((الْعِيدُ وَاجْتِمَاعُ الْمُسْلِمِينَ وَنَبْذُ الْخِلَافَاتِ))
عِبَادَ اللهِ! النَّبِيُّ ﷺ يَأْمُرُ الْمُسْلِمِينَ فِي أَقْطَارِ الْأَرْضِ كُلِّهَا -مِمَّا لَمْ يُقَدِّرْ لَهُ رَبُّهُ -جَلَّ وَعَلَا- أَنْ يَكُونَ شَاهِدًا الْمَوْسِمَ- أَنْ يَخْرُجَ، وَلَوْ كَانَتِ امْرَأَةً ذَاتَ عُذْرٍ فَعَلَيْهَا أَنْ تَخْرُجَ -وَلَوْ لَمْ تُصَلِّي-.
يَخْرُجُ الْمُسْلِمُونَ فِي الْمَحِلَّاتِ إِلَى الصُّعُدَاتِ، إِلَى تِلْكَ الْمُصَلَّيَاتِ، لَا بِتَفْرِيقٍ لِأَمْرِ الْمُسْلِمِينَ، وَإِنَّمَا هِيَ سَاعَةٌ مِنْ زَمَانٍ يَجْتَمِعُ فِيهَا الشَّمْلُ، وَتَذُوبُ فِيهَا الْأَحْقَادُ، وَتَطْلُعُ فِيهَا الشَّمْسُ -شَمْسُ الْمَوَدَّةِ، شَمْسُ الْمَحَبَّةِ، شَمْسُ الْيَقِينِ بِالْإِيمَانِ بِالْمَعْرِفَةِ بِالدِّينِ-؛ مِنْ أَجْلِ أَنْ تُذِيبَ جِبَالَ الثُّلُوجِ الَّتِي قَدْ قَامَتْ بَيْنَ أَفْئِدَةٍ مُؤْمِنَةٍ، غَيْرَ أَنَّ الشَّيْطَانَ اسْتَفَزَّهَا، لَا لِشَيْءٍ، وَإِنَّمَا لِاتِّبَاعِ الْهَوَى حِينًا، وَلِلْجَهْلِ أَحْيَانًا، وَلِعَصَبِيَّاتٍ مَرِيضَةٍ فِي أَكْثَرِ الْأَحَايِينِ.
وَحِينَئِذٍ؛ عَلَى الْعَبْدِ الْمُسْلِمِ أَنْ يَجْعَلَ ذَلِكَ كُلَّهُ تَحْتَ مَوَاطِئِ الْأَقْدَامِ، وَأَنْ يَكُونَ مُتَرَفِّعًا فَوْقَ هَذِهِ الْأُمُورِ الصَّغِيرَةِ، وَأَنْ يَكُونَ نَاظِرًا إِلَى السَّمَاءِ.
إِنَّ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ خَلَقَ الدُّنْيَا -هِيَ هَذِهِ الْأَرْضُ-، وَخَلَقَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ السَّمَاءَ، وَهِيَ مَهْبِطُ الْوَحْيِ، وَهِيَ مُتَنَزَّلُ الرَّحَمَاتِ، وَهِيَ مَا هِيَ سُمُوًّا وَسُمُوقًا وَعُلُوًّا، وَهَذِهِ الْأَرْضُ الَّتِي هِيَ الدُّنْيَا لَا نَسِيرُ عَلَى رُؤُوسِنَا عَلَيْهَا وَلَا عَلَى أَيْدِينَا، وَإِنَّمَا نَطَأُ عَلَيْهَا بِأَقْدَامِنَا!!
فَانْظُرْ كَيْفَ جَعَلَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ الدُّنْيَا تَحْتَ مَوَاطِئِ الْأَقْدَامِ!!
أَلَيْسَتْ هَذِهِ هِيَ؟!!
وَأَيْنَ تَعِيشُونَ إِنْ لَمْ تَكُونُوا فِي الْأَرْضِ؟!!
هِيَ تَحْتَ الْأَقْدَامِ!!
لَمْ يَجْعَلْ رَبُّنَا -جَلَّ وَعَلَا- الْأَنَاسِيَّ سَائِرِينَ عَلَى رُؤُوسِهِمْ وَلَا عَلَى أَيْدِيهِمْ، وَجَعَلَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ السَّمَاءَ هُنَالِكَ يَصْعَدُ إِلَيْهَا الْبَصَرُ، وَتَرْتَفِعُ إِلَيْهِ الرُّؤُوسُ، وَحِينَئِذٍ يَأْتِي السُّمُوُّ وَالطُّهْرُ، وَهِيَ هُنَالِكَ فِي سُمُوِّهَا وَفِي عُلُوِّهَا وَفِي ارْتِفَاعِهَا.. الْجَنَّةُ فِي ارْتِفَاعِهَا وَسُمُوقِهَا وَعُلُوِّهَا، وَجَلَالَةِ قَدْرِهَا، وَعَظِيمِ شَأْنِهَا.
