((مَعْنَى الْهِجْرَةِ وَأَدِلَّتُهَا وَشُرُوطُهَا))
الْهِجْرَةُ فِي اللُّغَةِ: هِيَ التَّرْكُ وَالْخُرُوجُ مِنْ بَلَدٍ أَو أَرْضٍ أَو نَحْوِ ذَلِكَ.
وَفِي الشرعِ: مُفَارَقَةُ دَارِ الْكُفْرِ إِلَى دَارِ الْإِسْلَامِ، وَمُفَارَقَةُ دَارِ الْخَوْفِ إِلَى دَارِ الْأَمَانِ، وَتُطْلَقُ أَيْضًا عَلَى تَرْكِ الْمُنْكَرَاتِ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ} [المدثر: 5].
وَلَا شَكَّ أَنَّ لِذِكْرِ الْهِجْرَةِ مُنَاسَبَةً وَثِيقَةً فِي الْوَلَاءِ وَالْبَرَاءِ، فَحِينَمَا يَتَبَرَّأُ الْإِنْسَانُ مِنْ الْكُفَّارِ وَالْمُشْرِكِينَ فَإِنَّهُ يَتَبَرَّأُ مِنَ الشِّرْكِ وَأَهْلِهِ، وَإِذَا تَبَرَّأَ مِنْ الشِّرْكِ وَأَهْلِهِ، وَكَانَ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُقِيمَ شَعَائِرَ الدِّينِ كَانَ لِزَامًا عَلَيهِ وَمِنْ مُتَمِّمَاتِ الْبَرَاءَةِ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ بَلَدِهِ إِلَى بِلَادِ الْإِسْلَامِ مُهَاجِرًا إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ؛ لِيَعْبُدَ اللهَ -جَلَّ وَعَلَا-، وَيُقِيمَ شَعَائِرَ اللهِ تَعَالَى، وَيَتَّبِعَ مَا أَمَرَ بِهِ النَّبِيُّ ﷺ.
وَالْهِجْرَةُ شَأْنُهَا عَظِيمٌ، وَلَكِنْ هَذِهِ الْهِجْرَةُ الْوَاجِبَةُ لَا تَكُونُ وَاجِبَةً إِلَّا بِشُرُوطٍ، وَالْهِجْرَةُ تَكُونُ مِنْ بَلَدِ الْإِشْرَاكِ إِلَى بَلَدِ الْإِسْلَامِ، وَبِلَادُ الْإِشْرَاكِ هِيَ الْبِلَادُ الَّتِي لَا يُقَامُ بِهَا شَعَائِرُ الْإِسْلَامِ.
وَتُسَمَّى هَذِهِ بِلَادَ إِشْرَاكٍ، فَقَدْ يُقِيمُ أَقَلِّيَّةٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فِي بِلَادِ الشِّرْكِ يَسْتَطِيعُونَ أَنْ يُقِيمُوا بَعْضَ الدِّينِ، وَلَكِنَّهُ إِذَا لَمْ يَكُنِ الْإِسْلَامُ شَامِلًا وَعَامًّا فِي تِلْكَ الْبِلَادِ، فَالْبِلَادُ تُسَمَّى بِلَادَ الشِّرْكِ.
لَكِنْ مِنْ حَيثُ حُكْمُ الْهِجْرَةِ وَوُجُوبُهَا فَسَيَأْتِي ذِكْرُ شُرُوطِ الْوُجُوبِ لِلْهِجْرَةِ مِنْ تِلْكَ الْبِلَادِ إِلَى بِلَادِ الْإِسْلَامِ.
النَّبِيُّ ﷺ أَمَرَ بِالْهِجْرَةِ، وَالْأَمْرُ يَقْتَضِي الْوُجُوبَ، وَبَيَّنَ أَنَّهَا فَرِيضَةٌ عَلَى هَذِهِ الْأُمَّةِ، وَهَذَا يُفِيدُ أَنَّ أَصْلَ هَذِهِ الْعِبَادَةِ مِنْ حَيثُ التَّشْرِيعُ:
الْوُجُوب، وَلَكِنَّهَا قَدْ تَكُونُ مُسْتَحَبَّةً؛ إِذْ قَدْ يَكُونُ الْبَقَاءُ فِي بِلَادِ الشِّرْكِ مُسْتَحَبًّا، وَكُلُّ هَذَا بِحَسَبِ الْحَالِ.
