نِعْمَةُ الزَّوَاجِ فِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ


((نِعْمَةُ الزَّوَاجِ فِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ))

فَإِنَّ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- جَعَلَ هَذَا الْكَوْنَ مَبْنِيًّا عَلَى قَانُونٍ لَا يَتَخَلَّفُ، وَهُوَ قَانُونُ الزَّوْجِيَّةِ ؛ قَالَ تَعَالَى: {وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [الذاريات: 49].

وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ فِي الْكَوْنِ خَلَقْنَا صِنْفَيْنِ، نَوْعَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ؛ فِي النَّاسِ، وَالنَّبَاتَاتِ، وَالْكَهْرُبَاءِ، وَالْمَغْنَاطِيسِ، وَالذَّرَّاتِ، نُبَيِّنُ لَكُمْ هَذِهِ الْحَقِيقَةَ التَّكْوِينِيَّةَ، رَاغِبِينَ أَنْ تَضَعُوهَا فِي ذَاكِرَتِكُمْ أَيُّهَا الْمُتَلَقُّونَ الْمُتَدَبِّرُونَ.

وَكُلَّمَا اكْتَشَفْتُمْ وُجُودَ نِظَامِ الزَّوْجِيَّةِ فِي شَيْءٍ، وَكَانَ ذَلِكَ الشَّيْءُ خَفِيًّا عَلَيْكُمْ؛ تَذَكَّرْتُمْ هَذَا الْبَيَانَ: {وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ}، فَعَلِمْتُمْ أَنَّ الْقُرْآنَ مُنَزَّلٌ مِنْ لَدُنْهُ، وَعَلِمْتُمْ أَنَّ خَالِقَ الْأَزْوَاجِ فَرْدٌ لَا نَظِيرَ وَلَا شَرِيكَ مَعَهُ.

وَقَالَ رَبُّنَا -جَلَّ وَعَلَا-: {وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنثَى} [النجم: 45].

وَأَنَّ اللهَ -سُبْحَانَهُ- خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى مِنْ كُلِّ حَيَوَانٍ -مِنْ كُلِّ حَيٍّ.

وَقَدْ سَمَّى اللهُ -جَلَّ وَعَلَا- فِي الْقُرْآنِ الزَّوَاجَ مِيثَاقًا غَلِيظًا؛ فَقَالَ رَبُّنَا -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-: {وَإِنْ أَرَدتُّمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا (20) وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا} [النساء: 20-21].

وَإِنْ أَرَدْتُمْ -يَا مَعْشَرَ الرِّجَالِ- طَلَاقَ زَوْجَةٍ وَاسْتِبْدَالَ زَوْجَةٍ أُخْرَى مَكَانَهَا، وَكَانَ صَدَاقُ مَنْ تُرِيدُونَ طَلَاقَهَا مَالًا كَثِيرًا؛ فَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا إِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ قِبَلِهَا نُشُوزٌ وَسُوءُ عِشْرَةٍ.

أَفَتَأْخُذُونَهُ مُفْتَرِينَ فَاعِلِينَ فِعْلًا تَتَحَيَّرُ الْعُقُولُ فِي سَبَبِهِ، آثِمِينَ بِفِعْلِهِ إِثْمًا وَاضِحًا مُعْلَنَ الْوُضُوحِ، مُسْتَنْكَرَ الْوُقُوعِ.

فَلَا تَفْعَلُوا هَذَا الْفِعْلَ مَعَ ظُهُورِ قُبْحِهِ فِي الشَّرْعِ وَالْعَقْلِ.

وَلِأَيِّ وَجْهٍ تَفْعَلُونَ مِثْلَ هَذَا الْفِعْلِ، وَكَيْفَ يَلِيقُ بِالْعَاقِلِ أَنْ يَسْتَرِدَّ شَيْئًا بَذَلَهُ لِزَوْجَتِهِ عَنْ طِيبِ نَفْسٍ، وَقَدْ وَصَلَ بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ بِالْجِمَاعِ وَالْخَلْوَةِ، وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ عَهْدًا شَدِيدًا مُؤَكَّدًا وَهِيَ كَلِمَةُ النِّكَاحِ الَّتِي تُسْتَحَلُّ بِهَا فُرُوجُ النِّسَاءِ.

وَالزَّوَاجُ مِنْ سُنَنِ الْمُرْسَلِينَ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِّن قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً} [الرعد: 38].

وَنُؤَكِّدُ لَكَ أَنَّنَا لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ -يَا رَسُولَ اللهِ- مِنَ الْبَشَرِ، وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً، فَلَيْسَ أَمْرُكَ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ.

وَالزَّوَاجُ وَمَا فِيهِ مِنَ الْمَحَبَّةِ وَالْمَوَدَّةِ وَالرَّحْمَةِ مِنْ آيَاتِ اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-؛ قَالَ تَعَالَى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الروم: 21].

