.
قالَ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- كما هو ثَابِتٌ في ((الصحيحين)): ((أَلَاإِنَّ الزَّمَانَ قَدِ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ, السَّنَةَ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا, مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ, ثَلاثٌ مُتَوَالِيَاتٌ؛ ذُو الْقَعْدَةِ وَذُو الْحِجَّةِ وَالْمُحَرَّمُ، وَرَجَبُ مُضَرَ الذي بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ)).
لِيُمَيِّزَهُ -صلى الله عليه وسلم- مِن رَجَبِ رَبِيعَة.
وكان النَّسَأَةُ قد أَخَلُّوا بِمُوازين العَالَمِ زَمَانًا بِمَا قدَّمُوا وأَخَّرُوا مِنْ الأَشْهُرِ الحُرُمِ حتى جَاءَ رسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: ((أَلَاإِنَّ الزَّمَانَ قَدِ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ)).
والنبيُّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- لَمَّا سُئِلَ كَمَا في ((صحيحِ مُسْلِم)) عن أبي قَتَادَة الأنصاريِّ -رضي الله عنه-؛ قيلَ يا رسولَ اللهِ: أيُّ الصيامِ خَيْرٌ بَعْدَ رَمَضَان, وأَيُّ الصَّلاةِ خَيْرٌ بَعْدَ الصَّلاةِ المَفْرُوضَةِ؟
فَأَجَابَ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم-: ((أنَّ أَفْضَلَ الصِّيَامِ بَعْدَ صِيَامِ رَمَضَان هو صِيَامُ شَهْرُ اللهِ الذي تَدْعُونَهُ المُحَرَّم، وأنَّ خَيْرَ الصَّلاةِ بَعْدَ الصَّلاةِ المَفْرُوضَةِ صَلاةُ الليْلِ في آخرِهِ, فَقَالَ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: نِصْفَ الليْلِ الآخرِ)).
فَدَلَّنَا النبيُّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- على عِظَمِ فَضْلِ الصيامِ في شَهْرِ اللهِ المُحَرَّمِ، شَهْرٌ مِن الأَشْهُرِ الحُرُمِ، شَهْرٌ اختَارَهُ الأصحابُ بعدُ لكي يكونَ مَبْدَءًا لتاريخِ هذه الأُمَّةِ، فَدَلَّ النبيُّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- على عِظَمِ فَضْلِ الصيامِ في هذا الشَّهْرِ وأنَّه أَفْضَلُ الصيامِ بَعْدَ صيامِ شَهْرِ رَمَضَان بعدما كَتَبَ اللهُ وَفَرَضَ -جَلَّ وَعَلَا-.
وَقَد أَخْرَجَ الشيخان في ((صحيحِيْهِما)) بسنديْهِمَا عن عبد الله بن عباس -رضي اللهُ تَبَارَكَ وتَعَالَى عنهما- قال: ((مَا رأيتُ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- يَتَحْرَّى صِيَامَ يَوْمٍ مَا تَحَرَّى صِيَامَ ذلك اليوم: يَوْمُ عاشوراء, ولا صيام شَهْرٍ كهذا الشَّهْرِ -يعني: شَهْرَ رَمَضَان-)).
وهذا الحديثُ يَدُلُّ بِظَاهِرِهِ على أنَّ صَوْمَ يَوْمِ عَاشُورَاء أَفْضَلُ مِن أيِّ صيامِ نَفْلٍ يصومُهُ المَرْءُ مُتَطوِّعًا في العامِ بِسَائِرِه؛ فهل ذلك كذلك؟
أَخْرَجَ مُسْلِمٌ في ((صحيحِهِ)) عن أبي قَتَادَة -رضي الله عنه- قال: إنَّ النبيَّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- سُئِلَ عن صومِ يومِ عَرَفَة؛ قَالَ: ((يُكَفِّر السَّنَةَ المَاضيةَ والبَاقية))، فيُكَفِّرُ سَنَتيْن.
وسُئِلَ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- عن صيامِ يَوْمِ عَاشوراء فقال: ((يُكَفِّر السَّنَةَ المَاضية)).
فهذا الحديثُ صريحٌ -وهو صحيح- في أنَّ يَوْمَ عاشوراء لا يَعْدُلُ صَوْمُهُ صَوْمَ يَوْمِ عَرَفَة؛ لأنَّ صيامَ يومِ عَرَفَة يُكَفِّر سَنَتيْن، وَأَمَّا صيامُ يومِ عَاشُورَاء فإنَّه يُكَفِّرُ ذنوبَ سَنَةٍ مَضَت، وعليه: فهذا الظَّاهِرُ غير مُرادٍ ها هنا, ولَكِنَّ النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- كان يَتَحَرَّى -أي: يَقْصِدُ- كَمَا قالَ ابنُ عباس -رضي الله عنهما-: ((مَا رَأيتُ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- يَتَحَرَّى صِيَامَ يَوْمٍ مَا رَأيتُهُ يَتَحَرَّى صِيَامَ يَوْمِ عَاشُورَاء)).
مَا المَخْرَجُ؟
يسيرٌ يسيرٌ بِفَضْلِ العَليِّ الكبير؛ إذ أَخْبَرَ ابنُ عباس عَن عِلْمِهِ, وعليه: فَمَن كان عنده مَزيدُ عِلْمٍ فَقَدْ دَلَّ عليه، ولا تَعَارُض ها هنا؛ إنما أخبرَ عن عِلْمِهِ -رضي الله تبارك وتعالى عنه-: ((مَا رَأيتُ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- يَتَحَرَّى صِيَامَ يَوْمٍ مَا رَأيتُهُ يَتَحَرَّى صِيَامَ يَوْمِ عَاشُورَاء)).
فالنبيُّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- دَلَّ على فَضْلِ صيامِ هذا اليوم، بَل دَلَّ النبيُّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- على فَضْلِ صيامِهِ بِمَا هو أَجَلُّ، فِإنَّ المَرَاحِلَ التي مَرَّ بِهَا صيامُ يومِ عَاشُورَاء هي مَرَاحِلُ أَرْبَع، وَقَد بَيَّنَهَا النبيُّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- في صحيحِ سُنَّتِهِ كَمَا هو ثَابِتٌ عنه -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-.
فَقَدْ أَخْرَجَ الشيخَان في ((صحيحيهما)) بِسَنديهما عن أُمِّنَا -أُمُّ المؤمنين- عائشة -رضي الله تبارك وتعالى عنها- قالت: ((كانت قريشٌ تصومُ عَاشُوراء في الجاهليةِ, وكان النبيُّ -صلى الله عليه على آله وسلم- يَصُومُهُ، فَلَمَّا أنْ نَزَلَ المدينةَ صَامَهُ -صلى الله عليه وسلم- وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ)).
وكذلك عند الشَّيخيْن في ((صحيحيهِمَا)) بِسَنديْهِما عن ابن عُمَر -رضي الله عنهما- مِثْلُهُ: مِن أنَّ قريشًا كانت تصومُ عَاشُوراء في الجَاهليَّةِ.
مِن أين؟!
قالَ ابنُ حَجَرٍ فيما نُقِلَ عَنْ أَهْلِ العِلْمِ: ((لَعَلَّ ذلك كان بَقيَّةً مِن شَرْعٍ سَالِفٍ عَنْ إبْرَاهِيم -عليه السلام- وهو أبو الأنبياء -صلى الله عليه وعليهم وسلم-, فَكانت قريشٌ تُعَظِّمُ ذلك اليومَ في الجَاهليَّةِ)).
وَقَالَ بعضُ أَهْلِ العِلْمِ إنَّ قُريْشًا أَحْدَثَت ذَنْبًا فَاسْتَفْظَعتُهُ، فَسَأَلَت أَهْلَ العِلْمِ، فَدَّلَ أَهْلُ العِلْمِ على أنَّ صيامَ يومِ عَاشُوراء يُكَفِّرُ ذلك الذَّنْب؛ فَعَظَّمَت يَوْمَ عَاشُورَاء؛ فَكانت تَصُومُهُ وكانت تَكسو فيه الكَعْبَةَ.
