فَضَائِلُ صِلَةِ الرَّحِمِ


فَضَائِلُ صِلَةِ الرَّحِمِ

لِصِلَةِ الرَّحِمِ فَضَائِلُ كَثِيرَةٌ بَيَّنَهَا الرَّسُولُ ؛ وَمِنْهَا:

*أَنَّ صِلَةُ الرَّحِمِ تَزِيدُ فِي الْعُمْرِ، وَأَنَّهَا سَبَبٌ فِي زِيَادَةِ الرِّزْقِ:

 ( فَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ قَالَ: «مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ، وَأَنْ يُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ، فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ».وَالْحَدِيثُ فِي «الصَّحِيحَيْنِ».

وَمَعْنَى: «أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ»؛ أَيْ: أَنْ يُوَسَّعُ لَهُ فِي رِزْقِهِ، «وَيُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ»؛ أَيْ: يُؤَخَّرُ لَهُ فِي أَجَلِهِ وَعُمُرِهِ؛ يَعْنِي بِهِ: الزِّيَادَةَ فِي الْعُمُرَ.

1وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ يَقُولُ: «مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ، وَأَنْ يُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ، فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ». وَالْحَديثُ فِي «الصَّحِيحَيْنِ».

فَدَلَّ هَذَا عَلَى أنَّ صِلَةَ الرَّحِمِ تَزِيدُ فِي الْعُمُرِ، نَسْأَلُ اللهَ ﻷ أَنْ يَجْعَلَنَا مِنَ الْوَاصِلِينَ، وَلَا يَجْعَلَنَا مِنَ الْقَاطِعِينَ، وَأَنْ يَجْعَلَنَا مِنَ الْبَرَرَةِ الْبَارِّينَ.

«يُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ»: الْأَثَرُ: بَقِيَّةُ الْعُمُرِ، وَسُمِّيَ أَثَرًا؛ لِأَنَّهُ يَتْبَعُ الْعُمُرَ، وَأَصْلُهُ مِنْ أَثَرِ مَشْيِهِ فِي الْأَرْضِ، فَإِنْ مَاتَ فَإِنَّهُ لَا يَبْقَى لَهُ حَرَكَةٌ فَلَا يَبْقَى لِقَدَمِهِ فِي الْأَرْضِ مِنْ أَثَرٍ.

الْإِنْسَانُ رُبَّمَا اسْتَشْكَلَ فَقَالَ:

كَيْفَ يُدْعَى بِطُولِ الْعُمُرِ وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ الْعُمُرَ ثَابِتٌ لَا يَزِيدُ وَلَا يَنْقُصُ؟

جَعَلَ اللهُ -جَلَّ وَعَلَا- أَجَلًا، وَهُوَ الْمَكْتُوبُ فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ، وَهُوَ مَا يَصِيرُ إِلَيْهِ الْعَبْدُ، وَجَعَلَ اللهُ ﻷ أَجَلًا، وَهَذَا الْأَجَلُ إِنَّمَا يَكُونُ مُرْتَبِطًا بِأَسْبَابٍ يَأْخُذُ بِهَا الْعَبْدُ، فَإِذَا وَصَلَ رَحِمَهُ فَإِنَّهُ يَصِيرُ إِلَى أَبْعَدِ الْأَجَلَيْنِ، وَهُوَ مَا يَعْلَمُهُ رَبُّنَا ﻷ، فَكَتَبَهُ فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ، فَهُوَ صَائِرٌ إِلَى مَا كُتِبَ فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ عَلَى مُقْتَضَى الْعِلْمِ عِنْدَ رَبِّنَا -جَلَّ وَعَلَا- وَكِتَابَةِ الْمَقَادِيرِ.

