الْإِخْلَاصُ هُوَ قُطْبُ رَحَى الْعِبَادَةِ


الْإِخْلَاصُ هُوَ قُطْبُ رَحَى الْعِبَادَةِ

وَالشَّأْنُ فِي الْعِبَادَةِ لَيْسَ فِي كَثْرَتِهَا، وَإِنَّمَا فِي تَصْفِيَتِهَا مِنَ الشَّوَائِبِ الَّتِي تُحْبِطُهَا؛ فَإِنَّ الْعَمَلَ إِذَا مَا شَابَهُ مَا يْحْبِطُهُ كَانَ مَرْدُودًا عَلَى عَامِلِهِ.

 فَإِيَّاكَ أَنْ تَغْتَرَّ بِعَمَلٍ تَعْمَلُهُ مِمَّا وَفَّقَكَ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- إِلَيْهِ؛ فَإِنَّ اللهَ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- يَنْظُرُ إِلَى نِيَّتِكَ فِي عَمَلِكَ وَإِلَى دَافِعِكَ إِلَيْهِ.

 وَاللهُ جَلَّتْ قُدْرَتُهُ- إِنَّمَا يُحَاسِبُ الْخَلْقَ عَلَى قَدْرِ نِيَّاتِهِمْ.

فَإِيَّاكَ أَنْ تُعَيِّرَ عَاصِيًا بِمَعْصِيَتِهِ أَوْ مُذْنِبًا بِذَنْبِهِ؛ فَإِنَّ اللهَ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُعْجَبًا بِعَمَلِهِ.

 وَذَنْبٌ تَذِلُّ بِهِ لَدَيْهِ أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْ طَاعَةٍ تُدِلُّ بِهَا عَلَيْهِ، وَأَنِينُ المُسْتَغْفِرِينَ أَحَبُّ إِلَى اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- مِنْ زَجَلِ المُسَبِّحِينَ المُدِلِّينَ.

 وَالمُعْجَبُ لَا يَصْعَدُ لَهُ عَمَلٌ وَلَا يُقْبَلُ، وَمَا مِنْ بَابٍ هُوَ أَوْسَعُ فِي الْقُدُومِ عَلَى اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- مِنْ بَابِ الانْكِسَارِ.

 وَإِنَّ أَخَاكَ إِذَا مَا اِرْتَكَبَ الذَّنْبَ، فَلَعَلَّ تَعْيِيرَكَ إِيَّاهُ بِهِ يَكُونُ أَكْبَرَ جُرْمًا، وَأَعْظَمَ إِثْمًا مِنْ ذَنْبِهِ؛ لِأَنَّ هَذَا الذَّنْبَ رُبَّمَا أَوْرَثَهُ كَسْرَةً بَيْنَ يَدَيِ الرَّبِّ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-، فَاِسْتَخْلَصَ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- بِهَذَا الذَّنْبِ مِنْ قَلْبِهِ مَا فِيهِ مِنْ شَوَائِبِ كِبْرِهِ وَعُجْبِهِ، وَيَبُوءُ مَنْ عَيَّرَهُ بِذَلِكَ الذَّنْبِ.

وَالنَّبِيُّ ﷺ قَالَ: ((إِذَا زَنَتْ أَمَةُ أَحَدِكْمْ فَلْيَجْلِدْهَا الْحَدَّ، وَلَا يُثَرِّبْ))؛ أَيْ وَلَا يُعَيِّرْ.

 وَالتَّثْرِيبُ: التَّعْيِيرُ؛ قَالَ يُوسُفُ الصِّدِّيقُ: {لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ} [يوسف: 92].

 وَقَدْ خَاطَبَ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- أَعْلَمَ خَلْقِهِ بِهِ، وَأَقْرَبَهُمْ إِلَيْهِ وَسِيلَةً، وَهُوَ نَبِيُّنَا مُحَمَّدٌ ﷺ، خَاطَبَهُ بِقَوْلِهِ: {وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا} [الإِسْرَاء: 74].

فَالتَّثْبِيتُ مِنَ اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- وَحْدَهُ، وَالْإِخْلَاصُ إِنَّمَا هُوَ مِنَّةٌ وَمِنْحَةٌ مِنْهُ يُؤْتِيهَا اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- مَنْ شَاءَ مِنْ عِبَادِهِ؛ إِذْ هُوَ سِرٌّ يَجْعَلُهُ اللهُ رَبُّ الْعَالمينَ فِي قُلُوبِ مَنْ أَحَبَّهُ مِنْ أَوْلِيَائِهِ.