الحاصل: أنَّ المَرحلةَ الأولى مِن مَرَاحِلِ صيامِ يومِ عَاشوراء: أنَّ النبيَّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- كان في الجاهليةِ قَبْلَ الإسلامِ يَصُومُهُ، وأنَّه -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- كان يصومُ يَوْمَ عاشوراء، وكان الجاهليونَ مِن الكافرينَ يصومونَ يَوْمَ عاشوراء ويُعَظِّمُونَهُ، وَلَم يُوَافِقهُم النبيُّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- إلَّا في أَمْرٍ هو خَيْر؛ فَصَامَ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-، فَلَمَّا هَاجَرَ إلى المدينةِ صَامَهُ -صلى الله عليه وسلم-، وهذه مَرْحَلَةٌ لاحِقَةٌ.
فَعَن ابنِ عباس -رضي الله عنهما-: ((أنَّ النبيَّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- لَمَّا هَاجَرَ إلى المدينةِ وَجَدَ اليهودَ يصومونَ يَوْمَ عَاشُوراء، فَقَالَ: ((مَا هذا؟))
قالوا: هذا يومٌ صَالحٌ نَجَّى اللهُ فيه موسى وقَوْمَهُ مِن فِرْعَونَ ومَلأه فَصَامَهُ مُوسى شُكْرًا للهِ)).
هذه عند مُسْلِمٍ في ((صحيحِهِ)), والحديثُ مُتفقٌ عليه.
قالوا: هذا يَوْمٌ صَالِحٌ نَجَّى اللهُ فيه موسى وَقَوْمَهُ مِن فِرْعَونَ وَمَلأهِ؛ فَصَامَهُ موسى شُكْرًا للهِ؛ فنحن نَصُومُهُ، فَقَالَ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم-: ((نحنُ أَوْلَى بِمُوسَى مِنْكُم)).
فَصَامَهُ النبيُّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- وَأَمَرَ بِصَيِامِهِ.
هَلْ وَافَقَهُم النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- وهو الحريصُ على مُخَالَفتِهِم؟!
كان النبيُّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- يُحِبُّ مُوَافَقَةَ أَهْلِ الكِتَابِ فيمَا لَم يَرِد فيه نَهيٌ -هذا أَوَّلًا-، ثُمَّ استقامَ الأَمْرُ على غَيْرِ ذلك بَعْدُ، فَهَذَه هَذَه.
وشيءٌ آخر: أنَّه أَوْلَى بِمُوسَى مِن هؤلاء؛ لأنَّ الأنبياءَ أَبْنَاءُ عَلَّات كَمَا هو مَعْلُوم، دِينُهُم وَاحِدٌ وأُمَّهَاتِهِم شَتَّى -كَمَا قَالَ الرسولُ، فنحن أَوْلَى بِمُوسَى مِنْهُم, والنبيُّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- أَوْلَى بِمُوسي منهم على حَسَبِ النَّسَبِ الظَّاهرِ كَمَا هو مَعْلومٌ أَيْضًا، ثُمَّ لهذه العِصْمَةِ التي جَعَلَهَا اللهُ رَبُّ العَالَمِينَ للأنبياءِ والمُرْسلين.
والنبيُّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- أَوْلَى بِمُوسَى مِن كلِّ أَحَدٍ، فَصَامَ النبيُّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-, وَصَامَ الأصحابُ معه -رضوانُ الله عليهم-، وكان الصيامُ في هذه المرحلةِ على سبيلِ الفَرْضِ، لَمَّا هَاجَرَ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- كَمَا قالَ ابنُ عباسٍ في لَفْظِهِ: ((قَدِمَ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- المدينةَ فَوَجَدَ اليَهودَ صِيَامًا -يعني: يَصُومونَ يَوْمَ عَاشُورَاء-)).
وهنا استشكلَ بعضُ أهلِ العِلْمِ؛ لأنَّ النبيَّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قد هَاجَرَ في ربيعٍ الأَوَّل، والنبيُّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قَدِمَ المدينةَ في الثاني عَشَرَ مِنْهُ، وَمَعْلُومٌ أنَّ يَوْمَ عَاشُورَاء هو العَاشِرُ مِن شَهْرِ اللهِ الحَرَامِ المُحَرَّم؛ فَكَيْف؟!
لا شَيء.
قَدِمَ النبيُّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- المدينةَ في ربيع الأول في الثاني عَشَر مِنْهُ, فَلَمَّا أنْ جَاءَ المُحَرَّمُ -الحَرَام-، وَصَامَ اليهودُ في العَاشِرِ مِنْهُ، قال النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- مَا قَالَ.
كان ماذا؟!
لا شَيء.
هذا أَوَّلًا.
وثانيًا: أنَّ أَهْلَ الكِتَابِ لَمَّا ضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبيلِ كانوا يعرفونَ تلك المُواقيت بِأزمانِهَا على حَسَبِ الأحداثِ الجارياتِ في دُنيا اللهِ -جَلَّ وَعَلا- بحسابِ الشمسِ على السَّنَةِ الشمسيةِ؛ فكانوا لا يضبطونَ ذلك، فكانوا يذهبونَ إلى رَجُلٍ هُنالك مِن يهود حتى يُعَيِّنَ لَهُم ذلك الأمر، فلمَّا اختلفت عليهم الأمورُ صَادَفَ بِقَدَرِ اللهِ ربِّ العَالَمِين يومَ عَاشوراء على حسابِهِم هِجْرَةَ رسولِ اللهِ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-.
فهذا أيضًا.
والنبيُّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- أكَّدَ في صيامِهِ في هذه الرِّحلةِ جِدًّا، فَقَدْ أخرجَ مُسْلِمٌ في ((صحيحِهِ)) عن الرُّبَيِّع بِنْت مُعَوِّذ -رضي الله عنها- أنَّ النبيَّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- بَعَثَ رَجُلًا إلى قُرَى الأنصار في يومِ عَاشوراء يُنادي النَّاسَ وفيهم: ((مَن كان أَصْبَحَ مِنْكُم صَائِمًا -أي: مَن لَم يَطْعَم مِنْكُم وَلَم يَشْرَب- ومَن لم يَنْقُض صِيَامًا إلى الآن فَليُتِمَّ صَوْمَهُ، وَمَن كانَ أَكَلَ أو شَرِبَ فَليُمْسِك بَقيَّةَ يَوْمِهِ)).
شَدَّدَ النبيُّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- في صيامِهِ في تلك المرحلةِ جِدًّا -بَعْدَ هِجرتِهِ -صلى الله عليه وسلم-.
ولذلك قال العلماءُ: إنَّ صيامَ يَومِ عاشوراء كان فَرْضًا كَمَا دَلَّ على ذلك حديثُ عَائِشَة وحديثُ عبد الله بن عباس -والحديثان في ((الصحيحيْن))-، فَلَمَّا نَزَلَ رَمَضَان -يعني: نَزَلَ فَرْضُ صيامِهِ -كان مَن شَاءَ صَامَ وَمَن شَاءَ أَفْطَرَ -يعني: في صومِ يَوْمِ عاشوراء-.
ثُمَّ إنَّ التشديدَ الذي جَرَى هكذا على حَسَبِ الرواياتِ الصحيحةِ أنَّ النبيَّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال: ((نحن أَوْلَى بِمُوسَى مِنْهُم)).
ثمَّ إنَّه -صلى الله عليه وسلم- أَرْسَلَ كَمَا في ((صحيحِ مُسْلِم)) مِن روايةِ الرُّبَيِّع بنتِ مُعَوِّذ وغيرها، أَرْسَلَ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- رَجُلًا مِن الأنصارِ يدورُ في قُرَى الأنصارِ صَارِخًا مُؤذِّنًا فيهم: ((أنَّ مَن كانَ أَصْبَحَ صَائِمًا فَليُتِمَّ صَوْمَهُ، وَمَنْ كانَ قَد أَكَلَ أو شَرِبَ فَليُمْسِك عَامَّةَ يَوْمِهِ -أي: بَقيَّةَ يَوْمِهِ-)).
حتى إنها لتقول -رضي الله عنها-: ((فَكُنَّا نَأْخُذُ الصِّبيان -تعني: الذين لا يَقْوُونَ على مُعَانَاةِ السَّغَبِ والظَّمَأ -الجوعِ والعَطَش- نأخذُهُم إلى المَسْجِدِ, وَقَد صَنَعْنَا لَهُم اللُّعبةَ مِن العِهنِ -أي: مِن الصُّوفِ, وقيل: الصُّوف المَصبوغ خاصة- مِن أَجْلِ أنْ نُلَهِّيَ هؤلاء حتى يَأتيَ المَغْرَبُ)).