وَلَكِنَّ اللهَ ﻷ جَعَلَ لِذَلِكَ أَسْبَابًا كَمَا أَنَّ الْإِنْسَانَ يَكُونُ شَقِيًّا وَيَكُونُ سَعِيدًا، وَذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ -وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا- مِنْ غَيْرِ مَا جَبَرَ عَلَى أَنْ يَكُونَ آخِذًا بِأَسْبَابِ السَّعَادَةِ وَلَا آخِذًا بِأْسَبَابِ الشَّقَاوَةِ، بَلْ يُيَسِّرُهُ اللهُ ﻷ لِهَذَا وَهَذَا، وَإِذَا أَخَذَ فِي أَحَدِهِمَا وَمَضَى فِيهِ فَإِنَّهُ يَصِيرُ إِلَى نَتِيجَتهِ.

فَصِلَةُ الْأَرْحَامِ سَبَبٌ لِبَسْطِ الرِّزْقِ وَسَعَتِهِ وَالْبَرَكَةِ فِيهِ، كَمَا أَنَّ الْإِيمَانَ يَزِيدُ وَيَنْقُصُ، وَزِيَادَتُهُ بِالطَّاعَةِ وَنُقْصَانُهُ بِالْمَعْصِيَةِ، وَذَلِكَ لَا يُنَافِي مَا كُتِبَ فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ، فَكَذَلِكَ الْعُمُرُ بِالنَّظَرِ إِلَى الْأَسْبَابِ فَهَذَا لَا يُنَافِي مَا كُتِبَ فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ أَيْضًا؛ وَلِهَذَا جَاءَ فِي الْأَحَادِيثِ الْمَرْفُوعَةِ وَالْآثَارِ الْمَوقُوفَةِ أَنَّ الدُّعَاءَ يُطِيلُ الْعُمُرَ

* فِي «الْمُسْنَدِ» وَغَيْرِهِ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: «إِنَّهُ مَنْ أُعْطِيَ حَظَّهُ مِنَ الرِّفْقِ فَقَدْ أُعْطِيَ حَظَّهُ مِنْ خَيْرِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَصِلَةُ الرَّحِمِ وَحُسْنُ الْخُلُقِ وَحُسْنُ الْجِوَارِ يَعْمُرَانِ الدِّيَارَ، وَيَزِيدَانِ فِي الْأَعْمَارِ». الْحَدِيثُ صَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ كَمَا فِي «السِّلْسِلَةِ الصَّحِيحَةِ» وَكُلُّ ذَلِكَ -أَيْ: مَا يَصِيرُ إِلَيْهِ الْعَبْدُ فِي الْمُنْتَهَى- مَكْتُوبٌ فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ، لَا يَتَعَدَّاهُ أَحَدٌ بِحَالٍ.

*اللهُ لَا يُخْزِي وَاصِلَ الرَّحِمِ، وَلَا يُصِيبُهُ بِشَرٍّ:

عَنْ خَدِيجَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- عِنْدَمَا رَجَعَ النَّبِيُّ ﷺ وَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ، وَرَجَعَ يَقُولُ:  ((زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي))، قَالَ: ((إِنِّي أَخْشَى أَنْ يَكُونَ قد أَصَابَنِي شيءٌ)).

قَالَتْ: ((لَا وَاللهِ، لَا يُصِيبُكَ شَرٌّ أَبَدًا، إِنَّكَ لَتَقْرِي الضَّيْفَ، وَتَحْمِلُ الْكَلَّ، وَتَكْسِبُ الْمَعْدُومَ، وَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَاللهِ لَا يُخْزِيكَ اللهُ أَبَدًا)).

