((نَصَائِحُ مُهِمَّةٌ لِطُلَّابِ الْعِلْمِ))
((عَلَى طَالِبِ الْعِلْمِ أَنْ يَكُونَ قَصْدُهُ بِطَلَبِ الْعِلْمِ وَجْهَ اللهِ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ؛ لِأَنَّ اللهَ حَثَّ عَلَيْهِ وَرَغَّبَ فِيهِ، فَقَالَ تَعَالَى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ} [محمد: 19].
وَالثَّنَاءُ عَلَى الْعُلَمَاءِ فِي الْقُرْآنِ مَعْرُوفٌ، وَإِذَا أَثْنَى اللهُ عَلَى شَيْءٍ أَوْ أَمَرَ بِهِ صَارَ عِبَادَةً.
* وَعَلَيْهِ أَنْ يَنْوِيَ بِطَلَبِ الْعِلْمِ رَفْعَ الْجَهْلِ عَنْ نَفْسِهِ وَعَنْ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْإِنْسَانِ الْجَهْلُ، وَدَلِيلُ ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ ۙ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [النحل: 78].
وَالْوَاقِعُ يَشْهَدُ بِذَلِكَ، فَتَنْوِي بِطَلَبِ الْعِلْمِ رَفْعَ الْجَهْلِ عَنْ نَفْسِكَ، وَبِذَلِكَ تَنَالُ خَشْيَةَ اللهِ؛ {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر: 28].
* وَعَلَى طَالِبِ الْعِلْمِ أَنْ يَنْوِيَ بِطَلَبِ الْعِلْمِ الدِّفَاعَ عَنِ الشَّرِيعَةِ؛ لِأَنَّ الْكُتُبَ لَا يُمْكِنُ أَنْ تُدَافِعَ عَنِ الشَّرِيعَةِ، وَلَا يُدَافِعُ عَنِ الشَّرِيعَةِ إِلَّا حَامِلُ الشَّرِيعَةِ.
* وَعَلَى طَالِبِ الْعِلْمِ أَنْ يَعْمَلَ بِعِلْمِهِ؛ عَقِيدَةً وَعِبَادَةً، وَأَخْلَاقًا وَآدَابًا وَمُعَامَلَةً؛ لِأَنَّ هَذَا هُوَ ثَمَرَةُ الْعِلْمِ وَهُوَ نَتِيجَةُ الْعِلْمِ، وَحَامِلُ الْعِلْمِ كَالْحَامِلِ لِسِلَاحِهِ؛ إِمَّا لَهُ وَإِمَّا عَلَيْهِ.
* وَعَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ دَاعِيًا بِعِلْمِهِ إِلَى اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ-؛ يَدْعُو فِي كُلِّ مُنَاسَبَةٍ، فِي الْمَسَاجِدِ، وَفِي الْمَجَالِسِ، وَفِي الْأَسْوَاقِ، وَفِي كُلِّ مُنَاسَبَةٍ.
هَذَا النَّبِيُّ ﷺ بَعْدَ أَنْ آتَاهُ اللهُ النُّبُوَّةَ وَالرِّسَالَةَ مَا جَلَسَ فِي بَيْتِهِ، بَلْ كَانَ يَدْعُو النَّاسَ وَيَتَحَرَّكُ.
* وَعَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ مُتَحَلِّيًا بِالْحِكْمَةِ؛ حَيْثُ يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: {يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ ۚ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا} [البقرة: 269].
وَالْحِكْمَةُ أَنْ يَكُونَ طَالِبُ الْعِلْمِ مُرَبِّيًا لِغَيْرِهِ بِمَا يَتَخَلَّقُ بِهِ مِنَ الْأَخْلَاقِ، وَبِمَا يَدْعُو إِلَيْهِ مِنْ دِينِ اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ-؛ بِحَيْثُ يُخَاطِبُ كُلَّ إِنْسَانٍ بِمَا يَلِيقُ بِحَالِهِ، وَإِذَا سَلَكْنَا هَذَا الطَّرِيقَ حَصَلَ لَنَا خَيْرٌ كَثِيرٌ كَمَا قَالَ رَبُّنَا: {وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا}.
* وَعَلَى الطَّالِبِ أَنْ يَكُونَ صَابِرًا عَلَى الْعِلْمِ؛ أَيْ: مُثَابِرًا عَلَيْهِ، لَا يَقْطَعُهُ، وَلَا يَمَلُّ، بَلْ يَكُونُ مُسْتَمِرًّا فِي تَعَلُّمِهِ بِقَدْرِ الْمُسْتَطَاعِ.