فعلى هذا التشديد حتى نَزَلَ رَمَضَان، فَلَمَّا أَنْزَلَ اللهُ رَبُّ العَالَمِين فَرْضَ صِيَامِ رَمَضَان على الأُمَّةِ؛ صَارَ ذلك التَّرْكُ لا لصيامِ يومِ عَاشوراء وإنَّمَا لوجوبِهِ وَظَّلَ على استحبابِهِ؛ فَكَانَ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- يَتَحَرَّى صِيَامَهُ كَمَا أخبرَ ابنُ عباسٍ -رضي الله تبارك وتعالى عنه- كَمَا في ((الصحيحين)) وعند مُسْلِم: -يعني: يَتَحَرَّى فَضْلَهُ كَمَا في روايةٍ عن ابنِ عباسٍ عند مُسْلِمٍ في ((الصحيح)) -رضي الله تبارك وتعالى عن الصحابةِ أجمعين-.
فأَمَرَ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- بِصِيَامِهِ, بَل أَوْجَبَهُ، وَظَلَّ كذلك حتى جَاءَ رَمَضَان وَأَنْزَلَ اللهُ رَبُّ العَالَمِين في السَّنَةِ الثانيةِ مَا هو مَعْلُومٌ مِن فَرضيةِ الصِّيامِ؛ فَتَرَكَ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- الوجوبَ -مَن شَاءَ صَامَ وَمَنْ شَاءَ أَفْطَرَ-.
النبيُّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- رَغَّبَ في صيامِ هذا اليوم تَرْغِيبًا شَدِيدًا -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-، فَدَلَّ عَلى فَضْلِهِ كَمَا في حديثِ أبي قَتَادَة، وَبَيَّنَ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- استحبابَ صيامِهِ، وَدَلَّ على أنَّ مَن صَامَ يَوْمَ عَاشوراء؛ فإنَّ اللهَ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- يُكَفِّر عنه ذُنوبَ سَنَةٍ مَضَت، كَمَا في الحديث, وهو حديثٌ صحيحٌ كَمَا أخرجَهُ الإمامُ مُسْلِمٌ في ((صحيحِهِ))، فهذه هي المرحلةُ الثالثة: الخروجُ مِن الوجوبِ إلى الاستحبابِ.
وأمَّا المرحلةُ الرابعةُ: فَدَلَّ عليها حديثُ ابنِ عباس -رضي الله عنهما-، وذلك أنَّ النبيَّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- كانَ لَمَّا أُمِرَ بِمُخَالفةِ أَهْلِ الكتابِ يُخَالِفُهُم في كلِّ شيءٍ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-, فكان النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- حَريصًا على ذلك.
فقد قِيلَ له -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- كَمَا في ((صحيح مسلم))؛ قِيلَ له: إنَّ أَهْلَ خَيْبَر يَتخذونَ يومَ عاشوراء عِيدًا فيصومونَهُ ويُخْرِجُونَ النِّسَاءَ بحُلِيِّهِنَّ وشَارَاتِهِنَّ -يعني: بِكَامِلِ زِينتِهِنَّ في هذا اليومِ-، فَقَالَ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم-: ((أمَّا أَنْتُم فَصُومُوه)).
ولذلك فإنَّ الذين يُظْهِرُونَ الفَرَحَ في هَذَا اليَوْمِ -في يَوْمِ عَاشُورَاء عَلَى هذا النَّحْوِ الذي كانَ عِنْدَ يَهودِ خَيْبَر- إِنَّمَا يُواطِئُونَ أَهْلَ الكِتَابِ وَلَا يَتَّبِعونَ سُنَّةَ سَيِّدِ الأَحْبَابِ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-.
وَمَا وَرَدَ مِن التَّوسِعَةِ عَلَى العِيَالِ يَوْمَ عَاشُورَاء, وأنَّ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ وَسَّعَ اللهُ عَليْه عَامَّةَ سَنَتِهِ -يَعْنِي: بَقيَّةَ سَنَتِهِ-؛ فَهَذَا غَيْرُ ثَابِتٍ عَنْ رَسُولِ اللهِ, بَلْ هُو مَوْضُوعٌ مَكْذُوبٌ عَليْه -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-.
وَمِثْلُهُ: مَنْ اكْتَحَلَ بِالإِثْمِدِ -أَي: بِالكُحْلِ- يَوْمَ عَاشُورَاء لَمْ يَرْمد بَقِيَّةَ سَنَتِهِ!!
مَوْضُوعٌ عَلَى نَبيِّكَ يَا صَاحِبِي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-.
وَكَذَلِكَ مَا وَرَدَ: أَنَّ مَنْ اغْتَسَلَ فِي يَوْمِ عَاشُورَاء لَم يُصِبْهُ دَاءٌ إِلَى يَوْمِ عَاشُورَاء القَابِلِ!!
مَكْذُوبٌ عَلَى نَبيِّكَ يَا صَاحِبِي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-.
وَإِنَّمَا هو مِنْ وَضْعِ أولئك النَّوَاصِب أَو مِنْ وَضْعِ جَهَلَةِ أَهْلِ السُّنَّةِ الذين لمَّا رَأَوا فِعْلَ الرَّوَافِض -عَامَلَهُم اللهُ بِمَا يَسْتَحِقُّونَهُ- مِنْ تِلْكَ الأَفْعَالِ, وَمِن ذَلِكَ الحُزن الذي يَفْتَعِلُونَهُ على مَقْتَلِ الحُسْين في يَوْمِ عَاشُورَاء مِنْ سَنَةِ إِحْدَى وَستينَ مِنْ هِجَرْةِ النبيِّ الأَمِين -صلى الله عليه وسلم- في كَرْبُلاء؛ اتخذوهُ يَوْمَ حُزْنٍ وَقَد أَسْلَمُوهُ!
فَهُمُ الذين غَرُّوهُ -رضي اللهُ عنه وعن آلِ البَيْتِ أجمعين- حتى خَرَجَ إليهم، فَلَمَّا أنْ خَرَجَ إليهم وأَرْسَلَ يزيد بن معاوية -رضي الله عن معاوية وعن الصحابةِ أجمعين- عُبْيدَ اللهِ بن زِيَاد -عَامَلَهُ اللهُ بِمَا يَستحقُّهُ-، فَأَرْسَلَ جَيْشًا إلى الكوفةِ؛ فَأَخَذَ مُسْلِمَ بن عَقِيلٍ؛ فَقَتَلَهُ ثُمَّ صَلَبَهُ ثُمَّ أَتَى به مَنْكوسًا مِن حَالِقٍ إلى غيرِ ذلك مِن تلكَ الفَظَائِع.
وكان الحُسين قد خَرَجَ -رضوان الله عليه- في مِئةٍ وخمسين -هو جَيْشُهُ-، وَمَعَهُ عامَّة أَهْلِ بَيْتِهِ -رضوان الله عليهم أجمعين- حتى استُؤصِلوا هنالك بِكربلاء، وكان الحُسينُ -رضي الله عنه- قد عَرَضَ على شَمَر بن ذي الجَوْشَن -عرض عليه- وعلى عُمَر بن سعد، وكانا مِن قِبَلِ عُبيدِ الله بن زياد, عرضَ عليهما أنْ يبلغاه إلى يزيد بن معاوية، والظَّنُّ أنَّه كان يُحْسِنُ مُعاملتَهُ وَيَرْعَى قَدْرَهُ، ولَكِنْ جَرَت المَقَاديرُ بِمَا جَرَت به وهو خَيْرٌ كَمَا قَدَّرَهُ اللهُ ربُّ العَالَمِين، فَأبيَا عليه إلَّا أنْ يَنزلَ على حُكْمِ ابن زياد، فَأَبَى الحُسينُ -رضوان الله عليه-، وقُتِلَ هُنَالِكَ مِن آلِ البَيْتِ مَن لم يَكُن على ظَهْرِ الأرضِ مِثْلَهُم -كَمَا قالَ العلماءُ عليهم الرحمة-، فَاتخَذَ الروافضُ بعد ذلك مَا اتخذوه مِن ذلك الحُزْنِ الذي يفتعلونَهُ.
