((اتِّبَاعُ الْعُلَمَاءِ الرَّبَّانِيِّينَ وَالتَّحْذِيرُ مِنَ الْفَوْضَى))
إِنَّ مِنْ دَلَائِلِ نُبُوَّةِ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ ﷺ الْحَدِيثَ الَّذِي أَخْرَجَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: ((إِنَّ بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ الْهَرْجَ)).
قَالُوا: وَمَا الْهَرْجُ؟
قَالَ: ((الْقَتْلُ؛ إِنَّهُ لَيْسَ بِقَتْلِكُمُ الْمُشْرِكِينَ، وَلَكِنْ قَتْلُ بَعْضِكُمْ بَعْضًا؛ حَتَّى يَقْتُلَ الرَّجُلُ أَخَاهُ، وَحَتَّى يَقْتُلَ الرَّجُلُ جَارَهُ، وَيَقْتُلَ عَمَّهُ، وَيَقْتُلَ ابْنَ عَمِّهِ)).
قَالُوا: وَمَعَنَا عُقُولُنَا يَوْمَئِذٍ؟!!
قَالَ: ((إِنَّهُ لَتُنْزَعُ عُقُولُ أَهْلِ ذَلِكَ الزَّمَانِ، وَيَخْلُفُ لَهُ هَبَاءٌ مِنَ النَّاسِ، يَحْسَبُ أَكْثَرُهُمْ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ، وَلَيْسُوا عَلَى شَيْءٍ)).
إِذَا مَنَّ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- بِالْعَقْلِ عَلَى عَبْدٍ؛ فَقَدْ أَعْظَمَ لَهُ الْمِنَّةَ.
فَالْعِلْمَ الْعِلْمَ أَيُّهَا الشَّبَابُ!
لَا يُلْهِيَنَّكُمْ عَنْهُ سِمْسَارُ أَحْزَابٍ، يَنْفُخُ فِي مِيزَابٍ، وَلَا دَاعِيَةُ انْتِخَابٍ فِي الْمَجَامِعِ صَخَّابٌ.
وَلَا يَلْفِتَنَّكُمْ عَنْهُ مُعَلِّلٌ بِسَرَابٍ، وَلَا حَاوٍ بِجِرَابٍ، وَلَا عَاوٍ فِي خَرَابٍ، يَأْتَمُّ بِغُرَابٍ.
وَلَا يَفْتِنَنَّكُمْ عَنْهُ مُنْزَوٍ فِي خَنْقَةٍ، وَلَا مُلْتَوٍ فِي زَنَقَةٍ، وَلَا جَالِسٌ فِي سَابَاطٍ عَلَى بِسَاطٍ، يُحَاكِي فِيكُمْ سُنَّةَ اللهِ فِي الْأَسْبَاطِ؛ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ مُشَعْوِذٌ خَلَّابٌ، وَسَاحِرٌ كَذَّابٌ.
إِنَّكُمْ إِنْ أَطَعْتُمْ هَؤُلَاءِ الْغُوَاةَ، وَانْصَعْتُمْ إِلَى هَؤُلَاءِ الْعُوَاةِ؛ خَسِرْتُمْ أَنْفُسَكُمْ، وَخَسِرَكُمْ وَطَنُكُمْ، وَسَتَنْدَمُونَ يَوْمَ يَجْنِي الزَّارِعُونَ مَا حَصَدُوا، وَلَاتَ سَاعَةَ مَنْدَمِ!!
مَنِ الَّذِي يُفْتِي إِذَا جَاءَتِ النَّوازِلُ السِّيَاسِيَّةُ؟!!
الْفَتْوَى فِي النَّوَازِلِ السِّيَاسِيَّةِ قَاصِرَةٌ عَلَى الْمُجْتَهِدِ، قَالَ رَبُّنَا -جَلَّتْ قُدْرَتُهُ-: {وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ} [النساء: 83].
قَالَ الْعَلَّامَةُ ابْنُ الْقَيِّمِ -رَحِمَهُ اللهُ- : ((الْعَالِمُ بِكِتَابِ اللهِ، وَسُنَّةِ رَسُولِهِ، وَأَقْوَالِ الصَّحَابَةِ؛ فَهُوَ الْمُجْتَهِدُ فِي أَحْكَامِ النَّوَازِلِ، فَهَذَا النَّوْعُ الَّذِي يَسُوغُ لَهُمُ الْإِفْتَاءُ، وَيَسُوغُ اسْتِفْتَاؤُهُمْ، وَيَتَأَدَّى بِهِمْ فَرْضُ الِاجْتِهَادِ، وَهُمُ الَّذِينَ قَالَ فِيهِمْ رَسُولُ اللهِ ﷺ: ((إِنَّ اللهَ يَبْعَثُ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ عَلَى رَأْسِ كُلِّ مِائَةِ سَنَةٍ مَنْ يُجَدِّدُ لَهَا دِينَهَا)) .
لَا يُفْتِي فِي دَقَائِقِ الْجِهَادِ إِلَّا الْمُجْتَهِدُ، وَيَحْرُمُ اسْتِفْتَاءُ طَلَبَةِ الْعِلْمِ فِي تِلْكَ الدَّقَائِقِ -فَضْلًا عَنْ غَيْرِهِمْ- مَهْمَا زَعَمُوا أَنَّهُمْ فُقَهَاءُ الْوَاقِعِ!!
قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ -رَحِمَهُ اللهُ- : ((وَفِي الْجُمْلَةِ؛ فَالْبَحْثُ فِي هَذِهِ الدَّقَائِقِ -يَعْنِي مَا يَتَعَلَّقُ بِأَحْكَامِ الِاجْتِهَادِ- مِنْ وَظِيفَةِ خَوَاصِّ أَهْلِ الْعِلْمِ)).
لَوْ أَفْتَى فِيهَا مَنْ لَيْسَ فِي رُتْبَةِ الْعَالِمِ الْمُجْتَهِدِ أَفْسَدَ الْبِلَادَ، وَأَرْهَقَ الْعِبَادَ؛ لِأَنَّ الْعَالِمَ يَشُمُّ الْفِتْنَةَ قَبْلَ وُقُوعِهَا، وَأَمَّا غَيْرُهُ فَلَا يَعْرِفُهَا إِلَّا إِذَا وَقَعَ فِيهَا، وَقَدْ لَا يَعْرِفُهَا)).
قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ -رَحِمَهُ اللهُ-: ((إِنَّ هَذِهِ الْفِتْنَةَ إِذَا أَقْبَلَتْ عَرَفَهَا كُلُّ عَالِمٍ، وَإِذَا أَدْبَرَتْ عَرَفَهَا كُلُّ جَاهِلٍ)) .
يَنْبَغِي أَنْ يُعَادَ إِلَى أَهْلِ الِاجْتِهَادِ الَّذِينَ يُحْسِنُونَ الِاسْتِنْبَاطَ مِنْ كِتَابِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَيُحْسِنُونَ النَّظَرَ فِي سُنَّةِ سَيِّدِ الْمُرْسَلِينَ ﷺ.
المصدر:نَصِيحَةٌ إِلَى أَهْلِ الْجَزَائِرِ الْحَبِيبَةِ