((الرَّعِيلُ الْأَوَّلُ سَادَةُ الدُّنْيَا بِالْإِسْلَامِ))
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ! لَقَدْ أَدْرَكَ الرَّعِيلُ الْأَوَّلُ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ فَضْلَ الْإِسْلَامِ, وَمَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ مِنْ مَبَادِئَ وَنُظُمٍ كَفِيلَةٍ بِتَوْفِيرِ السَّعَادَةِ التَّامَّةِ وَالسِّيَادَةِ الْعَامَّةِ, فَاعْتَنَقُوهُ وَآمَنُوا بِهِ, وَبَذَلُوا أَنْفَسَ مَا يَمْلِكُونَ فِي سَبِيلِ نَشْرِهِ وَتَوْطِيدِهِ.
عِنْدَ ذَلِكَ مَكَّنَهُمُ اللهُ -تَعَالَى- فِي الْأَرْضِ, وَأَخْضَعَ لَهُمْ مُلُوكَهَا وَجَبَابِرَتَهَا, وَجَعَلَ لَهُمُ الْعِزَّةَ وَالدَّوْلَةَ وَالْهَيْمَنَةَ, ثُمَّ لَمْ يَزَلِ الْمُسْلِمُونَ يَضْعُفُونَ فِي جَانِبِ الْإِسْلَامِ عَقِيدَةً وَعَمَلًا, وَيَتَقَاعَسُونَ عَنْ نُصْرَتِهِ شَيْئًا فَشَيْئًا إِلَى يَوْمِنَا هَذَا الَّذِي لَا مَثِيلَ لَهُ؛ فِي انْصِرَافِ كَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ عَنْ دِينِهِمْ, وَتَكَالُبِهِمْ عَلَى دُنْيَاهُمْ, وَتَوَدُّدِهِمْ لِأَعْدَائِهِمْ, حَتَّى صَدَقَ عَلَى زَمَنِهِمْ قَوْلُ قَائِلِهِمْ:
وَالشَّرُّ قَدْ نَتَأَتْ رُؤُوسُ صِلَالِهِ=وَالْخَيْرُ تَنْهَشُهُ الرِّمَاحُ الشُّرَّعُ
وَالدِّينُ مُنْصَدِعُ الْجَوَانِبِ ضَارِعٌ=وَالْحَقُّ مُضْطَهَدُ النَّصِيرِ مُضَيَّعُ
وَهُرَاءُ كُلِّ مُدَجِّلٍ وَمُخَرِّفٍ=يُنْكِي الْقُلُوبَ وَلِلرُّؤُوسِ يُصَدِّعُ
وَمَنَابِرُ التَّضْلِيلِ يَفْتَرِعُونَهَا=جَهْرًا فَتَهْتَزُّ الْجِهَاتُ الْأَرْبَعُ
وَقَدْ جَاءَ عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَنَّهُ قَالَ: ((إِنَّمَا تُنْقَضُ عُرَى الْإِسْلَامِ عُرْوَةً عُرْوَةً؛ إِذَا نَشَأَ فِي الْإِسْلَامِ مَنْ لَا يَعْرِفُ الْجَاهِلِيَّةَ)) .
وَهَذَا الْأَثَرُ يَدْعُو الْمُسْلِمَ إِلَى الِاطِّلَاعِ عَلَى أَحْوَالِ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ الْجَهْلَاءِ قَبْلَ الْإِسْلَامِ, وَمَا كَانُوا عَلَيْهِ مِنْ مُسْتَوًى مُنْحَطٍ فِي جَمِيعِ الْمَجَالَاتِ دِينِيَّةً وَدُنْيَوِيَّةً, وَيَدْعُوهُ -أَيْضًا- إِلَى النَّظَرِ فِي مَحَاسِنِ دِينِ الْإِسْلَامِ الْحَنِيفِ, وَمَا امْتَازَ بِهِ مِنْ سُهُولَةٍ وَيُسْرٍ, وَمَا يَدْعُو إِلَيْهِ مِنْ مَحَاسِنِ الْأَخْلَاقِ, وَمَا يَنْهَى عَنْهُ مِنْ سَفْسَافِهَا, وَمَا يُرَبِّي عَلَيْهِ أَبْنَاءَهُ مِنْ صِدْقِ الْمُعَامَلَةِ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ رَبِّهِمْ, وَبَيْنَهُمْ وَبَيْنَ أَهْلِيهِمْ وَأَقَارِبِهِمْ وَذَوِيهِمْ وَغَيْرِهِمْ.
فَإِذَا نَظَرَ الْمُسْلِمُ فِي هَذِهِ الْقِيَمِ وَالْمُثُلِ الَّتِي يَدْعُو الْإِسْلَامُ إِلَيْهَا, وَيُنَشِّئُ أَتْبَاعَهُ عَلَيْهَا, وَقَارَنَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَا عَلَيْهِ النَّاسُ قَبْلَ ظُهُورِ الْإِسْلَامِ؛ عَلِمَ أَنَّهُ الدِّينُ الصَّحِيحُ؛ فَانْسَاقَ إِلَيْهِ بِجَمِيعِ حَوَّاسِهِ, وَبَذَلَ فِي سَبِيلِهِ كُلَّ وُسْعِهِ, وَوَقَفَ نَفْسَهُ وَمَالَهُ وَأَهْلَهُ عَلَى نُصْرَتِهِ وَالذَّبِّ عَنْهُ.
المصدر:حَاجَتُنَا إِلَى الدِّينِ الرَّشِيدِ وَمُحَاسَبَةُ النَّفْسِ