ويصنعونَ في هذا اليوم -كَمَا يُشَاهِدُ النَّاسَ في هذا الزمانِ مِن فِعْلِهِم- مَا يَنْدَى له جَبينُ الإنسانِ؛ إذ يَجِد مَن يُشَاكِلُهُ في الإنسانية -لا في الدين!- مَنْ يَصْنِعُ مِثْلُ هذه الأمور.
حتى إنَّهم لَيَحمِلُونَ على الرُّضَّعِ، تضْربُ المَرأةُ الشيعيَّةُ -وَقَد ذَهَبَ عَقْلُهَا- بِخِنْجَرٍ هنالك على رَأْسِ هذا الوليدِ حتى تُدَّمِيَهُ، وحتى يُسيلوا الدماء مِن أَنْفُسِهم حُزْنًا على الحُسين -بِزَعْمِهِم- وَقَد أَسْلَمُوهُ قَتْلًا.
أَلَا عَليهم مِن اللهِ ما يَستحقونَهُ.
المُهِمُّ: أنَّ جَهَلَةَ أَهْلِ السُّنَّةِ لَمَّا رَأَوا هؤلاء يصنعونَ في هذا اليومِ مِن الحُزْنِ ما لا يُمْكِن أنْ يتخيلَهُ إلَّا مَن رَآه بعيني رَأْسِهِ، أَخَذُوا أيضًا يجعلونَ هذا اليوم بِمَا يضعونَهُ مِن الحديثِ مكذوبًا على رسولِ اللهِ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-, يجعلونَ هذا اليوم يومَ فَرَحٍ، وَيَوْمَ تَوْسِعَةٍ، وليس كذلك؛ وإنَّمَا النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- جَعَلَ عِلَّةَ الصيامِ في هذا اليومِ مَا قالَهُ -صلى الله عليه وسلم-: ((نحن أَوْلَى بِمُوسى مِنْهُم)).
هذا يومٌ صَالِحٌ نَجَّى اللهُ رَبُّ العَالَمِين فيه مُوسى وَقَوْمَهُ مِن فرعون وَمَلأهُ، فَصَامَهُ موسى شُكْرًا للهِ؛ فنحن نَصُومُهُ شُكْرًا للهِ.
وَدَلَّنَا النبيُّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- على عِظَمِ فَضْلِ الصيامِ في هذا اليوم, وبَيَّنَ لَنَا أنَّ اللهَ ربَّ العَالَمِين يَغْفِرُ لِمَن صَامَهُ إيمانًا واحتسابًا ذنوبَ سَنَةٍ خَلَتْ, أي: الذنوب التي تَقْبَلُ التكفير –تكفيرها- مِن لَدُن رِبِّنَا العليم الخبير، وَأَمَّا ما لا يَقْبَلُ التكفير كأنْ يكون شِرْكًا أو كأن يكون مِن حقوقِ العِبَادِ مِن تلك المَظالم التي تَجْرِي بين النَّاس, فَكُلُّ ذلك لا يَلْحقهُ تكفير بصيامٍ عاشوراء ولا بصيامِ عَرَفَة وَلا بِمَا شَاء, لابُدَّ مِن أداءِ الحقوقِ إلى أصحابِهَا كَمَا بَيَّنَ ذلك نَبيُّنا مُحَمَّدٍ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-.
إذن؛ هذا اليوم -الذي هو يومُ عاشوراء- دَلَّ النبيُّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- بِفِعْلِهِ -كَمَا دَلَّ بقولِهِ- على فَضْلِ صَوْمِهِ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-.
فأيُّ يومٍ هُوَ؟
بَدْءًا: قد أخرجَ الدَّارقُطنيُّ في ((الأفراد)) ، والديلميُّ في ((مسندِ الفردوس)) عن أبي هريرة -رضي الله عنه- بإسنادٍ صحيح، وتجدُهُ مُصَحَّحًا في ((صحيحِ الجامعِ الصغير)) عن النبيِّ البشيرِ النذير -صلى الله عليه وسلم- قالَ: ((يَوْمُ عَاشوراء هو العَاشِرُ)). أي: هو اليومُ العَاشِرُ.
فهذا يقطعُ النِّزَاعَ في هذه المسألة، وهو نِزَاعٌ طويل؛ لِأَنَّه قد وَرَدَ صحيحًا عن عبد الله ابن عباسٍ -رضي الله تبارك وتعالى عنه-: أنَّ ابن الأعرج جَاءَهُ فقال: خَبِّرنِي عَن صَوْمِ النبيِّ -صلى اللهِ عليه وسلم- في عاشوراء، فقال ابن عباس -رضي الله تبارك وتعالى عنهما-: ((إذا أَهَلَّ هِلَالُ المُحَرَّم فَاعْدُد حتى إذا كُنْتَ في ليلةِ التَّاسِعِ فَصُم التَّاسعَ)).
فَقَالَ:كذلك كان يفعلُ الرسولُ -صلى الله عليه وسلم- في عاشوراء؟
قال: ((كذلكَ كانَ يَفْعَل)).
فالظاهرُ مِن هذا الحديثِ -وهو حديثٌ صحيحٌ رواه مُسْلِمٌ في ((صحيحِهِ)) وله روايتان تتواطئان على أنَّ ابن عباس -رضي الله عنهما- قد أخبرَ أنَّ التَّاسِعَ هو عاشوراء.
فهذا في ظاهِرِهِ يَدُلُّ على أنَّ مَذْهَبَ ابن عباس -رضي الله عنهما-: أنَّ عاشوراء هو يومُ التاسع مِن شَهْرِ اللهِ الحَرَام المُحَرَّم.
فهل ذلك كذلك؟!
إنَّ ابن عباس -رضي الله عنهما- هو الذي رَوَى كَمَا هو في ((الصحيح)) عن النبيِّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- أنَّه قال: ((لئن عِشْتُ إلى العَامِ القَابِلِ لأصُومنَّ التّاسِعَ)).
فَدَلَّ النبيُّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- على أنَّه إنْ عَاشَ إلى قَابِلٍ -إلى العامِ الذي يَلي- فَسَوْفَ يَصُومُ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- التَّاسِعَ، فهذا يُفْهَمُ منهُ بِلا ارتيابٍ أنَّ النبيَّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- كان يصومُ العَاشِر، ثمَّ أخبرَ أنَّه إنْ عَاشَ إلى قَابِلٍ لَيَصُومَنَّ التَّاسِع، ثُمَّ لَم يَعِش -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- إلى ذلك الأَوَان الذي أخبرَ عنه -صلى الله عليه وسلم-.
هذا وَاضِحٌ جِدًّا: أنَّ النبيَّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قد أَخْبَرَ أنَّه إنْ عَاشَ إلى العامِ القَابِلِ لَيَصُومَنَّ التَّاسِعَ، فَمَعْنَى ذلك أنَّه وَقَد سُئِلَ عَن صيامِ يومِ عَاشوراء وأنَّ اليهودَ تصومُ العَاشِرَ مِن المُحَرَّمِ، فَقَالَ: ((لَئِن عِشْتُ إلى قَابِلٍ لأَصُومَنَّ التَّاسِعَ))؛ يعني: لَيُخَالِفَ اليهودَ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-, فَهَذَا وَاضِحٌ جِدًّا أنَّ النبيَّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- كانَ يصومُ العَاشِر.
بَلْ أَعْلَى مِن ذلك: فَقَدْ ثَبَتَ عَن ابنِ عباسٍ -رضي الله عنهما- أنَّ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لَئِن عِشْتُ إلى قَابِلٍ لأَصُومَنَّ التَّاسِعَ وَالعَاشِرَ)).
فإذن؛ النبيُّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- دَلَّنَا على أنَّ اليومَ العَاشِرَ مِن شَهْرِ اللهِ الحَرَامِ المُحَرَّم هو عاشوراء.
