((مِنْ سِمَاتِ الشَّخْصِيَّةِ الْوَطَنِيَّةِ:
اسْتِقَامَةُ الْعَقِيدَةِ))
إِنَّ أَوَّلَ الصِّفَاتِ الَّتِي يَجِبُ أَنْ يُحَصِّلَهَا الْمُحِبُّ لِوَطَنِهِ، الْحَرِيصُ عَلَى مَصَالِحِهِ: اسْتِقَامَةُ الْعَقِيدَةِ، وَسَلَامَةُ الْمَنْهَجِ؛ فَإِنَّ أَمْرَ الْعَقِيدَةِ تَتَمَيَّزُ بِهِ الْأُمَّةُ وَتَقُومُ عَلَيْهِ دَوَافِعُ الْمُلِمَّةِ، أَمْرُ الْعَقِيدَةِ كِتَابٌ وَسُنَّةٌ، أَمْرُ الْعَقِيدَةِ قَصٌّ عَلَى أَثَرِ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ ﷺ.
تَعَلَّمُوا دِينَ اللهِ، وَاعْلَمُوا أَنَّ أَصْلَ الْإِصْلَاحِ وَالصَّلَاحِ إِنَّمَا هُوَ فِي هَذِهِ الْعَقِيدَةِ؛ فَهُوَ الْأَصْلُ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُحَمَّدٌ ﷺ.
يَجِبُ عَلَى الْمُحِبِّ لِوَطَنِهِ، الْحَرِيصِ عَلَى رِفْعَتِهِ وَالرُّقِيِّ بِهِ أَنْ يَعْلَمَ: أَنَّ دِينَ الْإِسْلَامِ الْعَظِيمَ يَقُومُ عَلَى أَصْلَيْنِ؛ هُمَا:
أَلَّا يُعْبَدَ إِلَّا اللهُ، وَأَلَّا يُعْبَدَ اللهُ إِلَّا بِمَا شَرَعَ.
وَالْإِسْلَامُ: هُوَ الِاسْتِسْلَامُ للهِ وَحْدَهُ، بِشَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، وَإِقَامِ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ، وَحَجِّ الْبَيْتِ.
فَهُوَ الْخُضُوعُ للهِ تَعَالَى، وَالْعُبُودِيَّةُ لَهُ وَحْدَهُ، فَمَنِ اسْتَكْبَرَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَأَشْرَكَ مَعَهُ غَيْرَهُ فَغَيْرُ مُسْلِمٍ.
وَالتَّوْحِيدُ: هُوَ إِفْرَادُ اللهِ -تَعَالَى- بِمَا يَخْتَصُّ بِهِ مِنَ الرُّبُوبِيَّةِ، وَالْأُلُوهِيَّةِ، وَالْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ.
فَيَنْقَسِمُ التَّوْحِيدُ إِلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ:
تَوْحِيدُ الرُّبُوبِيَّةِ، وَتَوْحِيدُ الْأُلُوهِيَّةِ، وَتَوْحِيدُ الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ، وَقَدِ اجْتَمَعَتْ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {رَّبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ ۚ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا} [مريم: 65].
* تَوْحِيدُ الرُّبُوبِيَّةِ: هُوَ إِفْرَادُ اللهِ بِالْخَلْقِ، وَالْمُلْكِ، وَالتَّدْبِيرِ.
* تَوْحِيدُ الْأُلُوهِيَّةِ: وَهُوَ إِفْرَادُ اللهِ بِالْعِبَادَةِ وَحْدَهُ.
فَتَكُونَ عَبْدًا للهِ وَحْدَهُ، تُفْرِدُهُ بِالتَّذَلُّلِ؛ مَحَبَّةً وَتَعْظِيمًا، وَتَعْبُدُهُ بِمَا شَرَعَ.
فَيَصْرِفُ الْعَبْدُ جَمِيعَ أَنْوَاعِ الْعِبَادَةِ مِنْ: خَوْفٍ وَرَجَاءٍ، وَرَغْبَةٍ وَرَهْبَةٍ، وَإِنَابَةٍ وَخَشْيَةٍ، وَتَوَكُّلٍ وَخَوْفٍ، وَذَبْحٍ وَنَذْرٍ، وَدُعَاءٍ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَنْوَاعِ الْعِبَادَاتِ.. للهِ -تَعَالَى- وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ.
* تَوْحِيدُ الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ: وَهُوَ إِفْرَادُ اللهِ -سُبْحَانَهُ- بِمَا سَمَّى بِهِ وَوَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ فِي كِتَابِهِ أَوْ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ ﷺ، وَذَلِكَ بِإِثْبَاتِ مَا أَثْبَتَهُ وَنَفْيِ مَا نَفَاهُ، مِنْ غَيْرِ تَحْرِيفٍ وَلَا تَعْطِيلٍ، وَمِنْ غَيْرِ تَكْيِيفٍ وَلَا تَمْثِيلٍ.
