مِنْ سِمَاتِ الشَّخْصِيَّةِ الْوَطَنِيَّةِ: الْحِفَاظُ عَلَى سَفِينَةِ الْوَطَنِ


((مِنْ سِمَاتِ الشَّخْصِيَّةِ الْوَطَنِيَّةِ:

الْحِفَاظُ عَلَى سَفِينَةِ الْوَطَنِ))

قَالَ تَعَالَى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ۚ يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا ۚ وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [النور: 55].

وَقَدْ قَرَنَ اللهُ -تَعَالَى- الْأَمْنَ بِالْعِبَادَةِ وَذَلِكَ لِعَظِيمِ قِيمَتِهِ؛ فَقَالَ -جَلَّ وَعَلَا-: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَٰذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الْأَصْنَامَ} [إبراهيم: 35].

وَالِابْتِدَاءُ بِطَلَبِ نِعْمَةِ الْأَمْنِ فِي هَذَا الدُّعَاءِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مِنْ أَعْظَمِ النِّعَمِ وَالْخَيْرَاتِ, وَأَنَّهُ لَا يَتِمُّ شَيْءٌ مِنْ مَصَالِحِ الدِّينِ وَالدُّنْيَا إِلَّا بِهِ.

فَبَدَأَ إِبْرَاهِيمُ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- فِي هَذَا الدُّعَاءِ بِطَلَبِ الْأَمْنِ لِلْبَلَدِ الْحَرَامِ, وَسَأَلَ رَبَّهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- أَنْ يُجَنِّبَهُ وَبَنِيهِ عِبَادَةَ الْأَصْنَامِ: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَٰذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الْأَصْنَامَ}.

فَهَذَا أَمْرٌ كَبِيرٌ، وَتَضْيِيعُهُ يُؤَدِّي إِلَى خَطَرٍ عَظِيمٍ, وَالَّذِينَ يَبْغُونَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ لَا يَلْتَفِتُونَ إِلَى هَذِهِ الْمَعَانِي وَلَا يَعْرِفُونَ هَذِهِ الْأُصُولَ! وَإِنَّمَا يَنْطَلِقُونَ مِنْ حَمَاسَةٍ زَائِفَةٍ وَمِنْ مَكْرٍ مُبَيَّتٍ!!

وَهَؤُلَاءِ يَسْعَوْنَ مَا يَسْعَوْنَ مِنْ أَجْلِ الْإِفْسَادِ فِي الْأَرْضِ, وَهُمْ يَبْغُونَ عَلَى أَوْطَانِهِمْ, وَيَقْتُلُونَ مُوَاطِنِيهِمْ, وَيَعْتَدُونَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَيَبْغُونَ عَلَيْهِمْ.

وَلْنَعْلَمْ جَمِيعًا أَنَّ الْبَغْيَ عَاقِبَتُهُ وَخِيمَةٌ، وَأَنَّهُ أَسْرَعُ الذُّنُوبِ عُقُوبَةً؛ فَبَغْيُ الْبَاغِي سِهَامٌ يَرْمِيهَا مِنْ نَفْسِهِ إِلَى نَفْسِهِ, وَلَوْ رَأَى الْمَبْغِيُّ عَلَيْهِ ذَلِكَ لَسَرَّهُ بَغْيُ الْبَاغِي عَلَيْهِ, وَلَكِنْ لِضَعْفِ بَصِيرَتِهِ لَا يَرَى إِلَّا صُورَةَ الْبَغْيِ دُونَ آخِرِهِ وَمَآلِهِ, وَقَدْ قَالَ اللهُ -جَلَّ وَعَلَا-: {ذَلِكَ وَمَنْ عَاَقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنصُرَنَّهُ اللهُ} [الحج: ٦٠].

فَإِذَا كَانَ اللهُ -تَعَالَى- قَدْ ضَمِنَ لَهُ النَّصْرَ مَعَ أَنَّهُ قَدِ اسْتَوْفَى حَقَّهُ أَوَّلًا، فَكَيْفَ بِمَنْ لَمْ يَسْتَوْفِ شَيْئًا مِنْ حَقِّهِ؟ بَلْ بُغِيَ عَلَيْهِ وَهُوَ صَابِرٌ, يُفَوِّضُ أَمْرَهُ إِلَى اللهِ، وَيَرْفَعُ الشَّكَاةَ إِلَى اللهِ, وَيَسْتَنْزِلُ سَخَطَ اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- عَلَى الْبَاغِي عَلَيْهِ.