فَأمَّا مَا وَرَدَ عن ابنِ عباسٍ -رضي الله عنهما- صحيحًا, فهذا مِنْ فِقْهِهِ؛ لأنَّه لمَّا جَاءَهُ ابنُ الأعرجِ -رَحِمَهُ اللهُ- فَسَأَلَهُ عن صَوْمِ النبيِّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- في عاشوراء؛ دَلَّهُ على ما لا يَعْلَمُهُ مُتَجَاوِزًا ما هو مُقَرَّرٌ عِندَهُ، وَمَا ثَبَتَ لديه عِلْمُهُ؛ لأنَّه أَتَاهُ وهو يَعْلَمُ أنَّ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- كان يصومُ عاشوراء -يصومُ العَاشِر-، فَدَلَّهُ ابنُ عباس على أنَّ النبيَّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- مِن هَدْيِهِ أن يُصَامَ التَّاسِعُ؛ لأنَّ النبيَّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- مَاتَ وَلَم يَصُمْهُ: ((لئن عِشْتُ إلى قَابِلٍ -إلى العامِ القَابِلِ- لأَصُومَنَّ التَّاسِعَ)).
فَدَلَّ ابنُ عباسٍ هذا السَائِلَ على الذي هو خيرٌ له، وعلى هذه المَرْتَبةِ العُليا في صيامِ عَاشوراء؛ فَقَالَ له: صُم التَّاسِع، ثُمَّ إنَّ العَاشِرَ صيامُهُ مُقَرَّر عندك عِلْمُهُ؛ فذلك كذلك والحمدُ للهِ رَبِّ العَالَمِين.
إذن؛ عَاشوراء: وهذا لَفْظٌ مَعْدُولٌ عَن عَاشِرَة، كَمَا أنَّ عُمَر مَعدول عن عامر، فكذلك عاشوراء مَعدولٌ عن عَاشِرَة للدلالةِ على التعظيمِ والمبالغةِ في ذلك، والأصلُ أنْ يكونَ وَصْفًا هذا اللفظُ لليلةِ العَاشِرَةِ -أنْ يكونَ وصفًا لليلةِ العَاشِرَة-, حتى إنَّ مَن قَالَ: إنَّ التاسعَ هو عاشوراء، قالوا: كيف يُقال للتاسعِ والأصلُ أنْ يُقالَ له تَاسوعاء لا عاشوراء بالمَدِّ وبِالقَصْرِ مَعًا: ((عاشوراء)) و((تاسوعاء)) و((عاشورا)) بالقصر و((تاسوعا)) كذلك بِالقَصْرِ مِن غيرِ مَدٍّ -يعني: بحذفِ الهمزةِ-.
فَقَالَ الذين قالوا إنَّ عاشوراء هي التَّاسِعُ ذلك على إضافةِ اليومِ إلى الليلةِ التي تليه، وأمَّا عاشوراء فهي ليلةُ اليومِ العَاشِرِ, فيكونُ ذلك بإضافةِ اليومِ لليلةِ التي خَلضت؛ لأنَّ العَاشِرَ تَسْبِقُهُ ليلتُهُ وهي عاشوراء، ثمَّ لمَّا غَلَبت الاسميةُ عَدَلُوا عن الوصفِ فَصَارَ هذا الوَصْفُ لليومِ اسْمًا؛ فَسُمِّيَ بيومِ عَاشُوراء.
الحاصلُ: أنَّك لا تَجِدُ هذا الوَزْنَ في لغةِ العربِ إلَّا لـ ((ضاروراء)) و((ساروراء)) و((دالولاء)) من ((السَّار)) و((الضَّار)) و((الدَّالِّ)) وكذلك ((عاشوراء)) أي: العاشر، كَمَا دلَّ على ذلك الخليلُ وَمَن نَحَى مَنْحَاهُ على حَسَبِ مَذْهَبِهِ في هذه اللغةِ الشريفةِ.
على كُلٍّ؛ يومُ عَاشوراء هو العَاشِرُ مِن شَهْرِ اللهِ الحَرَام المُحَرَّمِ، وَقَد دَلَّ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- على عظيمِ أَجْرِ وَفَضْلِ مَن أَتَى به صِيَامًا للهِ رَبِّ العَالَمِين.
حتى إنَّه عند ابن خُزيمةَ في ((صحيحه))، وقد تَوَقَّفَ فيه فَلَم يُصَحِّحهُ، بَوَّبَ بَابًا فَقَالَ: ((باب مَا وَرَدَ في حَجْبِ الرُّضَّعِ عَن الرَّضَاع في يومِ عاشوراء))، وَسَاقَ إسْنَادًا صَحَّحَهُ الحَافِظُ ابن حَجَر قَالَ: وَتَوَقَّفَ فيه ابنُ خُزيَمة -يعني: كأنَّه يقول: وتَجَرَّأْتُ أنا على حَسَبِ القواعدِ العِلميةِ المَرعيَّةِ على تصحيحِهِ وإثباتِ درجتِهِ-, ماذا؟؟
((كَانَ النبيُّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- يدورُ على آلِ بَيْتِهِ ويَبْصُقُ في أفواهِ الرُّضَّعِ والصِّغَارِ, ويَأمْرُ الأُمَّهَات بِأَلَّا يُرْضِعْنَ أولئكَ عَامَّةَ يَوْمِ عَاشُوراء)).
فيا للهِ العَجَب! مَا أَعْظَمَ شَأنَ هذا اليومِ في دينِ اللهِ رَبِّ العَالَمِين وفي ميزانِ الحسنات!
فاللهم وَفِّقنَا للإتيانِ فيه بِمَا تُحِبُّهُ وَتَرْضَاهُ.
وصلى اللهُ وَسَلَّم على نَبيِّنَا مُحَمَّدٍ صلى اللهُ عليه وعلى آله وسَلَّم.
﴿الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ﴾
الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشْهَدُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، هُوَ يَتَوَلَّى الصَالِحِينَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وسَلَّمَ- صَلَاةً وَسَلَامًا دَائِمَيْنِ مُتَلَازِمَيْنِ إِلَى يَومِ الدِّين.
أَمَّا بَعْدُ:
فَقَدْ ذَكَرَ العَلَّامَةُ الحَافِظُ ابنُ القَيِّمِ في ((الزَّادِ))، وتَبِعَهُ ولرُبَّمَا نَقَلَ مِنْهُ وَعَنْهُ الحَافِظُ ابن حَجَر -رَحِمَهُ اللهُ- في ((الفَتْحِ)) أنَّ مَرَاتِبَ صِيَامِ يَوْمِ عَاشُورَاء ثَلاثٌ، هي:
*أَنْ يُصَامَ اليَوْمُ العَاشِرُ وَحْدَهُ -فَهَذه أَدْنَى المَرَاتِبِ-.
*وَفَوْقَ ذَلِكَ: أَنْ يَصُومَ التَّاسِعَ وَالعَاشِرَ.
*فَوْقَ ذَلِكَ, وَهِيَ أَعْلَى المَرَاتِبِ: أَنْ يَصُومَ التَّاسِعَ وَالعَاشِرَ وَالحَادِي عَشَر.
مَعْلُومٌ أَنَّهُ لا يَثْبُت حُكْمٌ في دينِ اللهِ إلَّا بِنَصٍّ، وَبِنَصٍّ ثَابِتٍ صَحيحٍ، إِمَّا مِنْ كِتَابِ اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى، وَإِمَّا مِنْ صَحِيحِ سُنَّةِ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-.
وَقَد ثَبَتَ في الحَديثِ الصَّحِيحِ فَضْلُ صِيَامِ يَوْمِ عَاشُورَاء، وَثَبَتَ أَيْضًا في الحديثِ الثَّابِتِ الصَّحيحِ فَضْلُ صِيَامِ يَوْمِ التَّاسِعِ مِنْ المُحَرَّمِ.
كَمَا في حديثِ ابن عباس -رضي الله عنهما-: ((لئن عِشْتُ إلى قَابِلٍ لأَصُومَنَّ التَّاسِعَ))، وفي روايةٍ عنه فيما هو دُونَ الصحيح -وإنْ كانَ صحيحًا-: ((لأَصُومَنَّ التَّاسِعَ وَالعَاشِرَ)).
إِذَن؛ فَهَاتَان المَرْتَبَتَان قَد ثَبَتَتَا بِالدَّليلِ الصَّحيحِ؛ فَعَلَى العَيْنِ والرَّأْسِ.
وَأمَّا الثَّالِثَةُ هذه فِمِنْ أَيْن؟!
