((الْإِسْلَامُ فِطْرَةُ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا))
إِنَّ الْعَقِيدَةَ الَّتِي جَاءَ بِهَا مُحَمَّدٌ ﷺ هِيَ الْفِطْرَةُ بِعَيْنِهَا؛ {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا ۚ فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ۚ لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} [الروم: 30].
فَاللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ جَعَلَ الْإِسْلَامَ هُوَ الْفِطْرَةُ، وَلِذَلِكَ فِي الْحَدِيثِ الْمُتَّفَقِ عَلَى صِحَّتِهِ عَنْ رَسُولِ اللهِ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: ((كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ، أَوْ يُنَصِّرَانِهِ، أَوْ يُمَجِّسَانِهِ)) .
وَلَمْ يَقُلْ مُحَمَّدٌ ﷺ: أَوْ يُمَسْلِمَانِهِ؛ لِأَنَّهُ وُلِدَ عَلَى الْفِطْرَةِ، يَعْنِي عَلَى الْإِسْلَامِ؛ وَلِذَلِكَ فَالْإِسْلَامُ هُوَ دِينُ الْفِطْرَةِ، لَا.. بَلْ هُوَ الْفِطْرَةُ بِعَيْنِهَا، يُولَدُ الْإِنْسَانُ وَلَا يَحْتَاجُ إِلَى أَبَوَيْهِ لِكَيْ يَدُلَّاهُ عَلَى دِينِ الْإِسْلَامِ، وَإِنَّمَا هُوَ يُولَدُ عَلَى دِينِ الْإِسْلَامِ فِطْرَةً مَفْطُورًا عَلَيْهَا بِفَضْلِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
وَأَمَّا مَا عَدَا ذَلِكَ مِنَ الْمِلَلِ وَالنِّحَلِ، فَكَمَا قَالَ النَّبِيُّ ﷺ فَأَبَوَاهُ يَحْمِلَانِهِ عَلَيْهَا حَمْلًا، وَيَسْقِيَانِهِ إِيَّاهَا سَقْيًا.
وَأَمَّا دِينُ الْإِسْلَامِ فَجَعَلَهُ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ فِطْرَةً مَفْطُورًا عَلَيْهَا خَلْقُ اللهِ أَجْمَعِينَ، فَدِينُ الْإِسْلَامِ هُوَ الْفِطْرَةُ كَمَا تَرَى.
ثُمَّ إِنَّ دِينَ الْإِسْلَامِ عَقِيدَتُهُ سَمْحَةٌ سَهْلَةٌ يَسِيرَةٌ، لَيْسَ فِيهَا مِنْ مُعَمَّيَاتٍ، وَلَيْسَ فِيهَا مِنْ أَلْغَازٍ، وَلَيْسَ فِيهَا مِنْ أَحَاجِيَّ.
كَانَ الرَّجُلُ الْأَعْرَابِيُّ يَأْتِي إِلَى النَّبِيِّ ﷺ -وَهُوَ إِنَّمَا تَرَبَّى عَلَى الشِّيحِ وَالْقَيْصُومِ- مِنَ الْأَعْرَابِ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ مِنَ الدُّنْيَا إِلَّا أَنْ يَبُولَ الْوَاحِدُ مِنْهُمْ عَلَى عَقِبَيْهِ، لَا مَعَارِفَ، وَلَا عِلْمَ، وَلَا مَعْرِفَةَ، وَلَا خِبْرَةَ بِمَا عَلَيْهِ النَّاسُ مِنْ أُصُولِ الْفِكْرِ وَأَصْلِ النَّظَرِ.