مَا مِنَ الذُّنُوبِ ذَنْبٌ أَسْرَعُ عُقُوبَةً مِنَ الْبَغْيِ وَقَطِيعَةِ الرَّحِمِ، قَالَ ﷺ: ((مَا مِنْ ذَنْبٍ أَجْدَرُ أَنْ يُعَجِّلَ اللهُ لِصَاحِبِهِ الْعُقُوبَةَ مَعَ مَا يَدَّخِرُ لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْبَغْيِ وَقَطِيعَةِ الرَّحِمِ)). أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ, وَالتِّرْمِذِيُّ, وَابْنُ مَاجَهْ, عَنْ أَبِي بَكْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-, وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ.

وَقَدْ سَبَقَتْ سُنَّةُ اللهِ تَعَالَى: أَنَّهُ لَوْ بَغَى جَبَلٌ عَلَى جَبَلٍ لَجَعَلَ الْبَاغِيَ مِنْهُمَا دَكًّا؛ فَبَغْيُ الْبَاغِي سِهَامٌ يَرْمِيهَا مِنْ نَفْسِهِ إِلَى نَفْسِهِ.

فَإِذَا كَانَ الدِّفَاعُ عَنِ الْأَوْطَانِ مَشْرُوعًا، وَمَشْرُوعِيَّتُهُ بِحَسَبِ نِيَّةِ الْمُدَافِعِ عَنْ وَطَنِهِ, وَإِذَا كَانَ حُبُّ الْوَطَنِ الْإِسْلَامِيِّ مِنَ الْإِيمَانِ؛ فَمَا أَعْظَمَ جَرِيمَةَ مَنْ يَسْعَى لِيَخْرِقَ السَّفِينَةَ لِيُغْرِقَ أَهْلَهَا!!

وَمَا أَشَدَّ جُرْمَ مَنْ يَسْعَى لِإِحْدَاثِ الْفَوْضَى وَإِطْلَاقِ الْغَرَائِزِ مِنْ قُيُودِهَا!! وَمَا أَكْبَرَ إِثْمَ مَنْ سَعْيُهُ لِإِضَاعَةِ مَكَاسِبِ الْإِسْلَامِ فِي بَلَدٍ يَنْعَمُ بِنِعْمَةِ اللهِ عَلَيْهِ بِهَذَا الدِّينِ مُنْذُ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةَ عَشَرَ قَرْنًا مِنَ الزَّمَانِ!!

 

المصدر: سِمَاتُ وَسُلُوكُ الشَّخْصِيَّةِ الْوَطَنِيَّةِ فِي ضَوْءِ الشَّرْعِ الْحَنِيفِ

التعليقات


فوائد مفرغة قد تعجبك


  تَحْقِيقُ الْإِيجَابِيَّةِ بِالتَّعَاوُنِ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى
  مُؤَامَرَةُ الْيَهُودِ الْمَكْشُوفَةُ وَغَفْلَةُ الْمُسْلِمِينَ!!
  أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ إِدْخَالُ السُّرُورِ عَلَى الْمُؤْمِنِ
  الْإِسْلَامُ دِينُ الْوَحْدَةِ وَعَدَمُ الْفُرْقَةِ
  الْخُلُقُ الْكَــرِيمُ لِلنَّبِيِّ ﷺ وَشَفَقَتُهُ بِالنِّسَاءِ وَالْعَبِيدِ وَالْمَرْضَى
  مِنْ مَعَالِمِ الْبِرِّ بِالْأَوْطَانِ: الْعَمَلُ عَلَى رِفْعَتِهَا وَإِعْمَارِهَا وَتَقَدُّمِهَا
  شَهْرُ الْحَصَادِ وَسُنَّةُ الصَّوْمِ فِيهِ
  التَّثَبُّتُ فِي الْأَخْبَارِ وَخُطُورَةُ إِذَاعَةِ الْكَذِبِ
  بِنَاءُ الْوَطَنِ الْقَوِيِّ عَلَى الْإِيمَانِ وَالْأَمَلِ
  الظُّلْمُ مِنْ كَبَائِرِ الذُّنُوبِ
  دِينُ الْإِسْلَامِ دِينُ الرَّحْمَةِ وَالسَّلَامِ
  مَعَالِمُ الْعَمَلِ الْجَمَاعِيِّ فِي الْعِبَادَاتِ
  أَعْظَمُ نِعْمَةٍ أَنْعَمَ اللهُ بِهَا عَلَى الثَّقَليْنِ نِعْمَةُ الرَسُولِ ﷺ
  فَضْلُ الْعَشْرِ الْأُوَلِ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ فِي السُّنَّةِ
  تَدَبُّرُ الْقُرْآنِ فِي رَمَضَانَ وَثَمَرَاتُهُ
  • شارك