مِنْ أَيْنَ أنَّ أَعْلَى المَرَاتِب أنْ يصومَ العَبْدُ المُسْلِمُ التَّاسِعَ وَالعَاشِرَ والحَادي عَشَر؟!
أَمَّا الحديثُ الذي وَرَدَ عِنْدَ الإمامِ أَحْمَد وِعِنْدَ البيهقيِّ أنَّ النبيَّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- أخبرَ أنَّه ينبغي للعبدِ أنْ يصومَ يَوْمًا قَبْلَهُ وَيَوْمًا بَعْدَهُ -يعني: قَبْلَ العَاشِرِ فَيَصُومُ التَّاسِعَ-، وَبَعْدَهُ -هكذا مِنْ غَيْرِ تَرَدُّدٍ وَلا شَكٍّ ولا تخييرٍ على حَسَبِ مَا تُوضَعُ ((أو)) له في اللغَةِ ولغيرِهِ أَيْضًا -أنْ يصومَ يومًا قَبْلَهُ وَيَوْمًا بَعْدَهُ؛ فيصومُ التَّاسِعَ والحَادي عَشَر.
وفي روايةٍ عن ابن عباس -رضي الله تبارك وتعالى عنهما- رُوِيَ عند البيهقيِّ على الشَّكِّ: ((يَوْمًا قَبْلَهُ أو يَوْمًا بَعْدَهُ)), فَهُنَا يَقَعُ في النَّفْسِ شَيءٌ، وشَيءٌ آخرُ: أنَّهُ قَد اخْتُلِفَ على مَن أَخَرَجَهُ فيه، فاختُلِفَ في روايةِ عبد الرزَّاق, وكذلك في روايةِ حَفْص، وكذلك وَرَدَ مُختَلَفًا فيه عنه في هذه الروايةِ التي مَرَّت، فهذا الحديثُ حديثٌ ضعيفٌ لا يَثْبُت, ويتبقى عندنا مَا رَوَاهُ ابنُ عباس نَفْسُهُ, وهو يُضَعِّفُ الروايةَ التي مرَّت، إذ وَرَدَت الروايةُ ثَابِتَةً صحيحةً: ((لأصُومَنَّ التَّاسِعَ)) يعني: مَعَ العَاشِرِ, أَو مُصَرِّحًا بِهَا في غيرِ الصحيحِ صحيحةً: ((لأَصُومَنَّ التَّاسِعَ والعَاشِر)).
وأمَّا ((بَعدَ)) ((أو بَعدَهُ)) فَلَم يَرِدُ فيها نَصٌّ يَصِحُّ، وَمَا قِيلَ إنَّه قَد وَرَدَ عن ابنِ عباس مُصَرَّحًا به في صيامِ الثلاثةِ الأيام, وذلك عند ابنِ جريرٍ الطبريِّ في ((الآثار)) فإنَّ ذلك فيه هذا الاختلاف الذي ذَكَرْتُ لك، فهو حديثٌ ضعيفٌ لا يَثْبُت، وَيَبْقَى الصحيحُ على حالِهِ.
وَلَكِنْ المَرْتَبتان قَد ثَبَتَتَا في صومِ العَاشِرِ، وفي صومِ التاسعِ مع العاشرِ، ثَبَتَ ذلك صَحيحًا عَن رسولِ اللهِ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-.
والحادي عشر مَا شَأْنُهُ؟!
يقولُ أَهْلُ العِلْمِ: إنَّ مِن المُسْتَحَبِّ أنْ يصومَهُ العبدُ؛ لأنه لَرُبَّمَا ثَبَتَ الشَّهْرُ بِالشَّكِّ مِن غيرِ ثبوتِ رؤية، وحينئذٍ لو أنَّ ذلك كان كذلك لَضَاعَ العَاشِرُ أو ضَاعَ التَّاسِعُ في وَسَطِ هذا الاختلافِ، فكانَ الاحتياطُ مِن أَجْلِ إصَابَةِ اليومِ العَاشِرِ على وَجْهِهِ أنْ يأتيَ بِصِيَامِ اليومِ الحادي عشر.
أمَّا أنْ يَثْبُت نَصٌّ في ذلك؛ فَلَم يَثْبُت، وَلَكِن احتياطًا أنْ يصومَ المَرْءُ مَعَ التاسعِ والعَاشِرِ الحادي عَشَر؛ لأنَّهُ رُبَّمَا ثَبَتَت رُؤيةُ الشهرِ شَكًّا مِن غيرِ مَا ثبوتٍ بِرُؤيةٍ، وحينئذٍ لَو وقَعَ في هذا الشَّكِّ شَكٌ, وَوَقَعَ في هذا الشَّكِّ -لا شكٌ- وإنَّمَا يقينٌ, فَكانَ الشَّكُّ في مَحلِّهِ لَمَا صَامَ المَرْءُ كَمَا أَرَادَ له النبيُّ أنْ يصومَ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-، وحينئذٍ فيعودُ الأمرُ إلى ما كان وَمَا قِيلَ قَبْلُ وَأَنَّهُ يُستحبُّ أنْ يصومَ مع التاسعِ والعَاشِرِ الحادي عَشَر؛ مِن أَجْلِ أنْ يكونَ على الجَادَّة مُحتاطًا لنَفْسِهِ مِن غيرِ أنْ يكونَ ذلك مَسْنُونًا له بِسُنَّةٍ ثَابِتَةٍ, ولا مَفْرُوضًا عليه مِن بَابٍ أَوْلَى.
والنبيُّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- دَلَّ على فَضْلِ صيامِ يومِ العَاشِرِ, وقالَ العلماءُ أحمد وأبو حنيفة -رَحِمَهُمَا اللهُ تبارك وتعالى رحمةً واسعة-: يُكْرَهُ أنْ يصومَ العَاشِرَ وَحْدَهُ.
وفي قَوْلِ عند الحَنَابِلَةِ في مَذْهبِهِم -ولَعَلَّهُ رواية عن أحمد-، وهو اختيارُ شيخِ الإسلام: أَنَّ ذلك لا يُكْرَه، فَلَو صَامَ العَاشِر وَحْدَهُ فلا كَرَاهَة.
والاختلافُ في هذا الأمرِ مَا مَبْعَثُهُ؟
مَبْعَثُهُ قَوْلِ النبيِّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- لَمَّا ذُكِرَ له صيامُ اليهودِ ليومِ عَاشوراء قال: ((لئن عِشْتُ إلى قَابِلٍ لأَصُومَنَّ التَّاسِعِ)).
يريدُ المُخالفةَ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-, فَهَذَا مَبْعَثُ ذلك.
وَلَكِن هَل يُقَالُ: إنَّ مَنْ صَامَ العَاشِرَ وَحْدَهُ يَكونُ قد أَتَى بِشَيءٍ مَكروه، بمعنى أنَّه لو خُيِّرَ بين أنْ يصومَ ولا يصوم, فيقولُ له الرَّجُلُ مِن أَهْلِ العِلْمِ مِمَّن يقولُ بهذا القَوْل: لا تَصُم لأنَّه مَكروه لك أنْ تَصومَ أَمْ أَنَّ ذلك على خِلافِ الأَوْلَى لو وَقَعَ؟
هو على خِلافِ الأَوْلَى يا أخي، وهو اختيارُ شيخِ الإسلام، ورواية عن أحمد, وهو مذهبُهُ ومذهبُ جماهيرِ أَهْلِ العِلْمِ: أنَّه لو صَامَ العَاشِرِ وَحْدَهُ لم يَكُن ذلك مكروهًا له على اللفظِ الإصطلاحيِّ بمعناه، وإنَّمَا الكراهةُ ها هنا هي خِلافُ الأَوْلَى، وحينئذٍ تنتظمُ عندنا أقوالُ أَهْلِ العِلْمِ بجماهيرِهِم -رحمةُ اللهِ عليهم أجمعين-.
فَعَليْنَا عبادَ اللهِ أنْ نُعَظِّمَ شَعَائِرَ اللهِ، وأنْ نَكونَ فيها مُتَسَنِّنِينَ بِسُنَّةِ رسولِ اللهِ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-.