وَقَدْ دَلَّ عَلَى وُجُوبِ الْهِجْرَةِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالْإِجْمَاعُ:
أَمَّا مِنَ الْكِتَابِ؛ فَقَولُهُ سُبْحَانَه: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ ۖ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ ۚ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا}، فَلَامَهُم اللهُ -جَلَّ وَعَلَا- لِعَدَمِ هِجْرَتِهِمْ، وَبَيَّنَ أَنَّهُمْ أَوقَعُوا الظُّلْمَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ فَأَثِمُوا بِذَلِكَ.
قَالَ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ ۖ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ ۚ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا ۚ فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ ۖ وَسَاءَتْ مَصِيرًا * إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا * فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَن يَعْفُوَ عَنْهُمْ ۚ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا} [النساء: 97-99].
وَأَمَّا شُرُوطُ وُجُوبِ الْهِجْرَةِ:
فَأَوَّلُهَا: الْقُدْرَةُ عَلَى الْهِجْرَةِ، فَإِذَا كَانَ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُهَاجِرَ كَأَنْ يَكُونَ فِي بِلَادِ الْإِشْرَاكِ وَيَكُونَ الْخُرُوجُ مِنْ تِلْكَ الْبِلَادِ مَمْنُوعًا، أَو كَأَنْ يَكُونَ عَلَيهِ حَظْرٌ أَو نَحْوُ ذَلِكَ؛ فَإِنَّهُ يَسْقُطُ فِي حَقِّهِ الْوُجُوبُ؛ لِأَنَّهُ عَاجِزٌ عَنْهُ، وَالْوَاجِبَاتُ تَسْقُطُ بِالْعَجْزِ.
يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَولُ رَسُولِ اللهِ ﷺ فِي الْحَدِيثِ الْمُتَّفَقِ عَلَيهِ: ((إِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ)) .
وَمَوْطِنُ الِاسْتِدْلَالِ عَلَى هَذَا الشَّرْطِ مِنْ الْآيَاتِ الَّتِي مَرَّتْ قَولُهُ: {أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا}، وَهَذَا فِيهِ بَيَانُ أَنَّ الْأَمْرَ مَفْسُوحٌ وَوَاسِعٌ فِي الْهِجْرَةِ بِخِلَافِ الْعَاجِزِ، فَلَيسَ مَعَهُ سَعَةٌ يَسْتَطِيعُ مَعَهَا الْهِجْرَةَ.
فَأَوَّلُ شَرْطٍ لِوُجُوبِ الْهِجْرَةِ: الْقُدْرَةُ عَلَيهَا.
الشَّرْطُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ غَيرَ مُسْتَطِيعٍ مِنْ إِظْهَارِ دِينِهِ، قَدْ يَكُونُ الْإِنْسَانُ يَسْتَطِيعُ الْهِجْرَةَ، وَلَكِنَّهُ فِي الْوَقْتِ نَفْسِهِ يَقُولُ: أَسْتَطِيعُ أَنْ أُظْهِرَ دِينِي، أُصَلِّي فِي الْمَسَاجِدِ وَآتِي بِجَمِيعِ شَرَائِعِ الدِّينِ، وَلَا يَكُونُ هُنَاكَ شَيءٌ يُعِيقُ عَنْ تَطْبِيقِ الدِّينِ، فَالْهِجْرَةُ غَيرُ وَاجِبَةٍ حِينَئِذٍ فَيَنْتَقِلُ مِنَ الْوُجُوبِ إِلَى الْاسْتِحْبَابِ، سَوَاءٌ كَانَتِ الْبِلَادُ بِلَادَ شِرْكٍ أَو بِلَادَ فِسْقٍ.
لَكِنْ إِذَا قَالَ: أَنَا أَسْتَطِيعُ الْهِجْرَةَ وَفِي الْوَقْتِ نَفْسِهِ لَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أُظْهِرَ دِينِي، فَحِينَئِذٍ يُقَالُ لَهُ: لَا زَالَ الْأَمْرُ عَلَيكَ وَاجِبًا مِنْ حَيثُ الْهِجْرَةُ.
