((النَّبِيُّ ﷺ الْمِثَالُ الْكَامِلُ فِي الْأَخْلَاقِ وَالْقِيَمِ))
لَقَدْ حَصَرَ النَّبِيُّ ﷺ الْغَايَةَ مِنَ الْبَعْثَةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ فِي تَمَامِ صَالِحِ الْأَخْلَاقِ؛ فَقَالَ ﷺ: ((إِنَّمَا بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ صَالِحَ الْأَخْلَاقِ)) .
أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي ((الْأَدَبِ))، وَالْحَاكِمُ، وَأَحْمَدُ، وَصَحَّحَهُ الشَّيْخُ أَحْمَد شَاكِر وَالشَّيْخُ الْأَلْبَانِيُّ وَغَيْرُهُمَا.
فَلَا عَجَبَ -إِذَنْ- أَنْ يَكُونَ حُسْنُ الْخُلُقِ غَايَةَ الْغَايَاتِ فِي سَعْيِ الْعَبْدِ لِاسْتِكْمَالِ الصِّفَاتِ عَلَى أَسَاسٍ مِنَ التَّوْحِيدِ الْمَكِينِ، وَثَابِتِ الْإِخْلَاصِ وَالْيَقِينِ.
وَقَدْ كَانَ إِمَامُ الْأَنْبِيَاءِ ﷺ فِي ((حُسْنِ الْخُلُقِ)) عَلَى الْقِمَّةِ الشَّامِخَةِ، وَفَوْقَ الْغَايَةِ وَالْمُنْتَهَى، فَكَانَ كَمَا قَالَ عَنْهُ رَبُّهُ -عَزَّ وَجَلَّ-: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم: 4].
أَقُولُ لَكُمْ -أَيُّهَا الْأَحِبَّةُ- إِنَّهُ مَا وَقَعَتْ النَّفْسُ فِي كُرْبَةٍ، وَلَا ضَاقَتْ بِالْهَمِّ يَوْمًا، وَلَا نَاءَتْ بِالْغَمِّ دَهْرًا إِلَّا وَفَزِعَتْ -كَأَنَّمَا غُرِزَ فِيهَا ذَلِكَ غَرِيزَةً، وَأُوعِبَ فِيهَا إِيعَابًا، وَرُكِزَ فِيهَا طَبْعًا- إِلَّا فَزِعَتْ إِلَى سِيرَتِهِ ﷺ.
يَحْمِلُ الْهَمَّ شَرِيفًا، يَبْسُطُ الْكَفَّ نَظِيفًا، يَعْفُو وَيَصْفَحُ، وَالْكُلُّ مُجْمِعٌ عَلَى أَنَّ هَذَا الْخُلُقَ الطَّاهِرَ هُوَ هَذَا الْوِعَاءُ الَّذِي يَحْمِلُ مَا يَحْمِلُ مِنْ تِلْكَ الْمَبَادِئِ الْعَظِيمَةِ الطَّاهِرَةِ.
لَا غَرْوَ؛ لَقَدْ أَدَّبَهُ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ فَأَحْسَنَ تَأْدِيبَهُ، وَرَبَّاهُ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ فَأَكْمَلَ تَرْبِيَتَهُ، وَأَعْطَاهُ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ فَأَجْزَلَ لَهُ الْعَطَاءَ.
الرَّسُولُ ﷺ فِي جَمِيعِ أَحْوَالِهِ وَأَفْعَالِهِ.. النَّبِيُّ ﷺ يُحْصَى عَلَيْهِ كُلُّ شَيْءٍ، ثُمَّ تُصَادَمُ الدُّنْيَا كُلُّ الدُّنْيَا بِمَا جَاءَ بِهِ، وَمِنْ ضِمْنِ مَا جَاءَ بِهِ سِيرَتُهُ، وَبَاطِنُ أَحْوَالِهِ، وَدَقَائِقُ أَفْعَالِهِ، وَخَفِيُّ أَقْوَالِهِ، تُصَادَمُ الدُّنْيَا بِهَذَا كُلِّهِ مُتَحَدًّى بِمَا جَاءَ بِهِ، وَفِي ضِمْنِ مَا جَاءَ بِهِ مُتَحَدًّى بِهِ سِيرَتُهُ وَحَرَكَةُ حَيَاتِهِ، فَمَنْ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَدُلَّ عَلَى نَقْصٍ يَعْتَوِرُ الصُّورَةَ بِشَيْءٍ مِنَ الظِّلَالِ هَاهُنَا أَوْ هُنَاكَ؟!!