لمَّا أنْ بُويِعَ ليزيد بن معاوية -رضي الله عن معاوية وعن الصحابة أجمعين-، لمَّا بُويِعَ له؛ بَايَعَ ابنُ عُمَر وابن عباس -رضي الله عنهما-, وَفَرَّ الحُسَيْن بن عليٍّ -رضي الله عنهما- وعبد الله بن الزُّبير -رضي الله عنهما- إلى مَكَّة فَلَم يُبَايِعَا, وَتَوَاتَرَت الكُتُبُ مُتَواليَةً -أي: الخِطَابَات- مِن أَهْلِ الكوفةِ أنْ ائتنَا نُبايعَكَ فِإنَّ القومَ جميعًا على قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ وَهُم جميعًا مَعَكَ.
تَوَاتَرَت الكُتُبُ, وَأَرْسَلَ الحُسْين -رضي الله عنه وعن آلِ البَيْتِ أجمعين- مُسْلِمَ بن عَقِيل بن أبي طَالِب لكي يَضْبِطَ لَهُ الأُمُور وَيَنْظُرَ في الأَحْوَالِ، فَذَهَبَ, فَجَاءوا إليه أَرْتَالًا يُبَايعُوهُ، وَتَواتَرَت الكُتُبُ، وَأَرَادَ الحُسَيْن أنْ يَخْرُجَ لَمَّا أَرْسَلَ إليه مُسْلِمٌ -رَحِمَهُ اللهُ ربُّ العَالَمِين رحمةً وَاسِعَة- مُسْلِم بن عَقيل بن أبي طَالِب أَرْسَلَ إليه: أنَّ القَوْمَ في استعدادِ لِلُقيَاك فَائتنَا؛ فَتَحَرَّكَ الحُسَيْن, وَذَهَبَ إليه ابنُ عباس -رضي الله تبارك وتعالى عنهما- يقولُ: إلى أين؟ أتذهبُ إلى قومِ قَد قَتَلُوا أَميرَهُم، وَضَبَطُوا أَحْوَالَهُم، وَأَعَدُّوا بِلَادَهُم، وَعَظُمَت مَعَكَ شَوَكْتُهُم، أَمْ أَنَّكَ تَذْهَبُ إلى قومٍ يَحْكُمُ فيهم أَمِيرُهُم، بَلْ يُسَخِّرهُم ويُذِّلُهُم؟!
فوالله ما هو إلَّا أنْ يَنْكَشِفُوا عَنْكَ، ووالله لولا أنَّهُ يُزْرِي بي وبِكَ أنْ لو نَشَبْتَ بيدي في رَأْسِكَ لَفَعَلْت، وَلو أنِّي فَعَلْتُ فَامْتَثَلْتَ فَرَجَعْتَ لَفَعَلْت، وَلَكِن أَرَاكَ لا تَفْعَل، واستودَعَهُ اللهَ وَرَجَعَ.
وَأَمَّا ابنُ عُمَر فَعَلَى ثلاثةِ أيامٍ مِنْ الكُوفَةِ يَلْحَقُ الحُسَين -رضي الله تبارك وتعالى عنه وعن الصحابةِ أجمعين-، فيقولُ: إلى أين؟
فَأَخْرَجَ له الكُتُب.
فَقَالَ له: إنهم قَد قَتَلُوا أَبَاك, وإنَّهُم قَد أَسْلَمُوا أَخَاك وَطَرَدُوهُ، ووالله لأُحَدِّثَنَّكَ بحديثِ عن رسولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- والحديثُ في ((صحيحِ البخاري)) مِن روايةِ عائشة -رضي الله عنها-، فَقَالَ له: ((إنَّ اللهَ ربَّ العَالَمِين قَد زَوَى هذا الأَمْرَ عَنْكُم -يعني: آلَ البَيْتِ- لَمَّا عُرِضَ على النبيِّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- فَلَم يُرِدْهُ وإِنَّمَا أَنْتَ بَضْعَةٌ -والبَضْعَةُ: قِطعة اللحم- إنَّمَا أنتَ بَضْعَةٌ مِن رسولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- -يعني: يَسْرِي عليكَ القانونُ ذَاتُهُ- وَلَنْ تَنَالَهَا)).
يُحَدِّثهُ عن النبيِّ -صلى الله عليه وسلم-، والحُسَيْن مِن اتَّبَعِ القَوْمَ للنبيِّ -صلى الله عليه وسلم-, ولَكِن جَرَت المَقَادير بِمَا جَرَت به والحمدُ للهِ رَبِّ العَالَمِين.
ثُمَّ قَالَ: إنك بِضْعَةٌ مِن رسولِ اللهِ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-، ووالله مَا زَوَاهَا اللهُ رَبُّ العَالَمِين عَنْكُم إلَّا لِمَا فيه الخيرُ لَكُم.
فَلَمَّا أَبَى الحُسَيْن أنْ يعودَ؛ اعْتَنَقَهُ وَبَكَى وَقَالَ: أَسْتَودعكَ اللهَ مِنْ قَتيل.
أَرْسَلَ يزيد بن معاوية -رضي الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى عن معاوية وعن الصحابةِ أجمعين- أَرْسَلَ عُبيْدَ اللهِ بن زياد -عَامَلَهُ اللهُ بِمَا يَستحقهُ-، فَذَهَبَ إلى الكوفةِ, وَأَرْسَلَ رِجَالَهُ فَتَتَّبَعُوا النَّاسَ هنالك حتى أُخِذَ مُسْلِم بن عقيل -رَحِمَهُ اللهُ رَبُّ العَالَمِين رَحمةً واسعة-، فَلَمَّا قُدِّمَ لِمَقْتلِهِ بَكَى وَقَالَ: أَمَا والله لا أَبْكِي لنَفْسي ولا لأَهْلي ولا لِوُلْدِي, وَإنَّمَا أَبْكِي؛ لأنَّ الحُسَيْن قَد تَحَرَّكَ اليوم مِن الحِجَازِ قَاصِدًا الكُوفة -رضوان اللهُ عليه- ثُمَّ قُتِلَ.
وَنَكَصَ القومُ على أعقابِهم كَمَا هي عادتُهُم, وَكَمَا هو دَيْدَنُهُم؛ لأنَّ النبيَّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- لَمَّا أَشَارَ بِيَدِهِ إلى المَشرقِ؛ قالَ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: ((إِنَّهَا يِطْلُعُ مِنْهَا قَرْنُ الشَّيْطَانِ وَهِيَ أَرْضُ الفِتَنِ))، وهي ((نَجْدٌ)) على تحقيقِ أَهْلِ العِلْمِ التي هي مَوْطِنُ الفِتَنِ، والتي يَخْرُجُ مِنْهَا مَا يَخْرُج مِن الفِتَنِ، والأمرُ كائِنٌ كَمَا قَالَ رسولُ اللهِ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-.
وَجَاءَ الحُسَين وكان مَا كان, أَسْلَمُوه ثُمَّ بَعْدَ ذلك أَخَذُوا يَنْدبُونَهُ وَيُعْولِونَ عليه ويَصنعونَ مَا هو مَعْلُوم إلى يومِ النَّاسِ هذا مِن سَخَافَاتِهِم, يَتَّخِذُهَا أعداءُ الإسلامِ -تِلْكَ السَّخَافَات يَتَّخِذُونَهَا وَشِيجَةً وَذَرِيعَةً للإزراءِ بِدينِ الإسلامِ العظيم، ويقولون: هذا مَا يَفْعَلُهُ أَتْبَاعُ مُحَمَّدٍ, وهذا هو دينُ مُحَمَّد! وَمُحَمَّدٌ بَريءٌ مِمَّا يَصنعونَ, وَمِن مَذْهَبِهِم الذي يَنْتَحِلُونَ، وَمِنْ خِدَاعِهِم الذي يَخْدَعُونَ.
النبيُّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- رَغَّبَنَا في صيامِ يَوْمِ عَاشُوراء بِلَا زِيَادَةٍ، التَّوْسِعَةُ عَلَى العِيَالِ وإنْ نُقِلَ ذَلِكَ عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ, كَمَا نُقِلَ ذَلِكَ عَنْ ابنِ عُيَيْنَة؛ قَالَ: جَرَّبنَاهُ مِنْ خَمْسِينَ أو سِتِّينَ سَنَة فَوَجَدْنَاهُ كَذَلِكَ -يَعْنِي: وَسَّعَ اللهُ عَليْه عَامَهُ ذَلِكَ-.