وَالدُّنْيَا أَرْضٌ يَطَأُ عَلَيْهَا الْوَاطِئُ بِقَدَمَيْهِ، وَفِي نَعْلَيْهِ مَا فِيهِمَا مِنَ الْقَذَرِ، فَلْيَعْتَبِرْ عَبْدٌ بِمَا جَاءَ بِهِ النَّبِيُّ؛ إِذْ يَخْرُجِ النَّبِيُّ ﷺ إِلَى الْعِيدِ.. إِلَى صَلَاةِ الْعِيدِ.. إِلَى شُهُودِ الْعِيدِ، فِي كُلِّ مَحِلَّةٍ يُصَلَّى فِيهَا الْعِيدُ.
يَخْرُجُ النَّاسُ.. يَخْرُجُ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ، يَخْرُجُ الشِّيبُ وَالشُّبَّانُ، تَخْرُجُ الْمَرْأَةُ، وَيَخْرُجُ الصِّبْيَانُ، يَخْرُجُ الْجَمِيعُ مُكَبِّرِينَ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ فِي الطَّرِيقِ، مُخَالِفِينَهُ ذَهَابًا وَإِيَابًا، وَقَدْ لَبِسُوا الْجَدِيدَ -وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَبْيَضَ-، وَإِنَّمَا يُكَبِّرُونَ أَمْرَ اللهِ، وَيَحْمَدُونَ اللهَ، وَيَتَحَرَّكُونَ فِي الْفِجَاجِ، وَيَسِيرُونَ فِي الطُّرُقَاتِ، يُظْهِرُونَ أَمْرَ اللهِ عَالِيًا كَبِيرًا، حَتَّى إِذَا مَا انْتَهَوْا إِلَى الْمُصَلَّى؛ جَلَسُوا مِنْ غَيْرِ صَلَاةٍ، وَلَمْ يَنْقَطِعْ لَهُمْ تَكْبِيرٌ حَتَّى يَقُومَ الْإِمَامُ لِلصَّلَاةِ، أَوْ يَأْتِي الْإِمَامُ عَلَى الصَّلَاةِ، وَحِينَئِذٍ يَصْطَفُّ النَّاسُ صُفُوفًا، تَتَلَاحَمُ الْقُلُوبُ مُتَدَاخِلَةً.
وَهَذَا الْإِيمَانُ الْعَظِيمُ يَجْعَلُ الْقُلُوبَ شَابِكَةً، وَيَجْعَلُ الْقُلُوبَ وَالْأَرْوَاحَ مُتَشَابِكَةً، وَإِذَا هُوَ قَلْبٌ وَاحِدٌ، بِنَبْضٍ وَاحِدٍ، وَرُوحٍ خَافِقٍ.
تَزُولُ الْأَحْقَادُ، وَتَنْتَهِي الْعَصَبِيَّاتُ، وَيَعْلُو أَقْوَامٌ فَوْقَ الدَّنِيَّاتِ وَالسَّفَالَاتِ، يَرْتَفِعُونَ إِلَى الْأُفُقِ الْوَضِيءِ، إِلَى النُّورِ الْمُضِيءِ، إِلَى هَذَا الَّذِي جَاءَ بِهِ النَّبِيُّ الْأَمِينُ ﷺ.
اللهم احْمِلْنَا إِلَى بَلَدِكَ الْحَرَامِ، وَإِلَى بَيْتِكَ الْحَرَامِ؛ عُمَّارًا وَحُجَّاجًا.
اللهم احْمِلْنَا إِلَى بَلَدِكَ الْحَرَامِ، وَإِلَى بَيْتِكَ الْحَرَامِ؛ عُمَّارًا وَحُجَّاجًا.
اللهم احْمِلْنَا إِلَى بَلَدِكَ الْحَرَامِ، وَإِلَى بَيْتِكَ الْحَرَامِ؛ حُجَّاجًا وَمُعْتَمِرِينَ.
المصدر:مَعَالِمُ الرَّحْمَةِ فِي خُطْبَةِ الْوَدَاعِ