وَمِنْ آيَاتِهِ الدَّالَّةِ عَلَى عَظَمَتِهِ وَكَمَالِ قُدْرَتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ جِنْسِكُمْ -أَيُّهَا الرِّجَالُ- أَزْوَاجًا؛ لِتَمِيلُوا إِلَيْهِنَّ وَتَأْلَفُوهُنَّ، وَتُصِيبُوا مِنْهُنَّ مُتْعَةً وَلَذَّةً، وَجَعَلَ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ نَوْعًا مِنَ الْحُبِّ الْهَادِئِ الثَّابِتِ، وَعَاطِفَةً نَفْسِيَّةً تَدْفَعُكُمْ إِلَى الْعَطَاءِ وَالْمُسَاعَدَةِ، وَمُشَارَكَةِ الْمَعْطُوفِ فِي آلَامِهِ وَآمَالِهِ.

إِنَّ فِي ذَلِكَ لِعَلَامَاتٍ مُتَعَدِّدَاتٍ جَلِيلَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ تَفْكِيرًا عَمِيقًا مُتَأَنِّيًا فِيمَا خَلَقَ اللهُ بَيْنَ الْأَزْوَاجِ مِنْ مَوَدَّةٍ وَرَحْمَةٍ وَسَكَنٍ نَفْسِيٍّ.

وَقَدْ حَثَّ النَّبِيُّ ﷺ عَلَى النِّكَاحِ لِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنَ الْفَوَائِدِ الْجَلِيلَةِ، وَمَا يُدْفَعُ بِهِ مِنَ الْمَفَاسِدِ الْجَسِيمَةِ، بَلْ إِنَّ الْقُرْآنَ الْمَجِيدَ حَثَّ عَلَى النِّكَاحِ -أَيْضًا- كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَنكِحُوا الْأَيَامَى مِنكُمْ} [النور: 32].. وَهَذَا أَمْرٌ.

وَقَالَ -جَلَّ وَعَلَا-: {فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَن يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ} [البقرة: 232].. وهذا نَهْيٌ.

وَقَالَ ﷺ: ((النِّكَاحُ سُنَّتِي؛ فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي)) .

وَقَالَ: ((تَزَوَّجُوا الْوَدُودَ الْوَلُودَ؛ فَإِنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمُ الْأُمَمَ)) .

وَالنُّصُوصُ فِي هَذَا الْمَعْنَى كَثِيرَةٌ» .

 

المصدر:حُقُوقُ الطِّفْلِ قَبْلَ وِلَادَتِهِ

التعليقات


فوائد مفرغة قد تعجبك


  مِنْ مَظَاهِرِ الْإِيجَابِيَّةِ لِلْحِفَاظِ عَلَى الْأَوْطَانِ: الْعِلْمُ وَالْعَمَلُ بِعَقِيدَةِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ فِي حُقُوقِ الْحُكَّامِ
  تَرْبِيَةُ الطِّفْلِ عَلَى أَدَاءِ الْعِبَادَاتِ
  الِاسْتِغَاثَةُ الْمَشْرُوعَةُ وَالِاسْتِغَاثَةُ الْمَمْنُوعَةُ
  مِنْ أَعْظَمِ سُبُلِ مُوَاجَهَةِ إِدْمَانِ الْمُخَدِّرَاتِ: تَرْبِيَةُ الْأَبْنَاءِ عَلَى الْمُحَافَظَةِ عَلَى الصَّلَاةِ
  الْإِسْلَامُ فِطْرَةُ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا
  الْإِسْلَامُ رَحْمَةٌ فِي السِّلْمِ وَالْحَرْبِ
  الْإِسْلَامُ دِينُ الِاعْتِدَالِ وَالْوَسَطِيَّةِ وَالِاسْتِقَامَةِ
  الدُّرُوسُ العَظِيمَةُ مِنْ تَحْوِيلِ القِبْلَةِ
  الدرس الخامس : «الصِّدْقُ»
  الْمِيثَاقُ الْغَلِيظُ -الزَّوَاجُ- فِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ
  رِقَابَةُ السِّرِّ وَالضَّمِيرِ مِنْ سُبُلِ تَفْرِيجِ الْكُرُبَاتِ
  مُوَاسَاةُ الْمُحْتَاجِينَ وَمُسَاعَدَتُهُمْ بِالصَّدَقَاتِ
  جُمْلَةٌ مِنْ آدَابِ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَالْأَسْوَاقِ
  ثَلَاثُونَ وَصِيَّةً لِلْأَبْنَاءِ فَاحْرِصْ عَلَيْهَا
  مِنْ حُقُوقِ الطِّفْلِ الْمُسْلِمِ: حَقُّهُ فِي الْحَيَاةِ
  • شارك