حَاشَا وَكَلَّا.
النَّبِيُّ ﷺ الْمَثَلُ الْكَامِلُ، النَّبِيُّ ﷺ الْمَثَلُ الْمَضْرُوبُ عَلَمًا عَلَى الْأَخْلَاقِ، وَكَمَالِ الْقِيَمِ، وَشِيَمِ التَّصَوُّرِ الصَّحِيحِ لِمَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ مَنْ يُرِيدُهُمُ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ خُلَفَاءَ فِي الْأَرْضِ يَحْمِلُونَ الْهِدَايَةَ وَالسَّعَادَةَ وَالنُّورَ، وَعَلَى رَأْسِهِمْ مُحَمَّدٌ ﷺ.
تَلْتَمِسُ مَا تَلْتَمِسُ مِنْ دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ؛ تَجِدُ الْعَجَبَ الْعَاجِبَ، تَجِدُ الْحَصَى فِي الْكَفِّ مُسَبِّحًا -فِي كَفِّهِ الشَّرِيفِ-، وَتَجِدُ الْجِذْعَ يَحِنُّ إِلَيْهِ حَنِينًا وَيَئِنُّ عِنْدَ الْفِصَالِ عَنْهُ أَنِينًا، وَيَنْزِلُ ﷺ بِمَحْضَرٍ -بِمَشْهَدٍ وَمَرْأًى وَمَسْمَعٍ- عَنْ مِنْبَرِهِ؛ لِيُهَدْهِدَ -كَالْأُمِّ الرَّءُومِ عَلَى رَأْسِ طِفْلِهَا- عَلَى الْجِذْعِ، وَهُوَ أَعْجَمُ لَا يُبِينُ، وَهُوَ مِنَ الْجَمَادِ وَإِلَى الْجَمَادِ قَدْ صَارَ، يُهَدْهِدُ عَلَيْهِ، فَمَا يَزَالُ يَخْفُتُ صَوْتَهُ حَتَّى يَنْتَهِيَ وَيَنْقَطِعَ، وَعِنْدَئِذٍ يَقُولُ الرَّسُولُ ﷺ: ((وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ لَمْ أَفْعَلْ لَظَلَّ يَحِنُّ إِلَيَّ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ)) .
وَلَكَانَ الدَّاخِلُ إِلَى مَسْجِدِ رَسُولِ اللهِ ﷺ إِلَى أَوَانِ الْإِذْنِ بِخَرَابِ الدُّنْيَا.. لَكَانَ الدَّاخِلُ إِلَى الْمَسْجِدِ النَّبَوِيِّ الشَّرِيفِ يَسْمَعُ حَنِينَ الْجِذْعِ إِلَى رَسُولِ اللهِ ﷺ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ.
تَلْتَمِسُ دَلَائِلَ النُّبُوَّةِ، وَتَرَى الْمُعْجِزَاتِ الْبَاهِرَاتِ الْعَظِيمَاتِ السَّامِقَاتِ عَلَى يَدَيْ سَيِّدِ الْكَائِنَاتِ ﷺ، تَجِدُ ذَلِكَ بِغَيْرِ عَدٍّ وَلَا حَصْرٍ، وَلَكِنْ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْ تِلْكَ الْمُعْجِزَاتِ الْبَاهِرَةِ الَّتِي تَمَثَّلَتْ قَلْبًا يَنْبِضُ، وَرُوحًا يَرِفُّ، وَنَفْسًا تُحِسُّ، وَجَسَدًا عَلَى الْأَرْضِ يَتَحَرَّكُ، هَذَا وَرَبِّي هُوَ الْإِعْجَازُ الْأَكْبَرُ، هَذَا وَرَبِّي هُوَ مَا تَحَوَّلَ فِي الْجَسَدِ الطَّاهِرِ وَفِي الرُّوحِ الشَّرِيفِ وَفِي الْقَلْبِ الْمُبَارَكِ وَفِي النَّفْسِ الْعَفِيفَةِ.
هَذَا وَرَبِّي هُوَ الَّذِي تَحَوَّلَ مِنْ قُرْآنٍ يُتْلَى إِلَى حَرَكَةٍ يَتَحَرَّكُ بِهَا مُحَمَّدٌ ﷺ كَمَا قَالَتْ عَائِشَةُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا-: ((كَانَ خُلُقُهُ الْقُرْآنَ)) .
المصدر: التَّأَسِّي بِأَخْلَاقِ الرَّسُولِ الْكَرِيمِ ﷺ