((الْوَعْيُ بِتَحَدِّيَّاتٍ تُهَدِّدُ أَمْنَ الْوَطَنِ))
إِنَّ مِنْ أَخْطَرِ التَّحَدِّيَّاتِ الَّتِي تُوَاجِهُنَا تِلْكَ التَّحَدِّيَّاتُ الَّتِي تُهَدِّدُ أَمْنَنَا وَاسْتِقْرَارَنَا فِي أَوْطَانِنَا؛ فَالْأَمْنُ فِي الْأَوْطَانِ مِنْ أَعْظَمِ مِنَنِ الرَّحِيمِ الرَّحْمَنِ عَلَى الْإِنْسَانِ.
لَقَدِ امْتَنَّ اللهُ عَلَى أَهْلِ حَرَمِهِ الْآمِنِ بِالْأَمْنِ؛ فَقَالَ تَعَالَى: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ} [العنكبوت: 67]؛ أَيْ: أَجَهِلَ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ قِيمَةَ النِّعْمَةِ الَّتِي هُمْ فِيهَا، وَلَمْ يُدْرِكُوا وَيُشَاهِدُوا أَنَّا جَعَلْنَا بَلَدَهُمْ مَكَّةَ حَرَمًا آمِنًا، يَأْمَنُونَ فِيهَا عَلَى أَنْفُسِهِمْ، وَعَلَى أَمْوَالِهِمْ، وَعَلَى أَعْرَاضِهِمْ، وَالْحَالُ أَنَّ النَّاسَ مِنْ حَوْلِهِمْ يَقْتُلُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، وَيَعْتَدِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ؟!
وَقَدْ كَانَ الْعَرَبُ حَوْلَ مَكَّةَ يَغْزُو بَعْضُهُمْ بَعْضًا، وَيَتَغَاورُونَ وَيَتَنَاهَبُونَ، يُغِيرُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ، وَيَنْهَبُ بَعْضُهُمْ مَالَ غَيْرِهِ، وَأَهْلُ مَكَّةَ مُسْتَقِرُّونَ فِيهَا آمِنُونَ، لَا يُعْتَدَى عَلَيْهِمْ مَعَ قِلَّتِهِمْ وَكَثْرَةِ غَيْرِهِمْ، فَذَكَّرَهُمُ اللهُ -تَعَالَى- بِهَذِهِ النِّعْمَةِ الْخَاصَّةِ بِهِمْ.. بِنِعْمَةِ الْأَمْنِ.
وَالِاسْتِفْهَامُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ} لِلتَّعَجُّبِ مِنْ حَالِهِمْ، وَلِلتَّوْبِيخِ لَهُمْ عَلَى هَذَا الْجُحُودِ وَالْكُفْرِ لِنِعَمِ اللهِ تَعَالَى.
أَفَبَعْدَ هَذِهِ النِّعْمَةِ الْجَلِيلَةِ يُؤْمِنُونَ بِالْأَصْنَامِ، وَبِنِعْمَةِ اللهِ الَّتِي تَسْتَدْعِي اسْتِجَابَتَهُمْ لِلْحَقِّ يَكْفُرُونَ؟!!
وَكَانَ أَمْنُ أَهْلِ مَكَّةَ بِالْبَيْتِ الْحَرَامِ، وَقَدْ مَدَحَهُ اللهُ -تَعَالَى- مَدْحًا عَظِيمًا؛ فَقَالَ سُبْحَانَهُ: {وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا} [آل عمران: 97]، وَقَالَ تَعَالَى: {وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْنًا} [البقرة: 125].
فَجَعَلَهُ اللهُ مَرْجِعًا لِلنَّاسِ، يَرْجِعُونَ إِلَيْهِ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ، وَمَلَاذًا وَحِصْنًا لَهُمْ مِنْ كُلِّ خَوْفٍ، فَهُوَ مَوْضِعُ أَمْنِهِمْ وَاطْمِئْنَانِهِمْ.
وَقَالَ تَعَالَى: {فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ (3) الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ} [قريش: 3-4].