قَالَ تَعَالَى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ۖ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: 11].
عَقِيدَتُنَا: الْإِيمَانُ بِاللهِ، وَمَلَائِكَتِهِ، وَكُتُبِهِ، وَرُسُلِهِ، وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ.. هَذَا مُجْمَلُ الْعَقِيدَةِ.
عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-؛ حَيْثُ جَاءَ جِبْرِيلُ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ، وَقَالَ: ((أَخْبِرْنِي عَنِ الْإِسْلَامِ))، فَأَخْبَرَهُ، ثُمَّ قَالَ: ((أَخْبِرْنِي عَنِ الْإِيمَانِ))، فَقَالَ: ((أَنْ تُؤْمِنَ بِاللهِ، وَمَلَائِكَتِهِ، وَكُتُبِهِ، وَرُسُلِهِ، وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ)).
عِبَادَ اللهِ! لَقَدْ وَقَعَ انْحِرَافٌ كَبِيرٌ عَنِ الْعَقِيدَةِ الصَّحِيحَةِ، وَشَابَ صَفْوَهَا كَثِيرٌ مِنَ الْكَدَرِ، فَعَلَى الْمُسْلِمِ أَنْ يَجْتَهِدَ فِي مَعْرِفَةِ الْعَقِيدَةِ الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا رَسُولُ اللهِ ﷺ، وَهِيَ عَقِيدَةُ أَصْحَابِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَرَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ-، وَاعْتِقَادُهُمْ هُوَ الْحَقُّ الَّذِي لَا يَقْبَلُ اللهُ -تَعَالَى- سِوَاهُ.
الْإِنْسَانُ يَنْبَغِي عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ حَرِيصًا عَلَى صَالِحِهِ، وَعَلَى مَا يَنْفَعُهُ فِي الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ.
وَأَهَمُّ ذَلِكَ وَأَوْلَاهُ وَأَوَّلُهُ: أَنْ يَحْرِصَ عَلَى نَجَاتِهِ مِنَ النَّارِ، أَنْ يَحْرِصَ عَلَى تَحْصِيلِ رِضَا رَبِّنَا -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- عَنْهُ.
أَنْ يَحْرِصَ عَلَى أَنْ يَكُونَ مُتَسَنِّنًا مُتَّبِعًا لِسُنَّةِ النَّبِيِّ ﷺ.
إِنَّ الْإِنْسَانَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَبْنِيَ بَيْتَهُ وَضَعَ أَسَاسَهُ، وَإِذَا لَمْ يَهْتَمَّ بِأَسَاسِ بَيْتِهِ وَلَا بِقَوَاعِدِ بِنَائِهِ؛ فَمَهْمَا شَيَّدَ وَجَمَّلَ، وَحَسَّنَ وَنَمَّقَ.. فَهُوَ عُرْضَةٌ لِلسُّقُوطِ، وَيَكُونُ خَطِرًا عَلَيْهِ وَعَلَى مَنْ دَخَلَ عَلَيْهِ، وَعَلَى مَنْ نَزَلَ ذَلِكَ الْمَبْنَى الَّذِي لَمْ يُشَيَّدْ عَلَى أَسَاسٍ.
كَذَلِكَ الدِّينُ؛ إِذَا لَمْ يَقُمْ عَلَى عَقِيدَةٍ صَحِيحَةٍ، وَأَسَاسٍ سَلِيمٍ، وَتَوْحِيدٍ للهِ -جَلَّ وَعَلَا-، وَتَنْزِيهٍ عَنِ الشِّرْكِ، وَإِبْعَادٍ لِلْمُشْرِكِينَ عَنْ مَوْطِنِ الْإِسْلَامِ؛ فَإِنَّ الْبُنْيَانَ يَكُونُ وَاهِيًا سَرْعَانَ مَا يَتَهَاوَى.
فَلَا تَجْتَمِعُ كَلِمَةُ الْأُمَّةِ، وَلَا يَصِحُّ بِنَاؤُهَا.. إِلَّا عَلَى كَلِمَةِ التَّوْحِيدِ، وَإِلَّا عَلَى عَقِيدَةِ التَّوْحِيدِ الصَّحِيحَةِ.
فَالتَّوْحِيدُ هُوَ الْأَسَاسُ، الْعَقِيدَةُ رَأْسُ الدِّينِ.
المصدر: سِمَاتُ وَسُلُوكُ الشَّخْصِيَّةِ الْوَطَنِيَّةِ فِي ضَوْءِ الشَّرْعِ الْحَنِيفِ