فَصَنَائِعُ الْمَعْرُوفِ تَقِي مَصَارِِعَ السُّوءِ، وَالْإِنْسَانُ إِذَا كَانَ مُحْسِنًا قَوْلًا وَفِعْلًا وَاعْتِقَادًا؛ حَفِظَهُ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ عِنْدَ نُزُولِ الْمُلِمَّاتِ،  فَصَنَائِعُ الْمَعْرُوفِ تَقِي مَصَارِِعَ السُّوءِ، قَالَتْ: ((لَا وَاللهِ، لَا يُخْزِيكَ اللهُ أَبَدًا))، ثُمَّ ذَكَرَتِ الْعِلَّةَ: ((إِنَّكَ لَتَحْمِلُ الْكَلَّ، وَتَكْسِبُ الْمَعْدُومَ، وَتَصِلُ الرَّحِمَ، وتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الدَّهْرِ))، إِذَنْ؛ مَا دُمْتَ كَذَلِكَ؛ فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُ بِحَالٍ أَبَدًا أَنْ يُصِيبَكَ شَيْءٌ، أَوْ أَنْ يُخْزِيَكَ اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ-، أَوْ أَنْ يَتَخَلَّى عَنْكَ ﷺ.

*وَصِلَةُ الرَّحِمِ سَبَبٌ فِي حُبِّ الْأَهْلِ:

فَعَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: «مَنِ اتَّقَى رَبَّهُ، وَوَصَلَ رَحِمَهُ، نُسِئَ فِي أَجَلِهِ، وَثَرَى مَالُهُ، وَأَحَبَّهُ أَهْلُهُ». وَالْحَدِيثُ حَدِيثٌ حَسَنٌ.

يَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْبَاعِثُ عَلَى الصِّلَةِ تَقْوَى اللهِ -جَلَّ وَعَلَا- لَا مُجَامَلَةَ النَّاسِ، بَلْ تَقْوَى اللهِ؛ لِأَنَّهُ أَمَرَ بِصِلَةِ الْأَرْحَامِ، وَنَهَى عَنِ الْقَطِيعَةِ، فَمَنِ اتَّقَى اللهَ وَصَلَ أَهْلَهُ، أَيْ: قَرَابَتَهُ مِنْ قِبَلِ أَبِيهِ وَمِنْ قِبَلِ أُمِّهِ؛ فَفَازَ بِهَذِهِ الْفَضَائِلَ الْعَظِيمَةَ، وَمِنْهَا الْبَسْطُ فِي الرِّزْقِ، فَيَكُونُ مَسْتُورَ الْحَالِ مَكْفِيًّا، لَا يَحْتَاجُ إِلَى أَحَدٍ.

وَبَارَكَ اللهُ لَهُ فِي عُمُرِهِ، وَفِي الْعَمَلِ الَّذِي يَعْمَلُهُ، وَهُوَ عَلَى قَيْدِ الْحَيَاةِ، مِنْ أَدَاءِ الْفَرَائِضِ وَالْوَاجِبَاتِ وَالْمُسْتَحَبَّاتِ وَتَرْكِ الْمُحَرَّمَاتِ، وَكَذَلِكَ أَحَبَّهُ أَهْلُهُ؛ لِأَنَّهُ مِنَ الْوَاصِلِينَ بِالْكَلِمَةِ الطَّيِّبَةِ، وَالْوَاصِلِينَ بِالْأَقْدَامِ وَالْمُحَادَثَةِ وَالِاسْتِفْسَارِ عَنِ الْأَحْوَالِ، وَمُشَارَكَتِهِمْ فَرَحَهُمْ وَحُزْنَهُمْ، فَيَكُونُ مَحْبُوبًا فِي أَهْلِهِ؛ لِأَنَّهُ مَا نَسِيَهُمْ، وَلَا أَعْرَضَ عَنْهُمْ، وَلَا تَرَكَهُمْ، وَإِنَّمَا وَصَلَ احْتِسَابًا لِلَّهِ -جَلَّ وَعَلَا-، وَرَجَاءً لِهَذَا الثَّوَابِ الْعَظِيمِ، وَخَوْفًا مِنَ الْقَطِيعَةِ الَّتِي تَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا عُقُوبَاتٌ عَاجِلَةٌ وَعُقُوبَاتٌ آجِلَةٌ، وَكَفَى بِهَذِهِ النُّصُوصِ تَرْغِيبًا فِي الصِّلَةِ وَتَرْهِيبًا مِنَ الْقَطِيعَةِ.