وَذَكَرَ -تَعَالَى- مِنَّتَهُ عَلَى سَبَأٍ؛ فَقَالَ: {وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ} [سبأ: 18].
وَقَالَ تَعَالَى: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ} [النحل: 112].
وَعَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مِحْصَنٍ الْأَنْصَارِيِّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَنَّ رَسُولَ اللَّـهِ ﷺ قَالَ: «مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ، مُعَافًى فِي جَسَدِهِ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ؛ فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا بِحَذَافِيرِهَا».
مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ يَجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نَكُونَ جَمِيعًا فِي يَقَظَةٍ وَوَعْيٍ وَحَيْطَةٍ وَحَذَرٍ، وَفِي التَّارِيخِ عِبْرَةٌ، وَالسَّعِيدُ مَنْ وُعِظَ بِغَيْرِهِ.
هَذَا إِذَا جَعَلَ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- لِلنَّاسِ بَقِيَّةً مِنْ عَقْلٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْصِمُهُمْ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ إِلَّا رَحْمَةُ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ تَشْمَلُهُمْ، وَإِلَّا عِنَايَتُهُ تَعُمُّهُمْ، يَهْدِيهِمُ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- إِلَى سَبِيلِ الرَّشَادِ.
قَالَ اللهُ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ} [النساء: 71].
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أَذْعَنُوا لِلْحَقِّ، وَاسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ؛ خُذُوا أُهْبَتَكُمْ، وَاحْتَرِزُوا مِنْ عَدُوِّكُمْ، وَتَيَقَّظُوا لَهُ، وَلَا تُمَكِّنُوهَ مِنْ أَنْفُسِكُمْ.
إِنَّ مِنْ لَوَازِمِ الْحُبِّ الشَّرْعِيِّ لِلْأَوْطَانِ الْمُسْلِمَةِ: أَنْ يُحَافَظَ عَلَى أَمْنِهَا وَاسْتِقْرَارِهَا، وَأَنْ تُجَنَّبَ الْأَسْبَابَ الْمُفْضِيَةَ إِلَى الْفَوْضَى وَالِاضْطِرَابِ وَالْفَسَادِ؛ فَالْأَمْنُ فِي الْأَوْطَانِ مِنْ أَعْظَمِ مِنَنِ الرَّحِيمِ الرَّحْمَنِ عَلَى الْإِنْسَانِ.
فَعَلَى الْمُسْلِمِ أَنْ يَعْرِفَ قَدْرَ بَلَدِهِ الْإِسْلَامِيِّ، وَأَنْ يُدَافِعَ عَنْهُ، وَأَنْ يَجْتَهِدَ فِي تَحْصِيلِ اِسْتِقْرَارِهِ وَأَمْنِهِ، وبُعْدِهِ وَإِبْعَادِهِ عَنِ الْفَوْضَى، وَعَنْ الِاضْطِرَابِ، وَعَنْ وُقُوعِ الْمُشَاغَبَاتِ.
عَلَى الْمُسْلِمِ أَنْ يُحِبَّ بَلَدَهُ الْإِسْلَامِيَّ، وَأَنْ يُدَافِعَ عَنْهُ، وَأَنْ يَمُوتَ دُونَهُ؛ فَإِنَّ مَنْ مَاتَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَالْأَرْضُ مَالٌ، فَمَنْ مَاتَ دُونَ مَالِهِ فَهُو شَهِيدٌ.
وَمِصْرُ الَّتِي لَا يَعْرِفُ أَبْنَاؤُهَا قِيمَتَهَا.. يَنْبَغِي أَنْ يُحَافَظَ عَلَيْهَا، وَأَنْ يُحَافَظَ عَلَى وَحْدَتِهَا، وَأَنْ تُجَنَّبَ الْفَوْضَى وَالْاضْطِرَابَ، وَأَنْ تُنَعَّمَ بِالْأَمْنِ وَالْأَمَانِ وَالِاسْتِقْرَارِ.
المصدر: بِنَاءُ الْوَعْيِ وَأَثَرُهُ فِي مُوَاجَهَةِ التَّحَدِّيَّاتِ