((نَوْعَا مُحَاسَبَةِ النَّفْسِ))
((مُحَاسَبَةُ النَّفْسِ نَوْعَانِ: نَوْعٌ قَبْلَ الْعَمَلِ، وَنَوْعٌ بَعْدَهُ.
فَأَمَّا النَّوْعُ الْأَوَّلُ: فَهُوَ أَنْ يَقِفَ عِنْدَ أَوَّلِ هَمِّهِ وَإِرَادَتِهِ، وَلَا يُبَادِرَ بِالْعَمَلِ، حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُ رُجْحَانُهُ عَلَى تَرْكِهِ.
قَالَ الْحَسَنُ -رَحِمَهُ اللهُ-: ((رَحِمَ اللهُ عَبْدًا وَقَفَ عِنْدَ هَمِّهِ، فَإِنْ كَانَ للهِ؛ مَضَى، وَإِنْ كَانَ لِغَيْرِهِ؛ تَأَخَّرَ)).
النَّوْعُ الثَّانِي: مُحَاسَبَةُ النَّفْسِ بَعْدَ الْعَمَلِ:
وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ:
أَحَدُهَا: مُحَاسَبَتُهَا عَلَى طَاعَةٍ قَصَّرَتْ فِيهَا مِنْ حَقِّ اللهِ -تَعَالَى-، فَلَمْ تُوقِعْهَا عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يَنْبَغِي.
وَحَقُّ اللهِ -تَعَالَى فِي الطَّاعَةِ سِتَّةُ أُمُورٍ:
وَهِيَ الْإِخْلَاصُ فِي الْعَمَلِ، وَالنَّصِيحَةُ للهِ فِيهِ، وَمُتَابَعَةُ الرَّسُولِ ﷺ فِيهِ، وَحُصُولِ الْمُرَاقَبَةِ فِيهِ، وَشُهُودُ مِنَّةِ اللهِ عَلَيْهِ، وَشُهُودُ تَقْصِيرِهِ فِيهِ بَعْدَ ذَلِكَ كُلِّهِ، فَيُحَاسِبُ نَفْسَهُ، هَلْ وَفَّى هَذِهِ الْمَقَامَاتِ حَقَّهَا؟ وَهَلْ أَتَى بِهَا فِي هَذِهِ الطَّاعَةِ؟
الثَّانِي: أَنْ يُحَاسِبَ نَفْسَهُ عَلَى كُلِّ عَمَلٍ كَانَ تَرْكُهُ خَيْرًا لَهُ مِنْ فِعْلِهِ.
الثَّالِثُ: أَنْ يُحَاسِبَ نَفْسَهُ عَلَى أَمْرٍ مُبَاحٍ، أَوْ مُعْتَادٍ، لِمَ فَعَلَهُ؟ وَهَلْ أَرَادَ بِهِ اللهَ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ، فَيَكُونَ رَابِحًا، أَوْ أَرَادَ بِهِ الدُّنْيَا وَعَاجِلَهَا، فَيَخْسَرَ ذَلِكَ الرِّبْحَ، وَيَفُوتَهُ الظَّفَرُ بِهِ؟)).
وَقَدْ دَلَّ عَلَى الْمُحَاسَبَةِ: قَوْلُهُ -تَعَالَى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ} [الحشر: 18].
فَأَمَرَ -سُبْحَانَهُ- الْعَبْدَ أَنْ يَنْظُرَ مَا قَدَّمَ لِغَدٍ، وَذَلِكَ يَتَضَمَّنُ مُحَاسَبَةَ نَفْسِهِ عَلَى ذَلِكَ، وَالنَّظَرَ هَلْ يَصْلُحُ مَا قَدَّمَهُ أَنْ يَلْقَى اللَّهَ بِهِ أَوْ لَا يَصْلُحُ؟
وَالْمَقْصُودُ مِنْ هَذَا النَّظَرِ مَا يُوجِبُهُ وَيَقْتَضِيهِ، مِنْ كَمَالِ الِاسْتِعْدَادِ لِيَوْمِ الْمَعَادِ، وَتَقْدِيمِ مَا يُنْجِيهِ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ وَيُبَيِّضُ وَجْهَهُ عِنْدَ اللَّهِ.
قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: ((حَاسِبُوا أَنْفُسَكُمْ قَبْلَ أَنْ تُحَاسَبُوا، وَزِنُوا أَنْفُسَكُمْ قَبْلَ أَنْ تُوزَنُوا، وَتُزَيَّنُوا لِلْعَرْضِ الْأَكْبَرِ {يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ} أَوْ قَالَ: عَلَى مَنْ لَا تَخْفَى عَلَيْهِ أَعْمَالُكُمْ)) .
المصدر:حَاجَتُنَا إِلَى الدِّينِ الرَّشِيدِ وَمُحَاسَبَةُ النَّفْسِ