فَلْيَصْبِرْ عَلَى الْعِلْمِ، وَلَا يَمَلَّ؛ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ إِذَا طَرَقَهُ الْمَلَلُ اسْتَحْسَرَ وَتَرَكَ، وَلَكِنْ إِذَا كَانَ مُثَابِرًا عَلَى الْعِلْمِ فَإِنَّهُ يَنَالُ أَجْرَ الصَّابِرِينَ مِنْ وَجْهٍ، وَتَكُونُ لَهُ الْعَاقِبَةُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ؛ قَالَ تَعَالَى: {تِلْكَ مِنْ أَنبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ ۖ مَا كُنتَ تَعْلَمُهَا أَنتَ وَلَا قَوْمُكَ مِن قَبْلِ هَذَا ۖ فَاصْبِرْ ۖ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ} [هود: 49].
* وَعَلَى طَلَبَةِ الْعِلْمِ احْتِرَامُ الْعُلَمَاءِ وَتَقْدِيرُهُمْ، وَأَنْ تَتَّسِعَ صُدُورُهُمْ لِمَا يَحْصُلُ مِنَ اخْتِلَافٍ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ وَغَيْرِهِمْ.
وَإِذَا كَانَ اغْتِيَابُ الْعَامِّيِّ مِنَ النَّاسِ مِنْ كَبَائِرِ الذُّنُوبِ؛ فَإِنَّ اغْتِيَابَ الْعَالِمِ أَكْبَرُ وَأَكْبَرُ؛ لِأَنَّ اغْتِيَابَ الْعَالِمِ لَا يَقْتَصِرُ ضَرَرُهُ عَلَى الْعَالِمِ؛ بَلْ عَلَيْهِ وَعَلَى مَا يَحْمِلُهُ مِنَ الْعِلْمِ الشَّرْعِيِّ.
وَالنَّاسُ إِذَا زَهِدُوا فِي الْعَالِمِ أَوْ سَقَطَ مِنْ أَعْيُنِهِمْ تَسْقُطُ كَلِمَتُهُ -أَيْضًا-، وَإِذَا كَانَ يَقُولُ الْحَقَّ وَيَهْدِي إِلَيْهِ؛ فَإِنَّ غِيبَةَ هَذَا الرَّجُلِ لِهَذَا الْعَالِمِ تَكُونُ حَائِلًا بَيْنَ النَّاسِ وَبَيْنَ عِلْمِهِ الشَّرْعِيِّ، وَهَذَا خَطَرُهُ كَبِيرٌ وَعَظِيمٌ)).
عَلَى الشَّبَابِ الِاجْتِهَادُ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ الشَّرْعِيِّ وَالْمَادِّيِّ؛ لِتَعُودَ لِلْأُمَّةِ رِيَادَتُهَا، النَّبِيُّ ﷺ بَيَّنَ لَنَا: ((مَنْهُومَانِ لَا يَشْبَعَانِ: طَالِبُ عِلْمٍ، وَطَالِبُ مَالٍ)).
إِنَّ الْأُمَّةَ الَّتِي عَقَدَتْ رَجَاءَهَا عَلَى رَبِّهَا بِأَخْذِ شَبَابِهَا بِأَسْبَابِ الْقُوَّةِ تَحْصِيلًا وَإِعْمَالًا لَهَا فِي كَوْنِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ؛ لِتَعُودَ لِلْأُمَّةِ رِيَادَتُهَا، وَلِيَعُودَ لِلْأُمَّةِ سَبْقُهَا بِفَضْلِ رَبِّهَا، لِأَنَّ الضَّعِيفَ الْعَاجِزَ يُؤَثَّرُ فِيهِ وَلَا يُؤَثِّرُ، وَيَتَأَثَّرُ وَلَا يُؤَثِّرُ، لِأَنَّ الضَّعِيفَ الْعَاجِزَ يَكُونُ الطَّمَعُ فِيهِ قَائِمًا، وَلِأَنَّ الشَّرَّ مَتَى مَا وَجَدَ الْحَقَّ مُتَهَاوِنًا؛ عَدَا عَلَيْهِ بجُنْدِهِ وَرَجِلِهِ وَخَيْلِهِ، وَحَاوَلَ أَنْ يَئِدَهُ فِي مَهْدِهِ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ.