((مَنْ وَسَّعَ عَلَى العِيَالِ فِي يَوْمِ عَاشُورَاء وَسَّعَ اللهُ عَليه عَامَهُ ذَلِكَ!!))
وَأَعْلَمُ أنَّ كثيرًا مِن النُّوَّم النُّوَّام لَنْ يَخْرُجُوا مِنْ هذه الخُطْبَةِ إلَّا بِهَذَا المَكْذُوب!!
وَأَسْأَلُ اللهَ أنْ يَرحمني وإيَّاكُم أَجْمَعِين.
وأمَّا مَا وَرَدَ في فَضْلِ الإِثْمِدِ، وَأَنَّ مَنْ فَعَلَهُ لا يَرْمَد –يعني: لا يُصيبُهُ مَرْضٌ في عَيْنيْهِ عَامَهُ ذَلِكَ-, وَمَن اغْتَسَلَ فإنَّه لا يُصيبُهُ مَرَضٌ في عَامِهِ ذَلِكَ؛ كُلُّ ذَلِكَ مَوضوعٌ مَكْذُوبٌ عَلَى رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-، ويُرَوِّجُ له أولئك الروافض الذين يَلَغُونَ كالكلابِ الظَّامِئَةِ في دِمَاءِ أَهْلِ السُّنَّةِ، والذينَ يَسُبُّونَ الأَصْحَابَ ويُكَفِّرُونَهُم والذين مِن شَعَائِرِهِم وَعَظيمِ قُرُبَاتِهِم في يَومِ عَاشُورَاء أنْ يَذْهبوا ضَارِعينَ مُسْتَغفِرِينَ مُتَبتلينَ مُمَثِّلينَ عندَ قَبْرِ الهَالِكِ المَلعون -أَلَا لَا رَحِمَ اللهُ فيه مَغْرِزَ إِبْرَةٍ- أبي لؤلؤة المَجوسيِّ، وَقَد نَصَبُوا له شَاهِدًا وَأَقَامُوا عَلَى مَا جَعَلُوهُ هنالك مِن عِظَامٍ لَعَلَّهَا عِظَامٌ نَخِرَةٌ لِحَمَارٍ أَو خِنْزير!
إذ إنَّه قَد قُتِلَ لَمَّا قَتَلَ عُمَر -رضوان الله عليه- في مدينةِ الرسولِ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-، وَمَا كانت للروافضِ وَلَن تَكونَ -إنْ شاءَ اللهُ ربُّ العالمين- يَوْمًا صَوْلَةٌ وَلَا جَوْلَةٌ وَلَا يَدٌ مُرْتَفِعَةٌ على أَهْلِ السُّنَّةِ في الحِجَازِ وفي مدينةِ النبيِّ المُختارِ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- حتى يُقالَ قَد نُقِلَت تلك العِظام الرَّمِيمَات البَاليَات النَّخِرَات النَّجِسَات إلى هُنالك حيثُ اتخذوا مَشْهَدًا يَذهبونَ هُنالك يَبكونَ، وَقَد كَتَبُوا عليه: ((قبر أبي لؤلؤة رحمهُ الله))!! أَلَا لَا رَحِمَهُ اللهُ وَلَا رَحِمَ اللهُ فيه مَغْرِز إِبْرَة، قَاتِلُ أَمير المؤمنين الفاروق عُمَر -رضوان الله عليه-.
حِقْدًا مَجوسيًّا مَازَالَ يفورُ في تلك القلوبِ النَّغِرَةِ إلي يومِ الناسِ هذا على كلِّ مُتَّبِعٍ لسُنَّةِ الحبيب، بل الخليل -صلى الله عليه وسلم-، سُنَّةَ الخليلِ مُحَمَّد -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-، حِقْدًا مَجوسيًّا أَعْمَى لِتِلْكَ الشعوبيةِ البَغيضةِ يُأَرِّثُونَها في قلوبِ الصغارِ قَبْلَ الكبار، واللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى المُستعان-، وَلَن يَجْعِلَ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- للكافِرينَ على المُؤمنينَ سَبيلًا، بَلْ يَدُ أَهْلِ الحَقِّ وَأَهْلِ السُّنَّةِ عاليةٌ أبدًا بِفَضْلِ اللهِ رَبِّ العَالَمِين قَدَرًا وَشَرْعًا بِفَضْلِ اللهِ -جَلَّ وَعَلَا-.
فَيَنبغي علينا ألَّا نُواطِئ أَهْلَ الكِتَابِ، وأَلَّا نُواطِئ أَهْلَ البِدَعِ فِيمَا يَصْنَعُون، فأولئك أَشَدُّ ضَرَاوَةً وَأَقْسَى شَوْكَةً في ظَهْرِ أَهْلِ السُّنَّةِ مِن اليهودِ والنَّصَارَى، هؤلاء أَشَدُّ ضَرَاوَةً في لحومِ أَهْلِ السُّنَّةِ مِن الكفارِ الأصليين، فلا ينبغي أنْ نُواطئ الكُفَّارَ وَلَا أَهْل البِدَعِ كَائِنًا مَا كان مَا يَدَّعُون، وَعَلينَا أنْ نأخذَ بِمَا جَاءَنَا به النبيُّ الأمين المأمون -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-.
وَأَسْألُ اللهَ جَلَّت قُدْرَتُهُ وَتَقَدَّسَت أَسْمَاؤهُ أنْ يُرِيَنَا الحَقَّ حَقًّا ويَرزقنَا اتِّبَاعَهُ, وأنْ يُرِيَنَا البَاطِلَ بَاطِلًا وَيَرزُقَنَا اجتنابَهُ.
اللهم أَلِّف بين قلوبِ المُسلمين، أَلِّف بين قلوبِ المُسلمين, واجْمَع شَمْلَ المُسلمين, وارْأَب صَدْعَ المُسلمين، اللهم ارْأَب صَدْعَ المُسلمين، اللهم وَحِّد صفوفَ المُسلمين، اللهم وَحِّد صفوفَ المُسلمين، اللهم وَحِّد صفوفَ المُسلمين, واجْمَع شَمْلَ المُسلمين، وأَعْلِي رايةَ المُسلمين، واجْمَع المُسلمين يا رَبَّ العَالَمِين في مَشَارِق الأَرْضِ ومَغَارِبَهَا على كلمةٍ سَواء، اللهم أَلِّف بين قلوبِ المُسلمين حُكَّامًا وَمَحكومين، اللهم خُذ بأيدينا إليك, وأَقْبِل بقلوبِنَا عليْك، وأَحيِنَا مُسلمين وتَوَفَّنَا مؤمنين وأَلحقنا بِالصَّالحين، اللهم تَوفنَا مُسلمين وألحقنا بالصالحين يَارَبَّ العَالَمِين ويَا أكرمَ الأكرمين ويا ذا القوةِ المَتين، اللهم احفظنا بعينِكَ التي لا تنام، وبرُكْنِكَ الذي لا يُضَام، وبقُدرتِكَ علينا، لا نَهْلِك وأنت رَجَاؤنا، اللهم احرُسنَا مِن بين أيدينا ومِن خَلْفِنَا, وعن أيمانِنَا وعن شمائِلِنَا ومِن فوقِنَا، ونعوذُ بعظمتِكَ أنْ نُغْتَالَ مِن تَحتِنَا، اللهم أَحْسِن خِتامَنَا أجمعين يا رَبَّ العَالَمِين ويَا أرحمَ الرَّاحمين، اللهم طَهِّر دِيَارَ المُسلمين، وطَهِّر عواصمَ المُسلمين، وطَهِّر بُلدان المُسلمين يا ربَّ العالَمِين مِن الكُفَّار يا رَبَّ العَالَمِين، اللهم طَهِّر دِيَارَ الإسلامِ يَا أكرم الأكرمين وأرضَ الإسلامِ يا أرحم الراحمين مِن المُعتدين الغَاصبين، مِن الكفارِ المُعتدين، ومِن أهلِ البِدَعِ أجمعين يا رَبَّ العَالَمِين, وَيَا أَرْحَمَ الرَّاحمين, ويَا ذا القوةِ المَتين.
وصلى اللهُ وَسَلَّم على نَبيِّنَا مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وعلى آله وسلم.