وَمَوطِنُ الِاسْتِدْلَالِ عَلَى هَذَا الشَّرْطِ مِنَ الْآيَاتِ السَّابِقَةِ قَولُهُ تَعَالَى: {قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ}، وَ{مُسْتَضْعَفِينَ}؛ يَعْنِي: أَذِلَّاءَ لَا يَسْتَطِيعُونَ أَنْ يُقِيمُوا شَعَائِرَ الدِّينِ.
إِذَنْ؛ مِمَّا سَبَقَ نَعْرِفُ أَنَّ الْهِجْرَةَ لَا تَجِبُ إِلَّا بِشَرْطَينِ: الْأَوَّلُ الْقُدْرَةُ عَلَى الْهِجْرَةِ، وَالثَّانِي عَدَمُ التَّمَكُّنِ مِنْ إِظْهَارِ شَعَائِرِ الدِّينِ، حِينَئِذٍ تَكُونُ الْهِجْرَةُ وَاجِبَةً، أَمَّا إِذَا اخْتَلَّ شَرْطٌ مِنْ هَذَينِ الشَّرْطَينِ فَإِنَّهَا تَنْتَقِلُ إِلَى الِاسْتِحْبَابِ.
الشَّرْطُ الْأَوَّلُ: الْقُدْرَةُ عَلَى الْهِجْرَةِ.
الثَّانِي: عَدَمُ التَّمَكُّنِ مِنْ إِظْهَارِ شَعَائِرِ الدِّينِ.
قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ -رَحِمَهُ اللهُ- : ((نَزَلَتْ هَذِهِ الْآَيَةُ الْكَرِيمَةُ عَامَّةً فِي كُلِّ مَنْ أَقَامَ بَينَ ظَهْرَانَيِ الْمُشْرِكِينَ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى الْهِجْرَةِ وَلَيسَ مُتَمَكِّنًا مِنْ إِقَامَةِ الدِّينِ، فَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ مُرْتَكِبٌ حَرَامًا بِالْإِجْمَاعِ وَبِنَصِّ هَذِهِ الْآَيَةِ)).
* أَصْنَافُ النَّاسِ فِي الْهِجْرَةِ:
وَعَلَيهِ، يُمْكِنُ تَصْنِيفُ النَّاسِ فِي الْهِجْرَةِ مِنْ بِلَادِ الشِّرْكِ إِلَى ثَلَاثَةِ أَصْنَافٍ:
الصِّنْفُ الْأَوَّلُ: مَنْ تَجِبُ عَلَيهِ الْهِجْرَةُ، وَهُوَ مَنْ تَوفَّرَ فِيهِ الشَّرْطَانِ السَّابِقَانِ، الْقُدْرَةُ عَلَى الْهِجْرَةِ وَعَدَمُ التَّمَكُّنِ مِنْ إِظْهَارِ شَعَائِرِ الدِّينِ.
الصِّنْفُ الثَّانِي: مَنْ لَا هِجْرَةَ عَلَيهِ، وَهُوَ الْعَاجِزُ عَنِ الْهِجْرَةِ.
وَالْعَاجِزُ عَنِ الْهِجْرَةِ عِدَّةُ أَصْنَافٍ: إِمَّا لِمَرَضٍ فَلَا يَسْتَطِيع، أَو لَيسَ عِنْدَهُ مَالٌ يَذْهَبُ بِهِ، أَو مُكْرَهٌ عَلَى الْإِقَامَةِ فِي بِلَادِ الشِّرْكِ؛ فَحِينَئِذٍ لَا تَجِبُ عَلَيهِ الْهِجْرَة لِأَنَّ اللهَ -جَلَّ وَعَلَا- قَالَ: {إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا}.
الصِّنْفُ الثَّالِثُ: مَنْ تُسْتَحَبُّ لَهُ الْهِجْرَة، وَهُوَ مَنْ يَقْدِرُ عَلَى الْهِجْرَةِ لَكِنَّهُ مُتَمَكِّنٌ مِنْ إِظْهَارِ دِينِهِ.
إِذَنْ؛ عَرَفْنَا أَنَّ الْهِجْرَةَ إِمَّا أَنْ تَكُونَ وَاجِبَةً أَو مُسْتَحَبَّةً، وَقَدْ يَكُونُ عَدَمُ الْهِجْرَةِ مُسَتْحَبًّا فِي حَقِّ أَشْخَاصٍ مُعَيَّنِينَ، كَأَنْ يَحْتَاجَ الْمُسْلِمُونَ عَيْنًا لَهُمْ هُنَاكَ، يَعْنِي يَحْتَاجُونَ مَنْ يَتَفَقَّدُ أَحْوَالَ الْمُشْرِكِينَ وَيُخْبِرُهُمْ وَيُعْطِيهِمْ أَخْبَارَ الْمُشْرِكِينَ عَلَى الْحَقِيقَةِ مَع بَيَانِ خُطَطِهِمْ وَمَكَائِدِهِمْ، فَحِينَئِذٍ يَكُونُ الْأَمْرُ مُسْتَحَبًّا.