 وَيُوسُفُ الصِّدِّيقُ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- قَالَ دِاعِيًا رَبَّهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-: {وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ} [يُوسُف: 33].

 فَالْأَمْرُ أَمْرُكَ، وَالحُكْمُ حُكْمُكَ.

فَلَا يَنْبَغِي مُطْلَقًا أَنْ يَنْظُرَ الْإِنْسَانُ إِلَى عَاصٍ، فَيُعَيَّرُ ذَلِكَ الْعَاصِي بِمَعْصِيَتِهِ، وَلَا إِلَى مُذْنِبٍ، فَيُثَرَّبُ عَلَيْهِ بِذَنْبِهِ؛ فَإِنَّ السَّوْطَ الَّذِي ضُرِبَ بِهِ ذَلِكَ الْعَاصِي بِيَدِ مُقَلِّبِ الْقُلُوبِ؛ فَلَا تَأْمَنْ أَنْ يُدَارَ ذَلِكَ السَّوْطُ عَلَيْكَ.

 فَعَلَى الْإِنْسَانِ أَنْ يَخْشَعَ لِرَبِّهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-.

 وَقَدْ كَانَ عَامَّةَ دُعَاءِ رَسُولِ اللهِ ﷺ: ((يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ))، وَهُوَ رَسُولُ اللهِ ﷺ وَخَلِيلُهُ.

وَكَانَ عَامَّةَ قَسَمِ النَّبِيِّ ﷺ: ((لَا وَمُقَلِّبِ الْقُلُوبِ)).

وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: ((إِنَّهُ مَا مِنْ قَلْبٍ إِلَّا وَهُوَ بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الرَّحْمَنِ -جَلَّ وَعَلَا-، إِذَا شَاءَ أَنْ يُقِيمَهُ أَقَامَهُ، وَإِذَا شَاءَ أَنْ يُزِيغَهُ أَزَاغَهُ)).

 {فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللهُ قُلُوبَهُمْ} [الصف: 5]. 

المصدر: وماذا بعد رمضان؟

التعليقات


فوائد مفرغة قد تعجبك


  الْمَوْعِظَةُ التَّاسِعَةُ وَالْعِشْرُونَ : ((رَمَضَانُ وَمُحَاسَبَةُ النَّفْسِ))
  نَهْيُ النَّبِيِّ ﷺ عَنِ الْعُنْفِ مَعَ الْمُسْلِمِينَ وَأَذِيَّتِهِمْ
  ذِكْرُ اللهِ حَيَاة
  الزَّوَاجُ مِنْ أَعْظَمِ نِعَمِ اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-
  الْقُرْآنُ الْعَظِيمُ شِفَاءٌ وَحِفْظٌ بِقَدَرِ اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-
  مِنْ مَعَالِمِ الْبِرِّ بِالْأَوْطَانِ: الِاتِّحَادُ وَعَدَمُ شَقِّ الصَّفِّ
  اللهُ لَا يُخْزِي الشَّهْمَ ذَا الْمُرُوءَةِ
  التَّرْهِيبُ مِنَ الْعُقُوقِ
  اصْدُقُوا! فَالْكَلِمَةُ أَمَانَةٌ
  دِينُ اللهِ مُحَارَبٌ، وَلَكِنَّهُ دِينٌ مَنْصُورٌ عَزِيزٌ
  وَسَائِلُ صِلَةِ الرَّحِمِ
  الْمَوْعِظَةُ الرَّابِعَةُ وَالْعِشْرُونَ : ((التَّوْحِيدُ أَوَّلُ وَاجِبٍ عَلَى الْعَبِيدِ))
  مِصْرُ أُمَّةٌ لَهَا تَارِيخٌ فِي الدِّفَاعِ عَنِ الْإِسْلَامِ
  مِنْ سِمَاتِ الشَّخْصِيَّةِ الْوَطَنِيَّةِ: الْأَمَانَةُ، وَالِاجْتِهَادُ فِي الْعَمَلِ
  أَهَمِّيَّةُ التَّخْطِيطِ وَدَلَائِلُهُ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ
  • شارك