فَيَأْتِي لِلنَّبِيِّ ﷺ فَمَا هُوَ إِلَّا أَنْ يَسْمَعَ مِنْهُ أُصُولَ الِاعْتِقَادِ فِيمَا لَا يَزِيدُ عَلَى الدَّقَائِقِ ذَوَاتِ الْعَدَدِ حَتَّى يُسَلِّمَ الْأَمْرَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَحَتَّى يَفْهَمَ الْإِسْلَامَ عَلَى وَجْهِهِ دِينًا مُخْتَلِطًا بِلَحْمِهِ وَدَمِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أُزِيلَ غَبَشٌ كَانَ قَدْ رَيَّمَ عَلَى الْفِطْرَةِ الَّتِي فَطَرَهُ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ عَلَيْهَا، وَجَاءَ بَيَانُ النَّبِيِّ ﷺ مُوَافِقًا لِلْفِطْرَةِ الَّتِي فَطَرَهُ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ عَلَيْهَا؛ امْتَزَجَ مَا جَاءَ بِهِ مُحَمَّدٌ ﷺ مِنْ دِينٍ هُوَ الْفِطْرَةُ مَعَ الْفِطْرَةِ الصَّحِيحَةِ الَّتِي فَطَرَ اللهُ الْأَعْرَابِيَّ عَلَيْهَا، وَلَا يَحْتَاجُ إِلَى كَثِيرِ بُرْهَانٍ، وَلَا إِلَى طَوِيلِ مُحَاجَّةٍ، وَلَا إِلَى عَظِيمِ مُجَادَلَةٍ.
وَإِنَّمَا يَعْرِضُ الْإِسْلَامَ سَهْلًا هَيِّنًا سَمْحًا لَيِّنًا، تَأْبَاهُ الْفِطْرَةُ غَيْرُ الْمُسْتَقِيمَةِ.
وَإِنَّمَا تُقْبِلُ عَلَيْهِ الْفِطْرَةُ الْمُسْتَقِيمَةُ بِفَضْلِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
لَقَدْ حَرَّرَ اللهُ بِالنَّبِيِّ ﷺ الْعُقُولَ، وَأَطْلَقَ الْقُلُوبَ مِنْ أَسْرِهَا حَتَّى عَادَتْ إِلَى رَبِّهَا؛ لِتَعُودَ الْبَشَرِيَّةُ إِلَى الْفِطْرَةِ الَّتِي فَطَرَ اللهُ النَّاسَ عَلَيْهَا.
وَقَدْ أَخْبَرَ رَبُّنَا -جَلَّ وَعَلَا-: أَنَّهُ خَلَقَ عِبَادَهُ حُنَفَاءَ كُلَّهُمْ، مُوَحِّدِينَ مُسْلِمِينَ مُسْتَقِيمِينَ مُنِيبِينَ لِقَبُولِ الْحَقِّ قَابِلِينَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ مُقْتَضَى الْفِطْرَةِ الَّتِي فَطَرَهُمْ عَلَيْهَا، حِينَ أَخَذَ عَلَيْهِمُ الْعَهْدَ فِي الذَّرِّ.
يَقُولُ اللهُ -جَلَّ وَعَلَا- فِي الْحَدِيثِ الْقُدُسِيِّ -الَّذِي أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي «الصَّحِيحِ»-: ((وَإِنِّي خَلَقْتُ عِبَادِي حُنَفَاءَ كُلَّهُمْ، وَإِنَّهُمْ أَتَتْهُمُ الشَّيَاطِينُ فَاجْتَالَتْهُمْ عَنْ دِينِهِمْ، وَحَرَّمَتْ عَلَيْهِمْ مَا أَحْلَلْتُ لَهُمْ، وَأَمَرَتْهُمْ أَنْ يُشْرِكُوا بِي مَا لَمْ أُنْزلْ بِهِ سُلْطَانًا)).
فَالْعِبَادُ كُلُّهُمْ مَفْطُورُونَ عَلَى الْإِسْلَامِ وَالْإِيمَانِ الصَّحِيحِ، وَلَكِنْ لِلشَّيَاطِينِ دَوْرٌ فِي مَسْخِ الْفِطْرَةِ وَتَشْوِيهِهَا.
المصدر:حَاجَتُنَا إِلَى الدِّينِ الرَّشِيدِ وَمُحَاسَبَةُ النَّفْسِ