عِبَادَ اللهِ! تُوبُوا إِلَى اللهِ، وَصِلُوا الْأَرْحَامَ الْمُمَزَّقَةَ، وَارْفَعُوا الْخُصُومَاتِ، وَعُودُوا إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ، وَاعْلَمُوا أَنَّ الْعَبْدَ كُلَّ الْعَبْدِ الَّذِي يَذِلُّ لِكِتَابِ رَبِّهِ وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ ﷺ، فَيَقُولُ لِأَمْرِ رَبِّهِ وَأَمْرِ نَبِيِّهِ ﷺ: سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا، وَأَمَّا الَّذِي يَرُدُّ أَمْرَ اللهِ وَيَرُدُّ أَمْرَ نَبِيِّهِ ﷺ فَلَيْسَ مِنَ الْإِيمَانِ فِي شَيْءٍ، ((لَيْسَ وَرَاءَ ذَلِكَ مِنَ الْإِيمَانِ حَبَّةُ خَرْدَلٍ)).

نَسْأَلُ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ أَنْ يَهْدِينَا إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ.

وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّم عَلَى نَبيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ أَجْمعِين.

 

 

المصدر :صِلَةُ الرَّحِمِ وَأَثَرُهَا عَلَى الْفَرْدِ وَالْمُجْتَمَعِ

التعليقات


فوائد مفرغة قد تعجبك


  نِظَامٌ مُحْكَمٌ لِلْمُعَامَلَاتِ الِاقْتِصَادِيَّةِ فِي الْإِسْلَامِ
  الدرس السادس والعشرون : «عِيشُوا الوَحْيَ المَعْصُومَ»
  حُرْمَةُ قَتْلِ الْمُسْتَأْمَنِينَ فِي دِينِ الْإِسْلَامِ الْعَظِيمِ
  مِنْ سِمَاتِ الشَّخْصِيَّةِ الْوَطَنِيَّةِ: الْحِفَاظُ عَلَى سَفِينَةِ الْوَطَنِ
  مُحَاسَبَةُ النَّفْسِ
  مِنْ صُوَرِ الْعَمَلِ التَّطَوُّعِيِّ النَّبِيلِ: زِيَارَةُ الْمَرْضَى، وَمُوَاسَاتُهُمْ
  دَعْوَةُ الْمُسْلِمِينَ لِلتَّوْحِيدِ وَتَقْدِيمُ مَصْلَحَتِهِمْ عَلَى الْمَصْلَحَةِ الْخَاصَّةِ
  رَدُّ الِاعْتِدَاءِ عَلَى السُّنَّةِ النَّبَوِيَّةِ
  نِدَاءٌ إِلَى طُلَّابِ الْعِلْمِ
  مِنْ أَعْظَمِ سُبُلِ مُوَاجَهَةِ إِدْمَانِ الْمُخَدِّرَاتِ: تَرْبِيَةُ الْأَبْنَاءِ عَلَى الْمُحَافَظَةِ عَلَى الصَّلَاةِ
  مِنْ سُبُلِ الْحِفَاظِ عَلَى الْمِيثَاقِ الْغَلِيظِ: مَعْرِفَةُ حُقُوقِ الزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ وَمُرَاعَاتُهَا
  مُرَاعَاةُ الصَّحَابَةِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ- لِلْمَصْلَحَةِ الْعُلْيَا لِلْأُمَّةِ
  مَظَاهِرُ النِّظَامِ فِي عِبَادَةِ الْحَجِّ
  الدرس الرابع عشر : «المُسَارَعَةُ فِي الخَيْرَاتِ»
  إِيمَانُ الْأُمَّةِ وَوَحْدَتُهَا سَبِيلُ عِزَّتِهَا وَحِمَايَةِ مُقَدَّسَاتِهَا
  • شارك