مِنْ مَنَافِعِ الْحَجِّ وَثَمَرَاتِهِ


 ((مِنْ مَنَافِعِ الْحَجِّ وَثَمَرَاتِهِ))

قَالَ رَبُّنَا -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-: {وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ * لِّيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ ۖ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ * ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج: 27-29].

{وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ}؛ أَيْ: أَعْلِمْهُم بِهِ وَادْعُهُمْ إِلَيْهِ، وَبَلِّغْ دَانِيهِمْ وَقَاصِيهِمْ فَرْضَهُ وَفَضِيلَتَهُ، فَإِنَّكَ إِذَا دَعَوْتَهُمْ أَتَوْكَ حُجَّاجًا وَعُمَّارًا.

{رِجَالًا}؛ أَيْ: مُشَاةً عَلَى أَرْجُلِهِمْ مِنَ الشَّوْقِ.

{وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ}؛ أَيْ: نَاقَةٍ ضَامِرٍ تَقْطَعُ الْمَهَامِهَ وَالْمَفَاوِزَ، وَتَواصِلُ السَّيْرَ حَتَّى تَأْتِيَ إِلَى أَشْرَفِ الْأَمَاكِنِ.

{مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ}؛ أَيْ: مِنْ كُلِّ بَلَدٍ بَعِيدٍ، وَقَدْ فَعَلَ الْخَلِيلُ -عَلَيْهِ السَّلَامُ-، ثُمَّ مِنْ بَعْدِهِ ابْنُهُ مُحَمَّدٌ ﷺ، فَدَعَوَا النَّاسَ إِلَى حَجِّ هَذَا الْبَيْتِ، وَأَبْدَيَا فِي ذَلِكَ وَأَعَادَا، وَقَدْ حَصَلَ مَا وَعَدَ اللهُ تَعَالَى بِهِ؛ أَتَاهُ النَّاسُ رِجَالًا وَرُكْبَانًا مِنْ مَشَارِقِ الْأَرْضِ وَمَغَارِبِهَا.

ثُمَّ ذَكَرَ فَوَائِدَ زِيَارَةِ بَيْتِ اللهِ الْحَرَامِ مُرَغِّبًا فِيهِ؛ فَقَالَ:

{لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ}؛ أَيْ: لِيَنَالُوا بَبَيْتِ اللهِ مَنَافِعَ دِينِيَّةً مِنَ الْعِبَادَاتِ الْفَاضِلَةِ وَالْعِبَادَاتِ الَّتِي لَا تَكُونُ إِلَّا فِيهِ، وَمَنَافِعَ دُنْيَوِيَّةً مِنَ التَّكَسُّبِ وَحُصُولِ الْأَرْبَاحِ الدُّنْيَوِيَّةِ، وَكُلُّ هَذَا أَمْرٌ مُشَاهَدٌ كُلٌّ يَعْرِفُهُ.

{وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ}، وَهَذَا مِنَ الْمَنَافِعِ الدِّينِيَّةِ وَالدُّنْيَوِيَّةِ؛ أَيْ: لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عِنْدَ ذَبْحِ الْهَدَايَا؛ شُكْرًا للهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْهَا وَيَسَّرَهَا لَهُمْ، فَإِذَا ذَبَحْتُمُوهَا {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ}؛ أَيْ: شَدِيدَ الْفَقْرِ.

{ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ}؛ أَيْ: يَقْضُوا نُسُكَهُمْ، وَيُزِيلُوا الْوَسَخَ وَالْأَذَى الَّذِي لَحِقَهُمْ فِي حَالِ الْإِحْرَامِ.

{وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ} الَّتِي أَوْجَبُوهَا عَلَى أَنْفُسِهِمْ مِنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَالْهَدَايَا.

{وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ}؛ أَيِ: الْقَدِيمِ أَفْضَلِ الْمَسَاجِدِ عَلَى الْإِطْلَاقِ، الْمُعْتَقِ مِنْ تَسَلُّطِ الْجَبَابِرَةِ عَلَيْهِ، وَهَذَا أَمْرٌ بِالطَّوَافِ خُصُوصًا بَعْدَ الْأَمْرِ بِالْمَنَاسِكِ عُمُومًا لِفَضْلِهِ وَشَرَفِهِ، وَلِكَوْنِهِ الْمَقْصُودَ وَمَا قَبْلَهُ وَسَائِلُ إِلَيْهِ.

وَلَعَلَّهُ -وَاللهُ أَعْلَمُ- لِفَائِدَةٍ أُخْرَى؛ وَهِيَ أَنَّ الطَّوَافَ مَشْرُوعٌ كُلَّ وَقْتٍ, وَسَوَاءٌ كَانَ تَابِعًا لِنُسُكٍ أَمْ مُسَتَقِلًّا بِنَفْسِهِ.

 

المصدر:أَفْضَلُ أَيَّامِ الْعَامِ وَدُرُوسٌ مِنْ قِصَّةِ الْخَلِيلِ -عَلَيْهِ السَّلَامُ-

التعليقات


فوائد مفرغة قد تعجبك


  خُطُورَةُ الْكَذِبَةِ تَبْلُغُ الْآفَاقَ وَعَوَاقِبُهَا
  الدرس الثالث والعشرون : «غُضُّوا أَبْصَارَكُم وَاحْذَرُوا الفَوَاحِشَ المُهْلِكَةَ»
  مَعْنَى الْجِهَادِ وَنَوْعَاهُ وَشُرُوطُهُ
  فَضْلُ الصِّدْقِ وَذَمُّ الْكَذِبِ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ
  نَصِيحَةُ النَّبِيِّ ﷺ لِلنِّسَاءِ يَوْمَ الْعِيدِ
  عَلِّمُوا أَبْنَاءَكُمْ حُبَّ الْوَطَنِ الْإِسْلَامِيِّ
  سُؤَالُ النَّبِيِّ ﷺ رَبَّهُ الثَّبَاتَ عَلَى الدِّينِ
  الْعِلْمُ ضَرُورَةٌ دِينِيَّةٌ شَرْعِيَّةٌ
  حُرْمَةُ قَتْلِ السَّائِحِينَ وَالْأَجَانِبِ الْمُسْتَأْمَنِينَ فِي دِيَارِ الْإِسْلَامِ
  الْوَعْيُ بِتَحَدِّيَّاتِ الشَّيْطَانِ
  كَانَ عَمَلُ النَّبِيِّ ﷺ دِيمَةً
  أَفْضَلُ أَيَّامِ الدُّنْيَا وَشَرَفُ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ
  إِمْسَاكُ الْعَبْدِ عَنِ الشَّرِّ وَأَذَى الْخَلْقِ صَدَقَةٌ
  اتَّقُوا اللهَ فِي مِصْرَ وَاحْذَرُوا الْفَوْضَى!!
  احْذَرِ النِّفَاقَ يَا ضَعِيفُ!!
  • شارك