إِنَّ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ أَمَرَنَا بِإِعْدَادِ مَا نَسْتَطِيعُ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ -أَمَرَنَا رَبُّ الْعَالَمِينَ-، وَالْأَمْرُ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ مَتَى مَا أَتَى مِنْ غَيْرِ قَرِينَةٍ صَارِفَةٍ عَنِ الْوُجُوبِ فَهُوَ عَلَى أَصْلِهِ لِلْوُجُوبِ؛ فَهُوَ إِذًا أَمْرٌ وَاجِبٌ حَتْمٌ، إِذَا مَا فَرَّطَتْ فِيهِ الْأُمَّةُ عَاقَبَهَا اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ فِي الدُّنْيَا بِذُلٍّ وَخَسْفٍ وَمَهَانَةٍ وَإِحْبَاطٍ، وَعَاقَبَهَا اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ فِي الْآخِرَةِ جَزَاءً وِفَاقًا لِمَا فَرَّطَتْ فِيهِ مِنْ حَمْلِ الْأَمَانَةِ، وَالْأَخْذِ بِتَنْفِيذِ الْأَمْرِ الَّذِي أَمَرَ بِهِ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ.
إِنَّ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ يَعْلَمُ حَالَ الْعَالَمِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَخْلُقَهُ، وَيَعْلَمُ حَالَ الْمُسْلِمِينَ فِي كُلِّ حَالٍ وَحِينٍ، وَالْمُسْلِمُونَ يُنَادُونَ فِي الصَّبَاحِ وَفِي الْمَسَاءِ: أَيْنَ أَنْتَ يَا صَلَاحَ الدِّينِ؟!
وَهَذَا وَهْمٌ كَبِيرٌ جِدًّا؛ لِأَنَّ لِكُلِّ عَصْرٍ دَوْلَةً وَرِجَالًا، وَلِأَنَّهُ لَوْ فُرِضَ أَنَّ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ بَعَثَ الرَّجُلَ الْمُجَاهِدَ الصَّالِحَ -رَحِمَهُ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ- فَقَامَ فِي الْأُمَّةِ الْيَوْمَ، فَإِنَّهُ لَنْ يُجَيِّشَ الْجُيُوشَ عَلَى سَهْمٍ وَسَيْفٍ، وَلَا عَلَى رُمْحٍ وَخَيْلٍ، وَإِنَّمَا سَيَنْظُرُ فِي أَحْوَالِ الْعَالَمِ مُتَبَصِّرًا، وَيَنْظُرُ فِي أَحْوَالِ الْعَالَمِ مُعْتَبِرًا.
ثُمَّ يُحَاوِلُ أَنْ يَتَمَلَّكَ أَسْبَابَ الْقُوَّةِ الَّتِي عَقَدَتِ الْأُمَّةُ رَجَاءَهَا فِي رَبِّهَا عَلَى شَبَابِهَا مِنْ أَجْلِ أَنْ يَكُونُوا لَهَا مُحَصِّلِينَ وَلَهَا مُهْتَدِينَ، مِنْ أَجْلِ أَنْ يَأْخُذُوا بِهَذَا الَّذِي يَبْدَؤُونَهُ مِنَ الْعَامِ الْمُقْبِلِ الَّذِي يَأْخُذُونَ فِيهِ بِأَسْبَابِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ فِي الْإِقْبَالِ عَلَى الدَّرْسِ، وَبَذْلِ الْجُهْدِ وَالْمَجْهُودِ فِي التَّحْصِيلِ مِنْ غَيْرِ مَا شَقٍّ لِلْحَنَاجِرِ فِي هُتَافٍ وَبِهُتَافٍ لَا يُسْمِنُ وَلَا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ، وَإِنَّمَا هُوَ تَبْدِيدٌ لِلطَّاقَاتِ، وَتَضْيِيعٌ لِلْأَوْقَاتِ، ثُمَّ يَبْقَى الْعِلْمُ يَتِيمًا لَيْسَ لَهُ مِنْ أَبٍ يَرْعَاهُ، وَلَا أُمٍّ يُمْكِنُ أَنْ تَحُوطَهُ بِعِنَايَةٍ وَلَا رِعَايَةٍ وَلَا كَلَاءَةٍ، وَيَبْقَى الْعِلْمُ مَهْجُورًا لَا يُقْبِلُ عَلَيْهِ أَحَدٌ.
المصدر:الْإِسْلَامُ وَالْعِلْمُ