أَمَّا إِذَا كَانَ أَمْرُ الْبَقَاءِ لَا يَنْطَبِقُ إِلَّا عَلَيهِ وَكَانَ الْأَمْرُ حَتْمًا لِلْمُسْلِمِينَ فَحِينَئِذٍ يَكُونُ الْبَقَاءُ وَاجِبًا عَلَى حَسَبِ وُجُوبِ أَو احْتِيَاجِ الْمُسْلِمِينَ.
لَو أَنَّ شَخْصًا تَحَقَّقَتْ فِيهِ شُرُوطُ وُجُوبِ الْهِجْرَةِ وَلَمْ يُهَاجِرْ فَلَا شَكَّ أَنَّهُ يُعَدُّ عَاصِيًا ظَالِمًا لِنَفْسِهِ كَمَا ذَكَرَ اللهُ تَعَالَى؛ لَكِنَّهُ لَا يَخْرُجُ مِنْ دَائِرَةِ الْإِسْلَامِ بِتَرْكِهِ الْهِجْرَةَ.
قَالَ الْبَغَوِيُّ -رَحِمَهُ اللهُ- : ((سَبَبُ نُزُولِ هَذِهِ الْآَيَةِ فِي الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ بِمَكَّةَ لَمْ يُهَاجِرُوا، فَنَادَاهُم اللهُ بِاسْمِ الْإِيمَانِ)).
وَهَذَا هُوَ الْمَحْكِيُّ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ السَّلَفِ -رَحِمَهُمُ اللهُ-.
وَأَمَّا مَا يَدُلُّ عَلَى الْهِجْرَةِ مِنَ السُّنَّةِ فَقَولُهُ ﷺ: ((لَا تَنْقَطِعُ الْهِجْرَةُ حَتَّى تَنْقَطِعَ التَّوبَةُ، وَلَا تَنْقَطِعُ التَّوبَةُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا)) .
وَبِهَذَا يَكُونُ قَدْ دَلَّ عَلَى الْهِجْرَةِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالْإِجْمَاعُ.
وَأَمَّا حَدِيثُ رَسُولِ اللهِ ﷺ: ((لَا هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ)). وَالْحَدِيثُ مُتَّفَقٌ عَلَيهِ؛ فَمَعْنَاهُ: لَا هِجْرَةَ بَعْدَ فَتْحِ مَكَّةَ، وَقَدْ فُتِحَتْ.
فَالْمَقْصُودُ بِقَولِ النَّبِيِّ ﷺ: ((لَا هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ))؛ أَي: لَا هِجْرَةَ مِنْ مَكَّةَ بَعْدَ فَتْحِهَا، وَذَلِكَ أَنَّهُ بِالْفَتْحِ تَحَوَّلَتْ مَكَّةُ مِنْ كَونِهَا دَارَ كُفرٍ إِلَى دَارِ إِسْلَامٍ، وَلَمَّا صَارَتْ دَارَ إِسْلَامٍ انْتَهَى وُجُوبُ الْهِجْرَةِ مِنْهَا، أَو اسْتِحْبَابُ الْهِجْرَةِ مِنْهَا.
وَأَمَّا الْهِجْرَةُ مِنْ بَلَدِ الشِّرْكِ إِلَى بَلَدِ الْإِسْلَامِ فَهِيَ مُسْتَمِرَّةٌ؛ لِقَولِهِ ﷺ: ((لَا تَنْقَطِعُ الْهِجْرَةُ حَتَّى تَنْقَطِعَ التَّوبَةُ، وَلَا تَنْقَطِعُ التَّوبَةُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا))، وَلِلْعُمُومِ الْوَارِدِ فِي قَولِ رَبِّنَا -جَلَّ وَعَلَا-: {يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ}.
المصدر:الْمَفَاهِيمُ الصَّحِيحَةُ لِلْهِجْرَةِ إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